شهدت الساحة السياسية المصرية عدد من الملفات الساخنة خلال العام
2007، بعضها ظهر خلال العام نفسه وبعضها كان قد تم تحويله من بين
الملفات التي لم يغلقها العام 2006. وبوجه عام فإن الأوضاع السياسية في
هذا البلد المثقل بهمومه، تظل ملفات ملتهبة دون أن تقفل وإن أغلقت فهي
على بركان.
1ـ استمرار الجدل حول توريث الحكم
في مصر
كانت قضية توريث الحكم في مصر ــ ولازالت ــ الشغل الشاغل للنخبة
السياسية ورجل الشارع، على حد سواء. فرغم نفي الرئيس مبارك ونجله وجود
أي خطط لديهما لتوريث الرئاسة لجمال ترى الشريحة العريضة أنه لا يوجد
أي تفسير مقبول لأنشطته السياسية، على مدى السنوات الخمس الماضية،
وبروزه التدريجي على المسرح العام، إلا الإعداد لتوريثه السلطة.
و"التوريث" كقضية مثيرة للجدل أقدم بكثير من العام 2007، إلا أن
الجدل حولها ظل متواصلاً طيلة هذا العام أيضاً نظراً لأن (الوريث
والتركة) كلاهما موجود، وإن ظل المعارضون من أبناء الشعب موجودون
أيضاً.
إذ من المعتقد على نطاق واسع ــ داخل أوساط الشعب المصري ــ أن
الرئيس مبارك يعد نجله لخلافته على منصب رئيس أكبر دولة عربية من حيث
عدد السكان. خاصة وأن مبارك (79عاما) يرفض رفضاً تاماً تعيين نائب
للرئيس، وهو المنصب الذي انتقلت من خلاله السلطة إليه وإلى من سبقه.
وفي يوم 7/12/ 2007، بادر رئيس مجلس الشعب أحمد فتحي سرور، بنفي
وجود ما يسمي "التوريث" في مصر، مشددً علي استحالة حدوثه في ظل تعديلات
المادة 76 حتي لو جاء جمال مبارك للحكم، على حد قوله.
وكعادة التصريحات التي يطلقها المسؤلون المصريون في قضايا شائكة لها
حساسيتها لدى العامة، قال سرور: إن الرافضين لـ (جمال) باعتباره ابن
الرئيس يشكلون اعتداء علي الحقوق الدستورية للمواطن جمال مبارك. وأضاف:
"لا يجوز أن يحرم مواطن مصري من حقوقه الدستورية والقانونية".
وكان الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر أكد في تصريحات سابقة له،
انه يرفض توريث الحكم في مصر خاصة إذا جاء بشكل مباشر من الاب لابنه،
موضحاً أنه إذا جاء التوريث عن طريق انتخابات حرة نزيهة فلا مانع، لأن
هذا حق الابن الدستوري وليس فيه مخالفة للشرع.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها شيخ الأزهر بتعبيرات
مباشرة في معضلة توريث الحكم في مصر، وهو ما اعتبره المراقبون مؤشراً
واضحاً على قرب تنفيذ ما بات يوصف في الشارع السياسي بترتيبات الخلافة.
2ـ إشاعة مرض الرئيس
وغير بعيد عن "التوريث" سرت شائعة مرض السيد رئيس الجمهورية، وسادت
الشارع المصري، مما أحدث حالة من الارتباك والقلق بشأن مستقبل كرسي
الحكم في البلاد. وتحدثت الأقاويل أن مبارك يخضع لعناية صحية فائقة
بإحدي المستشفيات السيادية في القاهرة، مستندة إلى اجراءات أمنية
استثنائية أحاطت بهذه المستشفى، ثم أخذت الأقاويل تستند إلى كلام منسوب
للسفير الأمريكي فيما بعد، ولسفراء أجانب آخرين.
وقد استنكرت مصادر أمنية عليا حديث الشائعة، وكان الرد: أن "الرئيس
في برج العرب"، يقضي عطلة في استراحته الرئاسية هناك. إلا أن ذلك لم
يمنع المصريين من الكلام، ولم يقلل من حدة الشائعة سوى تعاقب الليل
والنهار عليها، وظهور مبارك يوم 29/8/ 2007 على الهواء مباشرة في
التليفزيون المصري متفقداً المشروعات في مدينة برج العرب القريبة من
الإسكندرية.
سريان الشائعة كالنار في الهشيم اضطر الرئيس لحضور مباراة لكرة
القدم، حتى يراه الجميع على قدميه، مصطحباً معه أحد أنجاله.. ثم وهو
يصطحب عدداً من أركان حكومته، بمن فيهم رئيس الوزراء أحمد نظيف، حيث
قام بزيارة تفقدية في محافظة سوهاج بصعيد مصر.
ويقول المراقبون: إن ترويج هذه الشائعة يعود إلى مخاوف الناس من
غياب الرئيس، وذلك لارتباط القدرة على اتخاذ كل القرارات في مصر به
وحده، وإن انتشارها السريع يرجع إلى الفجوة في العلاقة بين النظام
والشعب، والتي كانت وراء عدم تصديق الشعب تطمينات الحكومة، حتى بعد
ظهور مبارك على التلفاز مرتين في أسبوع واحد.
المطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم ـ وكعادته ـ لم يفوت الفرصة ووضع
بصمته، وبأغنية خاصة جداً سجلها من كلمات كاتب أغانيه (إسلام خليل) على
نفس اللحن الذي قدم به من قبل كل أغانيه، قال (شعبولا): "الريس ميه ميه
والحمد لله بخير.. والصورة واضحة أهيه مش كدب ولا دوبلير.... كلام في
الهوا اتنشر وكتر الاشاعات.. الريس برضه بشر من حقه يأخد أجازات"
وآييييييييه.
3ـ أحكام السجن بحق صحفيين مصريين
اتهمت أجهزة الأمن المصرية أربع من رؤساء تحرير الصحف (المستقلة
والمعارضة) بنشر أخبار كاذبة ــ 27ـ 30/8/2007 ــ والوقوف وراء اشاعات
طالت صحة الرئيس، مما هدد الأمن القومي للبلاد. وقضت محكمة جنح
(العجوزة)، يوم 13/9/2007، بالسجن لمدة عام، على كل من: وائل الأبراشي،
رئيس تحرير أسبوعية "صوت الأمة"، وإبراهيم عيسي رئيس تحرير يومية
"الدستور"، وعبد الحليم قنديل رئيس تحرير أسبوعية "الكرامة" وعادل
حمودة رئيس تحرير أسبوعية "الفجر".
وكان مما نشرته "الدستور" يتضمن أن مبارك "يعاني من قصور في الدورة
الدموية، ما يؤدى لإصابته بالاغماءات أحياناً وهو ما أضطره لزيارة برج
العرب للقضاء على شائعة مرضه".
وقالت الأجهزة الأمنية: إن ذلك أدى إلى الإضرار بالأوضاع
الاقتصادية، واضطراب سوق الأوراق المالية، وكذلك إثارة البلبة بالشارع
المصري بتأكيده على أن قرارات الرئيس مبارك تصدر بشكل عاطفى بناء على
مرضه. وهو ما أثبته (عيسى) بمقاله المعنون: "الآلهة.. لا تمرض" والذي
أشار فيه إلى أن اصابة الرئيس بقصور في الدورة الدموية سينعكس سلباً
على قراراته.
وأوضح المقدم (ياسرالمليجي) أن الصياغة التى كان عليها المانشيت
الرئيس بالصحيفة حول سفر الرئيس للعلاج بفرنسا، هي محاولة للإيحاء بأنه
خبر صادق وليس مجرد شائعة تتناقلها أوساط العامة، بما يعني سوء القصد
في النشر.
وأكدت المحكمة أن كل ما نشر بهذا الشأن، يمس كيان الدولة، ويؤثر فى
أفرادها، وقياداتها، وقيادات الحزب "الوطني" الذى يرأسه مبارك. وقالت
انه ثبت لديها أن المتهمين لم يدفعوا بهذه الأخبار بالصدق أو الصحة في
دفاعهم اثناء الجلسات أو مذكراتهم المقدمة بالدعوة، ومن ثم عجزوا عن
إثبات صحة ما قاموا بنشره من أخبار، بل لم يقدموا في دفاعهم دليل نفي
واحد على عدم حدوث أضرار بالمصلحة العامة.
الأحكام التي صدرت بحق الصحفيين لاقت قلق شديد على حرية الصحافة
والتعبير في مصر، وعقب صدور الأحكام سادت حالة من الغضب لدى الصحفيين
الذين احتشدوا داخل قاعة المحكمة تضامناً مع زملائهم، وخرجت الاحتجاجات
والتظاهرات في قلب القاهرة تهتف "لا لتكميم الأفواه" وقد أظهرت
تضامناًً غير مسبوق من كافة القوى النقابية والعمالية والشعبية.
ما دفع الرئيس مبارك إلى التأكيد ــ من جديد ــ على حرصه الشديد على
حرية الصحافة، مشيراً إلى أن حرية الرأى والتعبير في الصحافة والإعلام
اكتسبت مساحات متزايدة وغير مسبوقة منذ تحمله المسئولية. كما أكد ـ فى
تصريحات لرئيس تحرير صحيفة "الأسبوع" ـ أنه لا رجعة إطلاقاً في هذه
الحرية.
وشدد مبارك على أن الغالبية العظمى من كتاب مصر وصحفييها يلتزمون
شرف الكلمة، وأن المشتغلين بالصحافة عليهم أن يتحملوا مسئولية تنقية
الوسط الصحفي من ممارسات وتجاوزات لاتتوخى سلامة القصد، وتتنافى مع
ميثاق الشرف الصحفي، وتنال من استقرار الوطن. ووجه الرئيس الدعوة إلى
الصحفيين والكتاب لتحمل المسئولية والترفع عن الصغائر.
4ـ المظاهرات والاحتجاجات العمالية
تصاعدت حدة الاحتجاجات العمالية بشكل غير مسبوق في مصر، في ظل تدني
الأجور والرواتب مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في البلاد، وقد شملت هذه
الاحتجاجات كافة الشرائح العمالية.
ـ ففي 6/6/2007 تظاهر العشرات من أعضاء "لجنة الدفاع عن الصحة" أمام
مجلس الشعب، ضد قرار رئيس مجلس الوزارء بتحويل "هيئة التأمين الصحي"
إلى شركة قابضة. وطالب المتظاهرون بتطوير نظام الرعاية الصحية، وتحسين
خدمة التأمين الصحي، وزيادة الإنفاق علي قطاع الصحة، ورفع دخول
الأطباء، وعدم تحميل المستفيدين من نظام التأمين الصحي أي أعباء مالية
إضافية.
ـ ومن جانبهم، هدد أطباء مصر بالدخول في اعتصامات مفتوحة، واضراب
عام في حال عدم استجابة الدولة لمطالب أكثر من 180 ألف طبيب بتنفيذ
الكادر الخاص (زيادة في المرتبات)، مؤكدين أن القانون يعطيهم الحق في
ذلك.
ـ وفي 9/10/2007 انطلقت ما سميت بـ "ثورة عمال مصر" من شركة غزل
المحلة الكبري. عندما تظاهر 27 ألف عامل أمام أبواب الشركة، وعلت
هتافاتهم ضد تصفية وبيع القطاع العام، كما هتفوا ضد الفساد واللصوصية
ونهب المال العام السائد في مصر، وتزوير انتخابات العمال، وجاءت
تظاهراتهم بالأساس احتجاجا علي خفض الأرباح والحوافز والمكافآت.. وقد
اضطرت السلطات المصرية ــ أمام هذه الاحتجاجات ــ إلي إصدار منشور
للعاملين بغلق المصانع إلي أجل غير مسمي.
كما هرب رئيس الشركة المهندس محمود الجبالي، بمساعدة مدير مستشفي
الشركة، وأصدر مجلس الوزراء بيانا تهرب فيه من مسئوليته عن الأحداث.
وفي يوم 28/1/2007 تظاهر العشرات من صغار المستثمرين بالبورصة
المصرية، أمام المقر الرئيس لبورصتى القاهرة والاسكندرية بوسط القاهرة،
مطالبين هيئة سوق المال بالتدخل لوقف حالة الهبوط التى تعانى منها
أسعار الاسهم. وطالب المتظاهرون بضرورة التدخل الفورى لوقف خسائرهم
والتصدى للمضاربين الذين يسعون للتحكم فى اتجاهات السوق.
ويرى المراقبون أن هذه السلسلة من التظاهرات التي اندلعت في مصر،
وخاصة العمالية منها، قد رسخت الحق في التظاهر في بلد اعتادت فيه
الدولة على تقييد الحريات، معتبرين أن هذه الاحتجاجات ساهمت في إنهيار
حاجز الخوف لدى رجل الشارع المصري الذي يعيش تحت حالة الطوارئ المستمرة
منذ قرابة ربع قرن.
5ـ الاعتقالات في صفوف الإخوان
شدد النظام المصري من حملة اعتقالاته ضد جماعة "الإخوان المسلمون"
وباقي فصائل الحركة الإسلامية في البلاد.
ـ فبين يومي 12و19مايو 2007، اعتقلت قوات الأمن 87 عضواً من الإخوان
ــ حركة المعارضة الأكبر في مصر ــ وجاء 64 من المعتقلين من مناطق كانت
تتقدم فيها الجماعة بمرشحين في انتخابات مجلس الشورى. وفي 28 مايو،
قامت الشرطة باعتقال ثلاثة مرشحين يخوضون الانتخابات كمستقلين، إلا
أنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان، وهم من بلدة ميت غمر الواقعة على دلتا
النيل.
وفي تعليق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" قال جو ستورك نائب رئيس قسم
الشرق الأوسط: "في الأسبوع الذي تباهت فيه مصر بانتخابها عضواً في مجلس
حقوق الإنسان بالأمم المتحدة؛ كانت تجري اعتقالات بحق مجموعات من
الأشخاص، فقط جراء ممارستهم لحقهم في حرية التنظيم والتعبير".
كما قامت هيومن رايتس ووتش بجمع أسماء أكثر من 1000 عضو من الجماعة
تعرضوا للاحتجاز بين مارس 2006 ومارس 2007. وجاء التصعيد في الاعتقالات
متزامناً مع المحاكمة العسكرية لثلاثة وثلاثين عضواً من الجماعة، إذ
كان من بين الخاضعين للمحاكمة، بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، خيرت
الشاطر، نائب المرشد الأعلى للجماعة، والذي تم اعتقاله في 14 ديسمبر
2006، ومعه 16 من الأعضاء البارزين الآخرين في الجماعة.
وفي 29 يناير 2007، قضت محكمة جنائية بالقاهرة بتبرئة خيرت الشاطر
ومن معه من المتهمين من كل التهم الموجهة إليهم، وأمرت بإطلاق سراحهم
على الفور.. إلا أن السلطات قامت باعتقالهم مجدداً بعد لحظات من النطق
بالحكم، وفي 4 فبراير أمر الرئيس حسني مبارك بتحويل القضية إلى محكمة
عسكرية متجاهلاً ما توصلت إليه محكمة الجنايات.
وفي 19/١/٢٠٠٧ قامت أجهزة الأمن باعتقال نحو ٧٣ من الإسلاميين
المنتمين للتيار السلفي بمحافظة المنوفية، بدعوي أنهم يشكلون تنظيماً
يدعم جماعة الإخوان المسلمين. حيث داهمت قوات الأمن قرية (الأخماس)
التابعة لمدينة الخطاطبة، وألقي القبض علي المجموعة التي كان في
مقدمتها الشيخ عطية عدلان الداعية السلفي المعروف، وتمت مصادرة أجهزة
كمبيوتر ومتعلقات أخري خاصة بالمعتقلين. وأوضحت المصادر أن عمليات
الاعتقال توسعت أثناء الحملة الأمنية ضد الإخوان المسلمين، مؤكدة أن
أجهزة الأمن لم تقدم المعتقلين إلي النيابة.
وفي تطور مفاجيء، اعتقلت الأجهزة الأمنية نائبين للإخوان المسلمين
في مجلس الشعب بمنزليهما في محافظة المنوفية. وتم اتهام النائبين رجب
أبوزيد، وصبري عامر، اللذين ينتميان للجماعة بعقد عدة لقاءات
تنظيمية، والعمل علي إثارة الرأي العام، وتأليب المواطنين، وتحريضهم
على القيام بمظاهرات تهدف الإخلال بالأمن.
وفي يوم 17/ 8 / 2007 هاجمت قوة من أمن الدولة منزل رجل الأعمال
المصري البارز وأمين عام الإخوان في محافظة الجيزة، نبيل مقبل،
واعتقلته و(16) من قيادات الصف الأول بالجماعة. ومقبل عضو بمجلس شوري
الجماعة، ومن رجال الأعمال البارزين في مصر، كما أن ابنه أحمد متزوج
منذ سنتين من ابنة الفنان المصري عادل إمام، حيث تعرف عليها أثناء
دراسته لإدارة الأعمال في الجامعة الأمريكية في القاهرة.
وكان من بين المعتقلين: عضو مكتب الإرشاد الدكتور محمود حسين،
والدكتور عصام العريان، والدكتور أحمد عمر، والسيد نزيلي، والمهندس
نبيل مقبل، والدكتور سناء أبو زيد، والدكتور محمد كمال، والشيخ حمدي
إبراهيم، والدكتور محيي الزايط، والمهندس حسام أبو بكر، والمهندس خالد
البلتاجي والدكتور علي عز الدين ثابت، وسيف الدين مغربي، وأسامة حسنين،
وهمام علي يوسف، ومحمد عبد الفتاح إبراهيم.
إذ تظل اعتقالات ــ في ظل هذا الإصرار السلطوي ــ نذير سوء يهدم أي
أمل في حوار أو لقاء أو مصالحة وطنية يكفر فيها النظام عن أخطائه بحق
الشعب طيلة هذه السنين.
6ـ معركة قضاة مصر
تسبب مشروع قانون "مجلس الهيئات القضائية" الذي أعدته وزارة العدل
المصرية، في ثورة غضب عارمة بين جموع القضاة ومجالسهم العليا، وفتح
الطريق أمام صدام جديد بينهم وبين السلطة، إلى أن رفضت الهيئة القضائية
العليا لمجلس الدولة مشروع القرار، لمخالفته الدستور، وتعارضه مع قانون
المجلس، وإهداره استقلال القضاء.
وكان من المقرر- فى حال إقرار المجلس لهذا المشروع- أن يصدر قرار من
رئيس الجمهورية بالقانون الجديد ليتم الدفع به إلى مجلسي الشعب والشورى
لإقراره خلال الدورة البرلمانية الحالية، وهو ما أعطى مشروع القانون
أبعاداً سياسية، وأثار علامات الاستفهام حول توقيت طرحه والنقاط التى
ركزت عليها مواده.
فمشروع القانون- المكون من ثمانى مواد- والذى أعده وزير العدل،
اعتبره القضاة محاولة منه للسيطرة على شئون القضاء، والنيابة العامة،
وجميع الهيئات القضائية. إذ أن فى مادته الثالثة يعطى المشروع الحق
لوزير العدل فى رئاسة جميع رؤساء الهيئات القضائية بالإضافة إلى النائب
العام ورئيس محكمة استئناف القاهرة، كما يقضى بتقليص الحصانة المنصوص
عليها قانونا وتعد سمة أساسية للقضاة تجعلهم يمارسون عملهم باستقلال
وحياد وتجرد إلى درجة إلغائها.
واعتبر القضاة أن مشروع القانون أخطر عدوان على القضاء المصرى
واستقلاله، ويعيد أجواء مذبحة القضاء فى الستينات، لأنه يعطى للسلطة
التنفيذية حق إحالة أى قاض إلى المحاكمة الجنائية دون الانتظار لموافقة
السلطة القضائية المختصة من عدمه، ويأتى فى سياق تنفيذ التعديلات
الدستورية ضد السلطة القضائية بعد إقصاء القضاة عن الإشراف القضائى على
الانتخابات.
7ـ قضية التعذيب في أقسام الشرطة
يستحق 2007 أن يسمى "عام التعذيب حتى الموت في مصر"، وإذا كان
التعذيب والإهانات التي يتعرض لها المصريون في أقسام الشرطة والمعتقلات
قديمة، إلا أن الكشف عنها بهذه الوسائل الحديثة هو الجديد، حيث تمكن
ناشطون ومعارضون من الكشف عن عدد من حالات التعذيب كان قد تم تصويرها
"فيديو" من خلال كاميرات أجهزة التليفون المحمول. وظهرت كليبات التعذيب
لمتهمين في أقسام الشرطة المصرية مما أثار الجدل، وتم تحويل بعضها إلى
التحقيق.
ففي 24/2/2007 نشر موقع إليكتروني كليب تعذيب يظهر فيه شخص يرتدي زي
أمين شرطة، وهو يضرب ٤ شبان علي أقفيتهم ومؤخراتهم مستخدماً يديه، وما
يبدو أنه عصا غليظة أو ماسورة بلاستيكية. بينما يقوم شخص آخر - قال
الموقع إنه ضابط شرطة - بتصوير حفل التعذيب، معلقاً علي وقائع الصفع
والضرب بصوته، وأشار الموقع إلي أن التعذيب استمر لمدة ساعة كاملة.
وينتهي "الكليب" بأمر من الشخص - الذي قال الموقع إنه ضابط شرطة -
للشبان الأربعة بالاستدارة وإظهار ما سماه بـ"الزغبوطة"، التي اتضح من
مجريات الكليب أنها المؤخرات التي ضربهم أمين الشرطة عليها أكثر من
مرة، بينما يعلق صوت القائم بالتصوير" حلوة دي.. جامدة أوي".
ـ مشهد آخر يصور فتاة تتعرض لعملية تعذيب بشعة داخل أحد أقسام
الشرطة، بدأ الكليب بصراخ الفتاة وهي معلقة في الخشبة، من رجليها:
"والنبى يا باشا.. إيدى بتتقطع" توسلات دون جدوى. ثم تصرخ قائلة: "أنا
اللي قتلته.. أنا اللي قتلته" إذ كانت متهمة في قضية قتل، بينما الضابط
الذي يقوم بتصويرها يبدو وكأنه يتلذذ بطريقة التعذيب، فهو يثني على
صراخها وبرغم اعترافها بالقتل ربما عن حق أو من جراء التعذيب، وهو غير
مكترث لأنه منهمك في ضبط (زووم) الكاميرا.
ـ بدأت هذه الكليبات تنتشر عقب الحالة الشهيرة، حالة الشاب "عماد
الكبير" ــ صاحب أشهر وأول كليب ــ الذي ظهر وهو يصرخ وملقى على الأرض
بينما أحد الضباط يدخل في مؤخرته عصى التعذيب.. مشهد بشع ــ رغم أنه لم
يكن غريبا لعلم جميع المصريين تقريباً أن أكثر من ذلك بكثير يحدث معهم
ــ إلا أنه وضعهم أمام حقيقة الواقع وجعلهم يتساءلون ألهذا الحد يسخر
منا أولى السلطان.
8 ـ البرنامج النووي المصري
أعلن الرئيس حسني مبارك، يوم 29/10/2007 أن مصر بصدد بناء عدد من
المحطات النووية، مما شكل إعادة إطلاق البرنامج النووي المصري الذي
أعلنت الحكومة قبل عام أنها تعتزم إخراجه من الأدراج والبدء في تنفيذه
بعد أن جمدته لمدة عشرين عاماً.
وأكد مبارك أنه سيتم إنشاء مجلس أعلى للاستخدام السلمي للطاقة
النووية، توطئة لبناء المحطات النووية من دون أن يحدد عددها أو المدى
الزمني الذي سيستغرقه بناؤها. قائلاً: "إنني اتخذت هذا القرار
الاستراتيجي متحملاً مسئوليتي كرئيس للجمهورية".
سريعاً علقت جهات في المعارضة ومثقفين مصريين بأن حقيقة الموضوع
تأتي في إطار التلاعب السياسي بحلم وطني، وقال عبدالحليم قنديل في مقال
له تحت عنوان "مشروخ مبارك النووي": "كأن المقصود بالاستخدام السلمي هو
الاستخدام السياسي.. وكأن المقصود باستبعاد حلم القنبلة الذرية هو
استحضار قنبلة التوريث السياسية". وليس أدل على ذلك أنه "لم يهتز رمش
ولا أرتعش صوت مع إعلان مبارك المسرحي"، بشأن قضية بخطورة المشروع
النووي، وبدت تعقيبات المتحدث باسم البيت الأبيض كأنها تمتمات عن حالة
الطقس، فيما التزمت إسرائيل بالصمت البليغ، وبدت في حالة لا مبالاة
ملفته، وكأننا بصدد شيء متفق عليه، وباجماع كرادلة واشنطن وحاخامات تل
أبيب.
9ـ الجدل حول الفتوى الشرعية
ظهر عدد من الفتاوى الصادرة عن مؤسسات شرعية وقد أحدثت جدلا واسعاً
في الشارع المصري والعربي.فقد تعرض الدكتور على جمعة ــ مفتي الديار
المصرية ــ لهجوم غير مسبوق بعد أن أفتى بأن سائق السيارة المسرع ليس
عليه لوم إذا صدم شخصاً وقف في طريق سيارته. وهي الفتوى التي صدرت بعد
أيام على مقتل سيدة مصرية حاولت منع الشرطة من القبض على احدى
قريباتها، فتعلقت بسيارة الشرطة التي دهستها وانطلقت مسرعة.
ومن جهته، برر وزير الأوقاف محمود حمدي زقزوق عدم تطرق أئمة المساجد
إلى التحدث عن التعذيب في أقسام الشرطة بأنه "أمر مبالغ فيه وحالات
ضئيلة ووزارة الداخلية تحقق فيها فوراً".
وقد وصل حد الجدل أن قاطع د. على جمعة اجتماعات مجمع البحوث
الإسلامية (أكبر هيئة إسلامية في مصر) والذي يترأسه شيخ الأزهر وتغيّب
عن اجتماعات العلماء مفضلا تسجيل برنامج تلفزيوني!.
ورفض مجمع البحوث الإسلامية برئاسة شيخ الأزهر عدة فتاوى للدكتور
علي جمعة، منها فتوى "شرب بول الرسول"، وغرقى الهجرة غير الشرعية التي
وصف المفتي ضحاياها بأنهم "طماعون" وليسوا شهداء.
وكان على جمعة قد افتى أيضاً بأنه لا يصح للمرأة ارتداء النقاب في
الدول الأجنبية المسافرة إليها، لأن ذلك ــ حسب رأيه ــ يعد على عكس
عادة البلد، وقد يسبب مشاكل سياسية بين الدولتين. أما عن الحكم في لبس
المرأة البنطلون فقد زعم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحل لبس المرأة
للبنطلون. ورد على سؤال عن الصلاة في المساجد التي بها أضرحة، بقوله:
ان الصلاة في المساجد التي بها أضرحة تضم أهل البيت والأولياء
والصالحين مشروعة لأن الصلاة لله تعالى وليست لصاحب القبر أو الضريح.
10ــ إلغاء الدعم
تحدثت تقارير إعلامية عن اعتزام الحكومة المصرية إلغاء الدعم المالي
على سلع مصيرية، يعتمد عليها الفقراء والمهمشون. وقالت المصادر: إن
الدعم الذي تقدمه الحكومة لرغيف الخبز البلدي بمبلغ ١٣ مليار جنيه
سنويا، إضافة إلي ٣٧ ملياراًً لدعم البنزين ومصادر أخري للطاقة سيتم
إلغاؤه، مما أثار المخاوف لدى القطاعات العريضة من المصريين.
وبعد أن صرح وزير التضامن الاجتماعي، بأنه لن يبقى فقير واحد في
مصر، إذا نجحت مهمتي. علق المعارضون بالقول: لعلمنا بنوايا الحكومة،
فسوف نصحح له الجملة: "لن يبقى فقير على قيد الحياة".
ومن جهته، شدد الدكتور سمير رضوان، مستشار رئيس هيئة الاستثمار،
رئيس منتدي الدراسات الاقتصادية الدولية، علي ضرورة الإبقاء علي الدعم،
لأنه يحفظ التوازن بين الأجور والغلاء، محذراً في الوقت نفسه من أن
إلغاءه سوف يؤدي إلي زيادة عدد الفقراء بنسبة ٧% عن الوضع الحالي. وقال
رضوان: إن معدل الفقر في مصر ارتفع في الفترة الأخيرة، وهناك دراسات
تؤكد وجود ١٠٠٠ قرية منها ٨٢١ في الصعيد، و٢٠٠ حي تعاني الفقر الشديد.
ولم تهدأ الأمور حتى أعلن الرئيس مبارك أنه لا إلغاء للدعم علي
الاطلاق. وقال إن الدعم موجه أساساً لمصلحة الطبقات محدودة الدخل، التي
تحتاج إلي مساندة ولذلك لن يتم رفعه أو المساس به ولانية لذلك علي
الاطلاق من جانب الحكومة.
11ـ المراجعات الفكرية لجماعة
الجهاد
من داخل المعتقلات المصرية خرج الحديث حول المبادرة التي طرحها
قيادات تنظيم "الجهاد" يتم من خلالها نبذ العنف وترشيد الأعمال
الجهادية في مصر. وخرجت "وثيقة ترشيد الجهاد" التي أعدها الدكتور سيد
إمام (الدكتور فضل) ــ القيادي المنظر في الجهاد وأحد مؤسسي التنظيم ــ
18 نوفمبر 2007. وتتضمن جملة من الأمور تمثل تراجعا عن أفكار الحركة
التي طالما دعت لقلب أنظمة الحكم العربية بالقوة.
المراجعات الفكرية التي أعلنها تنظيم الجهاد، تعد الأولى للتنظيم
منذ 33 عاماً، وصفها متابعون للحركات والجماعات الإسلامية بأنها تحول
نوعي في أفكار تنظيم الجهاد، بينما قال بعضهم إن الوثيقة ولدت من خلف
القضبان وبإيعاز من أجهزة الأمن.
12 ـ انتخاب مكرم محمد أحمد نقيباً
للصحفيين
انتخب الصحفيون المصريون يوم 17/11 / 2007، مرشح النظام مكرم محمد
أحمد، نقيباً لهم بعد منافسة دارت تحت شعار "لا لحبس الصحفيين" كان
ينافسه عليها رجائي الميرغني. وقال النقيب الجديد الذي سبق وأن زار
إسرائيل: إن "النقابة مكان للبحث عن مصالح الصحفيين وحقوقهم، أما
الإعلان عن الاختلاف مع النظام ومعارضته، فهذا مكانه الأحزاب".
وأعلن مكرم أن الـ (200) جنيه التي حصل عليها من الحكومة ستكون
بداية خطة لتحسين الأجور، ويقول صحفيون: إن مساندة الحكومة القوية عبر
الدعم المالي ــ الـ 200 جنيه على زيادة البدلات النقدية التي تصرفها
النقابة للصحافيين ــ والذي اعتبره خصومه رشوة، كان بمثابة العنصر
الحاسم.
13ـ تجريم التظاهر في المساجد
والكنائس
تقدمت الحكومة المصرية بمشروع قانون وقعه الرئيس مبارك في 28
نوفمبر2007 تحت عنوان "الحفاظ علي حرمة أماكن العبادة" يفرض حظراً علي
تنظيم التظاهرات لأي سبب كان داخل أماكن العبادة (المساجد والكنائس) أو
في ساحتها. ومن شأن هذا القانون أن يفرض عقوبة السجن لمدة عام وغرامة
تصل إلى خمسة آلاف جنيه علي منظمي هذه المظاهرات، فيما سيعاقب
المشاركون فيها بالسجن ستة شهور وغرامة ألفي جنيه.
وفي المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون، قال رئيس الوزراء المصري
أحمد نظيف: لقد انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة استغلال ساحات أماكن
العبادة للتجمهر والتطاول في بعض الحالات علي كبار علماء الدين، وغيرها
من تصرفات غير لائقة ومحرمة في هذه الاماكن المقدسة، مما يلزم معه
التصدي لهذه الظاهرة من خلال نصوص آمرة.. إن لأماكن العبادة حرمتها
التي يجب صونها والحفاظ عليها.
وعادة ما يقوم نشطاء مصريون مسلمون بالتظاهر داخل الجامع الأزهر في
محاولة للاحتماء بقدسيته اذا قررت قوات مكافحة الشغب البطش بها، أو في
مسعي لجذب الآف المصلين الذين يشاركون في صلاة الجمعة.
وحسب مراقبين "فان ظاهرة التظاهر في الجوامع المصرية للاحتجاج علي
قضايا سياسية واجتماعية غير دينية قد انخفضت بشدة خلال عامي 2005 و2006
عندما نجح النشطاء السياسيون في نقل احتجاجاتهم الي شوارع وسط القاهرة
وخاصة سلالم نقابة الصحفيين من خلال تجربة الحركة المصرية من أجل
التغيير "كفاية"".
Aly_abdelal@yahoo.com |