ملف تخصصي: إدارة الصراعات الخفية والمعلنة لأمريكا في الشرق الأوسط

إعداد:علي الطالقاني*

شبكة النبأ: تشهد مناطق عديدة من العالم صراعات كبيرة منها داخلية وخارجية وكانت الولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول الأكثر تأثيرا على إدارة هذه الصراعات التي قامت بدور الاحتضان والرعاية وعملت على موازنتها بين الأطراف المتنازعة وفقا لمعطيات نظرية المؤامرة التي تطورت كثيراً على  يد تلك الإدارة لتنضج من خلالها فكرة عدم انتصار أي من الطرفين وفقاً لما يعرف بقواعد اللعبة المتعلقة بنظرية الصراع التي تتكون من عدة خيارات منها الانتصار والهزيمة أو التعادل او الانهزام لكلا الطرفين القائم بينهما الصراع.

وقد نشر موقع «غلوبل ريسيرتش» الكندي مقالاً من إعداد الكاتب ريتشارد اسكافي حمل عنوان "الحرب جيدة للعمل: المجمع الصناعي العسكري الأنجلو-أمريكي يبيع الأسلحة إلى إيران"، يقول فيه:

بينما تقوم حكومة الولايات المتحدة بتصعيد خطابها العدائي ضد إيران وتبذل المزيد الجهد من أجل تشديد العقوبات الاقتصادية ضدها، فإن شركة «إم آي سي» الأمريكية هذا العام تقوم ببيع الإيرانيين كمية من قطع الغيار الخاصة بطائرات إف-14 المقاتلة الأمريكية.

يقول تقرير جين الاستخباري بأن مكتب «الغاو» (أو ما يعرف بمكتب المحاسبة الحكومية) قد أعد تقريراً في أول آب 2007م الماضي حول قيام الشركة الأمريكية ببيع أكثر من 1400 قطعة غيار خاصة بطائرات إف-14 الأمريكية إلى إيران خلال شهر شباط، وذلك برغم القرار الصادر في كانون الأول في نفس العام والذي أعلنته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بعدم بيع أي عتاد أو قطع غيار أو معدات عسكرية أمريكية إلى إيران إلى حين قيام وكالة إمدادات الدفاع التابعة للبنتاغون بإصدار قرارها النهائي.

* قواعد اللعبة الأمريكية:

للإدارة الأمريكية وحصراً للبنتاغون ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية خبرة كبيرة في التلاعب بالأوضاع والتوازنات الإقليمية والتدخل في الصراعات عن طريق التأثير على ميزان القوى بين أطراف الصراع فقد سبق أن دعمت أمريكا إيران في عهد الشاه بالعتاد العسكري على النحو الذي جعل نظام الشاه يقوم بدور "شرطي الخليج" وبعد سقوط نظام الشاه دعمت الولايات المتحدة نظام الرئيس العراقي صدام حسين المجيد وفي نفس الوقت الذي كانت تقدم فيه الأسلحة المتطورة إلى العراقيين كانت من الجهة الأخرى تقدم عبر أطراف ثالثة الأسلحة والعتاد العسكري للإيرانيين وذلك على النحو الذي يؤدي إلى الآتي:

* عدم السماح بنتيجة "رابح - خاسر" أو "خاسر - رابح".

*السماح بسيناريو استمرار الصراع على النحو الذي وإن كان يؤدي من الناحية المعلنة إلى صيغة "رابح - رابح" عن طريق وقف إطلاق النار إلا انه في واقع الأمر يؤدي إلى صيغة "خاسر - خاسر" وذلك على أساس اعتبارات تكاليف الحرب المنهكة.

وقد كشفت فضيحة تهريب وبيع الأسلحة التي تمت خلال فترة إدارة الرئيس رونالد ريغن والتي أشرف عليها كل من اليهودي الأمريكي إيليوت إبراهام ولعب فيها دور المايسترو نغروبونتي الذي لعب الدور الميداني وروبرت غيتز الذي لعب دور إخفاء المستندات والتستر عليها، والسفير بندر بن سلطان الذي دفع الأموال اللازمة لتمويل "العملية"، وحالياً، يشبه الوضع في واشنطن ما حدث في أيام ريغن وإن كان في نفس الوقت لا يشبهه، ففريق الفضيحة نفسه موجود ولكن تغيرت المواقع: روبرت غيتز أصبح وزيراً للدفاع الأمريكي بعد أن كان مديراً للمخابرات المركزية الأمريكية، ونغروبونتي أصبح نائباً لوزيرة الخارجية الأمريكية بعد أن كان سفيراً لأمريكا، أما إيليوت إبراهام فقد أصبح نائباً لمستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي بعد أن كان موظفاً في الخارجية الأمريكية، وبالنسبة لبندر بن سلطان فقد أصبح رئيساً لمجلس الأمن القومي السعودي بعد أن كان سفيراً للسعودية في واشنطن. بكلمات أخرى، فإن اللاعبين هم أنفسهم والإدارة الأمريكية الجمهورية هي نفسها ولكن ما تغير هو مناصب ومواقع اللاعبين، ومذهبية الإدارة الجمهورية التي بدلاً عن توجهات المحافظين التقليديين أصبحت تعتمد على توجهات المحافظين الجدد. بكلمات أخرى، فإن ما تغير بقدر أكبر هو وزن وتأثير إسرائيل في الإدارة الأمريكية وفي منطقة الشرق الأوسط.

عموماً، بيع قطع الغيار الأمريكية إلى إيران في هذه الظروف يثير أكثر من تساؤل ومن أبرز الأسئلة: هل تريد الإدارة الأمريكية الاستمرار في تهديد إيران من جهة ومن الجهة الأخرى تزويدها بالدعم والعتاد؟ وإن كان ذلك كذلك، فهل معناه أن الهدف المعلن للسياسة الخارجية الأمريكية التدخلية في المنطقة هو استهداف إيران بينما الهدف غير المعلن –والحقيقي- للسياسة الأمريكية هو البقاء في الخليج العربي والعراق حتى آخر قطرة نفط؟

دليل الصفقات الأمريكية

من جانب آخر أشعلت الإدارة الأمريكية الأزمات والصراعات في المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان غرباً حتى موريتانيا والسنغال على ضفاف المحيط الأطلسي. ولم تستثني مؤامرات الإدارة الأمريكية أحداً، بل استهدفت أخلص حلفائها، وها هي تركيا تواجه مشكلة الحركات الانفصالية الكردية التي سلحتها أمريكا، علماً بأن الحركات الانفصالية الكردية المتحالفة مع أمريكا وجدت نفسها في مواجهة تركيا المدعومة أمريكياً من الجهة الأخرى..

* إدارة بوش: "كيفية الخروج من المآزق"

أدت الحرب ضد الإرهاب التي خططت لها جماعة المحافظين الجدد، ونفذتها إدارة بوش، إلى توريط الولايات المتحدة الأمريكية في شتى أنواع الصراعات والمواجهات العسكرية والدبلوماسية والأمنية والاستخبارية. وقد ترتب على ذلك مواجهة الأمن القومي الأمريكي للمزيد من الضغوط والأزمات، ذات التأثير المدمر على القوام الاستراتيجي الجيوسياسي للدولة الأمريكية.

أبرز تداعيات الحرب على الإرهاب تتمثل في ما يلي:

* على الصعيد الداخلي: تآكل مفردات الخطاب السياسي الجمهوري الأمريكي على النحو الذي أفقد السياسات التدخلية القوية -التي يعتمد عليها تيار الجمهوريين في التسويق السياسي- بريقها، بشكل أدى إلى تراجع الكثير من الجمهوريين عن أطروحاتهم، وكان من أبرز التداعيات خسارة الجمهوريين لانتخابات الكونغرس الأمريكي، ومواجهتهم لشبح الخسارة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة.

* على الصعيد الخارجي: اهتزت صورة أمريكا أمام العالم، كما واجهت الأنظمة الحليفة لأمريكا –وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الأوسط- الكثير من حالات السخط وضغوط المعارضة الشعبية، وكان من نتائج ذلك صعود حزب العدالة والتنمية المعارض في تركيا، ومواجهة نظام الجنرال برويز مشرف لشبح السقوط والانهيار، وترنح حركة فتح الفلسطينية بزعامة محمود عباس، واهتزاز الثقة الشعبية في حكومة السنيورة وقوى 14 آذار، إضافة إلى عدم قدرة العراقيين في بغداد، و الأفغان في كابول، على فرض السيطرة والاستقرار في العراق وأفغانستان على الترتيب.. أما في دول الاتحاد الأوروبي، فقد أصبحت الأنظمة الأوروبية الموالية لأمريكا، في مواجهة ضغوط المعارضة الشعبية، وقد سقط طوني بلير البريطاني، وأزنار الإسباني، وبيرلسكوني الإيطالي.. وحتى ساركوزي القادم حديثاً إلى قصر الإيليزيه باتت تحاصره الضغوط والفضائح التي كشفت عن ارتباطه السابق في العمل لصالح الموساد الإسرائيلي..

* إدارة الصراع:

أزمة إدارة بوش إزاء أزمة إدارة الصراع تزايدت عمقاً بسبب:

* تدخل السياسة الخارجية الأمريكية في الشئون السيادية لدول العالم الأخرى، وعلى وجه الخصوص دول منطقة الشرق الأوسط.

* تدخل إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في السياسة الخارجية الأمريكية إزاء دول العالم الأخرى، وبالذات دول منطقة الشرق الأوسط.

وهكذا، أصبحت الأزمة تتضمن أزمة داخل أزمة..ولم تعد الإدارة الأمريكية الحالية قادرة على الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة في الصراعات التي أشعلتها في العراق وأفغانستان، وبقية بؤر التوتر، وذلك لأن هذه الصراعات هي بالأساس امتداد لصراع قديم ممتد ومستمر أشعلته إسرائيل.

إدارة الصراع، ليست تنجيماً أو ضرباً من السحر والتنبؤ، وإنما هي علم، وله كسائر العلوم الأخرى أصوله وقواعده التي يقوم عليها..

ترتبط إدارة الصراع بالأوضاع السائدة والتطورات الجارية في:

* بيئة الصراع الداخلية.

* بيئة الصراع الخارجية.

وتأسيساً على ذلك، فإن موازنة الفرص والمخاطر الموجودة في البيئتين الداخلية والخارجية، هو السبيل الأمثل للوصول إلى "مفتاح الحل" وتسوية الصراع..

* إدارة بوش وإدارة الصراع:

يقول رئيس الوزراء البريطاني السابق وينستون تشرشل –ساخراً كالعادة- بأن الأمريكيين يعرفون الأسلوب الصحيح، ولكنهم لا يلجؤون لتطبيقه إلا بعد أن يحاولوا تطبيق الأساليب الأخرى، غير الصحيحة بالضرورة..

الآن، تحاول الإدارة الأمريكية عقد عدد هائل من الصفقات الرئيسية والفرعية، التي تتيح لها الخروج –برأس مرفوع- من مستنقع النزاعات الشرق أوسطية الذي تورطت فيه لصالح إسرائيل...

* صفقة تركية – عراقية تقوم على صفقة تركية – كردية تقوم على صفقة أمريكية – عراقية، وصفقة أمريكية – تركية...

* صفقة باكستانية – أفغانية، تقوم على صفقة أفغانية – طالبانية، وصفقة باكستانية – قبائلية بما يؤدي إلى صفقة أمريكية – باكستانية وصفقة أمريكية – أفغانية.

* صفقة أمريكية – إيرانية، تقوم على صفقة أمريكية – عراقية، تقوم على صفقة عراقية – إيرانية.

* صفقة سعودية – أمريكية، تقوم على صفقة سعودية – عراقية، وصفقة سعودية – إيرانية، وصفقة عراقية – إيرانية.

* صفقة أمريكية – إسرائيلية، تقوم على صفقة أردنية – أمريكية، وصفقة مصرية – أمريكية، وصفقة أردنية – فلسطينية، وصفقة مصرية – فلسطينية، وصفقة أردنية – مصرية، وذلك وصولاً إلى الـ"صفقة الإسرائيلية - الفلسطينية" التي برغم انتظار النظامين المصري والأردني لها لفترة طويلة فإنها ما زالت تبدو أكثر استحالة.

* صفقة أمريكية – روسية، تقوم على صفقة روسية – إيرانية، وروسية – صينية، وروسية – فرنسية، وفرنسية أمريكية..

* صفقة أمريكية – لبنانية تقوم على صفقة أمريكية – فرنسية، وصفقة أمريكية – إسرائيلية..

عموماً، فإن عنوان آخر أفلام الإدارة الأمريكية هو: حروب "شمشون الأمريكي"، ودبلوماسية "دليلة الأمريكية". وتقول وقائع السيناريو: أشعل الرئيس جورج بوش (شمشون) النزاعات والصراعات لمصلحة إسرائيل، باستخدام الوسائل العسكرية، ووقع في الحفرة التي حفرها ، وعندما لم يجد من يمد له يداً ليخرج منها، بما في ذلك الإسرائيليين، فها هي وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس بين عواصم الشرق الأوسط وأوروبا.. وذلك من أجل الدفع باتجاه إنجاز الصفقات العالقة التي أشرنا إليها.. فهل يا ترى تنجح في اداء مهامها أم أنها تنوي توريطه أكثر فأكثر على غرار ما فعلت نظيرتها الإسرائيلية (تسيبي ليفني) لإيهود أولمرت..؟

.......................................................................

المصادر:

موقع"غلوبل ريسيرتش" الكندي

وكالات

موقع الجمل

*المركز الوثائقي والمعلوماتي

مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام

www.annabaa.org

Arch_docu@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26 كانون الاول/2007 - 15/ذو الحجة/1428