الفساد في الإعلام.. السرقات الفكرية

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ:  عندما تكون القوانين معطلة او انها غير مفعلة فيما يخص الملكية الفكرية في اي بلد ما فان العاملون في نطاق الاعلام بالاخص يحكمهم الموقف الاخلاقي قبل اي شئ آخر بغض النظر عن ان القانون معطلا او غير مفعل، فالقانون الاخلاقي المفترض لدى الطبقة المحسوبة على الثقافة يمنعها من ان تبيح الاستيلاء على الحق الفكري ولا تعده شائعا ما لم تاخذ الاذن من الكاتب والمؤلف لتلك الافكار او النشاط الذهني الذي انتجه كتابيا، او على الاقل ان تدفع ما يقابل ذلك العمل كتعويض مادي.

القول الآنف هو النسق الطبيعي الذي درجت عليه المؤسسات الثقافية سواء في النطاق العربي او العالمي من صحف او دوريات ثقافية او نشرات اعلامية او دراسات إضافة للصحافة وبما يتصل بها من اعمدة او مقالات وتحقيقات واستطلاع الراي واستبيان.

فكل ذلك متحصل من نشاط افراد متميزون في التفكير والرؤية والنشاط ويستهلكون في ذلك كثير من الجهود والمتابعة جسديا وعقليا، إضافة الى القوة المالية التي يمكن استهلاكها في خضم هذه المجهودات.

فليس من المعقول ان تبيح صحيفة او مجلة او اي نشرة اعلامية او ثقافية لنفسها استملاك حقوق الآخرين مجانا وكانها تعبّ من الهواء المباح او تغترف من النهر الجاري.

فالاستيلاء غير المشروع والذي يؤخذ عن طريق الانترنيت على النتاج الفكري للآخرين ودون الاشارة الى اسم المؤلف وعدم استئذانه في النشر لدى الصحيفة او المطبوع المتجاوز لا يقل عن القيام بمد اليد الى جيوب الآخرين وسرقة اموالهم، ويعد عملا مثل هذا سرقة للمعنى الذي هو اكبر واوسع واشمل من السرقة المادية.

اما من الوجهة القانونية او الادبية الاخلاقية فان هذه الامور يعلمها الجميع لدرجة الاشباع حتى في المفاهيم الشعبية الشائعة في المحيط الاجتماعي العربي، ولذا فاننا لا ناتي بجديد لو تصدينا لذكرها سواء في النطاق الدولي والامم المتحدة او في القوانين السارية في الدول العربية او العراقية.

ويهمنا الآن المحيط العراقي والنشرات والصحف والدوريات والمواقع الالكترونية العراقية وتجاوزها المفرط على الحقوق الفكرية.

فلا تتوانى كثير من الصحف العراقية من نشر مواضيع وتقارير ومقالات ماخوذة عن طريق الانترنيت دون موافقة كّتابها، او انها في اغلب الاحيان لاتشير الى اسم صاحب العمل وتشير بها الى كلمة عامة ( وكالات ) وهي تضع هذه الكلمة انما تلغي دور وكيان صاحب الموضوع المتجاوَز عليه.

إضافة الى ان تلك الصحف تهدف من وراء التنسيب الزائف الى تضييع الموضوع  لو اريد البحث عنه عبر الشبكة باي محرك الكتروني مثل محرك google or yahoo or hotmil.

وقد يعتذر المحررون لتلك الصحف او المجلات او الدوريات بان قانون الحقوق الفكرية غير مطبق في العراق وهم يتجاهلون القانون الاخلاقي الذي يلزمهم بان يمتثلوا له وذلك من كونهم يعملون في القطاع الثقافي الذي يؤسس وينظر وينتقد ويتفاعل ويرفض ويقبل القانون الوضعي فكيف يتاتى ان يكون القانون هو الحاكم على الطبقة المتنورة في المجتمع؟.

فالقانون في اصله ياتي غالبا من المحرك الفكري للطبقة النخبوية الثقافية وليس القانون هو الذي يقرر النسق الفكري او الثقافي لدى هذه الطبقة المفكّرة.

عدد من الكّتاب كانوا يسألون عن مردودات اعمالهم الكتابية لدى بعض الصحف العراقية الا ان الجواب ذاته يسمعونه للكتّاب وهو انهم اخذوها عن طريق الانترنيت، وهذا يعني انهم قد اغترفوها من البحر المشاع  فلا اجرعليها ولا هم يحزنون!!.

رغم كون تلك الاعمال اما مقالات او دراسات او بحوث وليست تقارير اخبارية على مثال التقارير التي تنشر مجانا في شبكة الانترنيت والتي من المعتاد نقلها او نشرها دون مسائلة او انها مشاعة في العرف الالكتروني.

وهنا تبزغ اشكالية تهميشية للكّتاب ممن ينشرون الفكر المعرفي والتربوي والجمالي والادبي في وسائل الاعلام المقروءة وطمس للصوت الحيوي في الثقافة العراقية.

يقول احد محرري الصحف ان جريدتنا ليست بحاجة الى كتاب المقال او بحث او دراسة وذلك لوجودها في الانترنت ويمكن الاستيلاء على اي منشور في الشبكة ونسخه واعادة نشره دون كلفة مادية، ولن تكون مضطرة لتعويض كتاب تلك الاعمال مهما كانت اهميتها الفكرية او الفنية.

من المقروءات التي تعتمد على التجاوز خاصة هي الصحف التي لا تزود مواقعها الالكترونية بمحركات البحث الداخلي والتي تجعل امر البحث عن المنشورات امر شبه مستحيل، فيما لو ان نسخها المطبوعة ورقيا لم يتم الحصول عليها وهو الامر الغالب في ان الكّتاب لا يستطيعون الحصول على كل الصحف التي تاخذ منهم تجاوزا.

بعض الصحف تنشر اعمال الكّتاب  باسماء وهمية نسائية او رجالية لتضع المسائلة في ذمة شخص مجهول عمدا لكي تتذرع بان اولئك المجهولون قد ارسلوا تلك الاعمال وادعوها لانفسهم وهذه الطريقة هي احدى الوسائل التي يتملص بها بعض محرري الصحف.

إضافة الى انهم بهذه الطريقة قد يستلمون مكافئات الكتاب ومصادرة حقوقهم وسرقة مجهودات الغير بالحيلة والمكر المنظم.

وعندما نتصدى لموضوعة السرقة الادبية او الفكرية في الصحف فلا نقصد ابدا بان جميع الصحف العراقية تقوم بذلك العمل المشين وانما نقصد البعض القليل الذي لم يلتزم بالاساليب المتبعة والاصول العريقة في العمل الصحفي والاعلامي.

فهناك صحف تعد من حيث اهميتها التثقيفية والاعلامية والارشادية الى ان تكون مؤسسات ثقافية قائمة بذاتها قد خدمت المسالة العراقية من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتثقيفية وكانت منابرا فعالة تميزت بصورة واضحة في الاعلام والثقافة.

وقد قامت تلك الصحف او المقروءات بصورة عامة بكل الطرق والاساليب المعروفة لكي تحفظ حقوق الغير مثل:

1ـ ارشفة الموضوعات المنشورة بشكل واضح ومرتب.

2ـ اعتماد التكنولوجيا الحديثة في الارشفة.

3ـ وضع رابط البحث الداخلي في الموقع الذي يمكن الكاتب او المساهم في التحرير ان يجد الموضوعات التي نشرت باسمه.

4ـ تقييم الاعمال وتقديمها للحسابات.

5ـ عقد لقاءات تعريفية فصلية بين الكتاب ومحرري المطبوع وإن كانوا خارج نطاق تلك الصحيفة.

6ـ استكتاب الادباء والعاملين في نطاق الصحافة وتقييم ادائهم.

7ـ اختصار بعض المجهودات في تحصيل حقوق النشر، حيث ان بعض الصحف ترسل الحقوق بحوالات بدلا من تكليف الكاتب بالمثول في المؤسسة لاستلام تلك المستحقات.

ورغم اننا لم نات بجديد فان مثل هذه الامور من المسلمات في العمل الثقافي والاعلامي لكن الاعادة فيها افادة كما يقال، ونرجو التوفيق للجميع وبما يحفظ للثقافة العراقية نسقها المتجدد في التفاعل والشرف.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17 كانون الثاني/2008 - 8/محرم/1429