فاجئني صديقي ونحن نسير للمسجد اثناء فترة الغداء, وهو
يحدثني عما حصل له عندما طلب رؤية فتاة تقدم لخطبتها, فما كان من اهلها
الذين رفضوا طلبه سوى نعته باسواء الالقاب والصفات. اثار هذا الموقف في
داخلي سؤال عن كثرة الطلاق التي تنعم بها منطقتنا الحبيبة. فالكثير منا
يجهل الثقافة الصحيحة للزواج , ولا يعرف الطرق السلمية للتعامل مع
الاسرة. فثقافة التعامل مع الاسرة, واختيار شريك الحياة هي ثقافة
نمطية مستوحاة من ثقافة البيئة الاجتماعية, والاسرية. فالصورة التي
بدات بها حديثي كانت مشهد لعرف اجتماعي, لا يتناسب مع الاطروحة الدينية
التي تؤسس لمجموعة من الخطوات التي تحمي مملكة الاسرة من الانهيار,
فهذه النظرة الشرعية تزرع بذور الطمأنينة في القلوب, وتزيد الثقة في
الاقدام او النكوص من كل الطرفين, وهو ما يجنبهما الكثير من الحرج
والالم الذي قد يبدية احد الطرفين في عدم رغبته الاقتران بالاخر بعد
ايقاع عقد الزواج.
فالاطروحة الدينية تؤسس لبناء كيان الاسرة من الصفر, فهي ترسم طرق
اختيار الزوج او الزوجة بدقة, فالمعيار الاول في هذه المنظومة هو الدين
والاخلاق " اذا جائكم من ترضون دينة وخلقة فزوجوه.." " عليك بذات
الدين" فالدين والاخلاق يمنعان الظلم, ويدفعان الانسان لتحمل مسؤليته
تجاه الاخر بطرق وادوات عديدة كالصبر, والحلم, والتسامح والحب والخوف
من الله. ومع ان الاطروحة الدينية تؤكد على عامل الدين والاخلاق في حفظ
كيان الاسرة, وضمان استمرارها, فاننا نجد الكثير من الفتيات والشبان
يلجئون للخيرة كوسيلة للاختيار, متناسين ومتجاهلين اهمية عامل الدين
والاخلاق.
ومع ان الاطروحة الدينية جعلت من الدين والاخلاق محورا مهما في
الاختيار والتعامل, الا ان هناك العديد من العوامل التي قد تؤثر في
مسير العلاقة الزوجية, وتشكل اداوات ضغط على كيانها وحفظها من الديمومة
والاستمرار مثل العامل الاقتصادي الذي يهدد ويقوة كيان الاسرة, ويحيلها
لادوات سلبية, تمارس دور التهديم والنخر في البناء الاجتماعي, لهذا
لابد من الافصاح وبالشفافية الكافية عن القدرة الاقتصادية والمستوى
المعيشي الذي سوف توضع عليه لبنات الاسرة, فهذا من شائه ان يؤهل النفوس
للتعاطي مع الوضع القائم على اقل تقدير, او يدفعها للعمل على تحسينه
وتطويره لمستويات اعلى " عجبت لمن لا يجد قوت عيالة كيف لا يخرج على
الناس شاهرا سيفه".
ولبد لنا ان نضيف الى العامل الاقتصادي العامل الثقافي ومستوى الوعي
والادراك لما له من دور مهم في عملية التواصل والتفاعل, فالاختلاف
الثقافي والتباين في مستوى الادراك قد يدفع بعملية التواصل الى
الانقطاع, ويجرها لمستنقع الانفعالات الطائشة, والاتهامات المتبادلة
ويفقدها الاحترام المتبادل.
ومن المهم ايضا ان نشير لتعاطي الايجابي مع الاسرة ككل القائم على
الاستشارة والاحترام المتبادل, فقيمومة الرجل على الاسرة يفترض ان تشكل
عامل حماية لها من التفكك والانهيار, لا ان تسود روح الدكتاتورية
والتسلط في التعامل, وكان صرح الاسرة مملكة مترامية الاطراف يعيث في
ربوعها اللصوص والمجرمين. وحتى مع فرض وجود بعض المشاكل السلوكية
والاخلاقية التي تكدر صفاء الاسرة وتعكر جو المحبة فيها, فالمطلوب هو
التروي والتعامل الايجابي والبحث عن الطرق السليمة لحلها.
من هنا فاننا ندعو الشباب والشابات ان يدرسوا و يتعلموا الطرق
السلمية والصحيحة في بناء وتكوين الاسرة, وكيفية الاختيار المناسب,
واساليب التعامل, بل ويقرأوا ايضا بعض الكتب القيمة التي تصب في هذا
الاتجاه. كما ندعوا العلماء والمثقفين للعمل على زرع الثقافة الاسرية
القائمة على العدل والانصاف والاحترام والحب وبناء المؤسسات التي تؤهل
الزوجين لحياة اسرية سعيدة. فالكثير من اسباب الطلاق فاقده لصدقيتها
واهميتها, بل لا تعدو كونها ترهات كان بالامكان تفاديها او تقليلها. |