مصطلحات نسوية: عانس.. امرأة غير متزوجة

عانس: Spinster

شبكة النبأ: كلمة تشير إلى المرأة غير المتزوجة، ويتسم تاريخ هذا المصطلح بالتقلب الشديد، فالكلمة أصلاً لا تشير إلا إلى الوضع العائلي، لكنها أصبحت محملة بدلالات سلبية كثيفة حتى ندر استعمالها حالياً وكادت تصبح كلمة مهجورة. ويرجع أصل الكلمة إلى الاعتقاد الاقتصادي بأن أي امرأة غير متزوجة (وليس لها مورد مالي غير الزواج) ليس أمامها إلا أن تعول نفسها بالعمل في مصنع للغزل ومن هنا يتضح أن أصل المصطلح ينطوي على تمييز طبقي، وهو ما اشتدت دلالته مع مرور الوقت، حتى صار الاستهزاء من نصيب نساء الطبقة الوسطى أكثر من غيرهن.

وفي أوائل العصر الفيكتوري كانت الأيديولوجية الأبوية قد نجحت في قصر وجود نساء الطبقة الوسطى على الحياة المنزلية، ولذلك كانت المرأة التي لم تتزوج تظل في بيت أبيها. ولكن مع نهاية القرن التاسع عشر بدأت غير المتزوجات يُنظر إليهن على أنهن متطفلات وعبء مالي وأنهن فشلن في القيام بواجباتهن النسائية، حتى أصبحت المرأة غير المتزوجة في عام 1911 توصف بأنها "فضلة".

ثم جاءت الحركة الرائدة المعروفة بحركة "المرأة الجديدة" لتوسع من الفرص التعليمية والوظيفية المتاحة أمام الطبقة الوسطى، ولكن في حقيقة الأمر فإن نتائج الحرب العالمية الأولى هي التي مكنت المرأة غير المتزوجة من استعادة مكانتها واحترامها. فبدأت النسوية الداعية للمساواة تمحو تدريجياً الوصمة التي ألصقت بالعنوسة، إلى أن أصبح الزواج اختياراً لا فرضاً.

متعلقات

العنوسة.. مشكـلة تبحـث عن حـل(1) 

الزواج .. حلم يداعب خيال كل فتاة لتتوج ملكة على عرشها ، وتمارس غريزة إنسانية أودعها الله قلب المرأة غريزة الأمومة .

 ولكــن فى زحمة الحياة وتعدد مسئوليتها بالاضاة الى الظروف الاقتصادية الصعبة التى تواجه الشباب فى العالم العربي اليوم يكاد هذا الحلم أن يتوارى في أغلب المجتمعات العربية ويوشك أن يتحول إلى سراب تلهث وراءه الفتاة العربية بعد فوات الأوان .. وبخاصة بعد أن ارتفعت نسبة العنوسة بصورة مخيفة تهدد أمن واستقرار تلك المجتمعات سواء على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي أو حتى على المستوى الأمني حيث أصبح الزواج مشكلة تعجز أمام حلها المعادلات الحسابية  لتشكل في النهاية ظاهرة – أو كابوس – بات شبحا يهدد ملايين الفتيات في العالم العربي .

العنوســــــــــة .. أرقــــام ونتائـــج        ..

وتعتبر أرقام وإحصائيات الزواج والطلاق في الدول العربية وحدها كفيلة بإبراز حجم المشكلة ، ومدى المخاوف والهواجس التي تفرض نفسها على تلك المجتمعات بقوة ، ليس فقط على مستوى نخبة المثقفين وعلماء النفس والاجتماع ، بل أيضا على مستوى الصفوة السياسية ، إلى حد أن بعض الرؤساء العرب اضطروا إلى التعرض لمشكلة العنوسة ومناقشة تداعياتها صراحة ، بل وطرح بعض الحلول في محاولة لتخفيف حدة تلك الظاهرة .

 ** ففي مصر كشفت دراسة رسمية أعدها الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع نسبة غير المتزوجين بين الشباب المصري إلى 37% ، وأن عدد الشبان والشابات العوانس – الذين تجاوزوا الخامسة والثلاثين من دون زواج – وصل إلى أكثر من 9 ملايين نسمة من تعداد السكان البالغ 64 مليون نسمة ، بينهم 3 ملايين و773 فتاة وقرابة 6 ملايين شاب غير متزوج .

 كما كشفت الدراسة عن أن عدد المطلقين والمطلقات بلغ 364 ألفا و361 مصريا ومصرية ، وأن عدد عقود الزواج التي تم إبرامها رسميا في مصر عام 1999 بلغ 520 ألفا بنسبة 8.2% من السكان ، مقابل 405 آلاف عقد زواج في عام 1990، أي بزيادة قرابة 115 ألف عقد زواج ، في حين بلغت عقود الطلاق التي تم استخراجها عام 1999 نحو74 ألف حالة بنسبة 1.2% مقابل 67 ألف شهادة عام 1990.

 وأكد خبراء الجهاز أن هذه الأرقام ترجمة فعلية لظاهرة خطيرة بدأ يعاني منها المجتمع المصري لا سيما في السنوات الأخيرة ، وهي ظاهرة العنوسة التي استهدفت الفئات الوسطى، محملين الفتيات والأسرة المسؤولية عن تفاقم تلك الظاهرة بسبب تغير مفاهيمهن عن الزواج ، مما جعل الشاب يقف عاجزاً عن توفير الحد الأدنى لمتطلبات الفتاة وأسرتها أما وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية فقد أعلنت بدورها أن 255 ألف طالب وطالبة – يمثلون نسبة 17 في المائة من طلبة الجامعات – قد اختاروا الزواج العرفي، بينما أعلنت وزارة العدل في أحدث إحصائية لها عن زواج 200 ألف فتاة مصرية من أثرياء أجانب كبار السن ، مؤكدة أن هناك اتجاهاً يسود بين الشباب المصريين للارتباط بزوجات من روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية ، حيث يرتبط الشاب بفتاة متعلمة وجميلة ، لأن هذا الارتباط لن يكلفه سوى منزل مؤثث .

 وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية ارتفاع معدلات الزواج العرفي بين طلبة الجامعات ، فقد أكدت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر وجود أكثر من 15000 دعوى لإثبات بنوة المواليد من زواج عرفي أو زنا ، والزيادة المطردة في أعداد اللقطاء الذين يعثر عليهم أمام المساجد أو المساكن أو في صناديق القمامة ، وعودة ظاهرة قتل المواليد من سفاح ، فضلا عن تفشى الانحلال في المدن الكبرى ..

 وربما كان من الضروري هنا أن نشير إلى أن الانحلال الخلقي والزواج العرفي ليس الطريق الحتمي لهروب الفتاة العانس من دوامات القلق والخوف والاكتئاب ، فمن البدهي أن ذلك يرتبط في نهاية المطاف بمدى تدينها وبثقافتها وتعليمها ، بالإضافة إلى طبيعة شخصيتها بالقطع ، فإذا كانت الفتاة ذات شخصية ضعيفة فإن الانحلال والزواج العرفي يكونان أقصر وأسهل الطرق التي ترتمي الفتاة في أحضانها وتسلم لها قيادها .. أما إذا كانت الفتاة تتمتع بشخصية قوية فإنها تنأى بنفسها عن ذلك ، ولكنها في الوقت نفسه قد تضطر ـ رغبة في التخلص من شبح العنوسة ـ إلى القبول بأي زوج يتقدم إليها ، حتى لو كان اختيارها اختيارا غير متكافئ ( تشير إحصائيات وزارة العدل المصرية ـ مثلا ـ إلى زواج نحو 200 ألف فتاة مصرية من أثرياء أجانب كبار السن ) ، وهو ما يفضي في النهاية إلى طلاق مؤلم ، سواء أكان طلاقا محسوسا أو معنويا .. وكم من زوجات وأزواج يجمعهما بيت واحد إلا أنهما منفصلان نفسيا ومعنويا !!

 ** وفي سوريا تكشف الأرقام الرسمية المنشورة أن اكثر من 50 في المائة من الشبان السوريين الذين وصلوا إلى سن الزواج عازفون عن الزواج – أو عجزوا عنه – بسبب عدم قدرتهم المادية على ذلك وعدم توفر المسكن الملائم للزواج .

 ووفقا لأرقام المجموعة الإحصائية السورية لعام 1995 فإن 82.4% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و24 عاما لم يتزوجن أبدا ، و60% من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 25 و29 عاما لم يتزوجن أبدا أيضا ، بينما بلغت نسبة اللاتي تخطين 34 عاما دون زواج 37.2% ، ووصلت نسبة اللاتي تجاوزن 39 عاما دون زواج إلى 21.3% ، وهو ما يعني أن أكثر من نصف النساء غير متزوجات .

 ** أما في الكويت فإن نسبة العنوسة بين الفتيات الكويتيات تقترب من نسبة 30% حسب بعض الإحصاءات الرسمية .. حيث بدأ الشباب الكويتي في العزوف عن الإقدام على الزواج ؛ نظراً للأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب عليه ، بينما وصلت نسبة الطلاق في الكويت إلى 33% .

 ** وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن أكثر من51 بالمائة من نساء الجزائر الذين بلغوا سن الإنجاب يواجهن خطر العنوسة ، وأن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عاما ، موضحا أن عدد العزاب بالجزائر تخطى 18 مليونا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة ، وأن نسبة المطلقات بلغت 36.9% .

 وأوضحت إحصائيات الديوان الجزائري أنه رغم ارتفاع معدلات الإقبال على الزواج عام 2000 بنسبة تسعة بالمئة مقارنة بالعام السابق ، إلا أن هذه الزيادة ضئيلة عند مقارنتها بعدد الشباب الذين بلغوا سن الزواج ، وبخاصة أن هؤلاء الشباب يمثلون نحو 60 بالمئة من السكان .

 **  وفي الإمارات ، لا تزال مشكلة العنوسة تفرض نفسها بقوة ، رغم أن الدلائل تشير إلى حدوث تقدم نسبي، خاصة فيما يتعلق بمعدلات استمرار الحياة الزوجية بين المواطنين .. فقد كُشفت إحصائية حديثة أجراها صندوق الزواج الإماراتي عن أن معدلات الطلاق بين الإماراتيين في إمارة أبوظبي انخفضت عام 1999م إلى 5ر16% مقابل 52% قبل عشرة أعوام ، حيث بلغ عدد حالات الطلاق عام 99 نحو 138 حالة مقابل 810 زيجات ، بينما وصلت حالات الطلاق عام 91 إلى 283 حالة مقابل 544 حالة زواج.

 أما في إمارة دبي – ثانية كبرى الإمارات السبع التي تتكون منها دولة الإمارات العربية المتحدة – فقد  انخفضت نسب معدلات الطلاق إلى الزواج بين المواطنين لتصل إلى 20% عام 1999م بعد أن كانت 8ر25% عام 1995م ، حيث بلغ عدد الزيجات عام 99 في الإمارة 607 زيجات مقابل 121 حالة طلاق.

 ** وإذا انتقلنا إلى المملكة العربية السعودية ، فإن الإحصاءات الرسمية التي صدرت عام 1999 تشير إلى أن ثلث عدد الفتيات السعوديات بلغن سن الزواج ، وأن عدد من تجاوزن سن الزواج بلغ حوالي مليون ونصف مليون فتاة من بين نحو أربعة ملايين فتاة.

 وأوضحت إحصائية لوزارة التخطيط السعودية أن عدد البنات اللاتي تجاوزن العام الماضي سن الثلاثين دون زواج قد بلغ مليونا وخمسمائة وأربعة وتسعين ألفا وثماني عشرة بنتا سعودية ، وأن بحث كل فتاه عانس عن حل لمشكلة عنوستها يختلف من فتاة لأخرى ، فمنهن من تلقي نفسها في أحضان الخاطبات للبحث عن زوج بشروط قياسية ، في حين تنغمس الأخريات في دوامة العمل وربما يشاركن في الفعاليات الثقافية والاجتماعية ، وان كان ذلك لا يبعد حلم الارتباط برجل عن أذهانهن.

 هذه الأرقام المخيفة لارتفاع معدلات العنوسة دفعت المفتي العام للمملكة – رئيس هيئة كبار العلماء –الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل شيخ إلى أن يجدد دعوته لتعدد الزوجات ، داعيا السعوديات إلى تقبل منطق التعدد للحفاظ على البناء الاجتماعي للأسرة والمجتمع ، وموضحا أن تعدد الزوجات أمر شرعه الله لصالح المجتمع ، وأن على المرأة أن تقبل أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة باعتبار ذلك خيراً من العنوسة.

 وأضاف أن زواج المرأة من رجل ذي دين وكفاءة وخلق ومعه زوجة أخرى لا عيب ولا نقص فيه ، مجددا تأكيده بأن التعدد أمر مشروع وأن الذي يشكك فيه ضال.

 ** أما المشهد في السودان فيختلف كثيراً عن باقي الدول العربية ، إذ إن مشكلة العنوسة ألقت بظلالها على قضايا التنمية وإعمار السودان ، باعتبار أن عدد سكان البلاد لا يتناسب مع مساحتها وإمكاناتها ومواردها المختلفة ، لدرجة أن الرئيس عمر البشير دعا السودانيين إلى تعدد الزوجات ، وظل يحض المسؤولين والمواطنين على ذلك ، ويطالب برعاية أسر الشهداء .

 ولم يكتف البشير بالدعوة لتعدد الزوجات عبر مختلف المنابر ، بل حول دعوته إلى نهج عملي حين أقدم بنفسه على الزواج من أرملة العقيد إبراهيم شمس الدين – وزير الدولة السابق الذي قتل خلال حادث تحطم طائرة عسكرية بولاية الوحدة في جنوب السودان – إلى جانب احتفاظه بزوجته الأولى ، وهي ابنة عمه في الوقت نفسه .. كما عقد اللواء الهادي عبد الله وزير رئاسة مجلس الوزراء قرانه أيضا على أرملة أحد الشهداء .<BR> وينظر لتعدد الزوجات في السودان باعتباره وضعاً عادياً ، وأحياناً يعد من مفاخر الرجال ، بل إن الزوجات الأوليات لا يتعاملن مع الأمر بوصفه نهاية العالم ، فكثيراً ما تسعى الزوجة الأولى لتزويج زوجها بثانية وربما ثالثة ورابعة ، مادام الزوج قادراً على الوفاء بالتزامات هذه الزيجات وتبعاتها

 ** وفي العراق ، اتهم الرئيس صدام حسين نساء بلاده بالتسبب في عنوستهن ، محملاً إياهن مسؤولية تفشي ظاهرة العنوسة بينهن بسبب المغالاة في طلب المهور ، مؤكدا أن هناك مشكلة حقيقية تتمثل في عزوف الشباب عن الزواج وأن نسبة عالية من الفتيات يطالبن بمهور مرتفعة أو ينشدن الزواج من رجال كبار في السن تتجاوز أعمارهم الأربعين والخمسين .

 وطالب الرئيس العراقي وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بإجراء حوار موسع حول مسألة ارتفاع المهور التي تصل في بعض الأحيان إلى ملايين الدنانير وعدة كيلوجرامات من الذهب .

 ومما لا شك فيه أن هناك أسبابا أخرى عديدة تقف وراء ارتفاع وتفشي هذه الظاهرة في الدول العربية .. صحيح أن بعض هذه الأسباب قد يختلف من مجتمع لآخر وبين دولة وأخرى ، لكن الغالب الأعم من هذه الأسباب يظل قاسما مشتركا بين مختلف المجتمعات العربية في أغلب الأحيان .

أسبــاب تفاقـــم ظاهـرة العنوســــــة

 ارتفاع المهور والمغالاة فيها هو أحد أهم القواسم المشتركة لارتفاع ظاهرة العنوسة في المجتمعات العربية ، فضلا عن التشدد في تحديد مواصفات عش الزوجية والأثاث ، والتي تفوق قدرة ودخول أغلب الشباب العرب .. ففي سوريا – مثلا – يبلغ متوسط دخل الفرد شهريا 42 دولارا ، ويصل أعلى راتب شهري في الدولة إلى ما يوازي 210 دولارات شهريا ، في الوقت الذي تحلق فيه أسعار الشقق عاليا ليصل سعر المنزل المتواضع في وسط دمشق إلى حوالي 20.000 دولار، مما يراكم الديون على العريس لسنوات طوال ثمنا للشقة ولفرشها وللهدايا التي يتوجب عليه تقديمها للعروس من حلي ومجوهرات .

 وفي المقابل يدافع أهالي الفتيات عن أنفسهم بأن جميع الأجهزة والأشياء التي كانت تعد سابقا من الكماليات أصبحت اليوم أساسيات وضرورة من ضروريات الزواج التي لا يمكن الاستغناء عنها ، حتى وإن كان أغلب الناس غير قادرين على توفيرها .

 وهكذا أصبح المجتمع العربي يتخبطً بين عاداته وتقاليده وبين مفاهيم الحضارة ، وتجسد ذلك واضحا في عدم تفهم الأسر للتحولات الاقتصادية وما صاحبها من أزمات وتغيرات اجتماعية ، فهي لا تزال تطالب من يتقدم للزواج من بناتها بمطالب يعجز عن تلبيتها ، ومن ثم تحولت مشكلة العنوسة وفقا لهذا الاتجاه إلى مشكلة مادية بحتة ، نتيجة التغييرات الحادة التي طرأت على تفكير اغلب الناس ونظام الحياة بشكل عام ، بحيث لم تعد الفتاة نفسها اليوم تحلم بالفارس الذي يحملها على الحصان الأبيض ، ولم تعد تهتم بقوة شخصية الرجل ، وإنما اصبح جل اهتمامها منصبا على قدرته على توفير حياة مرفهة لها .

 * و تلعب البطالة دورا مكملا للسبب السابق ، فانحسار الوظائف  وفرص العمل أمام الشباب أصبح هاجسا يؤرق كل طالب عمل ، ومحدودية الفرص الوظيفية للنساء ونمطيتها التقليدية صارت إطارا لا يبدو الخروج منه سهلا أو قريبا ، ومن ثم حالت البطالة دون حصول الشاب على فرصة عمل تدر عليه دخلا ثابتا يمكنه من تحمل أعباء الزواج ، ، وإذا وجد الشاب عملا فإنه يتعذر عليه العثور على مسكن ليتزوج فيه ، وهكذا يمتنع عن الزواج ما دام غير قادر ماديا.

 * ويشكل العامل الثقافي سببا ثالثا لمشكلة العنوسة ، فخروج الفتاة للتعليم الجامعي والعمل ، واحتكاكها بالشباب ورؤيتها لأنماط مختلفة منهم ، جعلها مترددة في الاختيار ، مما أدى إلى عدم الإقدام على الزواج بشكل جدي ، وبخاصة بعد أن ظنت أغلب الفتيات أنهن يستطعن الحصول على "عريس تفصيل " كما يقول العوام ، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى ضياع الوقت وتجاوز الفتاة سن الزواج .

 * وفي المقابل ، فإن الشباب أصبح قادرا على إقامة علاقات محرمة مع الفتيات – تتفاوت في عمقها وطبيعتها – فشعر بعدم الحاجة الملحة للزواج ، وبالتالي أرجأ الزواج قدر استطاعته ، لأنه يعلم يقينا أن المجتمع يقبل أن يتزوج الرجل - مهما كان سنه - بفتاة صغيرة وقتما يشاء ، بينما ينظر بتوجس لفتاة تتزوج من هو أصغر منها أو يتأخر زواجها.

 العنوســـة الاختياريــــة

 واللافت للانتباه في هذا المجال، ظهور حالات متعددة من " العنوسة الاختيارية" التي تتوسع رقعتها يوما عن يوم ، وتتغذى هذه الحالة من الاستقلالية التي اكتسبتها الفتاة الموظفة سواء إزاء أسرتها أو قدرتها المادية.

 واحدة من هذه الحالات تختصرها أستاذة في الرباط بقولها: "أنا عانس لأنني لم أعثر بعد على شريك حياتي، أما الزوج، بمفهومه السلطوي، فهو موجود بكثرة، لكنني أبحث عن شريك حياة يقدر اهتماماتي ويفهمني، وهذا لم أعثر عليه بعد". وقالت أخرى" أنا أعيش وحيدة، خير من العيش مع زوج سيئ".

 ويعتبر محللون أن هذا ما هو إلا نتيجة للتحولات الاجتماعية الناجمة عن التأثر الغربي، وضعف الوازع الديني ، وهو ما يجعل علاقة الجنسين ممكنة خارج شرعية مؤسسة الزوجية، دون التزامات ولا مسؤولية، ولو أن هذا الرأي "الموضة" تتنكر له العصريات "المستغربات" بعد أن يتقدمن في السن إذ لا يصح إلا الصحيح.

 والنتائج

 الباحث الإسلامي الدكتور عبد القادر عمارة يلخص نتائج ظاهرة العنوسة في نوعين:

 - نتائج آنية تمس الأفراد، ويعني الشابات والشباب الذين يحلمون بالاستقرار في حضن مؤسسة الزوجية الطبيعية، وإنجاب الأولاد، وهؤلاء تستمر معاناتهم وعدم استقرارهم طالما لم يتزوجوا ، بل وتعيش الفتاة التي تأخر زواجها مثقلة بصفة "باير" (عانس) التي تدعو إلى الشك واعتقاد أن بها عيبا ما.

 - ونتائج على الأمد البعيد تهدد استقرار المجتمع قاطبة. إذ أن هذه الظاهرة في الظروف الحالية تساهم في إشاعة وسلوكيات منحرفة، حين يقع تصريف العلاقة بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج، لأن العلاقات تصبح مفتوحة على مصراعيها، وعلى كافة الشرور والمخاطر، وكلها أسباب لنتائج أخرى أكثر فداحة تتمثل في ارتفاع أعداد ما أصبح يعرف باسم "الأمهات العازبات" وا رتفاع أعداد أطفال لا نسب لهم، في مجتمع نسابة، يتجاوز حد الجد العاشر، وبذلك تنقرض العلاقات الأسرية الحميمية، وتشيع الأنانية فيحصر الإنسان اهتمامه بنفسه.

 ويرى الدكتور عمارة أن هذه الظاهرة التي تستدعي علاجاً فوريا قبل فوات الأوان، لا يمكن معالجتها بالمسكنات، فلا بد من مقاربة شمولية للموضوع، مؤكدا على ضرورة استحضار البعد الديني في المسألة، فنحن أمة دينها الإسلام الذي يصرف العلاقة بين الجنسين داخل مؤسسة الزواج، والذي يحث على التكاثر، وينوه بمن يوهب جزءا من حياته لتربية أولاده باعتبارهم مستقبل الأمة وكفالة والديه باعتبارهما الأصل.

 محاكــــــاة الغرب سبب تفشي الظاهرة

 ويجسد تأثر العديد من الفتيات بالقيم الغربية الوافدة ، مثل عدم التزامهن بالاحتشام في ملابسهن ومجاراة الغرب في سلوكهن والاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والعمل والأسواق ، وانتشار ظاهرة ما يسمى بالصداقة بين الجنسين ، والسفور الفاحش المنتشر بين الإناث ، سببا آخر من أسباب تفشي ظاهرة العنوسة ، لأنه غالبا ما ينفر الكثير من الشباب من الاقتران بها ، ذلك أن المجتمع يحترم الفتاة المحترمة ، والشاب عندما يفكر في الزواج لن يفكر إلا فيمن سوف تحمل اسمه فيما بعد وفيمن تستحق من وجهة نظره هذا الاسم .

 ويتعلق بذلك أيضا عدم التزام بعض الأسر بالأخلاقيات وتفهمها لظروف من يتقدم لابنتها ، حتى وإن كانت الفتاة نفسها صالحة ، لأن ذلك يصبح مدعاة لتخوف الشاب من أن تمس سمعته نتيجة لارتباطه بفتاة من أسرة غير ملتزمة ، وبالتالي  تؤخذ الفتاة بجريرة أسرتها .. وكم من فتيات صالحات حرمن من فرص الزواج لأن أسرهن تحت مستوى الشبهات ، فضلا عن أن بعض أولياء الأمور يمنعون بناتهن من الزواج طمعا في مهور خيالية يحصلن عليها من الزوج المرتقب – وبخاصة إذا كانت الفتاة جميلة – أو حتى لا تنقطع المكاسب المادية التي يجنونها من وراء وظيفة ابنتهم .

 * وتلعب العادات الاجتماعية البالية دورا بارزا بين أسباب تفشي ظاهرة العنوسة في مجتمعاتنا العربية ، بزعم الحفاظ على الأنساب وتقويتها وتدعيمها وصيانتها من الاندثار ، وعلى رأسها ألا تتزوج القبلية من الحضري ولا الشريفة من غير الأشراف ، وألا تتزوج الغنية إلا من غني ، ولا تتزوج العربية من أجنبي .. إلى جانب قيام أولياء الأمور بحجز الفتاة إلى ابن عمها او ابن خالها بحجة أنه أولى بها من الغريب (كما يحدث في صعيد مصر أو دول الخليج العربي وبعض الدول العربية) حتى وإن لم يكن يحمل المؤهلات التي تجعله كفئا للفتاة .

 ومن بين هذه العادات أيضا إصرار الأب أو الأم على ألا تتزوج الفتاة الصغيرة قبل الكبيرة ، أو أن ابنتهما مازلت صغيره على الزواج ولم تكمل بعد تعليمها الجامعي ، أو إصرارهما على أن تكون مواصفات حفل الزفاف ومكان انعقاده لا تقل عن حفل زفاف شقيقة العروس ، أو حفل زفاف ابنة عمها أو ابنة خالتها ، أو حتى صديقتها أو جارتها ، فالفتاة تريد حفل عرس يحكى عنه الناس ، وفستانا وجهازا يتكلف الكثير ؛ بغض النظر عن ظروف الأسرة نفسها ، إذ إن كل ما يهمها هو أن تستمتع بحياتها ، وهو ما يدفع الشباب بدوره إلى الهروب من تكاليف حفل زواج لا يطيقه .

 الطمـــوح العلمــــــي للفتــــــــــاة سبب جديــد

 * ويشكل التعليم سببا إضافيا – إلى جانب الأسباب السابقة – لانتشار العنوسة في المجتمعات العربية ، إذ ترفض الفتاة الطموح علميا الزواج حتى تحصل على الماجستير والدكتوراه ، وعندما تحصل عليهما تتغير شروطها في زوج المستقبل ، فيبدأ مسلسل الرفض حتى يفوتها قطار الزواج .. وبينما كانت الفتاة التي حصلت على قسط بسيط من التعليم في الماضي تحلم بأن تصبح زوجة وربة بيت ، وتدرك أن الزواج سنة الله في أرضه ، فإنها الآن أصبحت تعيش حالة صراع الأدوار ، بعد أن أصبحت لا تفكر في دورها التقليدي فقط كزوجة وأم ، بل أيضا في دورها كامرأة عاملة تخشى أن تتزوج من رجل يستولي على راتبها ، بينما هي من وجهة نظرها تستطيع الاستغناء عن الزوج لأنها لا تحتاجه اقتصاديا.

 وإذا كانت هذه الأسباب المباشرة لظاهرة العنوسة تقف وراءها الفتاة وأسرتها ، فإن هذا بالطبع لا يعني أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالشاب – أو الزوج المنتظر – نفسه ، وعلى رأسها أن أغلب الشباب راح يستمد من فتيات الإعلان مواصفات عروسه ، وبخاصة بعد أن أفسدت القنوات التلفزيونية والمجلات الشباب وجعلته لا يصلح لإقامة أسرة أو فتح بيت ، ورسخت في وجدانه أن الجمال لا يتوافر إلا في أصحاب الشعر الأشقر والعينان الزرقاوان

 ومن بين تلك الأسباب أيضا رغبة الزوج أو الخطيب في الظهور بمظهر لائق ، حتى ولو لم يكن قادرا على تكاليف هذه المظاهر ، إذ يجنح بعض الشباب المقبل على الزواج إلى المظهرية والمبالغة في نفقات الزواج وإقامة حفلات الزفاف ؛ مما يدفع من يريد المحاكاة والتقليد إلى اللجوء لأساليب منحرفة للحصول على المال ، أو إقامة علاقة ارتباط غير شرعية كبديل للإحباط الذي ينتابه إذا ما فشل في تحقيق هذا الحلم لسبب أو آخر .

 وكثيرا ما يضع شبح لقب " العنوسة " الفتاة العربية تحت ضغط اجتماعي شديد وقاس ، لدرجة أن الفتاة التي لم تتم العشرين بعد – أو تلك التي مرت السنوات الخضراء في حياتها من دون زواج – قد تضطر الى تقديم بعض التضحيات من اجل الزواج حتى لو كان ذلك على حساب كرامتهن وكبريائهن ، إذ تبدأ الفتاة في الحرص على حضور الأفراح والظهور في المناسبات ، ويصل الأمر إلى حد تملق أم العريس (المحتمل) حتى تكسب ودها ، لعلها تطلب يدها لابنها!! وذلك خشية ان تحمل لقب عانسة .

 ظاهــــــرة عالميـــــة

 وإنصافا للفتاة العربية فإن ظاهرة العنوسة ليست ظاهرة قاصرة على المجتمعات العربية وحدها ، وإنما هي بطبيعة الحال ظاهرة عالمية ، غير أن الغرب الذي يعاني أيضا من ظاهرة العنوسة لا يشعر بحدتها مثل المجتمعات العربية نظرا لأن الزنا عندهم ليس محرما ، بل تظل المرأة تعاشر الرجل معاشرة الأزواج سنوات طويلة وقد تنجب سفاحاً ، وفي النهاية قد يقرران الزواج أو الانفصال .. هكذا بكل بساطة .

  رأي علمـــــــاء النفــس والاجتمـــــــاع

 كان من الطبيعي أن تستوقف الأرقام المخيفة لارتفاع معدلات العنوسة علماء الاجتماع والنفس ـ بل والسياسيون أيضا ـ في محاولة لبحث أهم الأسباب المباشرة لتفشي هذه الظاهرة في العالم العربي ، ودراسة تداعياتها على الأسرة والمجتمعات العربية ، أملا في وضع الحلول وتذليل العقبات .

 ويكاد علماء النفس والاجتماع يجمعون على أن تداعيات العنوسة لا تتوقف علي الفتاة وحدها ، وإنما تمتد لتشمل باقي أفراد الأسرة جميعا ، فالأب ـ مثلا ـ قد ينساق وراء نصائح زوجته بالبحث عن عريس لابنته بين كل المحيطين به والمتعاملين معه ، فيلجأ إلى عرض ابنته بطرق غير مباشرة على بعض زملائه أو أبنائهم ، وإذا فشل في ذلك فإنه يلجأ إلى أساليب لا شعورية تخفف عنه ، كأن يبلغ الآخرين مثلا بأن ابنته قد تقدم لها الكثيرون ولكنه رفض ـ أو رفضت هي ـ لأسباب متعددة ، وربما تعايش مع هذا الكذب حتى يعتقد بأن ما يرويه من أكاذيب هو الحقيقة بالفعل ، وهو ما يقوده في نهاية المطاف إلى كثير من الاضطرابات النفسية والسلوكية .

 ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل تمتد هذه التداعيات لتشمل علاقة الأب بابنته العانس ، فينهج في تعامله معها طريقة من بين ثلاث طرق ، فإما التغاضي عن هذه المشكلة ، وترديد عبارات مثل " القسمة والنصيب " و" ربنا عايز كده " ، وإما التشدد والعنف في تعامله مع ابنته وتشديد الرقابة عليها ، لأنه يظن ـ لا شعوريا ـ أن في ابنته شيئا ما خطأ جعل الآخرين يعزفون عن التقدم إليها ، وإما ترك الحبل لها على الغارب بدعوى أن كثرة خروج ابنته ورؤية الآخرين لها قد يدفع أحد الشباب إلى الاقتران بها .

 وبينما يكون هذا حال الأب ، فإن الأم تعيش هذه المشكلة بكامل طاقتها وعصبيتها وقلقها واكتئابها ، فهي كأم تشعر بعمق أحاسيس ابنتها ، وتعيش على حلم أن ترى ابنتها في عش الزوجية وأن ترى أحفادها ، ومن ثم فقد تنتابها حالات من الاكتئاب ، وقد تلجأ إلى السحرة والدجالين ظنا منها أن ابنتها " معمول لها عمل " ، وقد تلجأ إلى الدلالات لتعرض عليهن مشكلة ابنتها ، مع وعدهن بمكافأة سخية إذا أحضرن لابنتها عريس المستقبل .. غير أن الأم في بعض الأحيان قد يكون إيمانها قويا فتقوم بالتخفيف عن ابنتها وحثها على الرضا بقضاء الله

 أما الأخت الصغرى ، فلاشك أن مشاعرها تكون مبهمة وغامضة ، وقد تهيئ نفسها لأن تكون في الوضع ذاته وتعيش نفس المأساة ـ أي لا تتزوج مثل أختها ـ وقد تتفنن في ابتكار طرق مختلفة لجذب أنظار الشباب والدخول في علاقات آثمة مع بعضهم ، ظنا منها أنه إذا وقع المحظور فإن هذا يضمن لها الفوز بعريس المستقبل وألا تواجه نفس مصير شقيقتها .. بينما إذا كانت شقيقات الفتاة متزوجات فإنهن يشعرن بالأسى تجاه أختهن ، وفي الوقت ذاته يشعرن أيضا بالنقص أمام أزواجهن ، خاصة إذا سألوهن عن سر عدم زواج أختهن أو حملت أسئلتهم تلميحات حول سلوك الفتاة وطباعها .

 ومن البديهي بطبيعة الحال أن تكون الفتاة نفسها أكثر أفراد الأسرة معاناة من مضاعفات العنوسة ، وعلى رأسها المضاعفات الجسدية والنفسية منها الشعور بالاضطرابات والقلق والتخوف من المستقبل وعدم الاستقرار أو راحة البال .

 ففي المجتمعات العربية تحديدا يعد الزواج " سترة " للفتاة وحفظا لكرامة أسرتها ، ومن ثم فإن تقدمها في السن دون زواج قد يثير العديد من الأقاويل التي تمس سمعة الفتاة وسمعة الأسرة ، فتشعر بالدونية وبأنها أقل من الأخريات ، وبخاصة عندما تصرخ بداخلها نداءات الأنوثة والأمومة ، وهو ما قد يدخلها في دوامات من القلق والاكتئاب واليأس والتشاؤم من الحياة .. وربما حاولت الفتاة التغلب على هذه الدوامات باللجوء إلى توثيق صلتها بالله أكثر ، غير أنها قد تغلو دينيا فتمارس دور المفتى في التحليل والتحريم .

 وقد تسلك الفتاة العانس طريقا مغايرا تماما للهروب من دوامات القلق واليأس هذه ، فتلجأ إلى الابتذال والسفور غير الطبيعي في ملابسها وهندامها بطريقة تثير غرائز الشباب ، رغبة في إثبات الذات والشعور بأنها مرغوبة مثل باقي أترابها ،  بل وربما سعت في الوقت ذاته إلى كثرة الاختلاط بالشباب في الأماكن العامة وفي العمل والأسواق تحت زعم ما يسمى بالصداقة .

 وشيئا فشيئا قد يتحول هذا الابتذال والسفور إلى انحلال خلقي ، فتندفع الفتاة إلى الانحراف وإقامة علاقات جنسية سرية وعابرة لإشباع رغباتها خارج مؤسسة الزواج ، أو إلى ما يسمى بالزواج العرفي أو السري ، بيد أنها رغم ذلك تظل في كلتا الحالتين محرومة من مشاعر الأمومة ومن الإحساس بالأمان .

 * ويأتي ارتفاع ظاهرة الزواج من أجنبيات ليشكل بعدا آخر من أبعاد مشكلة العنوسة ، إذ بدأت هذه الظاهرة تغزو أغلب المجتمعات العربية بكثافة شديدة ، لدرجة أن دراسة صادرة عن وزارة الداخلية السعودية قد طالبت بمنع زواج الشبان السعوديين من أجنبيات بعد أن بلغ عدد الزوجات الأجنبيات اللاتي حصلن على الجنسية السعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة نحو تسعة آلاف زوجة ، مشددة على أن تفشي هذه الظاهرة يؤثر سلباً على الأطفال وعلى استقرار الأسرة في حالة حدوث خلاف أو طلاق .. بينما كشفت دراسة أخرى لوزارة العدل المصرية عن أن هناك اتجاهاً يسود بين الشباب المصريين للارتباط بزوجات من روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق وأوروبا الشرقية .

 محاولات لحـل المشكـــلة

يري الخبراء أن المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية  يمكن أن تجند طاقاتها وجهودها لمواجهة تفشي هذه الظاهرة ، وإعادة الاعتبار إلى شكل الزواج بوصفه رباطا أسريا وليس علاقة تجارية ، وذلك من خلال تنظيم الندوات والمحاضرات الدورية للتوعية بالمفهوم الإسلامي للزواج ولمحاربة شتي العادات والتقاليد التي عفا عليها الزمن .. فضلا عن إقامة الأسواق الخيرية المختلفة التي تساهم في توفير متطلبات بيت الزوجية بأسعار معقولة وبهامش ربح بسيط .. أو تقديم المساعدات المالية والقروض الحسنة لراغبي الزواج ، على ان يتم تقسيطها وفقا لظروف المقترض .

 ويتصل بهذا التيسير والتسهيل في منح القروض ضرورة إنشاء الدول العربية صناديق للزواج ، وهي تجربة بدأت بعض الدول بالفعل تتنبه إليها وتتبناها ، حيث أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا الصندوق لمعالجة أسباب وجذور مشكلة العنوسة ، وسعى المسؤولون عنه إلى تشجيع الشباب على الزواج من أهل بلدهم ، وحث الأهالي على عدم المغالاة في المهور وتكاليف الزواج ، وبدأ الصندوق نشاطه بالعمل على أكثر من مسار، منها تقديم منح مالية لراغبي الزواج تصل إلى 70 ألف درهم ، كما يقدم الصندوق أيضا منحاً للزيجة الثانية.

  ففي المملكة العربية السعودية خاضت جمعية البر بالمنطقة الشرقية تجربة مماثلة أطلقت عليها مشروع تيسير الزواج للتوفيق بين راغبي الزواج وتقديم المساعدات المادية والقروض للشباب المقبل على الزواج وإحياء مبدأ التكافل الاجتماعي بين المسلمين ،  وتقديم المساعدات العينية مثل

 الأثاث الجديد أو المستعمل الذي يقدمه المتبرعون ومحبو الخير ، بالإضافة إلى توسط إدارة المشروع لدى المتبرعين من أهل الخير لتوفير مكان مناسب لإقامة حفل الزواج بسعر تشجيعي ، أو الحصول على تخفيضات في أسعار الأثاث والتجهيزات.

 أما في الكويت فقد قامت مجموعة من رجال الأعمال  ومسئولي الجمعيات الأهلية والخيرية بتأسيس صندوق للزواج يبلغ رأس ماله خمسة ملايين دينار، تزيد مستقبلاً لتصل إلى 10ملايين دينار( أكثر من30 مليون دولار) ، بهدف التوفيق بين الراغبين من الجنسين في الزواج ، وتقديم القروض المالية بدون فوائد وعلى أقساط قليلة ومريحة.

 وقد أعلنت اللجنة التأسيسية للصندوق أنها ستسعى للحصول على موافقة الجهات المختصة لتخصيص وقف دائم لدعم رأسمال الصندوق، إضافة إلى القروض الحسنة التي يقدمها أهل الخير وبعض الشركات لهذا الغرض ، والتبرعات المالية من الجهات الحكومية ، بالإضافة إلى مبالغ مالية سنوية من زكاه الأفراد والمؤسسات والشركات المختلفة في المجتمع الكويتي ومساعده الفنادق ورجال الأعمال وبعض المؤسسات .

 وعلى نفس الصعيد بدأت معظم البلدان العربية تنظم حفلات زواج جماعي تضم أعداداً من الشباب والشابات في زفاف واحد ضخم، مما يوفر مبالغ ضخمة تتكلفها كل حالة زواج ، وبخاصة بعد أن اتضح أن المبالغ التي تصرف على حفلات الزواج في دول الخليج ـ مثلا ـ تمثل سبباً رئيسياً في عزوف آلاف الشباب عن الزواج من مواطنات بلدهم ولجوئهم للزواج من فتيات بلدان عربية أخرى .

 وتأتي الدعوة لتعدد الزوجات لتشكل حلا آخر من حلول مشكلة العنوسة ، ومن ثم لم يكن غريبا ان يؤكد مفتي عام المملكة العربية السعودية رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ أن تعدد الزوجات أمر شرعه الله لصالح المجتمع ، وأن على المرأة أن تقبل أن تكون زوجة ثانية أو ثالثة باعتبار ذلك خيراً من العنوسة .. مضيفا أن زواج المرأة من رجل ذي دين وكفاءة وخلق ومعه زوجة أخرى لا عيب ولا نقص فيه ، وأن التعدد أمر مشروع ومن يشكك فيه فهو ضال .

 ورغم أن هذا التعدد أمر شرعي صحيح ، إلا أن فكرة التعدد هذه مازالت تلقى معارضة شديدة في المجتمعات العربية ، وهو ما كشفته ردود الأفعال المتباينة في الشارع العربي على مسلسل "عائلة الحاج متولي" ، الذي شنت عليه النساء العربيات حملة هوجاء ، معتبرين أنه عودة إلى " عصر الحريم والجواري " ..

 ورغم أن الإسلام قد شرع صراحة مبدأ تعدد الزوجات شريطة العدل بينهن ، في محاولة مبكرة منه للقضاء على مشكلة العنوسة ، بيد أن الواقع في مجتمعاتنا العربية يكشف بوضوح أن الزواج من الثانية محرم اجتماعيا بسبب النظرة الاجتماعية الخاطئة لمن تزوج على زوجته ، وتوهمهم أن هناك عيبا فيمن تزوج عليها زوجها ، كما أن الزوجة قد تكون قريبة للزوج ولا تسمح وأهلها بزواجه من أخرى ، بالإضافة إلى الاحتجاج بالنفقة وقلة الدخل مع أن مصروف أسرة واحدة في أغلب الدول العربية قد يفوق ما ينفق على عشر أسر في بعض البلاد الإسلامية الأخرى .

العنوسة.. أسباب وملابسات(2)

 تختلف الأسباب، وتتعدد العوامل التي تؤدى وتساعد على انتشار ظاهرة العنوسة، وتصب كلها في بوتقة البعد عن ديننا الحنيف، أو جهلنا ببعض أحكامه، أو سوء فهمنا للحكم- الساهية وراء الأوامر والنواهي التي يأمرنا بها الله- عز وجل- وتوضحها لنا السنة الكريمة، فكلما زاد اقترابنا وتمسكنا بتعاليم ديننا الحنيف إيمانا قولا وفعلا كان في ذلك النجاة من الوقوع في أزمات ومشكلات الحياة المعاصرة بتطوراتها السريعة المتلاحقة.

ومن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة العنوسة:

1- عضل النساء. أي منع المرأة من الزواج بكفئها فإذا تقدم لها خاطب كفء منعت منه إما من قبل وليها أو لتدخل قصار النظر من النساء والسفهاء بحجج فاسدة كالقول بأن الخاطب كبير السن أو فقير أو متدين متشدد. وبهذا تهدر المصالح، وتضيع المسئولية، وتحرم المرأة من حقها الشرعي في الزواج في الوقت المناسب، وتفقد دورها الفعال في المجتمع بتكوين تشارك في مسئوليته، وتنشئ جيلا يعتمد عليه.. ومما يزيد المشكلة رفض ولي الأمر لزواج الفتاة بوضعه شروطا تعجيزية من المهر والمتطلبات التي ينوء بحملها أي شاب في العمر، أو طمعه في راتب الفتاة فيختلق الأسباب لرفض الزواج متناسيا بذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة

وفي منع المرأة من التزويج بكفئها ثلاث جنايات: جناية الولي على نفسه بمعصيته الله ورسوله، وجناية على المرأة حيث منعها من كفئها وفوت عليها فرصة الزواج الذي هو عين مصلحتها، وجناية على الخاطب حيث منعه من حق أمر الشارع بإعطائه إياه، ومثل هذا الولي تسقط ولايته على المرأة وتنتقل إلى من هو أصلح منه ولاية عليها، بل إذا تكرر هذا العضل منه صار فاسقا ناقص الإيمان والدين لا تقبل شهادته جمع من العلماء، كما أن الولي قد يمنح تزويج الفتاة بحجة أن لها أختا أكبر منها، والنتيجة أن تعنس الاثنتان أو يرفض تزويجها بجعلها خادمة لإخوانها الذكور، ولا يسمح لها بالزواج إلا بعد أن يتزوج الأبناء، ولا يوجد دليل شرعي على ذلك أو على مراعاة الترتيب في الزواج.

2- ومن معوقات الزواج وسبب تأخيره رفع المهور وجعلها محلا للمفاخرة والمتاجرة لا لشيء إلا لملء المجالس بالتحدث عن ضخامة هذا المهر دون تفكير في عواقب ذلك، ولا يعلمون أنهم قد سنوا في الإسلام سنة سيئة عليهم وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، وأنهم حملوا الناس عنتا ومشقة يوجبان سخطهم عليهم وسخريتهم منهم، وإن ضخامة المهر تسبب كراهة الزوج لزوجته، وتبرمه منها عند أدنى سبب وإن سهولة المهر تسبب الوفاق والمحبة بين الزوجين هما يوجد البركة في الزواج.

3- ومن الأمور التي نفرت من الزواج تلك المعوقات التي ابتدعها الناس وتمادوا فيها حتى أثقلت كاهل الزوج من تكاليف باهظة لشراء مصاغات وأقمشة، والمبالغة في تأثيث المنزل، والإسراف في إقامة الولائم، وضياع الأموال هدرا، ومنها أيضا إقامة الحفلات في الفنادق وقصور الأفراح وما يتبع ذلك من ارتكاب المحرمات من الغناء والرقص والتصوير، بل وشرب المحرمات وتصبح هذه الحفلات مجالا خصبا لارتكاب المعاصي، وما يتبع ذلك من قضاء ما يسمونها "شهر العسل " في بلاد خليعة من البلاد الأجنبية وتكون النتيجة مخالفة شرع الله، ويصبح الزوج مكبلا بقيد من الديون الثقيلة التي تمتد سنوات وسنوات.

وتعد هذه المعوقات التي تقف حائلا أمام الزواج من سباب عزوف الشباب عن الزواج، وتأخير سن الزواج، وتأيم كثير من الفتيات، وتفشي ظاهرة العنوسة وما يتبعها من آثار سلبية على الأسرة والمجتمع ككل، وتلك العوائق من جانب لي أمر الفتاة وهو أحد أطراف القضية التي تشمل ولي الأمر، الأم، الفتاة، الشاب، وهم أطراف عملية الزواج أو العزوف عنه. فولي الأمر يجب أن يحافظ على الأمانة التي حملها من فوق سبع سماوات، وأن يتقي الله في أولاده جميعا ولا يفرق لي المعاملة بين الذكور والإناث كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ". رواه البخاري ومسلم. والأنثى أحق بالشفقة والرحمة حيث إن عصمتها بيد ولي أمرها.

وبعض الآباء يكونون سببا في عنوسة الفتاة بأن يقول: بنتي لولد عمها، والبنت لا تريد ولد عمها، ويفرضه عليها، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ". رواه مسلم.

وهو ما يسمى عند بعض القبائل "بالتحجير" ويعد هضما لكرامة المرأة التي عززها الإسلام ورفع مكانتها.

كما أن بعض الآباء يشترط نسبا معينا "أو بلدا معينة" ويرد كثيرا من الخطاب بحجة أنهم أقل منهم نسبا أو ليس من قبيلته، أو من بلده على الرغم من أن المعيار هو التقوى والدين كما قال تعالى: {وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} (سورة الحجرات، الآية:13).

ولقد تزوج عليه الصلاة والسلام من زينب بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، كما زوج محمد عليه الصلاة والسلام فاطمة بنت قيس لأسامة، وتزوج المصطفى الكريم من صفية بنت حيي بن أخطب وكانت ابنة يهودي. كما أن بعض الآباء يشترطون شروطا شكلية ربما لا يستطيع الشاب تحقيقها مثل أن يكون لديه سيارة، أو تكون معه شهادة مثل شهادة البنت أو أعلى، أو عنده سائق أو خادمة، أو يكون له منزل بمفرده بمواصفات معينة وغيرها من الأمور التافهة التي تؤدي إلى العنوسة.

أما الطرف الثاني فهو الأم ودورها العظيم حيث تقع عليها مسئولية تربية بناتها وفق التعاليم الدينية السمحة مستنيرة في ذلك بالأحاديث النبوية الشريفة، وعليها أن تغرس في نفوسهم أثناء التربية الحب والدين، أما المال فليس شرطا فهو يأتي ويذهب بالإضافة إلى التحلي بالصبر والآداب العامة، والاهتمام بالثقافة والعلم، والاعتماد على النفس في شئون المنزل والحياة العامة ومواجهة المشاكل والعمل على حلها بالصبر والأناة وعدم الاعتماد على الخدم كلية وأن تقنع بالقليل، فالسعادة وراحة البال لا تتحققان بالمال والمظاهر الشكلية، ولكن بالخلق والدين والإيثار والقناعة والود والرحمة.

وعلى الأم ألا تختلق العوائق والشروط التعجيزية أمام زواج الفتاة أو الشاب، فالاعتدال مطلوب في كل شيء من الناحية الجمالية والمادية، والمظاهر الشكلية، بما في ذلك مظاهر التفاخر والتباهي بأشياء لا تغني ولا تسمن من جوع، فالعبرة بالدين والأخلاق والسلوك السوي والاستقامة، فالتيسير مطلوب، قال عليه الصلاة والسلام: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا".

أما الطرف الثالث فهو الفتاة، وعلى هذا الطرف تقع المسئولية للنهوض بمستواها الثقافي والجمالي، جمال الأخلاق، وجمال الخلق، فالأخلاق تتمثل في الاحتشام، والمحافظة، والنظر للبعيد والقادم من الأيام كما أدق عليها أن تتعلم المهارات المنزلية، وتزن الأمور بالعقل قبل العاطفة و ألا تغالي في الصفات المطلوبة والصورة الخيالية لفارس الأحلام، فالكمال لله وحده، ولا يوجد إنسان تتوافر فيه كل الصفات الشكلية والجوهرية من دين وخلق والتزام، وألا تجعل هذه الرغبات الخيالية وغير المنطقية عقبة أمامها تحولها مع مرور الأيام إلى عانس برفضها كل خاطب لا تنطبق عليه هذه الأوهام وتكابر حتى يلحقها قطار العنوسة والذبول والندم.

كما أن الفتاة قد تجعل الدراسة عقبة أمام الزواج ويوافقها أبوها على ذلك، وفي ذلك ضرر على الفتاة وعلى المجتمع من عدة أمور منها: أن التعليم الطويل بالنسبة للفتاة في الغالب لا تستفيد منه عندما تتزوج فتنشغل بالزوج والأولاد، كما أن الفتاة إذا ردت نصيبها من الزواج بحجة الدراسة فإن الخطاب ينصرفون عنها- كما يقول الأستاذ عبد الله الجار الله في كتاب الزواج وفوائده وآثاره النافعة- لأن كثيرا من الشباب يفضلون زوجات أقل منهم في المستوى العلمي، وبعض الشباب لا يفضلون زوجة تخرجت من الجامعة، وانشغلت بالعمل وجمع المادة مع أن السن قد تقدمت بها، وبدأت تذبل، فحري بالمرأة وولي أمرها ألا يردا الخاطب في أي لحظة من اللحظات التي يتقدم لهم فيها إذا رضوا دينه سواء قبل أن تواصل دراستها وعملها أم لم يقبل أن تواصل الدراسة والعمل، مع أن بعض الشباب لا يمانعون من مواصلة زوجاتهم للدراسة، لأنهم يحسون أن المجتمع بحاجة إلى مثل زوجاتهم للتدريس، أو للتطبيب ونحو ذلك هما يحتاجه المجتمع الإسلامي المحافظ.

أن الإسلام لا يقف أمام تعليم الرجل والمرأة، وإنما يقف أمام تلك المظاهر الكاذبة التي انتشرت والتي كان لها الأثر السيئ في المجتمع الإسلامي، فلو فرضنا أن الفتاة قد أكملت دراستها بدون زواج، وأخذت الشهادات العليا فكم يصبح عمرها؟ ومن سيتزوجها؟ بعد أن عدت سن الزواج؟ فأغلب الرجال يفضلون الفتاة صغيرة السن وتمتلئ البيوت بفتيات نادمات على رفضهن الزواج بحجة إكمال الدراسة، وآباءهن الديمقراطيون لا يحركون ساكنا، ولا يقدمون النصيحة لهن، وتود الواحدة من هؤلاء الفتيات اللاتي حصلن على شهادة الماجستير أن تحرق لأنها أضاعت عمرها، وأوصت شبابها ولحقت بقطار العنوسة، حيث الرجل لا يريد زوجة، لم يتبق من عمرها إلا القليل حتى تصل لسن اليأس.

إن الفتاة أو الشاب إذا تزوجا خلال فترة الدراسة فإنهما سيعيشان أحلى لحظات العمر مع الاستقرار النفسي والعائلي. وقد تناولت جريدة الندوة قضية الفتاة الجامعية التي تقف على عتبة العنوسة في العدد 10582 في (13 ربيع الثاني 1414 هـ) بالمناقشة بين طرفي القضية الفتاة والشاب، ونستعرض بعضا من الآراء المختلفة لكل طرف لنتعرف على ملابسات هذه القضية الحساسة.

إحدى الفتيات اتهمت الشباب بأنهم يبحثون عن الفتاة صغيرة السن أو قليلة التعليم لسهولة قيادتها، أو لإضفاء المرح والسرور على الحياة الزوجية، كما اتهمت الشباب الذين يعزفون عن الزواج من الجامعية بقصور تفكيرهم، وضعف شخصياتهم، لأنهم يتابعون الأفلام التي تكون محشوة بأفكار ومعتقدات خاطئة عن الفتاة الجامعية وأن قوامة الرجل صورية، وليس كما جاء في قول- الله عز وجل-: {الرجال قوامون على النساء}.

ورأي آخر لفتاة يقول: إن الشباب يلصقون أبشع الصفات بالفتاة الجامعية بأنها "مغرورة ومتعجرفة ومتكبرة".

واتفقت معظم الفتيات على أن العلم ضروري ولن يؤثر ذلك على مستقبلهن الأسري حتى حملن هذا السلاح الذي يحميهن من غوائل الدهر، وظروف الحياة، بل إن الشهادة تمنحهن المزيد من النضوج والوعي والثقافة، ويوجهن اللوم إلى بعض الشباب الذين يتذرعون بالحجج الواهية حول غرور الفتاة الجامعية، أو البعض الآخر الذي يفضلها صغيرة، وأكدن أن بعض الشباب يتهربون من المسئولية ومن الارتباط بالفتاة الجامعية، لأنها أعلى مستوى منهم، وأرقى ثقافة، ونفين مقولة: "إن الفتاة الجامعية تشرف على العنوسة".

ويرى شاب جامعي أنه من الأفضل الزواج من جامعية ليكون هناك تقارب في المستوى الفكري والثقافي بينهما، ولكي يعيش الأبناء في ظل أسرة متفهمة واعية قادرة على حل مشاكلها بكل سهولة ويسر، وحصول الفتاة على شهادة جامعية أمر ضروري لتؤمن نفسها من غدر الزمن لأنها لو توفي زوجها أو طلقها تستطيع أن تخوض غمار الحياة وتربي أطفالها بالبحث عن وظيفة، كما أن الفتاة الجامعية تصل إلى درجة من العقلانية والوعي الثقافي تؤهلها لأن تكون زوجة صالحة وأما فاضلة وعضوا فعالا لبناء المجتمع.

ويمكن الجمع بين الزواج في سن صغيرة وإكمال دراستها بعد الزواج، والموازنة بين بيتها وأطفالها ودراستها، لأن معظم الشباب يفضل الزوجة صغيرة السن التي لا يزيد عمرها عن العشرين، أما زواج الجامعية من شاب غير جامعي فهو زواج غير مستقر، لعدم وجود تقارب وتكافؤ بين الزوجين فكريا وعلميا وثقافيا، ولشبه انعدام لغة الحوار المشترك بينهما، وقد تتعالى الزوجة على الزوج بمستواها التعليمي، ولا يعني هذا أن الشاب الذي يريد فتاة صغيرة السن أو غير جامعية يعاني من نقص داخله، فهذا اتهام باطل ومرفوض، لأن هذه الرغبة قد تكون هروبا من تعالي وغطرسة وغرور الجامعية، وعندما يتزوج الصغير قد يدعها لإكمال دراستها أثناء الزواج، وبذلك يكون قضى على غرور الجامعية وتعاليها على الشباب.

إن الجامعية- بلا شك- تكون على قدر كبير من المسئولية والفهم والوعي والإدراك.

ويجب على الفتيات ألا يرفضن الزواج وهن في المرحلة الثانوية أو بداية المرحلة الجامعية بسبب رغبتهن في مواصلة التعليم، ثم يلقين باللوم على الشباب فكم من الفتيات والشباب أكملوا دراستهم بعد الزواج، فالمرأة إن لم تكن مؤدية لواجباتها الأسرية على أكمل وجه فهي غير ناجحة ولو كانت تحمل أعلى الشهادات.

ويؤيد شاب جامعي الزواج من جامعية؛ لوصولها لمرحلة نضج فكري وعلمي وجسدي متكامل تستطيع أن تتخطى به العقبات وتكون أما صالحة مثقفة واعية، إلا أنه يلزم بعض الفتيات التخلص من الكبرياء نتيجة حصولهن على المؤهل الجامعي.

رأي لباحث اجتماعي يقول: إن الارتباط بالجامعية أمر محبذ بشرط أن يسود التفاهم والوئام فيما بين الزوجين، وأن تعمل وتشارك الزوج في أعباء الحياة على ألا يكون هناك استغلال ولا شروط بخصوص الدخل ونحوه. فطلب العلم فريضة، ويا حبذا لو كان إلى آخر رمق، ولا يقتصر على المرحلة الجامعية فقط، فقد قال- تعالى-: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} (سورة الزمر، الآية:9) وقال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما فعل ".

ووجهة نظر أخرى تقول: إن الزواج بالجامعية المثقفة يكون عونا على بناء مستقبل مشرق، وعلى الذين يرفضون الزواج من الجامعية أن يعيدوا تفكيرهم الخاطئ وهذا التفكير العقيم وبخاصة إذا كان ممن وصل إلى المرحلة الجامعية بشرط أن تعي الفتاة الجامعية دورها بشكل جيد، وألا تتعالى على زوجها بشهادتها العالية.

ولعل الطبيبة من أكثر الفتيات تعرضا لعزوف الشباب عن الزواج منها لإصرارها على إنهاء دراستها قبل الزواج، واتهام البعض لها بالتعالي، والغرور، لأنها قد أصبحت طبيبة، ولهذا يعتقد البعض أنها لا تصلح كزوجة، وبعضهم يحاولون الحد من تقدم الفتاة الطبي عند إصرارهم على أن يكون عملها داخل إحدى الوحدات أو المراكز الصحية، إلا أننا نجد قلة هي التي تقدم على الزواج من الطبيبة، بل وتساهم أيضا في تحقيق أحلامها بالتميز والتفوق، ونعرض خلال السطور القادمة بعض الآراء ووجهات النظر المتنوعة والمختلفة للشباب والأطباء والطبيبات من خلال الاستطلاع الذي أجرته إحدى الصحف المحلية:

إن طول مدة الدراسة في كليات الطب السبب الأول، بل الأساس في تأخير سن الزواج للطبيبة كما يرى د. أسامة ظفر مدير مستشفى الملك فيصل بالطائف لأن 95% منهن يرفض الزواج لحين الانتهاء من الدراسة نتيجة الخوف الشديد من عدم الاستمرار، بل عدم الاستقرار في الدراسة التي تتطلب تفرغا كاملا، وتركيزا شديدا من أجل التفوق، للشباب عدة أسباب في عزوفهم عن الزواج من الطبيبة أولها طول مدة الدراسة، وثانيها رفض الفتيات الارتباط حتى الانتهاء من الكلية. كما أن اشتراط بعض الأزواج أن تتجه المرأة الطبيبة إلى العمل بالوحدات الصحية دون المستشفيات من أجل تقصير فترة الدوام حيث تتراوح مابين 8 إلى 9 ساعات عكس المستشفيات التي تصل فيها إلى ما بين 24 إلى 48 ساعة، وهذا أمر يرفضه أكثر الأزواج.

ورأي ثان للدكتور أحمد الشاذلي أستاذ طب الأطفال بالطائف يرى أن تأخر الطبيبة في الزواج، لأنها تفضل الزواج من دكتور يتفهم طبيعة عملها فمن يقبل أن تنزل زوجته في منتصف الليل إذا كان هناك حالات طارئة غير الزوج الطبيب الذي يقدر متاعب المهنة، ولذلك فقد تنتظر كثيرا حتى يتقدم لها الطبيب.

وجهة نظر لطالب جامعي تؤيد عدم الزواج من الطبيبة وترى أنه من الأفضل أن تتزوج من طبيب مثلها يساويها في جميع القدرات الثقافية والاجتماعية، ويكون متفهما لطبيعة عملها.

ورأي مخالف لموظف يقول: إنا ظروف الحياة اليوم أصبحت صعبة، وأصبحت المادة تشكل عنصرا أساسيا فيها، والارتباط بالموظفة بصفة عامة، والطبيبة بصفة خاصة أمر مساعد، وله دور كبير في تلبية متطلبات الأسرة، وله أثر إيجابي قد يطغى على الناحية السلبية في الحياة الزوجية.

قول لموظف يوضح أن الارتباط بالطبيبة يحتاج إلى نوع من التضحية من الزوج، وتقديم يد العون والمساعدة لمن نذرت نفسها لخدمة مجتمعها ولمن ترسم الأمل والابتسامة على شفاه مرضاها.

ونتعرف على وجهة نظر الطبيبات والفتيات إزاء عزوف الشباب عن الارتباط بالطبيبة:

توضح د. أسماء فتح الباب عبد الحليم استشارية أمراض النساء والتوليد أن تأخر الطبيبة في الزواج يرجع إلى طول مدة الدراسة، فتتخرج وهي في السنة الخامسة أو السادسة والعشرين وكثير منهن عندهن الطموح لاستكمال الدراسات العليا وكثير منهن يفضلن الانتهاء من الدراسة دون زواج وأولاد قد يعطلونهن عن المذاكرة والتفوق وهذا يؤدي إلى تأخر زواجها إلى ما بعد الثلاثين كما أن بعض الطبيبات يفضلن العريس الطبيب، وخصوصا إذا كانت حاصلة على دكتوراه، فهي تنتظر أستاذ جامعة، وبهذا تنتظر إلى ما بعد الأربعين.

ويمكن للطبيبة العاملة أن تأخذ إجازة مؤقتة من عملها إذا كان المنزل بحاجة إليها أكثر من العمل لرعاية أطفالها، ثم يمكنها العودة إلى عملها بعد ذلك.

وتعتقد طالبة طب أننا وصلنا إلى مرحلة تجعل الشباب يفكر بطريقة أكثر عقلانية وواقعية، وأن الارتباط بمثل هذا الشاب الذي يعتقد أن الزواج من الطبيبة لا يحقق الاستقرار الأسري يعد مجازفة، فليس هناك فرق بين الطبيبة والمعلمة وغيرهما ممن يخدمن المجتمع، ويسعين لمستقبل أفضل لهن وللمجتمع.

وبعد استعراض الآراء المتنوعة المختلفة من الطرفين: الشباب، والطبيبات يتضح لنا أن التفاهم والتكافؤ الثقافي والعلمي والاقتناع بدور كل منهما في الحياة الأسرية والمجتمع وبتعاون كلا الطرفين وتقدير ظروف عمله كل ذلك هو الأساس للاستقرار الأسري، فمهنة الطب من أنبل المهن وأشرفها، إلا أنه يلزم قليل من التضحية والتنظيم وتنسيق الوقت واستغلاله وتحديد الأولويات، ومع هذا تستطيع طالبة الطب الزواج في سن مناسبة مع استكمال دراستها بعد الزواج والمحاولة الدائمة في تحقيق النجاح على المستوى العلمي والمهني والمستوى الأسري والعائلي.

أما الطرف الرابع من أطراف القضية فهو الشاب، ولا شك أن عدم تحمل المسئولية والهروب منها هما وراء عزوف الشباب عن الزواج المبكر، فالبعض يتحجج بأشياء واهية كاستكمال الدراسة، والبعض يريد أن يؤمن مستقبله ويكون نفسه على حد تعبيره، كما أن البعض يضع شروطا خيالية في الفتاة التي يريد الزواج منها يجمع فيها كل المحاسن: من الجمال، والمال، والحسب، والنسب، والثقافة، والوظيفة، وأن تكون سيدة منزل من الدرجة الأولى متناسيا أو متجاهلا أنه هو ليس مكتمل الصفات والمزايا، فالكمال لله وحده، فكما أن هناك مزايا متوافرة هناك أيضا قصور في جوانب أخرى في كل إنسان.، فالمهم وجود درجة من التكافؤ الاجتماعي والتعليمي والثقافي والبيئي، وبالتفاهم والود وحرص كل من الشاب والفتاة على أن يؤدي دوره تجاه الآخر تضيق المسافات، وتختفي الفوارق والنواقص، وتلك كلها أمور غير مقنعة للعزوف عن الزواج ولكن نجد أن التنشئة الاجتماعية للشاب تلعب دورها في تكوين شخصيته واستقلاليتها ونضجها ووضع الأمور في نصابها السليم، كما تلعب التنشئة الاجتماعية دورها البارز والهام في تحمل المسئولية والاستقرار النفسي والنضج الفكري وعدم الخضوع لمزاجية أحد في تحديد مستقبله، واختيار شريكة حياته على أساس موضوعي سليم، فيكفي من الأهل النصح والمشورة فقط، والابتعاد عن فرض فتاة بعينها أو الحث على الابتعاد عن فتاة ما بحجة أنهم لا يستريحون لها أو ليست على هواهم، فيجب على الشاب أن يكون صاحب القرار الأول والأخير في تحديد مستقبله وحياته القادمة بعد سماع نصيحة الأهل ووضعها في الاعتبار.

فكم من شاب تزوج وهو لم يستكمل دراسته واستطاع في ظل الاستقرار الأسري بمساعدة زوجته وتهيئتها الجو المناسب- إكمال الدراسة، بل والتفوق فيها، كما أنه إذا تزوج في سن مناسبة فهو بذلك يتحمل المسئولية الكاملة عن البيت والأسرة مما يدفعه إلى مضاعفة الجهد، والعمل لتوفير احتياجاتهم، ويكون ذلك دافعا إلى البحث والمحاولة لتحقيق دخل أكبر، وبذلك يستطيع أن يؤمن مستقبله المادي والنفسي والأسري في الوقت نفسه، فكم من قصة نجاح وتكوين ثروة لا بأس بها من خلال هذا الاستقرار الأسري، ومن خلال الزوجة التي تقف وراء زوجها، وتدفعه للنجاح والتفوق والتميز، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "ثلاثة حق على الله عونهم: المكاتب يريد الأداء، والناكح يريد العفاف، والمجاهد في سبيل الله " رواه الترمذي والنسائي.

كما أن مقولة الشباب إن الزواج يتطلب مبالغ طائلة لا قدرة لهم عليها، وتكاليف تكبل حياتهم لمدة طويلة مقولة مبالغ فيها، لأنه يوجد العديد من الأسر التي لا تبالغ في المهور والتكاليف الباهظة، كما أنه تنتشر العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تساعد وتسهل في تكاليف الأزواج، بل وتستطيع التوفيق بين كل من الشاب والفتاة المناسبة له.

فعلى الشباب أن ينهضوا من سباتهم العميق، وحججهم الواهية، ويزيحوا عن كاهلهم شعار العزوف عن الزواج قبل أن تضيع أحلى سنوات العمر هباء، فقد قال- تعالى-: {إن يكونوا فقراء يغنيهم الله من فضله} (سورة النور، الآية: 32).

كما أن بعض الشباب يعزفون عن الزواج بسبب البحث عن أسرة تسمح بالرؤية الشرعية للفتاة قبل العقد، ويستمر البحث طويلا طاويا معه سنوات وسنوات، وربما لا يجد فيضطر للزواج بزوجة لم يقتنع بها، فإما أن يضمها على كره ومجاملة، وإما أن يطلقها مع أن الله أباح الرؤية الشرعية بشرط عدم الخلوة.

كما أن الشباب قد يشترطون الأبكار، وصغيرات السن، ولربما كانت العانس أو المطلقة أفضل بكثير من الصغيرات، سواء في العلم أو تجارب الحياة، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة بنت خويلد وعمرها أربعون عاما، وعمره صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون عاما.

4- ومما يساعد على انتشار العنوسة في المجتمع رفض البعض لفكرة التعدد في الزواج مع أن الله- سبحانه وتعالى- قد أباح التعدد وحث عليه بشروط وقيود معينة، يلزم تطبيقها حتى تتحقق الغايات الساهية من وراء التعدد، إلا أن البعض يرفض الرجل صاحب الدين والخلق الفاضل لكونه متزوجا مع توافر القدرة الدينية والمالية والصحية.

فربما يكتب الله الذرية الصالحة من هذا المعدد وهذا أفضل لها من جلوس الفتاة سنوات وسنوات بدون زواج. فالتعدد نظام إلهي محكم، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وهو موضوع كامل لا يعتريه النقص، حيث توضح أغلب التقديرات أن نسبة النساء الصالحات للزواج تزداد على عدد الرجال الصالحين بنسبة 4 إلى 1، نتيجة لكثرة ولادة البنات، كما أن الرجال هم وقود المعارك العسكرية، وضحايا الحوادث بنسبة أكبر من النساء، كما أنهم أكثر جهدا وسعيا للحصول على لقمة العيش مما يجعلهم أكثر قابلية للمرض. وتعدد الزوجات هو العلاج الأمثل لمعالجة هذا الاختلال بين النساء والرجال.

فخير للمرأة أن تكون نصف زوجة أو ثلث زوجة على أن تعيش حبيسة الوحدة و العنوسة والهموم.

5- فتور العلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأسر نتيجة للتطورات السريعة التي نعيشها اليوم والحياة المعاصرة التي ضعفت بسببها الصلات الاجتماعية بين الناس عن الماضي، بل واتسعت الهوة حتى بين أفراد العائلة الواحدة فيما عدا المناسبات، وخفتت الروابط التي كانت تربط بين الجيران، بل وأهل المنطقة بأكملها، وندرت الزيارات للأهل والمعارف والجيران، ونتج عن ذلك أن الجار لا يعرف شيئا عن جاره خيرا أو شرا، وبالتالي لا يعرف إن كان عنده من هو في سن الزواج أم لا وهذا نتيجة البعد عن ديننا الحنيف الذي يدعونا إلى التآلف والوحدة والتعاون كما قال- تعالى-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} (سورة المائدة، الآية: 2).

ومن هنا يأتي دور أهل الخير والصلاح في تعريف الناس بعضهم على بعض لمن يريد الزواج، أو لمن يوجد عنده بنات وبما تقدم بهن السن، أو كن أرامل أو مطلقات، ومحاولة التوفيق بين الناس ومساعدتهم على قضاء حوائجهم وينبغي ألا يتردد أهل الخير والصالحون من أهل المعروف في ذلك عملا بقوله عليه الصلاة والسلام: "الدال على الخير كفاعله " رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " رواه البخاري ومسلم.

فعلى أهل الصلاح والتقوى القيام بدورهم آخذين بالأسباب فقط، والنتائج بيد الله كما قال- سبحانه وتعالى-: {ما على المحسنين من سبيل} (سورة التوبة، الآية: 91).

ويرجع د. عبده الرب نواب الدين "بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة" أسباب العنوسة إلى ثلاثة عوامل هي: أولا: انشغال المرأة المسلمة المعاصرة بالدراسة التي تستقطع سنوات طويلة من شبابها، ثم بعد ذلك الانشغال بالعمل والوظيفة، وكثيرا ما يكون العمل مختلطا بين الجنسين، ولذلك آثاره النفسية والسلوكية على كيان المرأة المسلمة العاملة، وفي نظرة الرجل إليها وتقديره لمكانتها في المجتمع، ومركزها في البيت، وهذا الاشتغال الأنثوي لم يكن معروفا بهذه الصورة العميقة في الأجيال السابقة حتى عصر قريب، ففي الماضي كانت النساء تحترف حرفا كالخياطة والتطبيب والحياكة والخدمة، ولكن هذه الحرف لم تكن تشغل أوقات كبيرة من أعمارهن ولا كانت تترك لديهن أثرا نفسياً أو سلوكياً يشغلهن أو يلهيهن عن أمنية الأنوثة في الزواج والأمومة، وهي المهمة الأولى في الحياة بالنسبة للمرأة.

ثانيا: قلة الاكتراث بتزويج البنات والأخوات، وضعف الوازع الديني، وطغيان حب المادة، ولهذا السبب صور عديدة منها المغالاة في المهور، والاشتراطات المجحفة، والإسراف والبذخ في الولائم والأفراح، والحرص على المظاهر الخادعة، ورد الخاطب تلو الآخر طمعا في الأكثر ثراء، والأعلى وجاهة، وحرص ولي الأمر على مرتبها الشهري ومنعها من الزواج لهذا الغرض الخسيس إلى آخر هذه الصور الشائنة التي تصرف المرأة عن دورها الحيوي في المجتمع المتمثل في تكامل الزوجين وبقاء النوع.

ثالثا: تأثر الشباب بحضارة الغرب، وافتتانهم بعاداته، وله صور عديدة منها: إيثار حياة الوحدة والعزوبية و العنوسة، والانفلات من ربقة الدين والأخلاق إلى حمأة الفسق والرذيلة. والحرية المهلكة، وتقليد نجوم الانحراف والميوعة والتخنث والشذوذ، ووصل التأثر بالحضارة الغربية المادية في بعض الدول إلى حد التنفير من تعدد الزوجات الذي أباحه الشرع المطهر حين الحاجة إليه، وهذا الافتتان بالغرب ناتج- كما يقول علماء الاجتماع- من تقليد المغلوب للغالب في زيه ورسمه وعاداته توهما من المغلوب أنه بهذا التقليد يستمد من الغالب أسباب الغلبة والقوة والمنعة، ومن أوخم نتائج هذا التقليد المزري فقد الثقة في الدين الحق، والارتماء في أحضان الأعداء، وتضييع كل مكتسبات الحياة إثر ذلك، وفقد مقومات الاستقلال والكيان المتميز.

إن العبء الأكبر يقع على العلماء والدعاة وأئمة المساجد في التصدي لهذا الشبح الخطير، شبح العنوسة الذي يهدد الكثير من بيوت المسلمين.

إن مجتمعنا محافظ في دينه وقيمه، ولا تستطيع الفتاة مفاتحة والديها عن الزواج، وهذا أمر طبيعي ، ولا مانع إذا علمت الفتاة بتقدم أحد الخطاب لها وهو على دين وخلق أن تشعر والديها برغبتها فيه، أما إذا كان الوالد أو الولي من طبعه الرفض، ورد الخطاب فعند ذلك تستشير الفتاة من تثق بعلمه وتقواه من المشايخ لأخذ التوجيه المناسب، وربما يتاح التوسط بطريقة سليمة وشرعية، وليس بعيب أن تخطب الفتاة لنفسها لاسيما إذا كانت كبيرة ومميزة، ولها القدرة على التمييز، ولها في أم المؤمنين خديجة- رضي الله عنها- أسوة حسنة حينما عرضت نفسها على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم لما أيقنت من نزاهته وخلقه وأمانته.

العنوسة والطلاق تهدد المجتمعات العربية(3)

ـ تسعة ملايين شاب وفتاة عانس في مصر و264 ألف حالة طلاق سنويا

ـ مليون ونصف عانس في السعودية

ـ و48% نسبة الطلاق في الإمارات و46% في الكويت 35% و34% في البحرين و38% في قطر

العنوسة شبح يخيف الفتاة العربية

ندوة عن العنوسة - من منتدى عربيات

رصدت "عربيات" ظاهرة العنوسة وارتفاع نسبة الطلاق المجتمعات العربية لما لها من تأثير سلبي على استقرار الأسر العربية وقد وجدت الظاهرة متفاوتة من دولة إلى أخرى.

ففي مصر أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن ارتفاع نسبة العنوسة حيث وصلت إلى 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين من دون زواج وقد وصل عدد الإناث إلى ثلاثة ملايين و962 ألف والباقي من الذكور في حين بلغت عدد وثائق الطلاق التي صدرت في العام الماضي 264 ألف وثيقة طلاق.

كما سجلت الإحصائية وجود ألف حالة زواج عرفي بين أصحاب الشركات وسكرتيراتهم. 

الطريف أن الإحصائية شملت أيضا وجود نحو 5 آلاف مصري متزوج من 4 سيدات ومن هؤلاء الأزواج من يحمل درجة الدكتوراه أو درجات علمية مرتفعة وليس أصحاب المهن أو التجار وحدهم في حين زاد عدد من يجمعون بين زوجتين فقط إلى قرابة مليون مصري.

من ناحية أخرى أظهرت دراسة حديثة أجريت في أحياء مصر ذات الكثافة السكانية العالية، حدوث زيادة متسارعة الوتيرة لما أصبح معروف" بالطلاق العاطفي" وهذا النوع من الطلاق غير مسجل حيث يتم الطلاق على وضع زوجي يقوم به الرجل بالعيش مع زوجة ثانية مع استمراره في العيش مع الزوجة الأولى، فيقع انفصالاً عاطفياً بين الزوجين حيث يقيم الزوج علاقات عاطفية وزوجية خارج المنزل الزوجي.

مما دعا مكاتب التوثيق التابعة لمصلحة الشهر العقاري في مصر إلى تطبيق إجراءات جديدة للزواج والطلاق وتضمنت الوثيقة الوضع الصحي للطرفين وخلوهما من الأمراض التي تجيز التفريق وتوثيق كل ما يجوز للزوجين الاتفاق عليه في عقد الزواج والتي لا تتعارض مع الدين وتضمن وضع الضوابط التي تكفل حق الطرفين للحد من ظاهرة الطلاق التي تهدد مستقبل الأسرة مع الالتزام بوضع ضوابط التعديلات الجديدة وعدم توثيق الطلاق إلا بعد الخطوات الاحترازية وعلى الموثق أن يشرح مخاطر الطلاق والنتائج المترتبة على ذلك والحرص على اختيار حكم من أهل الزوجة وحكم من أهل الزوج ولا يتم توثيق الطلاق إلا إذا فشل الحكمان في التوفيق بينهما.

الجدير بالذكر أن البرلمان المصري حمل الحكومة مسؤولية العنوسة وارتفاع حالات الطلاق وطالب الحكومة بضرورة التدخل السريع للحد من ظاهرة العنوسة ومساعدة الشباب في تكاليف الزواج وتقديم تسهيلات لهم سواء بطرح الشقق السكنية بالمجتمعات العمرانية الجديدة بأسعار منخفضة أو من خلال توعية الأباء بضرورة تخفيض تكاليف الزواج أو تسهيل الزفاف الجماعي لأن ظاهرة العنوسة وارتفاع معدلات الطلاق تهدد استقرار المجتمع والأمن القومي المصري.

كما طالب نواب البرلمان المصري الحكومة بضرورة إنشاء صندوق للزواج على غرار الصندوق الذي أنشأته كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت ويتم تمويل الصندوق من الحكومة بالإضافة إلى قبول التبرعات من رجال الأعمال والقادرين وجزء من أموال الزكاة بهدف معاونة الشباب على نفقات الزواج بعد أن ارتفعت المهور وتكاليف الزواج .

وفي المجتمع السعودي والخليجي تتضح مشكلة العنوسة للفتيات وعزوف الشباب عن الزواج في قضية اجتماعية مزدوجة مرتبطة بالغلاء في المهور والعادات والتقاليد الاجتماعية البالية وعجرفة أولياء الأمور ومبالغة الفتيات في فتى الأحلام الذي تنتظره حتى يفوتهن قطار الزواج وأيضا مبالغة الشباب في المواصفات والمقاييس دون أن يطالعوا مواصفاتهم أولاً.

وقد ذكرتل آخر دراسة أعدتها وزارة التخطيط السعودية أن نسبة الطلاق في المملكة ارتفعت عن الأعوام السابقة بنسبة 20% .كما أن 65 % من الزيجات عن طريق الخاطبة تنتهي بالطلاق حيث سجلت المحاكم والمأذونين أكثر من 70 ألف عقد زواج و 13 ألف صك طلاق خلال العام الماضي .

وأشارت الدراسة إلى العنوسة من خلال عدد الفتيات اللواتي لم يتزوجن حيث بلغن سن الزواج 1529418 فتاة وكانت مكة المكرمة قد شكلت النسبة الكبرى بوجود 396248 فتاة ثم منطقة الرياض بوجود 327427 فتاة وفي المنطقة الشرقية 228093 فتاة ثم منطقة عسير بوجود 130812 فتاة تليها المدينة المنورة بـ 95542 فتاة ثم جازان 84845 فتاة ثم منطقة القصيم 74209 فتيات ثم الجوف 5219 فتاة وحائل 43275 فتاة ثم تبوك 36689 فتاة والمنطقة الشمالية 21543 فتاة

ويتضح من ذلك ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمع السعودي إلى أكثر من مليون ونصف المليون فتاة عانس في السعودية ومثل هذا العدد وأكثر من الشباب عاجزون عن دخول الحياة الزوجية مما دعا إلى ضرورة البحث عن حلول سريعة للشباب والفتيات.

بينما أوضحت الدراسة التي أعدها مركز سلمان الاجتماعي بالرياض نتائج سيئة تنذر بخطر كبير عن حالات الطلاق والعنوسة في دول الخليج

حيث أشارت الدراسة أن نسبة الطلاق في قطر وصلت إلى 38% من حالات الزواج في حين بلغت نسبة العنوسة إلى 15% .

في حين وصلت نسبة الطلاق في الكويت إلى 35% من إجمالي حالات الزواج ووصلت نسبة العنوسة إلى 18%.

لكن في البحرين التي اشتهرت بالترفيه الخاص فقد وصلت نسبة الطلاق إلى  34% من إجمالي حالات الزواج في حين بلغت العنوسة نسبة 20%.

بينما الإمارات فقد وصلت نسبة الطلاق إلى46% في حين بلغت نسبة العنوسة إلى 20%.

وبعيدا عن دول الخليج نجد الأمر يقل خطورة ففي الأردن سجلت دائرة الإحصاءات العامة أقل نسبة للعنوسة مقارنة ببقية الدول العربية وعزا مصدر رسمي أسباب ذلك إلى انتشار الوعي وتخفيض تكاليف الزواج والمهر المؤجل الذي يحافظ على ترابط الأسرة ولا يفرط أي من الطرفين في الآخر إلا في الظروف القاهرة التي لا تحتمل.

وأشار مسح حكومي إلى تأخر سن الزواج بين الإناث الأردنيات ليبلغ حالياً 22.5 سنة وارتفعت نسبة العازبات في الفئة العمرية 15-49 عاماً من 34%عام 1976م إلى 49% عام 2001م ودلت النتائج على أن 4% فقط من السيدات تخطين عمر الزواج حتى نهاية عمرهن الإنجابي , وكان التعليم هو السبب الرئيسي في تحديد العمر عند الزواج كما يرتفع عند النساء اللاتي تعليمهن أعلى من الثانوي بست سنوات عن السيدات اللاتي تعليمهن أقل .

بينما في المغرب بلغت عدد عقود الزواج في الرباط خلال العام الماضي8569 عقد نكاح، في حين بلغت حالات الطلاق 2721 حالة، وشكل الطلاق الخلعي النسبة الكبرى من الحالات، بينما احتل الطلاق الرجعي المرتبة الثانية، فيما تبقى نسب حالات الطلاق قبل البناء والطلاق المكمل للثلاث متدنية.

كما أن عدد حالات الزواج والطلاق لا يشهد تغييرا كبيرا بين عام وأخر، ذلك أن عقود الزواج التي بلغت كما سبق الذكر 8569 عقد نكاح لسنة 2001، بلغت سنة 2000 (7950 حالة). أما حالات الطلاق لسنة 2000 فقد بلغت 2382، في حين أنها وصلت إلى 2721 حالة لسنة 2001.

وفي تونس تفوق واضح في نسبة الإقبال على الزواج وانخفاض معدل الطلاق قياسا بالقرى التي ترتفع فيها نسبة العنوسة والطلاق لكنها لا تقاس بمنطقة الخليج العربي التي تعاني من العنوسة المتفشية وعزوف الشباب عن الزواج .

العنوسة.. ظروف وملابسات(4)

إن سن الزواج في ارتفاع وهو ما يعرف بالعنوسة . و العنوسة لم تكن مشكلة اجتماعية بارزه في مجتمعنا  في الماضي  القريب بل تكاد تكون محدودة وهامشية وإذا وجدت فتأخذ طابعا شبه اشتثنائ ومعزول.و بالنظر الى التطورات التى سوف نناقشها بصورة إجمالية هى تطورات محمودة وإيجابية الطابع فانتشار التعليم و ارتفاع المستوى المادي كلها أمور تبدو وللوهلة الأولى تطورات من شانها أن تيسر الزواج . فالتعليم مثلا من المفروض أن يجعل الزواج ايسر  بحكم أن العلم نور تسري فوائده الى حل المعضلات والزواج أحدها . كما أن ارتفاع المستوى المعيشي من المفروض كذلك أن يكون عونا في هذا الشان إلا أن الملحوظ غير ذلك . فالمستوى المادي المرتفع زاد من العنوسة على الرغم أن الباءة الموصى عليها في الحديث الشريف المعروف  " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ترتبط ارتباطا مباشرا بالقدرة المادية والارتفاع المستوى المعيشي من المفروض أن يكون عونا على الباءه المذكورة. وارتفاع مستوى الدخل تمثل بالقدرة على شراء الكماليات الحياتية المختلفة من سيارات و خدم وسائقين وغير ذلك من المظاهر الاستهلاكية ولكن الزواج ظل بعيدا عن هذه المعادلة المحيرة والمثيرة للاستغراب . أليس من المفروض أن ينعكس اثر التعليم والمستوى المادي المرتفع على التفكير الاجتماعي وبالتالي يخفف من مشكلة العنوسة في مجتمعنا ؟.

و من وجهة نظري الشخصية أن نظرتنا الى الزواج تغيرت كثيرا بحكم التطورات التى مررنا بها العنوسة كمشكلة هي ترجمة لهذا التحور والتطور على الرغم من أننا لنا خصوصية اجتماعية متميزة نفخر بها كعرب ومسلمين تتمثل  بما يلي:

·     باستحالة لقاء الشاب أو الفتاه خارج مظلة الزواج فنحن مجتمع عربي مسلم له تراثه العريق الضارب في جذور التاريخ و الذي يأبى وبكل فخر أي تسيب في أمور المحافظة على العرض والشرف ومن هنا يبرز تميزنا عن غيرنا من المجتمعات التى  لا ترى في لقاء الفتى والفتاة أي بأس أو مشكلة ولعل من الغريب أن الزواج في هذه المجتمعات المنفلتة العيار سهل بطريق تدعو للعجب فالأمر لا يتطلب اكثر من الذهاب الى مكتب خاص بهذا لغرض واخذ قسيمة الزواج بدقائق معدودات بينما يكاد يجمع المسلمون على اختلاف أقطارهم على  تعقيد الزواج بطرق عجيبة وتحت ذرائع متعددة وكان المجتمعات المسلمة جعلت من محاربة الزواج والتضييق على المتزوجين ديدنا غالبا بطريق تدعو للتأمل والتفكير على الرغم من أن الشريعة الغراء أوضحت وبطريقة لا تقبل اللبس على ضرورة تيسير هذه الفريضة و محاربة كل ما يعيقها أو يحول دون إتمامها.

·  العامل الجغرافي المتمثل بالجو الصحراوي الحار والذي يسرع عملية النضج والبلوغ عند الذكر والأنثى كما يسرع كذلك الهرم والشيخوخة وباختصار نحن ننضج بسرعة ونهرم بسرعة. لذا فلا عجب أن يتم الزواج في مجتمعات أسلافنا بسن مبكرة مقارنة بمتوسط سن الزواج الحالي والذي هو في ارتفاع متزايد.

·     نظرتنا المتميزة للزواج والمتمثلة بكونه رابط اجتماعي سامي تتقارب به الأسر والعائلات و وسيلة راقية من وسائل التكافل الاجتماعي المبارك فالزواج ليس صورة رومانسية حالمة و حسب وانما وسيلة من وسائل الستر الاجتماعي و من هنا تبرز الحاجة الى ضرورة أن تشمل مظلة الزواج كذلك بعض النسوة أو الرجال الذين قد تقسو عليهم الظروف بالطلاق أو الترمل وما يتبع ذلك من أطفال قد يتطلب الأمر أعالتهم والحدب عليهم و تربيتهم ومن هنا بنظر المجتمع الى هذه النوعية من الزيجات بالتقدير والاحترام بل والدعم والتأييد كما أن الشريعة السمحاء تنظر الى ذلك كنوع من أنواع العبادة والتقرب الى الله لما في ذلك من تضحيات سامية ونكران للذات وصبر و مصابرة .

فالزواج العبادة هو ما نحتاج أن زرعه في أذهاننا و اذهان أبنائنا وبناتنا وهو تصور مفرط بالبساطة ولو انه ساد و بطريقة فعالة لانكمشت العنوسة و لزالت الكثير من العقبات الطبيعية والمصطنعة التى اجتهدنا بوعي منا أو بغير وعي بوضعها أمام الزواج وتحت ذرائع شتى . ولانعكس ذلك على كثير من خططنا و تخطيطنا سواءا على المستوى الشخصي أو التخطيط العام والمتمثل في الأنشطة التنموية والتي ينبغي أن تضع في المقام الأول الخصوصية الحضارية و الإنسانية بطريقة اكثر وضوحا وشمولا.

دعونا نأخذ مثلا التعليم والاستراتيجية التعليمية باعتبارها أحد المظاهر التنموية البارزة والتي على الرغم من الجهود المشكورة والإنجازات العديدة التى قام  بها والتي ينبغي أن لا نبخسها حقها من التقدير والاحترام إلا أن هذا لا يعنى أنها لا ينبغي أن يعاد النظر في تأثيرها على الزواج .. الفريضة .. نصف الدين. أليس من العجيب أن يكون التعليم عذرا أو عائقا للزواج ؟ أليس عجيبا أن يكون حجة تتذرع بها الفتاة أو الشاب للهروب من عبادة الزواج. و اليس غريبا أن يرتفع سن الزواج الى معدلات قياسية لم تكن بالبال أو الخاطر و لم تدر في خلد الآباء والأجداد والذين جعلوا الزواج المبكر هو السلاح الفعال لمقاومة العنوسة كما جعلوا تيسير الزواج عرفا اجتماعيا و مروءة خلقية بدلا من التنطع بالمواصفات . ومن هنا تبرز الحاجة الى تقييم العملية التعليمية من ناحيتين :

الناحية الأولى إعادة النظر في المراحل التعليمية المختلفة و تدرجها فالسنوات الزاهية من عمر الشاب والفتاة تمر بحجة التعليم وبناءا على ما ذكر من خصوصية حضارية وبيئية تقتضي الإحصان السريع  والعاجل ومن هنا يكتسب العامل الزمني أهمية خاصة فلو استطعنا اختزال سنين التعليم  و بدأنا التعليم النظامي _ على سبيل المثال _ من سن الرابعة بدلا من سن السادسة لأمكننا أن نوفر سنتين ثمينتين من متوسط سن الزواج والآخذ بالارتفاع ولربما استطعنا أن نزيل ما يسمى بمرحلة "المراهقة" من قاموسنا الاجتماعي والتربوي وهذا المصطلح الجديد لم يعرفه أسلافنا ولم تعرفه جداتنا .. ولم نره في كتب أسلافنا .. ترى من أين آتانا ؟

كما يمكننا أن نعيد النظر الى العديد من البرامج والتي تهمل هذه النقطة_ الزمن _ والتي يبدو أننا نسيناها أو تناسيناها لأسباب غير مقنعة . أن تكويننا الخاص و ظروفنا الخاصة و تصورنا الخاص والذي يحرص اشد الحرص على التأهيل المبكر للأبناء والبنات في تحمل المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية  ومنها الزواج . ولماذا نذهب بعيدا فها هو عبد الله بن عباس رضوان الله عليه _ كان اصغر الصحابة سنا_  وكان يحضر مجالس الصحابة وهو حسب تعبيرنا العصري _ مراهق_.

و زيد بن حارثة رضوان الله عليه يقود جيشا متوجها الى بلاد الروم  وهو ذو الستة عشر ربيعا وفى الجيش عمر بن الخطاب و صحابة رسول اله رضوان اله عليهم أجمعين.

ومن تاريخنا الحديث هاهوالملك فيصل بن عبد العزيز يقود جيشا الى اليمن ليحمي الثغور من المعتدين وهاهو كذلك يذهب الهيئة الامم المتحدة ليلقي كلمة بلادنا وينتزع الإعجاب والتقدير .

والأمثلة كثيرة يضيق بها المجال فالأنظمة التعليمية الممطوطة _ زمنيا_ تلعب دورا هاما في بروز بعض المظاهر الاجتماعية الغريبة فابن السادسة عشره الآن هو طفل كبير وقليل من الشباب في هذه السن ترى فيه ملامح النضج والقدرة على تحمل مسؤولية نفسه فضلا عن قيادة جيش كما فعل أسلافه العظام  ومن هنا تبرز الحاجة الى إعادة النظر بالمساحة الزمنية للمراحل التعليمية وهى أن مططت أو مددت في بلادها لأسباب سياسية ( لتخفيض أعداد العاطلين مثلا) أو اجتماعية تخص مصدريها وخصوصيتهم إلا أن واجبنا التنبه الى خصوصياتنا ووضعها في الاهتمام الأول.

نعود الى التعليم مرة أخرى من زاوية المناهج الدراسية فالمناهج وما تتضمنه من مواد عديدة لا تتفاعل مع اخطر قضية اجتماعية وهى قضية  الزواج وهى  في المجتمع العربي المسلم من أهم قضاياه .

فالتعليم العام وللأسف لا يكاد يناقش هذه القضية في برامجه ولا يتضمن المنهج الإعداد النفسي والتربوي لهذه الفريضة الجليلة وإذا تم نقاش القضية فبعض المواد يمر عليها مرور الكرام وليس هذا فحسب بل أن الشاب أو الفتاة يفاجأ وبعد سنوات غالية من العمر في التعليم العام انه من دون مهارات حقيقية  قابلة للاستعمال في سوق العمل وبافتراض وجود فرصة ما هنا أو هناك فليس بينه وبين التعليم الذي تلقاه إلا علاقة يسيرة ومن هنا تبرز الحاجة الى تطعيم المراحل التعليمية بالعديد من المهارات المفيدة والتي تمكن الشاب أو الفتاة القيام بدور فعال في المجتمع والحصول على مورد رزق معقول يتكافأ مع الجهد المبذول والسنين الطويلة والسهر " في طلب العلا". فالنزعة التطبيقية ينبغي تعزيزها في المناهج كما أن التعليم ينبغي يؤهل الطالب أو الطالبة للقيام بدور مفيد ومؤثر في محيطه الببيىء والاجتماعي . ومن هذا المنطلق لا بد أن نعيد النظر في مناهجنا الدراسية كما وكيفا كما ينبغي كذلك أن نجعل من التعليم كأداة تنوير و حث على الزواج لا عائقا أو حجة للهروب منه كما ينبغي أن يكون الزواج حافزا على الإنتاج والإبداع في مجالات الحياة المختلفة اقتصادية كانت أم اجتماعية أو ثقافية ومتى كان غير ذلك فمسئوليتنا تقتضي أن نراجع خطواتنا وتصوراتنا وان تصحح مساراتنا حتى يكون كذلك.

قد يتطلب الأمر إعادة النظر الى المراحل التعليمية من ابتدائي ومتوسط وثانوية من ناحية الأهداف والوسائل

قد يتطلب الأمر إعادة الهيكلة التعليمية

قد يتطلب الأمر تزويد المدارس بالعديد من المعامل اللغوية والمهنية الخفيفة والمتوسطة

قد يتطلب الأمر تطبيق اليوم الدراسي الكامل

قد يتطلب  الأمر تزويد المدارس بالوسائل التعليمية الحديثة من إنترنت وحاسبات وقنوات تلفازيه

ووسائط متعددة

قد يتطلب الأمر إعادة النظر في عدد أيام الدراسة وزيادة يوم إضافي

قد .. وقد .. الأمر متروك لرجال الفكر التعليمي وما أكثرهم  للنظر في هذه القضية البالغة الحساسية.

ونعود كذلك الى موضوع دعم المتزوجين من الطلاب والطالبات وتشجيعهم عن طريق البدلات والمكافآت والتسهيلات من سكن أو علاج وخلافه فهو خير رسالة نوجهها الى من يهمه الأمر بأننا

مازلنا ندعم هذه الفريضة ما استطعنا الى ذلك سبيلا و أننا نحرص على إحصان شبابنا وبناتنا بكل ما نملك من إمكانيات ومقدرات وهى ولله الحمد وفيرة .

أما الإعلام فعليه دور مهم يتمثل بالتوعية والإرشاد والحث على الزواج بالأعمال الفنية  الهادفة

وآلتي تحض على هذه الفريضة المهمة بالترغيب كما تناقش مشكلات الزواج بأسلوب يخلو من التصعيد والآثارة . فالنظر الى العديد من الأعمال الفنية المعاصرة تناهض الزواج و ترسم صورا إما مشوهة وبشعة منفرة أو ترسم صورا بالغة الرومانسية و غير واقعية فضلا عن عدم مواءمتها لظروفنا الاجتماعية المتميزة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر تكثر الخلوات الغير شرعية بين البطل والبطلة ويشجع الأبطال على التمرد على قيم آباءهم وأمهاتهم بذرائع شتى كما تهاجم أنماط من الزيجات المقبولة شرعا تحت ذرائع واهية كتعدد الزوجات او فارق السن . كما أن تحريض الزوجات على الأزواج أو العكس شائع وذائع في العديد من الأعمال الفنية وغير ذلك كثير مما لا يتسع المجال لذكره فضلا أن الغالبية العظمى من الأعمال الفنية ترسم نمطية من الزيجات وآلتي تنسجم مع التصور الكنسي أو النصراني ولا تنطبق بأي حال على مجتمعاتنا وتصوراتها عن الزواج. 

العنوسة(5)

تعاريف

نبدأ، بادئ ذي بدء، بتعريف ما تعنيه العنوسة، حيث ورد في القاموس المحيط للفيروزابادي أن العانِس هي "البنت البالغة التي لم تتزوج [والرجل الذي لم يتزوج]، جمعها عوانس وعُنس وعُنَّس وعُنوس"؛ وأيضًا، العانس هو "الجمل الثمين"، كما أن العانس هي "الناقة الثمينة". وكلمة عانس مشتقة من عَنَس؛ والعنس هو الناقةُ الصلبة، والعُقاب، وعطفُ العود وقلبُه، أي ثني الغصن وقلب وضعه. وأيضًا يقال: "عنست الجارية، أي طال مكثُها عند أهلها بعد إدراكها [بلوغها] حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج قط."

العانس، إذن، كما نعرفها عمومًا، هي البنت البالغة التي لم تتزوج، و/أو هو الرجل الذي لم يتزوج. فـالقاموس المحيط أطلق هذا اللفظ على المرأة كما على الرجل؛ وهذه ملاحظة جديرة بالاهتمام. لكن...

قبل الدخول في مناقشة العنوسة، أسبابًا ونتائج، لا بدَّ من تعريف مفهوم الأسرة ووظائفها بشكل مختصر. لفظ "الأسرة" مشتق من الأسر، وهو التقييد أو الشد بالإسار؛ أي أنه يتضمن معنى الإحكام والقوة. وقد أُطلِقَ هذا اللفظ على عشيرة الإنسان لأن الصلات القوية التي توحِّد أعضاءها وتحول دون تشتتهم تشبه الإسار الذي يقيِّد الأسير، ولأنها توفر لأعضائها الحماية وأسباب القوة والمنعة بما يتولد من اجتماعهم من تعاون وتناصر وتوادٍّ وتراحم.

أما الكلمة المرادفة لكلمة أسرة، أي "العائلة"، فتقوم على أصل لغوى آخر. فعيال المرء هم الذين يتدبَّر أمرهم ويكفل عيشهم. أي أن الأسرة هي جماعة من الناس توحِّدهم صلات قربى قوية قائمة على روابط الدم أو الزواج أو التبني والعيش المشترك. ومن وظائفها الإشباع العاطفي لأفرادها والتواصل الجنسي والحفاظ على مظاهر الحضارة ونقلها من جيل إلى آخر؛ مما يعني أن للأسرة مهامًّا كثيرة، فردية وجماعية. لكنَّ لكلِّ ظاهرة استثناءً، سواء كانت طبيعية أم اجتماعية – واستثناء مفهوم الأسرة هو مفهوم العنوسة.

ما هي أسباب العنوسة؟

كما أن لكلِّ ظواهر الحياة أسبابًا كذلك للعنوسة أيضًا أسبابها الكثيرة. وما نراه الآن من تردد وامتناع عن إنشاء أسرة له، في نظر بعضهم، مبرراته؛ ومنها أن لكلِّ إنسان الحقَّ في اختيار الطريق الذي يناسب شخصيته في خدمة المجتمع أو في شكل رحلة العمر. ولهذا الواقع الذي تفرضه الحياة على المرء، أو لهذا القرار الجريء الذي يتخذه، سواء بالبقاء حرًّا دون قيد أسري، أو بالزواج، أسبابه. ومن أسباب العنوسة المباشرة والواضحة:

1.    الوضع الاقتصادي الذي يتضمن، في جملة ما يتضمن، غلاء البيوت، سواء كانت مستأجرة أم مملوكة، وما يرافق ذلك من ضعف دور الجمعيات التعاونية – هذا بالنسبة للبيوت. وعن هذه النقطة تحديدًا، أي عن الوضع الاقتصادي، نستطيع التوسع في صفحات لأنها لا تمس في طريقها السكن حصرًا، بل أثاث المنزل كاملاً، مما يقودنا إلى تكاليف الزواج، والمهر، وتكاليف حفلة العرس، والجهاز، إلخ. إن هذه الالتزامات أدَّت إلى تقليل فرص الزواج لعدم قدرة العريس على القيام بكلِّ هذه الأعباء. وهنا نلفت النظر إلى ظاهرة حديثة بدأت بالانتشار في مناطق عدة من العالم، وأعني ظاهرة الأعراس الجماعية وما يمكن أن توفره على العرسان من تكاليف باهظة. وقد اعتبرت أن هذه النقطة هي الأساس لأن معادلة المداخيل والنفقات غير المتوازنة هي، على ما يبدو، من المسببات الجوهرية لعنوسة الطرفين.

2.    هجرة الشباب، وتتضمن:

أ‌.       هجرة الشباب للعمل خارج البلاد بسبب ضعف فرص العمل وقلة المداخيل. فالكثير من الشباب مسؤول ليس فقط عن نفسه، بل أيضًا عن والديه.

ب‌.  هجرة الشباب الذين يسافرون من أجل الدراسة ويتزوجون من أجنبيات ويستقرون في بلاد الغربة؛ ولعل أحد أسباب زواجهم من أجنبيات هو رخص تكاليف الزواج.

ت‌.  إن هجرة الشباب للدراسة قد أدت إلى نتيجة مفادها أن الطلاب الذين حصلوا على أعلى الشهادات العلمية وعادوا إلى الوطن عاشوا في تناقض فكري بين طريقة زواج تقليدية، يجد المرء فيها نفسه مضطرًا إلى الارتباط بشخص لا يعرفه، وبين الرغبة في زواج عصري. وهذه الأسباب قد أدت بقسم هام منهم إلى عدم الزواج خوفًا من نتائج غير مضمونة، خاصةً أن التكافؤ الفكري والمساواة الثقافية بين الجنسين غير موجودين لأن الاختيار كثيرًا ما يتم عن طريق الصدفة أو عن طريق "الخطَّابة". وأيضًا...

3.    شاءت الطبيعة ازدياد نسبة الإناث عمومًا عن نسبة الذكور. وهذا الذي يبدو خللاً طبيعيًّا نلحظه في البلدان المتقدمة أكثر منه في البلدان النامية، ومنها سورية. وهذا قد يكون لحكمة ربانية، ربما لتخفِّف الطبيعة من غليان الذكور وتوتر العالم العسكري والسياسي. وأيضًا...

4.    لعل من أهم أسباب العنوسة التفاوت الاجتماعي والثقافي، حيث غالبًا ما يرفض الأهل الزواج بسبب الوضع الطبقي و/أو الاجتماعي لأحد الطرفين لأنه "غير مناسب للطرف الآخر"، بغضِّ النظر عن الملائمة الفكرية أو العلاقة العاطفية التي قد تربطهما؛ مما يقود إلى تلك الحجة التي تتكرر دائمًا: "مو مناسبين لبعض"! ويأتي هنا دور الأهل التقليدي في منع هذا الزواج بحجة "عدم التكافؤ".

وهذا الجانب يقودنا إلى الجانب الآخر الذي سأتطرق إليه بشكل موجز، المتعلق بالمستوى التعليمي؛ وهو جانب هام جدًّا، خاصةً منه ذلك الشق الذي يتعلق بموضوع تعليم الفتاة الناجم خاصةً عن إلزامية التعليم للذكور والإناث. فهذا الجانب هو الذي يجعل من العلم والشهادات، في الواقع، أحد أسباب العنوسة. وقد يكون من مسبباته أن طرق الزواج التقليدية لم تعد مناسبة للفتاة المتعلِّمة العاملة – هذه الفتاة، التي فتح العلمُ أمامها آفاقًا واسعة، أصبحت ذات شخصية قوية ومتطلبة، وصارت تضع شروطًا قد لا يقبلها الذكر العادي، وخاصة في بلد كبلدنا. فهذه الفتاة أضحى لها الحق والقدرة، بحكم كونها تعمل وليست بحاجة لمعونة الأب أو الأخ؛ هذه الفتاة، التي قد تكون أحيانًا هي المعيل لأسرتها، أصبح بوسعها أن تقول رأيها وأن تعيش، إلى حدٍّ ما، مستقلة على هواها. وهذا مما يزيد من عامل العنوسة، وخاصة في بلادنا، لأن الكثير من الشبان الشرقيين، مع الأسف، مازال يفضل الفتاة ذات المستوى التعليمي المتوسط أو الضعيف، بحجة أن الفتاة المتعلِّمة خبرت الحياة وأن الرجل، حين يبغي تأسيس أسرة، يفضل امرأة خاضعة مستكينة، وليس امرأة تناقشه وتحاوره؛ وبالتالي، فهو بحاجة لأن يضمن سيطرته الكاملة على الأسرة التي ينوي إنشاءها. وهذا الوضع يُبعِده عن الفتاة المتعلِّمة التي تفضل لذلك البقاء دون زواج على ارتباط قائم على سيطرة ذكورية متخلفة. وأيضًا تُمنَع الفتاة أحيانًا من الزواج ظاهريًّا لإحدى الحجج التي ذكرناها؛ لكن سبب حرمانها من الزواج فعلاً هو عدم خروج الإرث من العائلة.

5.    إذا كانت كل الأسباب التي ذكرناها أعلاه تؤدي في النهاية إلى العنوسة فإن العنوسة ليست دائمًا عنوسة قسرية، بل هناك أيضًا عنوسة اختيارية؛ بمعنى أن اختيارها يتم بمطلق الإرادة وبكامل التصميم. لماذا؟

ربما يكون ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال – وهذا ينطبق على الجنسين. أو قد يكون لأسباب نفسية، كتجربة تعرَّض لها أحد الطرفين وأدَّت إلى اتخاذ هذا الموقف (منها، مثلاً، قصص الحب الفاشلة، أو خيانة أحد الطرفين، أو الموت). وهنا لا بدَّ من الإشارة إلى نقطة هامة من الجدير التطرق إليها، ألا وهي ذلك التطور الذي جعل من مجتمعنا مزيجًا متناقضًا ومتفجرًا من موروث قديم يعيش في قاع عقولنا، من جهة، وانفتاح لا مناص من قبوله والاعتراف به، من جهة أخرى. فبعض الفتيات يُعجَبن مثلاً بأحد الشباب ويفضِّلن الارتباط به وتكملة مشوار العمر معه؛ لكن المجتمع والأعراف والتقاليد لا تسمح للفتاة بالتقدم لطلب يد الشاب، فتبقى هذه الفتاة تنتظر هذا الشاب الذي قد يكون غير شاعر بوجودها؛ وتستمر هذه الفتاة في رفض العرسان وانتظار هذا "الآخر" الذي قد لا يأتي. وهذا الأمر يؤدى، كما هو واضح، إلى عنوسة هي، في نفس الوقت، اختيارية وقسرية. فالمجتمع هو الذي يفرض شكل التعارف واللقاء، وهو الذي يمنع ما يبدو وكأنه خارج عن المألوف.

وأيضًا هناك وجه آخر لما أسميناه بالعنوسة الاختيارية، ألا وهو أن المرأة المستقلة اقتصاديًّا تستطيع العيش وحدها في مسكن خاص بها؛ وهي، مع تقدم السن، تصبح مقبولة اجتماعيًّا، خاصة وأن الأمان الاجتماعي في بلدنا، بشكل عام، قد زرع في نفسها الجرأة على اتخاذ قرار الاستقلالية عن الأخ المتزوج أو الأخت المتزوجة؛ وبالتالي، أصبحت هذه الفتاة غير مضطرة للزواج من أجل "السترة". إذن، نستطيع أن نقول إن العنوسة الاختيارية تحمل في داخلها عنوسة قسرية يتحمل المجتمع جزءًا من مسؤوليتها بسبب عدم تغييره للكثير من عاداته وأعرافه.

ولأن المجتمع لا ينمو ولا يتطور إذا لم يقم على خلايا أسرية تنقل الموروث الفكري والحضاري إلى الأجيال اللاحقة عن طريق التنشئة والتعليم، ولأن هذا الموروث الحضاري ينتقل قسمٌ كبير منه من الأهل إلى الأولاد ثم الأحفاد، فإننا مضطرون للتوقف قليلاً أمام...

نتائج العنوسة

لو بحثنا في نتائج العنوسة في الغرب وفي الشرق لوجدنا أن بعض هذه النتائج مشترك وبعضه مختلف.

فمن أهم نتائجها المشتركة بين الشرق والغرب، باعتراف الجميع، شعور الوحدة الذي يصيب العانس، ذكرًا أو أنثى – هذا الشعور الذي يمكن تعويضه نسبيًّا بالكثير من العلاقات الاجتماعية والصداقات. لكن يبقى واقعُ أنه لا شريك يقف مع الآخر في لحظات الفرح والحزن من أكبر النتائج السلبية للعنوسة، وخاصة بالنسبة لنا. فنحن، كما هو معروف، من الشعوب الاجتماعية والمحبة للآخر، وأصحاب لهفة قد تصل إلى درجة المبالغة في التدخل في حياة الآخرين.

والنتيجة الثانية للعنوسة بالنسبة للذكور، في بلادنا تحديدًا، هو عدم استمرار اسم العائلة ونسبها إلى أجيال قادمة، مما يجعلها غير مستحبة. كما أن العانس غالبًا ما تواجَه بالانتقاد و/أو تُدفَع لانتقاد ذاتها لكثرة التعليقات التي توجَّه لها بسبب كونها "غير شاطرة" لأن غيرها من البنات فزن بالعريس، بينما فشلت هي في ذلك!

ثم إن العنوسة غالبًا ما تؤدي، وخاصة عند البنات، إلى نوع من القمع الذكوري من الأب أو الأخ بحجة أنها بحاجة إلى حماية وأن "كلام الناس لا يرحم"؛ و/أو إلى الكبت الجنسي الذي يمارَس على الفتاة العانس، خاصة أن المجتمع لا يقبل بعلاقات جنسية خارج إطار الزواج الكلاسيكي، فتعيش العانس ضمن جدران سجن غير مرئي، محاط بفكرة حمايتها من المجتمع الذي "لا يرحم". وأيضًا...

من النتائج السلبية للعنوسة كبت مشاعر الأمومة عند الفتاة العانس لأن مجتمعنا يرفض إشباع هذه الغريزة عن طريق التبني لان فكرة أطفال الغير ليست محبذة.

لكن تبقى للعنوسة بعض الإيجابيات، ومنها أننا مجتمعات كثيرة الولادات؛ وعدم الزواج يخفف، بشكل أو بآخر، من هذه المعضلة القائمة. وهذا يقودنا إلى التوقف قليلاً عند...

الجانب الاجتماعي للعنوسة وانعكاساته

فالعنوسة، في الأساس، ظاهرة اجتماعية؛ وهي انعكاس مباشر للوضع الاقتصادي السائد. وارتفاع معدلات العنوسة عند الذكور والإناث مرتبط بالوضع الاقتصادي، والتطور التعليمي والثقافي والدراسي، وتحديد السن الملائمة للزواج. والظروف الخاصة التي تسهل الزواج أو تعرقله مرتبطة بالمجتمع، وتتغير مع التغيرات المرتبطة بالتعليم والعمل والمهور وغير ذلك. ونلاحظ في هذا الخصوص ما يلي:

1.    نسبة العنوسة عند النساء أعلى من نسبتها عند الرجال. ونتساءل عن السبب الذي يدفع بالمرأة لأن تضحي بأمومتها ولا ترضى بالزواج من أيٍّ كان: هل السبب لأن المرأة أكثر قدرة من الرجل على العيش مستقلة ووحيدة؟ أم هي أكثر قدرة منه على مجابهة المجتمع؟

2.    لو أخذنا شريحة من النساء غير المتزوجات لوجدنا أن أكثريتهن متعلِّمات و/أو عاملات، ومن شريحة اجتماعية متوسطة أو أعلى؛ أي أنهن يتمتعن بوضع مادي جيد ولسن عبئًا على أحد من الأهل والاخوة؛ مما يعني أن مشكلة العنوسة غير مطروحة كمشكلة عند الفقراء، إنما هي مشكلة الطبقات الوسطى والعليا من المجتمع، أي، عمليًّا، مشكلة المرأة المتعلمة والقادرة نسبيًّا على شكل من أشكال الاستقلال المادي. فتلك الفئة من النسوة قادرة على اختيار هذا الشكل من الحياة عن قناعة. وهذا واقع لا ينفيه أن هناك من يقول إن ازدياد عدد العوانس، نساءً ورجالاً، بسبب ارتفاع المستوى التعليمي للمرأة، هو أمر ضار. فما فائدة العلم إذا كان على الفتاة أن تتزوج في النهاية وتعلق شهاداتها العلمية في المطبخ، ومادام الهدف الأول والأخير للبنت والوظيفة الأولى والأخيرة التي تهيِّئ نفسها لممارستها هي الزواج؟ وهذا رأي خطير يجب الوقوف ضده بحزم.

يبقى أن من أسباب العنوسة عند المرأة، من أحد الجوانب، تفتُّح وعيها وعدم قبولها، بالتالي، ذلك المبدأ الشعبي المصري القائل: "ظل راجل ولا ظل حيطة"! وتفضيلها لهذا الطريق، على صعوبته، دليل على قوة الشخصية والإرادة، حيث يترتب على النساء اللواتي اخترن هذا الطريق أن يجابهن ليس فقط أسرهنَّ، بل المجتمع بكامله.

3.    نلاحظ أن العنوسة، كظاهرة اجتماعية، تتطور مع ازدياد الوعي. وليس أدل على ذلك من ارتفاع سن الزواج. فمثلاً ارتفع سن الزواج عند الفتيات والشباب للأسباب الآنفة الذكر. ففي لبنان ارتفع متوسط عمر الشباب إلى اثنين وثلاثين عامًا، وعند النساء إلى سبعة وعشرين؛ ويُتوقَّع أن تصبح نسبة العزوبة 60% في العام 2008. وفي الجزائر ارتفع أيضًا سن الزواج عند الشباب إلى 28 سنة، وعند النساء إلى 24 سنة؛ بينما في مصر تجاوز خمسة عشر مليون رجل وامرأة سن الثلاثين دون زواج. وبلغت نسبة العنوسة في الكويت 13%. وأيضًا...

4.    لا بدَّ من التوقف قليلاً أمام ما سبق وأشرت إليه مما يتعلق بالفرق بين عنوسة الرجل وعنوسة المرأة، لأنه على الرغم أن كلمة عانس تُطلَق لغويًّا على الجنسين لكن نظرة مجتمعاتنا إلى عنوسة الرجل والمرأة مختلفة جدًّا، مع أن هذه المجتمعات تدَّعي نظريًّا المساواة بين الجنسين. والحقيقة هي أنه، على الرغم من القوانين التي قد تكون متطورة، فإن شريحة هامة من الفتيات مازالت، في الواقع الاجتماعي، بعيدة كلَّ البعد عن التحرر والمساواة، رافضة لحقوقها، عاشقة لصورة الرجل القوي المدافع عن حقوقها والقادر على حمايتها. مازالت بعض الفتيات، مع الأسف، يردِّدن أقوال الجدات، مقتنعات بتفوق الرجل؛ ومازالت هناك بعض الجمعيات والمؤسَّسات النسائية الداخلية أو المحلية التي، من منطلق ديني خاطئ، تكرس واقع دونية المرأة. فالرجال "قوَّامون على النساء"؛ والرجال مسؤولون عن تأمين المال وإعالة العائلة؛ والرجل، مادام يملك المال تحديدًا، يبقى بوسعه اجتياز مرحلة العنوسة في أية لحظة، من خلال اختياره لأية عروس، حسب المواصفات. فهو، بعد أن يكون قد فقد من يقوم على خدمته من أمٍّ أو أخت، أو ملَّ حياة اللهو وبدأ يفكر في فوائد الأسرة والنَّسَب الصالح، بوسعه، إن ملك المال، أن يتزوج حين يريد.

من المؤسف، على كلِّ حال، أن الإعلام العربي المرئي والمسموع يُظهِر العانس المرأة بمظهر يثير الشفقة: فهي إما عالة على الآخرين، أو قبيحة، أو تتدخل فيما لا يعنيها، أو تغار من المتزوجات. وإذا كان "المسلسل" حضاريًّا نسبيًّا أظهر الفتاة العانس "مسترجلة"، لا تعتني بمظهرها أو لباسها، وتتصرف بما لا يناسب أنوثتها.

العنوسة والدين

لم تتطرق الأديان السماوية إلى العنوسة بشكل مباشر، ولكنها جميعًا حثَّت على الزواج وعلى تشكيل الأسرة وإنجاب الأولاد. ففي الديانة الإسلامية تشجيع واضح على الزواج والإنجاب، كقوله تعالى: "هنَّ لباس لكم وأنتم لباس لهنَّ" (البقرة 187)، وقوله تعالى في سورة الأعراف، الآية 188: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها"؛ وكذلك:

"ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم 21). ومن الأحاديث النبوية التي حثَّت بإصرار على الزواج: "تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم"؛ وأيضًا: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج" (و"الباءة" تعنى النكاح أو الزواج). مفاد هذه الأقوال المستقاة من الطب النبوي أن موقف الإسلام واضح جدًّا فيما يتعلق بالتشجيع على الزواج والإنجاب.

والدين المسيحي يشجع أيضًا على الزواج، ولكن ليس أقوالاً، إنما من حيث القصص والأمثال. فالسيد المسيح، مثلاً، بحضوره عرس قانا الجليل وتحويله الماء إلى الخمر لتستمر سهرة المدعوين، إنما يقدم أكبر دليل على تشجيعه الزواج. ولكن كونه لم يتزوج فتح الباب واسعًا أمام حرية اتخاذ القرار دون ضغط ديني، بل ترك هذه الأمور تأخذ شكلاً اجتماعيًّا حرًّا. أما بولس الرسول ففي أقواله دعوة صريحة إلى الزواج حيث يقول: ... فلتكن لكلِّ واحد امرأته وليكن لكلِّ واحدة رجلها..."؛ أو قوله: "... فإن لم يتعففوا فليتزوجوا؛ فإن التزوج خير من التحرق...".

في الديانتين، الإسلامية والمسيحية، كما هو واضح، إذن، دعوة واضحة إلى الزواج. لكن هناك نقطة هامة مفادها أن الديانة المسيحية تشجع على الارتباط بالكنيسة والتفرغ للعبادة وخدمة الرب. وسابقًا كانت كلُّ عائلة تقريبًا تقدِّم أحد أولادها للكنيسة. وقد تطرق بولس الرسول إلى موضوع الرهبنة والعفة: "... فإني أود لو يكون جميع الناس مثلي، لكن كلَّ أحد له من الله موهبة تخصه؛ فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا..."؛ وأيضًا: "...غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضي الرب..." (هذه الأقوال لبولس الرسول من رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس، الفصل السابع)؛ مما يعني أن الديانة المسيحية لم تشجع صراحة على عدم الزواج، ولكنها تركت الحرية الشخصية تلعب دورها، خاصة إذا كان سبب عدم الزواج التفرغ إلى الأمور الدينية، لأن الإنسان، من منظور مسيحي، لا يستطيع أن يكون للرب وللجسد في آن واحد.

بعض أشهر عوانس التاريخ

إذا عدنا إلى الوراء، قليلاً أو كثيرًا، وتصفَّحنا كتب التاريخ العربية والعالمية، في كافة المجالات، نجد الكثير من الشخصيات التي بقيت دون زواج؛ نعدد منها، على سبيل المثال لا الحصر:

-       مارى عجمي، رائدة الصحافة النسائية العربية، لم تتزوج بعد استشهاد خطيبها في الحرب ضد العثمانيين.

-       الملكة إليزابيت الأولى، ملكة إنكلترا التي قصت شعرها وتفرغت لحكم إنكلترا ونجحت في ما عجز عنه الرجال من توحيد المملكة ورفع شأنها.

-       الإمبراطورة كاترينا الثانية، إمبراطورة روسيا في القرن الثامن عشر.

-       رابعة العدوية، المتصوفة المسلمة، صرفت النظر عن موضوع الزواج وتفرغت للعبادة الإلهية.

-       جاك بريل، المغني البلجيكي الشهير.

-       تشايكوفسكي، الموسيقي الشهير.

والقائمة طويلة... لكن السؤال الهام يبقى: هل تنطبق على هؤلاء معايير العنوسة، أم أن هذه الناحية لا تهم أحدًا، خاصة حين نرى أعمالهم وما قدموه للبشرية؟

بعض الأمثال الشعبية المتعلقة بالعنوسة أو الزواج

إليكم، أخيرًا، بعض الأمثال الشعبية التي قيلت وتداولها الناس، تتعلق بموضوع الزواج أو عدمه أو ولادة بنت في الأسرة.

-       همُّ البنات للممات.

-       اقعدي بعشِّك حتى يجي يلِّي ينشِّك.

-       خديلك رجَّال، بالليل غفير وبالنهار أجير.

-       الرجَّال رحمة – ولو كان فحمة.

-       زوج من عود خير من عقود.

-       إذا بدي اصرف من كيسي ما بساويك عريسي.

خاتمة

قد يكون لكلِّ موضوع خاتمة، ماعدا المواضيع الإنسانية والحياتية؛ فهي تبقى دون نهاية. لماذا؟ لأن الموضوع يبقى مفتوحًا، وحوله، حتى هذه الساعة، لم ينتهِ النقاش. ثم إن الهدف من محاضرتي لم يكن التشجيع على العنوسة، كما لم يكن التشجيع على الزواج؛ بل الهدف الأول والأخير منها كان عرضًا لواقع ولظاهرة بدأ انتشارها بالازدياد، وبدأت النظرة إليها تتغير، لأن عدم الزواج أصبح واقعًا قائمًا في مجتمعنا، بحكم الظروف المحيطة، ولعدم الرغبة في الارتباط أو لعدم وجود الشريك المناسب، وليس بسبب سوء الحظ أو السحر كما كان يقال.

وبما أن الحياة تعاش مرة واحدة، والإنسان يملك خيارات توجيه دفة حياته حيث يريد وقضاء عمره بالشكل الذي يناسبه، لا نستطيع أن نقول إن أيًّا من الحياة الأسرية أو الحياة المستقلة الحرة هي الطريق الأسلم. فنحن نعرف أن كلَّ شخص هو عالم قائم بذاته، وأن كلَّ اختيار هو صحيح ومناسب للإنسان، مهما كان موقفنا ورأينا في هذا الاختيار، لأن المهم في الموضوع كله يبقى: هل عشتَ هذا الاختيار بطريقة صحيحة وصادقة وانسجام مع ذاتك أم لا؟ وقد لا يكون الاختيار في بداية حياتنا بيدنا؛ ولكننا نستطيع أن نجعل من هذه الحياة روعة لنقول، يومًا ما، إن "حياتي كانت غنية".

كالمستجيرات من الرمضاء بالنار

 مصريات يطاردن العنوسة بالزواج من الأجانب واللاجئين(6)

رصدت دراسة مصرية تنامي ظاهرة زواج الشباب والفتيات من الأجانب والعرب. وشهد العام الماضي نحو 40 ألف حالة زواج مختلط بين الدول العربية، وجاءت مصر في صدارة الدول التي تتزوج فتياتها بعرب وجنسيات أخرى، يليها العراق ثم السودان واليمن وليبيا ولبنان وفلسطين وسوريا. وأوضحت الدراسة أن الفتيات المصريات اللائي تزوجن من أجانب العام الماضي بلغ عددهن 1202 فتاة، فيما بلغ عدد الذكور المتزوجين من أجنبيات 845 شاباً.

وكشفت الدراسة أن حاملي الجنسية العراقية باتوا يتصدرون لائحة العرب المتزوجين من مصريات خلال العام الماضي، إذ بلغ عددهم نحو 570 حالة فيما شهد العام نفسه 431 حالة زواج لمصريين من عراقيات.

وجاء حاملو الجنسية السعودية في الترتيب الثاني، إذ بلغ عدد السعوديين الذين تزوجوا من مصريات نحو 210 حالات، فيما شهد العام نفسه زواج 8 مصريين من سعوديات، واحتل الفلسطينيون المرتبة الثالثة حيث وصل عدد المتزوجين منهم من مصريات 162 حالة، في حين وصل عدد المصريين المتزوجين من فلسطينيات نحو 82 حالة. واحتلت الجنسية اللبنانية المرتبة الرابعة، حيث وصل عدد المصريات المتزوجات من لبنانيين 129 حالة، في حين بلغ عدد المصريين المتزوجين من لبنانيات 248 حالة، بينما جاءت الجنسية السورية في الترتيب الخامس، ووصل عدد الفتيات اللاتي تزوجن بسوريين إلى 82 حالة، وبلغ عدد المصريين الذين تزوجوا من سوريات 52 حالة.

 ولكن المفاجأة الكبرى للدراسة تمثلت في احتلال الصين للترتيب السادس، حيث بلغ عدد المصريات المتزوجات من صينيين 49 حالة.  

تجربة صينية

هبة سيد واحدة من البنات اللاتي فضلن العريس الصيني، وتبلغ من العمر 31 عاما، وتعمل بإحدى شركات العلاقات العامة بضاحية الزمالك، وتزوجت قبل نحو عامين من شاب صيني يقيم في القاهرة ويعمل بائعا متجولا للمنتجات الصينية.. فتحكي عن تجربتها وتقول: الزواج أمر خاص بي فقد تعرفت إلى زوجي الصيني بعد تردده على منزلنا لبيع المنتجات الصينية، حيث يعمل بائعا متجولا، وفي إحدى المرات وبوجود والدتي تحدثت معه، ووجدته مسلماً طموحاً ومثقفاً، وأعجبت بشخصيته وكفاحه وسعيه نحو الرزق الحلال، وبمرور الأيام وجدت نفسي لا أستطيع الاستغناء عنه، وطلب الزواج بي، وأخذت قراري بالموافقة وأبلغته، فما كان منه إلا أن جاء لمنزل أسرتي وأتممنا الزواج الذي دخل عامه الثاني بنجاح لم أكن أتخيله.

 أما عن العادات والتقاليد فكل منا يحتفظ بعاداته وتقاليده ويحترم رغبات الآخر، ولم أحاول أنا أو هو أن يجذب الآخر نحو عاداته وتقاليده ومفاهيمه، فكل منا يتمتع باستقلالية كبيرة، وقد يكون ذلك مستهجناً بالنسبة للعلاقات الزوجية الشرقية، وهذا سر استمرار حياتي الزوجية بنجاح ولا يؤرقني سوى عدم وجوده إلى جانبي، ولكني أقول لنفسي إن الملل دائماً ما يتسرب للحياة الزوجية بين الطرفين إذا لم يكن هناك أي نوع من التغيير، ولعل هذا الاختلاف الثقافي السبب في نجاح حياتنا الزوجية واستمرارها حتى الآن.

حالات سخرية

رغم نجاح هبة سيد في حياتها الزوجية وكذلك الحال مع غيرها من الحالات المماثلة فإن الأمر لا يخلو من فكاهة المصريين الذين جعلوا من الظاهرة فكاهة، وبات لسان حال الجميع أن الصينيين بعد أن صنعوا وصدروا كل شيء للعالم العربي والإسلامي من الأجهزة الالكترونية والملابس، وحتى فانوس رمضان، بدأوا في تصدير الأزواج لحل مشكلة العنوسة، خصوصا أن العريس الصيني مخلص لزوجته، كما أنه يفضل العربيات والأجنبيات بسبب ارتفاع مهور الصينيات وانتشار الشركات الصينية في العالم العربي. ما أصبح مدعاة للتساؤل في أوساط الاجتماعيين، وسخرية في المدونات المصرية التي تدونها فتيات، تحت عناوين ساخرة تقول “العريس الصيني وصل” أو “استيراد عرسان من الصين للمصريات” أو “آخر موضة في عالم الزواج وحل مشكلة العنوسة أو تأخر سن الزواج”!

 نكتة مصرية

الطريف أن مدونات لفتيات مصريات نشرت هذه الإحصائيات عن “العريس الصيني” وعلقت عليها بصورة بالغة السخرية، متسائلة أين تجد هذا العريس الصيني “الرخيص”، وهل سيعمل بكفاءة أم لا مثل بقية المنتجات الصينية رخيصة الثمن والتي تتعطل سريعا؟

 وتشير بعض المدونات إلى ان اتجاه الرجل الصيني إلى الزواج من الفتاة المصرية يرجع للتكاليف الباهظة بالنسبة لهم للزواج من صينيات، إذ إن متوسط التكلفة يصل إلى 75 ألف دولار، والصينيات أنفسهن يفضلن الرجال الأثرياء.

 قصص عراقية

وإذا كانت المصريات حولن حكايات الزواج من الصينيين إلى نكتة فإن حالات الزواج من الشباب العراقي الذي قدم لمصر هربا من نيران الحرب تحولت إلى موضة بين البنات في أحياء القاهرة الجديدة ومدينة 6 أكتوبر التي تشهد اكبر تجمعات للشباب العراقيين والذين تجاوزت أعدادهم وفقا للخارجية المصرية 100 ألف عراقي، معظم هؤلاء استأجروا الشقق وتملكوا المقاهي وافتتحوا المطاعم ومحلات المخبوزات ولم يتبق أمامه سوى البحث عن “بنت الحلال” المصرية التي تجد فيه ضالتها.

 هناء أمين 32 عاماً تزوجت منذ تسعة أشهر من شاب عراقي، وهي الآن تنتظر مولودها الأول تتحدث عن زوجها لؤي الذي كان يعمل في وزارة الإعلام العراقية بكل الحب والود والتقدير وتؤكد من دون خجل أنه كان طوق النجاة لها من الكثير من المشكلات، حيث استأجر لها شقة بضاحية 6 أكتوبر وأثث لها بيت الزوجية ولم يكلفها شيئا، ولكنها تكمل صراحتها بأن هذا الارتباط ليس زواج مصلحة، بل لأنها رأت فيه شاباً طموحاً جاء إلى مصر هربا من نيران الحرب، وصارت صداقة بينه وبين شقيقها ومن ثم تطور الأمر إلى أن طلب يدها من شقيقها الذي وافق على الفور لما له من مكانة في نفسه.

 ولا تختلف حكاية هناء عن حكاية سهام محمود إلا في الأشخاص والأسماء، وبدأت حكايتها في محل عمل شقيقتها بمدينة نصر، حيث حظيت بإعجاب الرجل الذي يعمل مع أختها بأحد المحلات الكبرى، ولم يمر أسبوع حتى لحقها عبدالله طالباً يدها، فوافقت بشرط إقامتها في القاهرة وأن يقيم معها على الدوام ورزقت منه بابن.

شبح العنوسة

في الوقت الذي دافعت فيه جمعيات المرأة عن حق المصريات في اختيار أزواجهن من “خارج الحدود” من قبيل الحرية الشخصية في ظل “العولمة” التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، حذر خبراء الاجتماع من عدم الاستقرار الذي يشوب هذا الزواج ويقود إلى اختلاط الأجناس وضياع حقوق الزوجة والأولاد.

ونلمح موقف خبراء الاجتماع الرافض لتلك الظاهرة في قول الدكتور أحمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بمصر والذي يؤكد أن ما يدفع البنات بهذا الاتجاه هو تلك الأرقام المخيفة التي صدرت في آخر دراسة رسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء وأكدت ارتفاع نسبة غير المتزوجين بين الشباب إلى 37%، وأن عدد الشبان والشابات العوانس - الذين تجاوزوا الخامسة والثلاثين من دون زواج - وصل إلى أكثر من 9 ملايين نسمة من تعداد السكان البالغ 64 مليون نسمة، بينهم 3 ملايين و773 فتاة، وقرابة 6 ملايين شاب.

وتؤكد تقارير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أنه يوجد في مصر 6.8 مليون فتاة ما بين سن 18 وحتى 35 سنة يبحثن عن زوج، ومن بين هذه النسبة هناك 5.3 مليون فتاة في المرحلة العمرية من 18  25 سنة، و6.2 مليون فتاة في المرحلة العمرية من 25  30 سنة، وتجاوز عدد الفتيات غير المتزوجات في المرحلة العمرية من 30 35 سنة 5.2 مليون فتاة، وكان نصيب مدينة القاهرة من هذه النسبة نحو 88 % من عدد الفتيات غير المتزوجات.

 وأرجع الدكتور المجدوب ذلك إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج بسبب البطالة، وأزمة الإسكان وارتفاع المهور والأرقام الكبيرة لتكاليف الزواج، ومقدم ومؤخر الصداق، وغيرها من القيود الاجتماعية التي فرضتها الأعراف والعادات والتقاليد، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات في مصر إلى أكثر من 8،6 مليون عانس في المرحلة العمرية من 18 إلى 35 عاما.

 وأضاف أن تلك العوامل جعلت الفتيات يبحثن عن الزوج الجاهز الذي يلبي مطالبهن وطموحهن المادي، وبالتالي أصبح الزوج الأجنبي فرصة ذهبية لدى أغلبهن اللائي ينظرن إليه كواجهة اجتماعية يفاخرن به بين أقرانهن دون الالتفات إلى عواقب هذا النوع من الزواج غير المستقر الذي قد يضيع حقوقهن هن وأولادهن عند وقوع الطلاق.

 أسباب اقتصادية

أما الدكتورة إنشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية فترجع تنامي ظاهرة زواج الفتيات المصريات من أجانب وعرب في السنوات الأخيرة إلى العامل الاقتصادي الذي يلعب دورا رئيسيا في عزوف الكثيرين من الشباب المصريين عن الزواج بسبب البطالة وأزمة الإسكان وارتفاع المهور والأرقام الفلكية “للشبكة” ومقدم ومؤخر الصداق، وغيرها من القيود الاجتماعية التي فرضتها الأعراف والعادات والتقاليد البالية، والتي دفعت بملايين البنات للوقوع تحت طائلة العنوسة.

 ورغم ارتفاع معدلات العنوسة بين الفتيات في مصر فإن الفتيات مازلن يبحثن عن “الزوج الجاهز” الذي يلبي مطالبهن وطموحهن المادي، وبالتالي أصبح الزوج الأجنبي فرصة ذهبية لدى اللائي ينظرن إليه كواجهة اجتماعية يفاخرن به بين أقرانهن من دون الالتفات إلى عواقب هذا النوع من الزواج غير المستقر الذي قد يضيع حقوقهن وأولادهن عند وقوع الطلاق.

 وأشارت الدكتورة إنشاد عز الدين إلى الخطورة الاجتماعية لهذا الزواج “متعدد الجنسيات”، فرغم اشتراطه الديانة الإسلامية للزوج الأجنبي فإنه يفتح الباب على مصراعيه أمام اختلاط الأجناس والموروثات الثقافية وضياع الهوية المصرية للأبناء الذين ينتمون عادة إلى بلد الأب، رغم تمتعهم بالجنسية المصرية وفقا للتعديلات الأخيرة.

إيمان بيبرس - رئيسة جمعية نهوض وتنمية المرأة - أكدت أن من حق الفتاة المصرية أن يحترم المجتمع اختيارها بالزواج من أجنبي، كما أن للشاب مطلق الحرية في الارتباط بزوجة من جنسية مختلفة، فلماذا نكيل بمكيالين بين الرجل والمرأة في ممارسة الحرية الشخصية؟

وأضافت، طالما أنه توافرت جميع شروط وأركان الزواج الشرعي بين هؤلاء المصريات وأزواجهن العرب والأجانب، بالإضافة إلى توثيق هذا الزواج في الشهر العقاري بما يضمن حقوقهن وحقوق أولادهن فلا ينبغي أن نقف في وجه هذا النوع من الزواج فعلى الأقل هناك اتفاق في الدين فلا يجوز أن تتزوج المسلمة بزوج ينتمي لديانة مختلفة، عكس الرجل الذي يمكنه الزواج، بأية فتاة أجنبية من دون النظر إلى ديانتها، وبالتالي تتوافر خلفية دينية تضمن استيعاب أي اختلافات مرجعها تباين الثقافات أو العادات والتقاليد المجتمعية. وتشدد على ضرورة التغلب على “فوبيا” الزواج من غير المصريين فقد ذابت الحدود السياسية بين الدول تحت أقدام “العولمة” التي لم تعد مجرد مصطلح نظري، ولكنها أصبحت واقعا فعليا علينا الاعتراف به والحياة في ظله.

 محاذير قانونية

من ناحيته يحذر المستشار مجدي حسين رئيس محكمة استئناف القاهرة من التوابع القانونية الخطيرة الناجمة عن الزواج من أجانب، مؤكداً أن الأمر لا يتوقف عند حد اختلاف العادات والتقاليد أو تباين الثقافات، ولكنه يمتد إلى تصادم القوانين التي تحكم مسائل الزواج والطلاق، خصوصا إذا كان الزوج أو الزوجة الأجنبية من مواطني أمريكا أو الدول الأوروبية أو الآسيوية ممن يتم تطبيق القانون المدني عندهم عند نظر دعاوى الأحوال الشخصية. وأوضح أن هناك حدا أدنى من الضمانات ينبغي على الفتيات المصريات أن يتمسكن به عند الزواج من أجانب، وأهمها أن تشترط في عقد الزواج - الذي ينبغي توثيقه في الشهر العقاري- أن تختص المحاكم المصرية للأحوال الشخصية بأية منازعات قانونية بشأن هذا الزواج وأن يكون حكمها في هذه الحالة نهائيا، بالإضافة إلى الاحتكام فقط من الناحية الموضوعية القانونية قانون الأحوال الشخصية المصري وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية مع الاهتمام بتضمين العقد بندين آخرين، أولهما: أن يكون لها حق حضانة الأولاد حتى لو بلغوا السن القانونية المحددة في بلد الزوج، والثاني: أن تحدد بدقة التزامه بتوفير النفقة والمسكن الملائم لها ولأولادها طوال فترة الحضانة.

 تنظيم الأمور

وإزاء هذه الوقائع التي أصبحت تمثل ظاهرة، أصدر وزير العدل المصري قراراً ينظم زواج المصريات من أجانب ليضع حداً لهذه المآسي، حيث اشترط على الزوج الحضور بنفسه عند إجراءات التوثيق وتقديمه لشهادتين من سفارته تفيدان بعدم الممانعة في زواجه وتوضيح وضعه الاجتماعي والمالي، وأن يتم التصديق على هاتين الشهادتين من السلطات المصرية المختصة. كما اشترط القرار الأخير لوزير العدل ألا يتجاوز فرق السن بين الزوجين 25 عاماً، وإذا تجاوز الفرق هذه السنوات يجب على الزوج تقديم شهادات استثمار للزوجة بمبلغ 25 ألف جنيه صادرة عن أحد البنوك، ولا يتم صرف قيمة الشهادة إلا بعد مرور خمس سنوات من الزواج أو في حالة الطلاق أو الوفاة، إضافة إلى ضرورة موافقة دولة الزوج، مع تقديم إقرار بدخله وعدد زيجاته السابقة وحالته الاجتماعية الحالية.

 مطلوب حد أدنى من التقارب

ترفض الدكتورة نادية رضوان أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، نظرة البعض إلى زواج المصريات من عرب أو أجانب بشكل سلبي، على أنه ظاهرة غريبة لابد من مواجهتها والتوعية المضادة بشأنها، مؤكدة أن من حق كل فتاة أن تتخير زوجها وفقا لقناعاتها الخاصة من قبيل الحرية الشخصية التي ينبغي أن نؤمن بها ونربي أولادنا عليها.

وترى أن تحذير البعض من الزواج من أجانب تحت دعوى أنه محكوم عليه بالفشل وعدم الاستقرار لاختلاف العادات والتقاليد أو الأعراف لم يجانبه الصواب، فاختلاف تلك التقاليد أو الثقافات، بل وتصادمها أحيانا موجود بالفعل من محافظة إلى أخرى وبين أهل المدن والقرى، ويتفاوت من طبقة اجتماعية إلى غيرها داخل المجتمع الواحد، رغم ذلك لا يحول هذا التباين القيمي دون نجاح زواج شبابنا وفتياتنا من أصحاب التنشئة أو الطبقات الاجتماعية المختلفة.

وتؤكد أهمية توافر الحد الأدنى من التقارب الفكري والتفاهم بين الزوجين حول أسس الحياة المشتركة فيما بينهما تحت سقف الزوجية، لأن ذلك هو الضمانة الحقيقية لنجاح هذا الزواج أيا كانت جنسية الزوج أو الزوجة.

معنى العنوسة(7)

 قال أهل اللغة : (( عنست البنت البكر تعنس بالضم، وعنوسا وعناسا؛ أي طال مكثها في بيت أهلها بعد إدراكها ولم تتزوج فهي عانس، والرجل أسن ولم يتزوج فهو أيضا عانس، وأكثر ما يستعمل في النساء، ويقال أيضا: عنست البنت البكر أي حبسوها عن التزوج حتى فاتت سن الزواج ))

انظر الصحاح ( 3/953 )، ولسان العرب ( 6/149 )

.. تؤكد الدكتورة عزة كريم رئيسة وحدة الأسرة بالمركز القومي للدراسات الاجتماعية والجنائية – مصر – بأن ( العنوسة ) مصطلح اجتماعي وليس لفظا علميا وبالتالي فهو متغير بتغير الظروف والأوضاع الاجتماعية والتطور الزمني للمجتمع. فالعنوسة عادة تعني السن التي تصل اليها الفتاة دون زواج مقارنة بالسن السائدة والمتعارف عليها وسط اسرتها والمجتمع، وكل مجتمع  يحدد سنا للزواج….

.. ولذلك فالعنوسة في الريف تختلف عن الحضر، وفي الدول العربية عن الدول الأجنبية، وتنخفض سن العنوسة عادة في المجتماعات غير المتقدمة اكثر من المتقدمة، بمعنى انه في مجتمع الريف أي فتاة تجاوزت 25 عاما تسمى عانسا فتدخل الأسرة في مرحلة القلق، لكن في المدن يبدأ القلق من سن 30 عاما ومع تطور المجتمع ارتفع سن العنوسة فيها الى 33 عاما وهذا امر طبيعي، ففي الدول الأوربية يصل الى 40 عاما…

.. وكما تختلف النظرة الى العنوسة من مجتمع الى آخر، فهي تختلف من أسرة الى أسرة أيضا، فلأسرة تقلق بعد تخرج ابنتها من الجامعة دون ان تتزوج بعدها بعامين، ويزداد القلق خاصة في المجتمعات العربية مع ارتفاع سن الزواج.

 .. ويرى الشيخ منصور صالح المنهالي رئيس قسم الوعظ والإرشاد – الامارات – بأن مصطلح ( العنوسة ) هو احد المصطلحات المستحدثة التي دخلت على المجتمع، مشيرا الى عدم وجود سن معينة للفتاة تصلح فيها للزواج او لا تصلح من الناحية الشرعية، لأن الدين الإسلامي لم يضع سنا معينة للزواج حيث تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من امرأة تكبره بـ ( 15 ) عاما مؤكدا بأن السن ليست المعيار الأساسي للزواج وانما ما اخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تنكح المرأة لأربع لدينها ومالها وجمالها وحسبها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ))…

.. وقال الشيخ المنهالي : ان تحديد سن معينة للزواج امر مرفوض من الناحية الشرعية وقد جاء الى المجتمع الإسلامي نتيجة للانفتاح على المجتمعات غير المتوازنة والتي اصبحت تنظر لأي قضية بلغة الارقام حول العمر والمال، موضحا بان بروز هذه الظاهرة في المجتمع جاء نتيجة لعدد من العوامل المتعلقة بارتفاع المهور وتكاليف الزواج وعزوف بعض أولياء الأمور عن تزويج بناتهم للكفء، والتعذر بأعذار عرقية وعصبية ، والفهم الخاطئ بان التعليم يتعارض مع الزواج.

.. يكرر الدكتور احمد المجدوب مستشار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عبارة (( تأخر سن الزواج )) وليس العنوسة معترضا على إطلاق هذا اللفظ على الظاهرة، حيث مقتضيات العصر الذي نعيشه غيرت هذا المفهوم فاصبح من المألوف ان تجد فتاة تقترب من الثلاثين ولا تعد عانسا.

ثمة أناس كثيرون يتساءلون عن أسباب عزوفي عن الزواج بعد أن أطلقوا علي وعلى أمثالي كلمة عانس.. تلك الكلمة القاسية التي أصبحت مصطلحا متداولا في جميع وسائل الاعلام. لكن هذه الكلمة الغريبة لا تؤثر في قراري أو في وضعي الذي اخترته بنفسي ولم يرغمني عليه احد. وكل ما اريد أقوله لهؤلاء الفضوليين : لا أعاد الله الزمن الذي قيل فيه ( ظل رجل ولا ظل حيطة ) فالرجل نفسه يعيش الان في الظل، و ربما في الهامش، بعد أن تنازل عن الكثير من أدواره التي كانت عنونا للرجولة والنخوة. لهذا أشعر أن السبب الرئيسي للارتباط به لم يعد موجودا

.. تعتبر ا.ع ( 30 عاما ) أن كلمة (( عانس )) كغيرها من المفردات غير المستحبة، تحمل معاني غير مقبولة نفسيا وإنسانيا. وحين تطلق على الفتاة فإنها تحكم عليها بالعزلة الاجتماعية، وتقيم سدودا في العلاقات بين المجتمع وبينها، وترسم لها صورة – في اذهان الناس أو المجتمع – غير إنسانية على الإطلاق .. (( فمن المرأة المتأخرة في الزواج (( عانس )) خصوصا إذا كانت متعلمة ومنتجة ))…..

.. وتتساءل: (( هل نحن في مجتمع تطبق فيه المقاييس والقيم نفسها على الرجل والمرأة، ولماذا لا ينعت الرجل غير المتزوج بالعانس ..

.......................................................................................

 1- جريدة الوطن

 2- موقع البلاغ

 3- إيهاب سلطان/ منتدى عربيات

 4- فهد الشمري / منتديات قصيمي نت

 5-  منى هلال / مجلة معابر

 6- تحقيق: محمد عبد الخالق/ دار الخايج

 7- موقع راعي النيسان

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27 كانون الاول/2007 - 16/ذو الحجة/1428