مرشح الرئاسة الأمريكية هوكابي بين الميكانيك والدراسة و..الكهنوت

شبكة النبأ: تعدد الحالات التي انتقل فيها هوكابي خلال حياته وتداوله المهام المفاجئة غير المتوقعة لايجد المرء تفسيرا إلا من خلال قراءة حياة هذا الرجل، لكن هوكابي يفسر ما حصل له بانه تخطيط رباني من الروح العليا، وذلك بكونه لم يتخل يوما عن ايمانه ولم تثلم من ذلك الايمان الحالات التي انتقل فيها، وكان يلقي بكلمته المشهورة في اي محفل: إنه يأتي من السماء.

هكذا يعلق المرشح الجمهوري القس المعمداني مايك هوكابيMike Huckabee حاكم ولاية اركانسو Arkansas السابق على التقدم الكبير الذي أحرزه في ولايته قبل فوزه بترشيح الحزب الجمهوري عن ولاية أيوا في الانتخابات التمهيدية التي جرت مؤخرا.

فهوكابي الذي يقدم نفسه علي أنه المرشح الذي لا يتزعزع إيمانه ويقول إنه لا يتحدث عن الإيمان المسيحي لمجرد الكلام ولكنه وأساس سعيه لأن يصبح رئيسا لأمريكا.

فقد أفاد استطلاع للرأي أجراه معهد زوغبيZogpy أن هوكابي حقق تقدما على متسوي جميع الولايات الأمريكية، فقد حصل هوكابي على 22% من أصوات الناخبين على المستوى جميع الولايات المتحدة محققا قفزة بنسبة 18% خلال شهر، وأجرى معهد زوغبي Zogopy الاستطلاع بين 12 و14 ديسمبر علي عينة شملت 430 ناخبا ديمقراطيا و432 جمهوريا من جميع الولايات الأمريكية.

وفي استطلاع نشرته مجلة نيوزويك في 15-12-2007 كان هوكابي المرشح المفضل لدى 39 % من الذين يرجح حضورهم إلى اجتماعات اللجان الانتخابية، مقارنة بـ 17 % لرومني.

حس الفكاهة

وقد أظهر استطلاع اخر نشرت نتائجه صحيفة نيويورك تايمز أن هوكابي حظي بـ21% من أصوات المستطلعة أراؤهم مقابل 22% لجولياني، وكان هوكابي قد حصل في استطلاع للرأي أجري في أكتوبر الماضي علي 4% فقط من أصوات الناخبين المفترضين.

وقد استطاع هوكابي استقطاب الاهتمام بعد المناظرة التلفزيونية الاخيرة للمرشحين الجمهوريين في نهاية نوفمبر الماضي في أيوا Iowa اذ مزج بمهارة بين حس الفكاهة والمواقف المسيحية وهي ما لقيت تأييدا واسعا في ولاية أيوا Iowa التي يمثل الانجيليون نحو 40% من ناخبيها الجمهوريين.

وعن التقدم الملفت الذي حققه هوكابي في أيوا Iowa رغم أنه أنفق أقل من 400 ألف دولار علي الاعلانات مقارنة برومني الذي أنفق 7 ملايين دولار - ترجعه مجلة نيوزويك إلي انطلاقه من أنه قس مرشح لانتخابات الرئاسة، وتقول بالنسبة إلى القس مايك هاكابي، فإن منابر قاعات المحاضرات لا تختلف كثيرا عن منبر الكنيسة.

وتضيف اجتذب هوكابي الكثير من الناس لتصويره نفسه بتأن على أنه رجل لطيف يراعي مشاعر الآخرين ويتحلى بإيمان لا يتزعزع، بعدما كانت فرص نجاحه قليلة قبل بضعة أشهر حينما كانت نسبة تأييده ضئيلة جدا. فقد تمكن ببطء من التقدم بأشواط على رومني، الذي كان متفوقا على كل المرشحين بفارق كبير.

ويقول هولي بيلي Holly Bailey ومايكل إيسيكوف Michael Isikoff محررا الشؤون الأمريكية بمجلة نيوزيك إن هوكابي لا يتحدث عن الإيمان المسيحي لمجرد الكلام بالنسبة إليه، فالإيمان هو محور كلامه، وأساس سعيه لأن يصبح رئيسا.

ويقول هوكابي في إعلان تلفزيوني عرض في آيوا: الإيمان لا يؤثر فيّ فحسب، إنما يحدد هويتي، لا داعي لأن أستيقظ كل يوم متسائلا: ما الذي يجب أن أؤمن به؟ وتظهران على الشاشة بعد ذلك كلمتي قائد مسيحي بأحرف كبيرة.

وخلال تنقلاته في إطار حملته، يقتبس هوكابي آيات من الكتاب المقدس بشكل متكرر لدرجة أن خطاباته السياسية يمكن أن تبدو وكأنها عظات، بحسب نيوزويك.

والشهر الماضي دعي لإلقاء كلمة في أبرشية مسيحية إنجيلية في ضواحي دالاس، وهناك ردد مقولته الشهيرة إن الله أرشده إلى الطريق الذي أوصله إلى ما هو عليه الآن.

لقي هوكابي استحسان الحضور فورا بنكتة يهزأ فيها بنفسه على طريقته المعهودة، يقول إن إحدى النساء سألته ذات مرة: هل أنت من المعمدانيين الذين يظنون أن المعمدانيين وحدهم يدخلون الجنة؟ فأجابها هاكابي: لا سيدتي أنا شخصيا لا أظن أن جميع المعمدانيين سيدخلون الجنة.

ففي خطاب حديث ألقاه في جامعة ليبرتي Liberty University وهي الجامعة المعمدانية التي أسسها جيري فالويل Jerry Falwell زعيم التيار اليميني المحافظ في أمريكا، قال هوكابي إن تقدمه المفاجئ في استطلاعات الرأي كان نتيجة لتدخل إلهي وأضاف هناك تفسير واحد لذلك، وهو ليس بشريا.

مع أنه يحب تصوير نفسه على أنه واعظ ريفي من عامة الشعب، فقد أمضى هوكابي عقدا بوصفه حاكما جمهوريا لولاية آركنساس ذات الغالبية الديمقراطية، وخلال تلك الفترة أصبح لهوكابي الكثير من الأعداء، وليسوا جميعا من الديموقراطيين، فالجمهوريون في حكومة ولاية آركنسا الذين اعترضوا على سياسات الحاكم بشأن الهجرة والإنفاق التعليمي والضرائب لطالما تذمروا من أنه في الحقيقة ليبرالي يسعى لإقامة دولة رفاهية اجتماعية.

وعندما أصبح مرشحا رئاسيا، أعلن الحرب على الجمهوريين أصحاب المؤسسات التجارية الكبرى، مقتنعا بأن مطالبات الحزب الجمهوري بتخفيض الضرائب وبأسواق حرة خالية من القيود زادت من ثراء الأغنياء على حساب الأمريكيين العاديين.

خلال جولته الأخيرة في الجانب الغربي من أيوا الذي يوصف بأنه الأكثر تحفظا أكد هوكابي علي معارضته الدائمة للأجهاض وزواج الشواذ مشيرا إلي أنه هذه القضايا هي التي ستقود الناخبين في الانتخابات التمهدية في أيوا، ويقول لوكالة أسوشيتدبرس  ليس لأنني أكرههم (الشواذ) ولكن لأنني أري أن أساس حضارتنا يكمن في الأسرة وليس في الحكومة أو بعض المؤسسات أو حتي الكنيسة، فقبل أن تكون هناك الكنيسة أو الحكومة كانت هناك الأسرة.

وحول سياسته الخارجية أكد في كلمة في أيوا أنه يرغب في زيادة كبيرة في القوات النظامية لتسهيل إمداد الحرس القومي الأمريكي والحفاظ علي الوحدات المقاتلة في العراق وأفعانستان.

ويقول نحن في حاجة إلي قوات نظامية أكبر للتأكد من قدرتنا في حال اضطررنا لخوض معركة، ولنشكر الله أننا لسنا مضطرين لذلك.

واعترف هوكابي، بحسب اسوشيتدبرس، بالنقد الموجه له بسبب تعليقاته السلبية على سياسة بوش الخارجية ويقول عن ذلك إن البعض لا يروق له رأيي بأنه كان يجب أن تغزو قوات أكبر العراق، ويضيف كان هناك أخطاء في إدارة الأمور ونحن جميعا نفهم ذلك.

ويكرر هوكابي نقده لبوش ويقول إنه كان عليه أن يستمع إلى القادة العسكريين الذي أكدوا أنه كان هناك حاجة إلى المزيد من القوات في بداية الغزو.

جذوره ونشأته

ولد هوكابي في ولاية أركانساس في 24 أغسطس 1955 وواجه صعوبات منذ بدايته، فقد ترعرع فقيرا في منزل صغير مستأجر قرب السكة الحديدية في غرب الولاية.

كان والده عاملا ميكانيكيا ووالدته موظفة، ويقول هوكابي إنه لم ينس قط قلق والديه بشأن إعالته وشقيقته الكبرى باتريشا.

لم يتخرج والده من المدرسة الثانوية، كان مصمما على أن يكمل ابنه دراسته الثانوية، كان هوكابي تلميذا مجتهدا، وكان يحضر القداس مرتين أسبوعيا في الكنيسة المعمدانية المحلية. وعندما لم يكن منكبا على حفظ آيات من الكتاب المقدس، كان يجلس على عتبة مدخل منزله عازفا ألحان أغنيات لفريقي Rolling Stones وBeatles على جيتاره الكهربائي.

وحينما كان في الـ11 من عمره، يقول هوكابي إن الله منحه فرصته الكبيرة الأولى، كان لاعبا سيئا في فريق سيئ في دوري البيسبول للصغار، وأدت محاولته التقاط الكرة من دون قفازين إلى كسر إصبعه، لم يلعب هوكابي طوال الموسم وقد أحزنه ذلك كثيرا، فاقترح مدربه عليه أن يصعد إلى حجرة المعلق الرياضي ليرى إن كان بإمكانه مساعدته، وقد أثار هوكابي إعجاب المدير الذي طلب إليه أن يأتي إلى المحطة عندما يصبح في الـ14 من العمر، حيث تنتظره وظيفة، وهذا ما فعله هوكابي فأصبح فتى مشهورا في بلدته، يقرأ التقارير الزراعية اليومية وأخبار فرق الرياضة في جامعة آركنساس.

المذيع يتحول إلى قس

رغم ذلك اتخذت حياته منعطفا غير متوقع فقد طلب إليه قس رعيته أن يلقي عظة في الكنيسة. شعر هوكابي بالتوتر، لكن ما فاجأه هو أنه أحب تلك التجربة، وقد صُدم أصدقاؤه عندما قال لهم إنه سيصبح قسا، والتحق بجامعة واشيتا المعمدانية المحلية، لكن حتى في ذلك الحين، يتذكر أنه ظن أن الكهنوت ليس رسالته الحقيقية، وقد كتب في مذكراته السياسية بعنوان Character Makes a Difference (الأخلاق تحدث فرقا): أظن أن هدفي في الحياة لطالما كان السياسة مع أن مسارها اتخذ منعطفا مؤقتا نحو الكهنوت.

وأمضى هوكابي السنوات الـ19 التالية في خدمة الكنيسة، بعد سنته الأولى في الجامعة، تزوج من حبيبته منذ أيام المدرسة الثانوية، جانيت ماكين، وجنى المال لدفع الإيجار من خلال العمل في المحطة الإذاعية المحلية في أوقات فراغه بين الحصص الدراسية وألقى عظات الأحد في كنيسة صغيرة، كان مايك وجانيت لايزالان عروسين جديدين عندما امتحنت أزمة صحية إيمانهما علي حد تعبير نيوزويك.

فقد تبين أن لدى جانيت ورما كبيرا في عمودها الفقري، وقال له الأطباء إنها قد تموت، لكن الورم أزيل جراحيا بسهولة، وبالرغم من التوقعات بأن جانيت لن تستطيع الإنجاب، فإن لدى الزوجين ثلاثة أولاد بالغين الآن، (ابنة هوكابي وابناه يعملون في حملته الآن).

وفي أواخر سبعينات القرن الماضي، بدأ الإنجيليون ينشرون قوة المشاعر الناتجة عن إعادة انبعاث الإيمان من خلال المحطات التلفزيونية، هوكابي الذي كان قد تخرج للتو في معهد اللاهوت وجد عملا مع جيمس روبيسون James Robison ، وهو مبشر تلفزيوني، علمه كيف يبدو طبيعيا عند التكلم أمام الكاميرا.

القس يتحول إلى رجل سياسي

عام 1980، ألقى رونالد ريجان Ronald Reagan خطابا أمام حشد كبير من الإنجيليين في دالاس، كان هوكابي أحد المنظمين وتسنى له أن يلتقي ريجان.

حينذاك أدرك القس الشاب للمرة الأولى المدى الذي يمكن للمؤمنين من خلاله أن يؤثروا في مجرى الأمور في واشنطن العاصمة، ولاحظ مدى تأثير الكنيسة في السياسة.

أصبح هوكابي جاهزا لترؤس رعية بنفسه، فعاد إلى آركنساس وأصبح قسا في باين بلاف حيث حاز علي إعجاب وحب مرتاديي الكنيسه وأطلق محطات تلفزيونية وإذاعية دينية لبث العظات وغيرها من البرامج المسيحية.

وتم اختبار هذا الحب في كنيسة عمانوئيل المعمدانية بباين بلاف حيث طلب شابا أسود كان قد سمع عظته على المحطة الإذاعية، بأن يسمح له بالتعبد معهم، فرحب هوكابي به في كنيسته.

لكن بعض القادة في الكنيسة كانوا غاضبين ورفضوا السماح للشاب بالجلوس معهم، فهددهم هوكابي بالاستقالة إن لم يتم الترحيب بالضيف بحفاوة، بعض أعضاء الرعية احتجوا وتركوا الرعية، لكن بقية الرعايا تقبلوا ذلك.

يقول هوكابي إنه خلال نشأته في آركنساس أيام الفصل العنصري، كان يخجل من القوانين العنصرية.

كانت الحياة في الكنيسة مريحة وآمنة، لكن بحلول أوائل تسعينات القرن الماضي، شعر هوكابي بأن السياسة تجذبه بقوة، وفي عام 1992، استقال من كنيسته وترشح لمنصب في مجلس الشيوخ الأمريكي، وقد قال في كتابه: شعرت بالتململ والإحباط في رعيتي. حينما كان قسا شابا، تصور نفسه قبطانا لسفينة حربية تقود جنود الله إلى المعركة. وبدلا من ذلك، اكتشف أن رعايا الكنيسة أرادوا مني أن أكون قبطانا لسفينة الحب وأحرص على أن يستمتع الجميع بوقتهم.

ترشح هوكابي على أساس برنامج عمل يميني متشدد، وخسر في الانتخابات وشعر بمرارة شديدة، بعد بضعة أشهر أصبح منصب نائب حاكم آركنساس شاغرا، طلب إليه مؤيدوه السياسيون الترشح وفاز، مع أن ذلك لم يكن متوقعا، وهو ما جعله النائب الجمهوري للحاكم الديمقراطي جيم غاي تاكر.

فضيحة وايت واتر

بعد ثلاث سنوات، أدين تاكر بتهم متعلقة بفضيحة وايت واتر، فأصبح هوكابي حاكما، يقول إنه يعرف الآن لماذا خسر في انتخابات مجلس الشيوخ: كان لله خطط أخرى له.

توقع الديمقراطيون أسوأ الأمور من حاكمهم الإنجيلي الجمهوري الجديد، الذي استقبل الناشطين المناهضين للإجهاض في مقره وحاول إقرار قانون يحظر على المثليين جنسيا تبني أطفال، لكنهم اكتشفوا أن نظرة هوكابي إلى العالم القائمة على مقولة المعاملة بالمثل دفعته أيضا للعمل على إقرار ميزانية أكبر للمدارس وإطلاق برنامج رعاية صحية للأولاد الفقراء أصبح نموذجا تحتذي به الولايات الأخرى، وعندما تسلم الحكم، وجد أن طرقات الولاية

تتداعى، وقد دعم هوكابي قوانين مثيرة للجدل من شأنها أن تزيد الضرائب على الوقود لإصلاح تلك الطرقات، بعض زملائه الجمهوريين استشاطوا غضبا، لكن الناخبين وافقوا على ذلك، أكمل هوكابي ولايته الأولى وأعيد انتخابه مرتين بفارق كبير، ومع أنه جمهوري في ولاية آركنسا ذات الغالبية الديمقراطية، فقد حافظ على معدل شعبية يكاد يصل إلى الـ60 %.

وقد رأى فيه ناخبي آركنساس رجلا مرحا ومتواضعا، لكن السياسيين الذين واجهوه بعيدا عن الكاميرات يقولون إن الحاكم الذي تعاملوا معه لم يكن سهل المراس، فقد كان معتادا على إطلاق ألقاب بذيئة على منتقديه السياسيين.

وكذلك لقبه بعض الناشطين الجمهوريين بـمايك رافع الضرائب، رد عليهم هوكابي واصفا إياهم بـالجمهوريين الشيعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21 كانون الثاني/2008 - 12/محرم/1429