احتفل العالم قبل أيام باليوم العالمي لحقوق الانسان!!
وكانت في أجندتي ان اكتب شيئا عن الانسان صبيحة يوم العاشر من كانون
الاول، ولكن خبر استشهاد اللواء قيس المعموري قائد شرطة بابل قبل يوم
من ذلك التأريخ، لوى عنق قلمي فانزوى مبتعدا لتأتي هذه الاسطر بعد
يومين من الذكرى!
أيهما الاجمل، الاحتفال بذكرى ما .. الفن الذي نجيده نحن معشر
الانس؟ أم حقوق الانسان؟!
وكيف اذ اقترن الجميلان... الذكرى وحقوق الانسان؟!
وكيف بنا اذا احتفل الانسان على ارض بابل بهذه الذكرى، حاملا نعشا
لانسان لم يحظ بحقه في الحياة بعد ان عاش ليحفظ هذا الحق للآخرين؟!
لقد غيرت خطتي ولن اكتب عن حقوق الانسان، دعوني اتحدث اليوم عن
الانسان في بلدي، الانسان وحسب وسأترك ترف الحديث عن الحقوق لمن يجيد
ذلك!
في دوامة الانسلاخ اليومي من ربق الراحة، يجري الانسان بكلا نوعيه
مستعينا بساقيه واحيانا بسيقان اخرى ليتمكن من تأمين قوت أسرته وشيئا
من متطلبات الحياة الكريمة في زمن ارتفعت فيه اسعار كل الاشياء عدا سعر
الانسان نفسه، وعندما يتهاوى ليلا منهك القوى يأتيه صوت التلفاز متحدثا
عن قيم الاعلان العالمي لكذا وكذا وعن معاهدات لحفظ كذا وكذا وعن
صداقات هنا وهناك... فيغمض عينيه متسائلا: اذا كان العالم كله يتحدث عن
القيم ويعاهد ويصادق فمن الذي صادر حقي؟!
في غنجة التحول الديمقراطي المتبختر على طرقات وجعنا، تطوي أمنا
العراقية الصابرة جوع ابنائها على أمل الغد، ذلك الغد الذي ما برحت
تنتظره وستبقى تنتظره، في كل زاوية من زوايا العراق، في الريف وهي تعمل
وتزرع وترعى وتنجز أعمال البيت وتحصد لتقدم نتاج جهدها الى الرجل الذي
ما برح يتفاخر برجولته وقواميته وقدرته على السيطرة على مجريات الامور.
في المدينة وهي تكدح وتعمل وتشارك في بناء الحياة، ليصادر بعدها
الاخرون حقها او يهمشون دورها او يلغون فاعليتها من الحياة.
ومع تلاطم امواج الحقوق بعضها مع بعض، تتحطم سفينة حقوق الطفل لتهوى
الى القاع دون ان يرف لبعضهم طرف!
جميل أن يكون للبعض حقوق، وان يتغنى البعض الآخر بهذه الحقوق، فمن
حق اولئك ان تكون لهم حقوق، ويبقى لهؤلاء حق التغني والاحتفال!!
ومن الطبيعي ان يكون لنا نحن إبداع التغني والاحتفال فلا توجد أمة –
كأمتنا – تجيد فن الاحتفالات والشعارات والامنيات!
جميل ان يحتفل اطفالي في مدرستهم عند رفع العلم باليوم العالمي
لحقوق الانسان، وفي داخله ألف سؤال عن معنى تلك الحقوق، وكيف يمكن
للانسان ان يكون له حق!! من يدري لعل مجرد التساؤل في داخله، حق يمنحه
لنا الغير، فمن يدري ما سيخبئ القدر؟!
كيف يمكن ان احتفل بهذه الذكرى، بعالميتها؟ ببنود اعلانها؟ ومازال
طفلي يخشى ان يخبرني بحفنة الاسئلة المتقوقعة في رأسه، ويخشى ان يخبر
معلمته برأيه في الدرس وباحة المدرسة وحقه في ان تحترمه.
كيف أحتفل ومازالت أختي تخشى التعبير عن نفسها أمام أبي... ومازالت
جارتي تخشى ان تخبر الناس ان زوجها يمارس العنف بكل انواعه ضدها،
ومازالت أمي تكتم وجعها وخالتي تتشاجر مع ابنتها التي تطالب بحقها في
حياة زوجية كريمة صارخة بوجهها: (عيب، سمعتنا بين الناس، فما هي
المشكلة في ان يضربك او يسبك، لست الاولى كما لست الاخيرة)!!
كيف أحتفل ومازالت الفتيات في كل نواحي بلدي يحرمن من التعليم ومن
العمل ومن حقهن في اختيار شريك الحياة، بل من حقهن في ابداء رأيهن.
كيف أحتفل والاحلام تغتال على قارعة الطريق فيما تنبعث ألحان الحب
من مذياع احدهم!
اقدم اعتذاري للعالم... لن احتفل باليوم العالمي لحقوق الانسان، قبل
ان يعترف الانسان بإنسانيته اولا، وبإنسانية غيره ثانيا.
سأؤجل الاحتفال حتى اشعار آخر.
* منظمة بنت الرافدين
www.brob.org |