المستقبلية وعي الماضي واستيعاب الراهن

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ: العين التي لا تتطلع الى الأفق تعشو في وقت الضحى بكونها لم تكن يوما قد شاهدت محيطها او تأملت في صورتها، ولذا فانها وان كانت سليمة فهي عمياء عن المستقبل.

وهكذا الامر بالنسبة للمجتمعات التي تهمل المستقبل من خلال عدم الاهتمام بالتخطيط والاحتراز والتأسيس.

ان الحاضر سيكون ماضيا ويتبادل الدور مع المستقبل الذي سيكون حاضرا ويخضع لناموس التطور ليذهب مذهب التجارب الانسانية في الحياة المتحركة دوما الى امام، لكن هذا السير الحثيث باتجاه المستقبل سيكون مليئا بالمفاجئات والتبدلات الظرفية ومتغيرات في جميع المستويات الملموسة وغير الملموسة كالحالة الاجتماعية او الاقتصادية او السياسية او البيئية وغيرها فاذا كانت هناك مشكلة ما كنا نعاني منها معاناة بسيطة فانها في الحاضر الجديد لايمكن احتمالها او انها قد تكون معرفلة كبيرة تقف حائلا عن اي عمل ايجابي يمكن ان نقوم به في الاقتصاد او التنمية الاجتماعية او في التعليم والتدريب.

ولعلنا في التجربة العراقية نجد الكثير جدا من سوء التخطيط للمستقبل في التخطيط العمراني والزراعة والصناعة والخدمات فكل هذه الاشياء لم يجري التخطيط لها بالشكل الذي يتيح لها ان تتطور وتمتلك المرونة للتطوير فالنظرة كانت ولا تزال راهنية وكلما اريد لها ان تلائم الحاضر الجديد فلا بد من ان تبدأ من الصفر والصفر بمعناه ان نتخلى عن الجهد المبذول سابقا ثم نقع في نفس الاشكالية فنتبع الراهنية الضاغطة وبلا تخطيط ايضا دائما في ظل هذه العقلية نحن مستعدون لالغاء جميع جهودنا واهدار مدخراتنا الطبيعية ونرميها في عرض البحر والقبول في حالة المراوحة والسكون في نقطة واحدة فيما يكون الزمن الغالي يمر وتمر معه الفرص الذهبية التي لا تعوض.

فالشارع في المدينة مثلا قد اعطي مسافة اربعة مترات لكن هذا الشارع تخلف بدرجة كبيرة عن التطور او الزيادة الحاصلة في المركبات والازدحام التجاري فصار بعد فترة عائقا وسبب ازمة كبيرة بعد مرور سنة من انجازه ولم تنفع معه زيادة المساحة من خلال تصغير الرصيف فلا بد والحالة هذه ان يستقطع بعض الامتار من الاملاك الخاصة وتعويضها لكي يكون هناك متنفسا مروريا لكن رغم الخسائر الفادحة فان العام الجديد الذي حل حلت معه الازمة مع نفس الشارع وذلك لعدم النظر الموضوعي للاحتمالات التي يجلبها المستقبل معه فلم يجر النظر الى الشارع بالرؤية المستقبلية لمدة مائتي سنة او مائتين وخمسين سنة قادمة فلو كان الامر هكذا لما حدثت ازمة في ذات الشارع او بقية الاشياء المتحركة وفق ناموس الزمن.

في العراق تعيش الأزمات وليس ازمة واحدة، فهناك ازمة كبيرة في الكهرباء والماء والمرور والنقل والتجارة والأزمة الخماسية هذه كان سببها انعدام التخطيط وقد كانت على الدوام اشياء متوارثة بين السلطات التي تحكم البلد وتظل ازمة متداولة عبر الزمن بشكل لانهائي.

ازمة البطالة والتنمية الاجتماعية كانت على مرور الوقت متفاقمة لم ينظر اليها على انها مشكلة ان بدت في فترة ما مشكلة بسيطة يمكن استيعابها من خلال التشغيل لبعض البنى الاقتصادية الا ان تلك البنى ذاتها لم تخضع للتخطيط المستقبلي وسرعان ما تعلن عجزها عن استيعاب البطالة المتفاقمة.

فالتخطيط الحقيقي الذي ياخذ بالحسبان ازدياد النفوس والموايد الجديدة وسبل المعاجة المستقبلية من النظام الصناعي او الزراعي وقياسات اسواق العمل والتنمية لما كانت هناك ازمة تسمى بازمة العاطلين عن العمل.

ومع كثرة الموارد المتاحة للزراعة ووفرة المياه والايدي العاملة والاراضي القابلة للاستصلاح والمناخ الطبيعي الملائم والمرونة الطوبوغرافية الا ان الزراعة في العراق تعد من الاشياء المتخلفة والمتاخرة بدرجة كبيرة، بكون هذه المحسنات المشجعة على الزراعة بشكل اكيد لم تستثمر تخطيطيا في العقلية الحاكمة لصالح مستقبل الامة العراقية.

الجانب التربوي والمهني والتدريبي وتجهيز الخبرات الاكاديمية لايتناسب في العراق مع سوق العمل او الوظيفي منه على وجه الخصوص كذلك الجانب التعليمي لا يتناسب مع المستلزمات الدراسية بكون الجاهز للتدريب يفوق القوة الاستيعابية للتعليم وهذه التناسبات المتضادة الحقيقة في جميع المرافق الفعالة في الجسد العراقي وعدم التناسب هذا ناتج من سوء التخطيط لكننا قد نغالي بالتفاؤل ان نقول سوء التخطيط ونجانب الحقيقة بدرجة كبيرة لكن الحقيقة ان لا تخطيط ابدا في منظور التخطيط الحقيقي المفترض، فان التخطيط معدوم نهائيا وقد يكون التخطيط التخريبي هو الاقرب بهذا المسمى ولذا فقد خططت السلطات التعسفية لتدمير العراق وها نحن نعاني اليوم من الميراث الرهيب الذي خلفوه لدينا وهو كم هائل من المشاكل والازمات نرى مصداقها في تنمية وتخطيط الارهاب والمناطقية كذلك نراه في الخطط الرامية الى غير صالح العراق في الجانب السياسي، كذلك مسائل العرقية والطائفية التي خطط لها النظام السابق وهذا التاخر في التنمية على شتى اشكالها، وما تنتج عنه من كراهية وعنف وينعكس ذلك في العوز والفقر المدقع وحرمان الشعب العراقي من الاستفادة من خيراته الطبيعية التي وهبها الله سبحانه وتعالى.

والتخطيط للمستقبل يجب ان ينطلق من النقاط التالية:

1ـ ينطلق التخطيط المستقبلي من قراءة الحاضر واستيعابه ودراسة ازماته التي لها طابع الديمومة.

2ـ تشييد البنى التحتية التي تستوعب النمو المستقبلي مهما بلغ من التطور المحتمل.

3ـ فهم العصر الراهن على المستوى المحلي وعلى المستوى العالمي مع الاحتمالات والتلرجيحات الاقوى للتطورات المحتملة.

4ـ دراسة الماضي كونه الركيزة المثلى ولا يمكن فقد الصلة من جوانبها المادية او الروحية والاخلاقية والخصوصية الثقافية التي تتقبل كل ما من شانه ان يرفع من القيمة الانسانية.

5ـ متابعة وفهم المتغيرات بما توصلت اليه الانسانية في العالم الارضي من ابداعات فكرية او تقنية وعدم التخلف عن الركب الحضاري العالمي.

6ـ الاطلاع على قضايا المستقبل من خلال التجارب الذاتية المجتمعية او تجارب الآخرين واستيعاب الافكار المتداولة حول المستقبلية في العالم.

..........................................................

المصادر مجلة النبأ: العدد62

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 16 كانون الاول/2007 - 5/ذو الحجة/1428