توطئة
يوم الغدير 18 من ذي الحجة الحرام يوم الاعلان الالهي لولاية وخلافة
علي بن ابي طالب عليه السلام للرسول (ص) بين رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم في هذه الخطبة اهمية توحيد الله عز وجل وعبادته، كما بين
صفاته الثبوتية من العلم والقدرة والارادة.. وعدد من صفاته سبحانه
واسماءه الحسنى( واكثرها مبينة في القران الكريم وفي احاديثه الشريفة،
واحاديث اهل بيت العصمة عليهم السلام، كما بين صلى الله عليه واله وسلم
صفاته تعالى لتي ترغب العباد في جنته وتحذرهم من عقابه.
كما اشار الرسول الى امر الله بالتبليغ: بسم الله الرحمن الرحيم (يا
أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك).. (و ان لم تفعل فما بلغت رسالته
و الله يعصمك من الناس) (المائدة، 67).
ان الاية الكريمة نزلت في اخر حجة للرسول صلى الله عليه وسلم والتي
اعلن فيها ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام وتنصبه خليفة واماما
للمسلمين بعده.
من ملاحظتك للاية الشريفة انها طلبت من الرسول صلى الله عليه واله
وسلم وامرته بالتبليغ بعد ان ابلغ كامل رسالته وبقي عليه يبلغ امر
الخلافة بدون تردد، وحيث ان هذا الامر يعتبر مهما جدا للمسلمين فقد
امر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بالتبليغ، وانه ان لم يبلغ بهذا
الامر فما يمون قد بلغ رسالته، وهو تشديد بالغ وعظيم، فقد كان هذا
الامر الالهي واضحا، ونازلا من الله جلت قدرته وهذه الخطبة وهذا الامر
تواتر الى درجة لاتقبل الشك اوالخلاف ومن المصادر التي اوردت هذه
الخطبة على سبيل المثال مسند احمد بن حنبل وفي اكثر من موضع من مسنده.
ومن سياق الاية يتبين ان رسالة الرسول لاتكتمل الا بهذا التبليغ
وتعتبر ناقصة وعصيان لامر الله، ولكن الصادق الامين صلوات الله وسلامه
عليه كان امينا على وحيه وعزائم امره، بلغ ماانزل اليه، وفعل ماامره
الله به من التبليغ،. وقد صدق الله وعده وانجز وعده واعز جنده وغلب
الاحزاب وحده لاشريك له ولاوزير وهو على كل شئ قدير.. فقد عصم رسوله من
الزلل في القول والعمل، وبه ماتت البدع والراي المخترع بعد ان بلغ
بولاية علي بن ابي طالب عليه السلام في الثامن عشر من شهر ذي الحجة
الحرام في غدير خم وقد اصبح ذلك التتويج لعلي عليه السلام عيدا
للمسلمين يتبادل فيه المؤمنون التهنئة والتعاهد على ولايته عليه
السلام.
وهنا ساذكر المصادر التي ذكرت كل من حديث الغدير، واية التبليغ في
مصادر الكتب والتفاسير، بالاضافة الى اية الاكمال وقد ذكرت ذلك سابقا
في بحث خاص عن ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام الواردة حصرا في بعض
مصادر كتب اهل السنة.
حديث الغدير: (... فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه،اللهم وال من والاه
وعاد من عاداه)
وهذا النص جزء من نص حديث رسول الله (ص واله وسلم) ويدعى بحديث
الثقلين: - (واني سائلكم حين تردون علي على الحوض،كيف تخلفوني فيهما،
الثقل الاكبر كتاب الله عز وجل، سببب طرفه بيد الله تعالى ، وطرفه
بايديكم، فانه قد نباني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتى يردا علي
الحوض).
1. اخرجه الطبراني وغيره بسند مجمع على صحته واعترف بذلك ابن
حجر.
2. اخرجه الحاكم في مناقب علي من مستدركه.
3. اخرجه الامام احمد ص 372 من الجزء الرابع من مسنده.
4. الذهبي(616).
5. اخرجه النسائي ص 21 من الخصائص العلوية.
6. ابن جرير الطبري.
7. تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي ص 30.
8. السيرة الحلبية ج 3 ص 257.
9.
اية التبليغ
(( يايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس)) المائدة 67
نزلت هذه السورة يوم 18 من ذي الحجة في غدير خم حينما نصب الرسول(ص)
عليا (ع) خليفة من بعده.
راجع المصادر التالية : -
1. شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج1 ص 187.
2. اسباب النزول للواحدي النيسابوري ص 115 ط الحلبي بمصر.
3. الدر المنثور لجلال الدين السيوطي الشافعي ج2 ص 298.
4. تفسير الازي ج12 ص 50 ط مصر.
5. تفسير المنار لمحمد عبده ج 6 ص 463.
6.
اية الاكمال
(( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام
دينا)) سورة المائدة اية 3.
نزلت هذه الاية بعد ان نصب الرسول(ص) علي بن ابي طالب خليفة واماما
على امته في اليوم 18 من ذي الحجة في مكان يقال له غدير خم.
راجع المصادر التالية : -
1. تفسير القران لجلال الدين السيوطي الشافعي ج2 ص 259 ط 1
بمصر.
2. تفسير المنار لمحمد عبده ج 6 ص 463.
نص خطبة الغدير
الحمد لله الذى علا فى توحده، و دنا فى تفرده، و جل فى سلطانه، و
عظم فى أركانه، و أحاط بكل شئ علما و هو فى مكانه، و قهر جميع الخلق
بقدرته و برهانه، مجيدا لم يزل، محمودا لا يزال، بارئ المسموكات و داحى
المدحوات و جبار الارض و السماوات، قدوس سبوح رب الملائكة و الروح،
متفضل على جميع من برأه، متطول على من أدناه، يلحظ كل عين و العيون لا
تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته، و من عليهم بنعمته، لا
يعجل بانتقامه، و لا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر
و علم الضمائر، و لم تخف عليه المكنونات، و لا اشتبهت عليه الخفيات، له
الاحاطة بكل شئو الغلبة على كل شئ، و القوة فى كل شئ، و القدرة على كل
شئ، و ليس مثله شئ، و هو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط،لا اله
الا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو
اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، و لا يجد أحد كيف هو من سر
و علانية الا بما دل عز و جل على نفسه.
وأشهد بأنه الله الذى ملأ الدهر قدسه، و الذى يعشى الأبد نوره، و
الذى ينفذ امره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك فى تقدير و لا تفاوت فى
تدبير، صور ما أبدع على غير مثال، و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا
تكلف و لا احتيال، أنشأها فكانت، و برأها فبانت، فهو الله الذى لا اله
الا هو المتقن الذى أحسن الصنيعة، العدل الذى لا يجور، و الاكرم الذى
ترجع اليه الامور. و أشهد أنه الذى تواضع كل شئ لقدرته، و خضع كل شئ
لهيبته، مالك الاملاك، و مفلك الافلاك و مسخر الشمس و القمر، كل يجرى
لأجل مسمى، يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل يطلبه
حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، و مهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد و لا
ند، أحد صمد لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، إله واحد و رب
ماجد، يشاء فيمضي و يريد فيقضى، و يعلم فيحصى، و يميت و يحيى، و يفقر و
يغنى، و يضحك و يبكى، و يمنع و يعطى، له الملك و له الحمد بيده الخير و
هو على كل شئ قدير. يولج الليل فى النهار و يولج النهار فى الليل لا
إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء و مجزل العطاء، محصى الانفاس و
رب الجنة و الناس، لا يشكل عليه شئ و لا يضجره صراخ المستصرخين و لا
يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين ، الموفق للمفلحين و مولى
العالمين، الذى استحق من كل خلق أن يشكره و يحمده.
احمده على السراء و الضراء و الشدة و الرخاء، و أؤمن به و بملائكته
و كتبه و رسله، أسمع أمره و أطيع و أبادر الى كل ما يرضاه، و أستسلم
لقضائه رغبة فى طاعته و خوفا من عقوبته، لانه الله الذى لا يؤمن مكره و
لا يخاف جوره، [و] أقر له على نفسى بالعبودية، و أشهد له بالربوبية، و
أؤدى ما أوحى الى حذرا من أن لا أفعل فتحل بى منه قارعة لا يدفعها عنى
أحد و ان عظمت حيلته. لا اله الا هو، لانه قد أعلمنى [أنى] ان لم أبلغ
ما أنزل الى فما بلغت رسالته، و قد ضمن لى تبارك و تعالى العصمة، و هو
الله الكافى الكريم، فأوحى الى: بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها
الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) فى على ـ يعنى فى الخلافة لعلى بن أبى
طالب عليه السلام (و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من
الناس) (المائدة، 67). معاشر الناس! ما قصرت فى تبليغ ما أنزل الله
تعالى الى و أنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية، أن جبرئيل عليه السلام
هبط الى مرارا ثلاثا يأمرنى عن السلام ربى ـ و هو السلام ـ أن أقوم فى
هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أسود أن على بنأبىطالب عليه السلام أخى و
وصيى و خليفتى، و الامام من بعدى، الذى محله منى محل هارون من موسى إلا
أنه لا نبى بعدى، و هو وليكم بعد الله و رسوله، و قد أنزل الله تبارك و
تعالى على بذلك آية من كتابه: (انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا
الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون) (المائدة، 55). و على
بن أبىطالب عليه السلام أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد الله
عز و جل فى كل حال. و سألت جبرئيل أن يستعفى لى عن تبليغ ذلك إليكم
أيها الناس لعلمى بقلة المتقين و كثرة المنافقين و إدغال الآثمين و ختل
المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله فى كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم
ما ليس فى قلوبهم و يحسبونه هينا و هو عندالله عظيم، و كثرة أذاهم لى
غير مرة حتى سمونى أدنا، و زعموا أنى كذلك لكثرة ملازمته إياى و إقبالى
عليه، حتى أنزل الله عز و جل فى ذلك [قرآنا]: (و منهم الذين يؤذون
النبى و يقولون هو أذن قل أذن ـ على الذين يزعمون أنه أذن ـ خير لكم
يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين) (التوبة، 61). و لو شئت أن أسمى بأسمائهم
لسميت، و أن أومى إليهم بأعيانهم لأومأت، و أن أدل عليهم لدللت، و لكنى
و الله فى أمورهم قد تكرمت، و كل ذلك لا يرضى الله منى الا أن أبلغ ما
أنزل إلى، ثم تلى صلى الله عليه و آله و سلم: (يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك ـ فى على ـ و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك
من الناس). فاعلموا معاشر الناس! إن الله قد نصبه لكم وليا و إماما
مفترضا طاعته على المهاجرين و الانصار و على التابعين لهم بإحسان، و
على البادى و الحاضر و على الأعجمى و العربى، و الحر و المملوك، و
الصغير و الكبير، و على الأبيض و الأسود، و على كل موحد، ماض حكمه،
جائز قوله، نافذ امره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، و من صدقه فقد
غفر الله له و لمن سمع منه و أطاع له. معاشر الناس! إنه آخر مقام أقومه
فى هذا المشهد، فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لامر ربكم، فإن الله عز و
جل هو مولاكم و إلهكم، ثم من دونه رسوله محمد صلى الله عليه و آله و
سلم وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدى على وليكم و إمامكم بأمر
الله ربكم، ثم الامامة فى ذريتى من ولده الى يوم تلقون الله عز و جل و
رسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، و لا حرام إلا ما حرمه الله، عرفنى
الحلال و الحرام، و أنا أفضيت بما علمنى ربى من كتابه و حلاله و حرامه
اليه. معاشر الناس! ما من علم إلا و قد أحصاه الله فى، و كل علم علمت
فقد أحصيته فى إمام المتقين، و ما من علم إلا علمته عليا، و هو الإمام
المبين. معاشر الناس! لا تضلوا عنه و لا تنفروا منه، و لا تستنكفوا من
ولايته، فهو الذى يهدى إلى الحق و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه، و
لا تأخده فى الله لومة لائم، ثم إن أول من أمن بالله و رسوله، و [هو]
الذى فدرى رسوله بنفسه و [هو] الذى كان مع رسول الله و لا أحد يعبد
الله مع رسوله من الرجال غيره. معاشر الناس! فضلوه فقد فضله الله، و
اقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس! إنه إمام من الله، و لن يتوب الله
على أحد أنكر ولايته، و لن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك
بمن خالف أمره فيه، و أن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد و دهر الدهور،
فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين.
أيها الناس! بى والله بشر الأولون من النبيين و المرسلين، و أنا خاتم
الانبياء و المرسلين، و الحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و
الأرضين، فمن شك فى ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، و من شك فى شئ
من قولى هذا، فقد شك فى الكل منه، و الشاك فى ذلك فله النار. معاشر
الناس! حبانى الله بهذه الفضيلة منا منه على و إحسانا منه إلى، و لا
إله إلا هو، له الحمد منى أبد الآبدين و درهر الداهرين على كل حال.
معاشر الناس! فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدى من ذكر و أنثى، بنا أنزل
الله الرزق و بقى الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولى هذا و
لم يوافقه، ألا إن جبرئيل خبرنى عن الله تعالى بذلك و يقول: «من عادى
عليا و لم يتوله فعليه لعنتى و غضبنى، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، و اتقوا
الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون». معاشر
الناس! إنه جنب الله الذى ذكر فى كتابه فقال تعالى: (أن تقول نفس يا
حسرتا على ما مرطت فى جنب الله) (الزمر، 56) معاشر الناس! تدبروا
القرآن و افهموا آياته، و انظروا إلى محكماته، و لا تتبعوا متشابهه،
فوالله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذى أنا آخذ بيده
و مصعده الى ـ و شائل بعضده ـ و معلمكم أن من كنت مولاه فهذا على
مولاه، و هو على بن أبىطالب عليه السلام أخى و وصيى، و موالاته من
الله عز و جل أنزلها على. معاشر الناس! إن عليا و الطيبين من ولدى هم
الثقل الأصغر، و القرآن الثقل الاكبر، فكل واحد مبنى عن صاحبه و موافق
له، لن يفترقا حتى يردإ؛ على الحوض، هم أمناء الله فى خلقه و حكماؤه فى
أرضه. ألا و قد أديت، ألا و قد بلغت، ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت،
ألا و إن الله عز و جل قال و أنا قلت عن الله عز و جل، ألا إنه ليس
أميرالمؤمنين غير أخى هذا، و لا تحل إمرة المؤمنين بعدى لأحد غيره. (ثم
ضرب بيده إلى عضده فرفعه، و كان منذ اول ما صعد رسول الله صلى الله
عليه و آله و سلم شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله
عليه و آله و سلم، ثم قال:) معاشر الناس! هذا على أخيى و وصيى و واعى
علمى و خليفتى على أمتى و على تفسير كتاب الله عز و جل و الداعى إليه،
و العامل بما يرضاه، و المحارب لأعدائه، و الموالى على طاعته، و الناهى
عن معصيته، خليفة رسول الله و أميرالمؤمنين و الامام الهادى، و قاتل
الناكثين و القاسطين و المارقين بأمر الله، أقول ما يبدل القول لدى
بأمر ربى، أقول: اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه و العن من أنكره و
اغضب على من جحد حقه؛ اللهم إنك أنزلت على أن الامامة بعدى لعلى وليك
عند تبيانى ذلك، و نصبى إياه بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم
بنعمتك و رضيت لهم الاسلام دينا، فقلت: (و من يبتغ غير الاسلام دينا
فلن يقبل منه و هو فى الآخرة من الخاسرين) (آلعمران، 85)؛ اللهم إنى
أشهدك و كفى بك شهيدا أنى قد بلغت. معاشر الناس! إنما أكمل الله عز و
جل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به و بمن يقوم مقامه من ولدى من صلبه
الى يوم القيامة و العرض على الله عز و جل، فأولئك الذين حبطت أعمالهم
و فى النار هم خالدون، لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون. معاشر
الناس ! هذا على انصركم لى و أحقكم بى و أقربكم إلى و أعزكم على، و
الله عزو جل و أنا عنه راضيان، و ما نزلت آية رضى إلا فيه، و ما خاطب
الله الذين آمنوا إلا بدأ به، و لا نزلت آية مدح فى القرآن إلا فيه، و
لا شهد بالجنة فى (هل أتى على الإنسان) (الانسان ، 1) إلا له، و لا
أنزلها فى سواه، و لا مدح بها غيره. معاشر الناس! هو ناصر دين الله و
المجادل عن رسول الله، و هو التقى النقى الهادى المهدى، نبيكم خير نبى
و و صيكم خير و صى و بنوه خير الأوصياء.
معاشر الناس! ذرية كل نبى من صلبه و ذريتى من صلب على. معاشر الناس!
إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزل
أقدامكم، فأن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة الله عز و جل،
فكيف بكم و أنتم أنتم و منكم أعداء الله، ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقى
و لا يتوالى عليا إلا تقى و لا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، و فى على و الله
نزلت سورة [و] العصر: (بسم الله الرحمن الرحيم. و العصر إن الإنسان لفى
خسر...) (العصر، 1 ـ 3).
معاشر الناس! قد استشهدت الله و بلغتكم رسالتى، و ما على الرسول إلا
البلاغ المبين. معاشر الناس! (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و
أنتم مسلمون) (آلعمران، 102). معاشر الناس! آمنوا بالله و رسوله و
النور الذى أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها. معاشر
الناس! النور من الله عز و جل فى، ثم مسلوك فى على ثم فى النسل منه الى
القائم المهدى الذى يأخذ بحق الله و بكل حق هو لنا، لان الله عز و جل
قد جعلنا حجة على المقصرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و
الاثمين و الظالمين من جميع العالمين. معاشر الناس! أنذركم أنى رسول
الله قد خلت من قبلى الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من
ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزى الله الشاكرين، ألا و إن
عليا [هو] الموصوف بالصبر و الشكر، ثم من بعده ولدى من صلبه. معاشر
الناس! لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده
إنه لبالمرصاد. معاشر الناس! [إنه] سيكون من بعدى أئمة يدعون الى
النار و يوم القيامة لا ينصرون. معاشر الناس! إن الله و أنا بريئان
منهم. معاشر الناس! إنهم و أنصارهم وأشياعهم و أتباعهم فى الدرك الأسفل
من النار و لبئس مثوى المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم
فى صحيفته. قال: فذهب على الناس إلا شر ذمة منهم أمر الصحيفة. معاشر
الناس! انى أدعها إمامة و وراثة فى عقبى إلى يوم القيامة، و قد بلغت ما
أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر و غائب و على كل أحد ممن شهد او لم يشهد
ولد أو لم يولد، فيبلغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد الى يوم القيامة،
و سيجعلونها ملكا و اعتصابا، ألا لعن الله الغاصبين و المغتصبين، و
عندها (سنفرغ لكم أيها الثقلان) (الرحمن، 30) (فيرسل عليكما شواظ من
نار و نحاس فلا تنتصران) (الرحمن، 35). معاشر الناس إن الله عز و جل لم
يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، و ما كان الله
ليطلعكم على الغيب. معاشر الناس! إنه ما من قرية إلا و الله مهلكها
بتكذيبها، و كذلك يهلك القرى و هى ظالمة كما ذكر الله تعالى، و هذا على
إمامكم و وليكم، و هو مواعيد الله و الله يصدق ما وعده. معاشر الناس!
قد ضل قبلكم أكثر الأولين، و الله لقد أهلك الأولين و هو مهلك الآخرين،
قال الله تعالى: (ألم نهلك الأولين * ثم نتبعهم الآخرين * كذلك نفعل
بالمجرمين * ويل يومئذ للمكذبين) (المرسلات، 16 ـ 19). معاشر الناس! إن
الله قد أمرنى و نهانى، و قد أمرت عليا و نهيته، فعلم الأمر و النهى من
ربه عز و جل، فاسمعوا لأمره تسلموا، و أطيعوا تهتدوا، و انتهوا نهيه
ترشدوا، و صيروا إلى مراده و لا تتفرق بكم السبل عن سبيله. معاشر
الناس! أنا صراط الله المستقيم الذى أمركم باتباعه، ثم على من بعدى، ثم
ولدى من صلبه أئمة يهدون بالحق و به يعدلون، (ثم قرأ:) (الحمد لله رب
العالمين...) (الفاتحة) (و قال:) فى نزلت و فيهم نزلت و لهم عمت و
إياهم خصت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون. ألا إن حزب
الله هم الغالبون. ألا ان أعداء على هم أهل الشقاق و النفاق و الحادون
و هم العادون،و إخوان الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول
غرورا. ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله فى كتابه فقال عز و جل : (لا
تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله...)
(المجادلة، 22). ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز و جل فقال: (و
الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن و هم مهتدون)
(الأنعام، 82). ألا إن أولياءهم الذين يدخلون الجنة آمنين، و تتلقاهم
الملائكة بالتسليم أن: (طبتم فادخلوها خالدين) (الزمر، 73). ألا إن
أولياءهم الذين قال [لهم] الله عز و جل: (يدخلون الجنة يرزقون فيها
بغير حساب) (الغافر، 40). ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا. ألا أن أعداءهم
الذين يسمعون لجهنم شيهقا و هى تفور و لها زفير. ألا إن أعداءهم الذين
قال الله فيهم: (كلما دخلت أمة لعنت أختها) (الأعراف، 38). ألا إن
أعداءهم الذين قال الله عز و جل: (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم
يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا ما نزل الله من شئ
إن أنتم إلا فى ضلال كبير) (الملك، 8 ـ 9). ألا إن أولياءهم الذين
يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير. معاشر الناس! شتان ما بين
السعير و الجنة، عدونا من ذمه الله و لعنه، و ولينا من مدحه الله و
أحبه. معاشر الناس! ألا و إنى مندر و على هاد. معاشر الناس! إنى نبى و
على وصيى. ألا إن خاتم الائمة منا القائم المهدى صلوات الله عليه. ألا
إنه الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح
الحصون و هادمها. ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك. ألا إنه المدرك
بكل ثار لأولياء الله عز و جل. ألا إنه الناصر لدين الله. ألا إنه
الغراف فى بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذى فضل بفضله و كل ذى جهل بجلهه.
ألا إنه خيرة الله و مختاره. ألا إنه وارث كل علم و المحيط به. ألا إنه
المخبر عن ربه عز و جل و المنبه بأمر ايمانه. ألا إنه الرشيد السديد.
ألا إنه المفوض اليه. ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه. ألا إنه
الباقى حجة و لا حجة بعده، و لا حق الا معه، و لا نور إلا عنده. ألا
إنه لا غالب له و لا منصور عليه. ألا و إنه ولى الله فى أرضه، و حكمه
فى خلقه، و أمينه فى سره و علانيته. معاشر الناس! قد بينت لكم و
أفهمتكم، و هذا على يفهمكم بعدى. ألا و أنى عند انقضاء خطبتى أدعوكم
الى مصافقتى على بيعته و الاقرار به، ثم مصافقته بعدى. ألا و أنى بايعت
الله و على قد بايعنى، و أنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز و جل (فمن
نكث فإنما ينكث على نفسه) (الفتح، 10). معاشر الناس! (ان الصفا و
المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف
بهما) (البقرة، 158). معاشر الناس! حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا
استغنوا، و لا تخلفوا عنه إلا افتقروا. معاشر الناس! ما وقف بالموقف
مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته
استؤنف عمله. معاشر الناس! الحجاج معانون و نفقاتهم مخلفة، و الله لا
يضيع أجر المحسنين. معاشر الناس! حجوا البيت بكمال الدين و التفقه، و
لا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة و إقلاع. معاشر الناس! أقيموا الصلاة
و أتو الزكاة كما أمركم الله عز و جل، فلئن طال عليكم الامد فقصرتم
أونسيتم، فعلى وليكم، و مبين لكم الذى نصبه الله عز و جل بعدى، و من
خلفه الله منى و أنا منه، يخبركم بما تسألون عنه، و يبين لكم ما لا
تعلمون. ألا إن الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما، فآمر
بالحلال و أنهى عن الحرام فى مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم و
الصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل فى على أمير المؤمنين و
الائمة من بعده الذين هم منى و منه، ائمة قائمة منهم المهدى ـ إلى يوم
القيامة الذى يقضى بالحق. معاشر الناس! [و] كل حلال دللتكم عليه، و كل
حرام نهيتكم عنه، فإنى لم أرجع عن ذلك و لم أبدل. ألا فاذكروا ذلك و
حفظوه و تواصوا به و لا تبدلوا و لا تغيروه. ألا و إنى أجدد القول: ألا
فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و امروا بالمعروف و انهوا عن المنكر. ألا
و إن رأس الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أن تنتهوا إلى قولى و
تبلغوه من لم يحضر و تأمروه بقبوله و تنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من
الله عز و جل و منى، و لا أمر بمعروف و لا نهى عن منكر إلا مع إمام
معصوم. معاشر الناس! القرآن يعرفكم أن الائمة من بعده ولده، و عرفتكم
أنهم منى و منه، حيث يقول الله فى كتابه: (و جعلها كلمة باقية فى عقبه)
(الزخرف، 28) و قلت: «لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما». معاشر الناس!
التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز و جل: (إن زلزلة الساعة
شىء عظيم) (الحج، 1) اذكروا الممات و الحساب و الموازين و المحاسبة
بين يدى رب العالمين و الثواب و العقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب [عليها]و
من جاء بالسيئة فليس له فى الجنان نصيب. معاشر الناس! إنكم أكثر من أن
تصافقونى بكف واحدة، و قد أمرنى الله عز و جل أن آخذ من ألسنتك الإقرار
بما عقدت لعلى من إمرة المؤمنين، و من جاء بعده من الائمة منى و منه
على ما أعلمتكم أن ذريتى من صلبه، فقولوا بأجمعكم: «إنا سامعون مطيعون
راضون منقادون لما بلغت عن ربنا و ربك فى أمر على و أمر ولده من صلبه
من الائمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا، على
ذلك نحيى و نموت و نبعث، و لا نغير و لا نبدل و لا نشك و لا نرتاب، و
لا نرجع عن عهد و لا ننقضى الميثاق و نطيع الله و نطيعك و عليا أمير
المؤمنين و ولده الائمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد السحن و
الحسين» اللذين قد عرفتكم مكانهما منى و محلهما عندى و منزلتهما من ربى
عز و جل، فقد أديت ذلك إليكم، و أنهما سيدا شباب أهل الجنة، و أنهما
الامامان بعد أبيهما على و أنا أبوهما قبله. و قولوا: «أطعنا الله بذلك
و إياك و عليا و الحسن و الحسين و الائمة الذين ذكرت، عهدا و ميثاقا
مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و مصافقة أيدينا
من أدركهما بيده و أقر بهما بلسانه و لا نبتغى بذلك بدلا و لا نرى من
أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا الله و كفى بالله شهيدا، و أنت علينا به
شهيد، و كل من أطاع ممن ظهر و استتر و ملائكة الله و جنوده و عبيده و
الله اكبر من كل شهيد». معاشر الناس! ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت
و خافية كل نفس (فمن اهتدى فلنفسه و من ضل فإنما يضل عليها) (الزمر،
39)، و من بايع فإنما يبايع الله (يد الله فوق أيديهم) (الفتح، 10).
معاشر الناس! فاتقو الله و بايعوا عليا أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين
و الائمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر، و يرحم الله من وفى (فمن
نكث فانما ينكث على نفسه) (الفتح، 10). معاشر الناس! قولوا الذى قلت
لكم، و سلموا على على بإمرة المؤمنين، و قولوا: (سمعنا و أطعنا غفرانك
ربنا و إليك المصير) (البقرة، 285)، و قولوا: (الحمد لله الذى هدانا
لهذا و ما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله) (الأعراف، 43). معاشر الناس!
ان فضائل على بنابىطالب عليه السلام عند الله عز و جل و قد أنزلها
القرآن أكثر من أن أحصيها فى مقام واحد، فمن أنبأكم و عرفها فصدقوه.
معاشر الناس! من يطع الله و رسوله و عليا و الائمة الذين ذكرتهم فقد
فاز فورا عظيما. معاشر الناس! السابقون [السابقون] إلى مبايعته و
موالاته و التسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون فى جنات
النعيم. معاشر الناس! قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، فإن تكفروا
أنتم و من فى الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين
واغضب على الكافرين و الحمد لله رب العالمين.
..........................
المصادر
مأخذ: الاحتجاج / تأليف ابى منصور احمد بن على
بنابىطالب الطبرسى (من علماء القرن السادس)؛ تحقيق ابراهيم البهادرى
(و) محمد هادى به؛ با اشراف جعفر سبحانى.
موقع الوكالة الاسلامية
http://www.wikalah.net/articles/2006/khutba-al-gadir.htm
القران الكريم
بحث في ولاية علي (ع) للكاتب محمود الربيعي..
اعتمدنا في ايراد المصادر على كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف
الدين الموسوي.
موقع الوكالة الاسلامية
http://www.wikalah.net/articles/2006/khutba-al-gadir.htm |