لماذا الفيدرالية؟؟

رشيد السراي

 الفيدرالية واحدة من المصطلحات الجديدة التي تعرف عليها العراقيون بعد سقوط الصنم وكغيره من تلك المصطلحات لازال مبهماً وغامضاً كمصطلح –بنظر غالبية أبناء الشعب- فضلاً عن آلية تطبيقه على ارض الواقع وإمكانية ذلك من عدمها.

 وإذ تزداد الدعوات لتطبيق الفيدرالية في العراق من هذا الطرف أو ذاك نجد لزاماً علينا أن نوضح هذا المصطلح بأسلوب سهل وميسر ونحدد ايجابياته وسلبياته لأن تطبيق الفيدرالية  على ارض الواقع من عدمها راجع إلى التصويت –أي إلى رأي الشعب العراقي- ولسنا ممن يتاجر بعقول الناس ويحاول خداعهم فنقول:-

إن الفيدرالية كمصطلح تعني الاتحادية –وفقاً لترجمتها الحرفية- وهي شكل من أشكال الحكم في الدولة ترسم العلاقة بين مركز الدولة والأقاليم والمحافظات والمدن فتارةً تكون الدولة مركزية أي إن كل التشريعات والصلاحيات بيد الحكومة المركزية كما هو الحال في اغلب دول العالم  ولكن مركزية الدولة تقوى وتضعف من دولة إلى أخرى  حيث تكون على أشدها في الحكومات الدكتاتورية الشمولية وتكون اخف في الحكومات الديمقراطية المركزية؛ وتارة تكون الدولة لا مركزية حيث تكون هناك  بعض التشريعات والصلاحيات متاحة للأقاليم والمحافظات والمدن كأغلب الدول الديمقراطية علماً إن الانتقال من حكومة مركزية إلى حكومة لا مركزية يتطلب الكثير من الإجراءات الإدارية والتشريعات وتدريب الكوادر وهو ليس بالأمر الهين ولا يمكن أن يحدث بكبسة زر وهذان  الشكلان يمثلان الدولة البسيطة.

أما الدولة المركبة فيتخذ شكل الحكم فيها عدة صور أهمها الفيدرالية أي الاتحادية ويقصد بها إن هناك الكثير من الصلاحيات تعطى للأقاليم التي يتم إنشائها عادة على أسس عرقية أو طائفية  والانتقال من شكل الحكومة اللامركزية إلى الفيدرالية يتطلب الكثير من الإجراءات والتشريعات مع ملاحظة إن كل تجارب الفيدرالية في العالم هي عبارة عن اتحاد كيانات مستقلة أو دول لتكوين دولة فيدرالية.

حسنات الفيدرالية:

يمكن تلخيصها بما يلي:-

1-تكون هناك صلاحيات واسعة للأقاليم خاصة في المجال الاقتصادي والإداري.

2-هناك سرعة في اتخاذ القرارات في الأقاليم.

3-تقلل من هيمنة المركز.

4-توزيع الثروات يكون أكثر عدلاً.

مساوئ الفيدرالية:

يمكن تلخيصها بما يلي:-

1-تفقد الحكومة المركزية الكثير من صلاحياتها لصالح الأقاليم وتنشئ الكثير من المشاكل بسبب ذلك.

2-استقلالية الأقاليم خاصةً إذا كان تقسيمها على أساس عرقي أو طائفي  ترسخ حالة فقدان الشعور بالوطنية ويفقد المواطن إحساسه بالانتماء إلى وطن واحد وما المليارات التي تصرفها الولايات المتحدة الأمريكية –اكبر تجربة فيدرالية في التاريخ- على الأفلام والمسلسلات والبحوث التي تتحدث عن الوطن والوطنية إلا لمعالجة هذه المشكلة التي وصلت من الخطورة إلى حد أن يصدر أحد أشهر الكتاب الأمريكيين ومنظري السياسة الأمريكية (صموئيل هنتنغتون) كتاب بعنوان (من نحن؟ التحديات التي تواجه الهوية الأمريكية).

3-تحتاج الفيدرالية لتطبيقها إلى إمكانيات مادية ضخمة لحاجة الدولة الفيدرالية إلى الكثير من الموظفين والمسؤولين حيث هناك حكومة ووزارات في كل إقليم.

4-يكون من السهل في الدولة الفيدرالية أن ينفصل إقليم من كيان الدولة لسبب أو لآخر ولربما تتمزق الدولة بالكامل وتصبح مجموعة دول.

الفيدرالية في العراق:-

بعد التعرف على محاسن الفيدرالية ومساوئها نعود إلى مسئلة تطبيق الفيدرالية في العراق وهل هو أمر جيد أم سيء ؟ وماذا يترتب عليه في حال حصوله؟ فنقول:-

1-إن الفيدرالية تعني قيام دولتين –أو كيانين-أو أكثر بالتنازل عن جزء من صلاحياتهما لحكومة مركزية كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وبالتالي تنشئ دولة جديدة من مجموع تلك الدول  وما سيحدث في العراق في حال تطبيق الفيدرالية هو العكس تماماً حيث سيتم تقسيم دولة موحدة إلى مجموعة أقاليم وهو تطبيق خاطئ بل ومعاكس للفيدرالية لا يوجد له مثيل –على حد علمي- في كل تجارب الفيدرالية في العالم حيث إن معنى الفيدرالية كما هو الواضح من ترجمتها الحرفية يعني الاتحادية في حين إن ما سيحدث في العراق –لو طبقت الفيدرالية- هي حالة تمزيق لكيان دولة قائمة إلى مجموعة أقاليم تديرها حكومة اتحادية.

2-إن العراق عاش ولفترة طويلة بحكومة مركزية –مقيتة- وشُرعت كل قوانينه الإدارية بما يتناسب ومركزية الحكومة وبالتالي لو افترضنا إننا نريد تطبيق الفيدرالية في العراق فهذا يتطلب منا القيام بعمليات ضخمة لتغيير هذه القوانين وهذا ما يحتاج إلى سنين طويلة وتشريعات كثيرة ولا نجد لحد الآن من الحكومة أي سعي جدي بهذا الاتجاه فلازال النظام الإداري يخضع للقوانين القديمة.

3-مركزية الحكومة جعلت من المواطن العراقي أسير هذه المركزية وبالتالي صار من الصعب عليه كمواطن وكموظف –لو طبقت الفيدرالية الآن في العراق- أن يتفهم هذه النقلة بسهولة.

4-الانتقال إلى الفيدرالية يتطلب تدريب الكثير من الكوادر وبناء الكثير من المؤسسات ولا يمكن أن يحدث هذا بسهولة كما قد يتصور البعض.

5-صحيح إن ما تم إقراره في الدستور العراقي إن العراق دولة اتحادية (أي فيدرالية) ولكن الواقع في التطبيق يثبت غير ذلك حيث لازال العمل جارياً وفقاً لأسس الدولة المركزية والخلط واضح جداً مما أدى إلى حدوث الكثير من المشاكل في المحافظات التي احتار المسؤولون فيها بين مركزية العمل في علاقتهم بالوزارات وبين لامركزية العلاقة بالجهات الأخرى حتى وصل الخلط إلى مستوى صعب فتصور إن الحكومة فيدرالية – كما مقر في الدستور-وهناك مجالس محافظات منتخبة لا تعرف في أي مجال يحق لها التشريع وفي أي مجال لا يحق لها ذلك ولا تعرف كيف تتعامل مع دوائر الدولة في المحافظات التابعة إلى وزارات المركز ومحافظون يتم انتخابهم من قبل مجالس المحافظات ويمثلون قمة هرم السلطة التنفيذية في المحافظة وهم يستلمون رواتبهم ومخصصاتهم من وزارة البلديات والأشغال كونهم موظفون فيها فأي خلط أكثر من ذلك؟؟

6-إن إقليم كردستان واقع لا مفر منه لاعتبارات كثيرة ومع هذا فإن هناك ملاحظتين حوله الأولى إنه لازالت العلاقة بينه وبين الحكومة المركزية مبهمة وغير واضحة وتحدث الكثير من المشاكل بينهما بين الفينة والأخرى وآخرها مشكلة عقود النفط مع الشركات الأجنبية.

والثانية إن ما يحدث من تحسن في الإعمار والخدمات في كردستان يرجع إلى سببين وليست الفدرالية منهما وأولهما رغبة الأحزاب الحاكمة في كردستان بالهدوء والراحة بعد سنين من الحروب والصدامات وهذا ما نتمنى أن تصل إليه الأحزاب الحاكمة عندنا –في الجنوب – في اقرب وقت وثانيهما إن كردستان تحصد ما تم الاتفاق عليه في مؤتمرات لندن وصلاح الدين كحصولها على حصة كبيرة من الميزانية والمخصصات وعمل الكثير من الشركات الأجنبية فيها.

7-يعيش العراق شئنا أم أبينا حالة حرب طائفية –وان هدئت قليلاً في الأيام الأخيرة لكنها تركت أحقاداً وثارات- تغذيها الكثير من الأطراف الداخلية والخارجية وبالتالي لتجاوز هذه المشكلة لابد من التركيز على الشعور الوطني وترسيخ العلاقة بين مكونات الشعب العراقي وهذا ما لا تفعله الفيدرالية بل تفعل العكس تماماً.

8-إن الانتقال إلى الفيدرالية –على فرض مطلوبيته- لا يمكن أن يحدث بشكل مباشر بل لا بد من الانتقال أولاً إلى شكل الدولة اللامركزية وبعد فترة – يمكن أن تكون عقود من الزمن- الانتقال إلى شكل الدولة الفيدرالية.

9-إن الفيدرالية ليست هي الشكل الوحيد الناجح للدولة فمثلاً أغلب الدول الأوربية هي من شكل الدولة اللامركزية أو المركزية الديمقراطية.

10-إن عملية استنساخ التجارب من مكان لآخر دون مراعاة خصوصية المكان والزمان أثبتت فشلها في الكثير من الميادين.

11-إن دعاة الفيدرالية في اغلب دول العالم هم من الأقليات أما في العراق فالغريب إن دعاة الفيدرالية هم من الأغلبية (الشيعة) فيتصور الكثير من أبناء الشيعة وخاصة في الجنوب إن الخير الكثير سيأتيهم من تطبيق الفيدرالية وقيام إقليم الجنوب حيث ستكون خيرات الجنوب لهم وحدهم –أو هكذا يصور دعاة الفيدرالية الأمر لهم- في حين إن المسئلة ليست بهذه الصورة لعدة أسباب أهمها:-

أ-إن الشيعة يمثلون أغلبية في العراق (وفقاً للإحصائيات الدولية  بحدود 65%) وهذا يعني انه من غير المنطقي  أن يطالبوا بالفيدرالية وهم أغلبية –الأمر يشبه أن يقول لك احدهم خذ بيتك فتقول له لا سأكتفي منه بغرفة ووزع الباقي على الجيران- حيث إن مطلب الفيدرالية  عادة ما تطالب الأقليات.

ب-إن الاقتراح بتشكيل إقليم شيعي موحد من تسع محافظات أو ثلاثة أقاليم في الوسط والجنوب غير منطقي لان المقترحين نسوا أو تناسوا إن العراق لازال يعيش صراعاً طائفياً وقيام الأقاليم على أسس طائفية سيرسخ الصراع أكثر وأكثر وبالتالي فإن الأقليات الشيعية في ديالى والموصل وكركوك مثلاً ستعاني الأمرين كرد فعل على قيام إقليم أو أقاليم الجنوب.

ج-إن ما يحدث من تحسن في الخدمات والإعمار في تجربة إقليم كردستان  ليست الفيدرالية سبباً لها كما ذكرنا.

وبالتالي نصل إلى نتيجة مفادها إن الفيدرالية ليست حلاً ناجحاً لمشكلة العراق في الوقت الراهن على الأقل للأسباب السابقة التي ذكرناها ومن يدعو لها إما انه لا يفهم معناها أو إنه ينجرف مع تقليد النموذج الأمريكي بدون وعي انبهاراً منه به ويحاول ربما أن يكوّن من العراق (ولايات متحدة عراقية) أو إنه مندفع لتحقيق مصالح خاصة به أو بالجهة التي ينتمي إليها أو لتطبيق أجندات خارجية الغرض منها تمزيق العراق مع ملاحظة إن دعاة الفيدرالية ومن يطبلون لها ويحاولون تصويرها للناس على إنها الحل السحري لمشاكل العراق –ومشاكل الجنوب بشكل خاص- هم من عراقيو الخارج ومع الأسف بدلاً من توضيح حقيقة الفيدرالية للناس وترك الخيار لهم تحاول الكثير من الجهات استخدام أساليب ملتوية الهدف منها خداع الناس وتضليلهم بتصوير الفيدرالية على أنها الحل ولا حل غيرها وتصرف تلك الجهات المليارات على ذلك في حين انه من الممكن أن يكون الحل في حكومة لامركزية تعطي الصلاحيات للمحافظات –كما دعا لذلك سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) وتبناه حزب الفضيلة الإسلامي- وإلا فإننا سنحصد الخيبة والبؤس ونشوء دكتاتوريات صغيرة بديلة عن دكتاتورية النظام البائد في المناطق التي ستطبق فيها الفيدرالية –وكما هو الحاصل الآن في كردستان- وسنقوم بتمزيق العراق بأيدينا في حين عجز أعداء العراق عن ذلك فأين الوفاء للوطن؟؟؟!!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 16 كانون الثاني/2008 - 7/محرم/1429