بين الاتحاد الاوربي والدول النامية: الاقتصاد التركي قوة تنتظر حسم الهوية  

اعداد/صباح جاسم 

شبكة النبأ: قبل قرابة ستة اعوام تخبط الاقتصاد التركي في دوامة مدمرة من التراجع الاقتصادي، هوت خلالها اسعار الأسهم وارتفع التضخم بشدة، وفرّت الاستثمارات الاجنبية بسرعة هائلة من البلاد، فيما قال البعض ان الليرة التركية لم تعد تصلح سوى "لتوضيب الكباب". في اشارة الى تخلفها كعملة اقتصادية اقليمية.

ولكن الزيارات المحمومة التي يقوم بها الرئيس التركي عبد الله جول تسلط الضوء على الثقة الجديدة في النفس التي تشعر بها تركيا على المسرح العالمي مع ازدهار اقتصادها وتدفق استثمارات اجنبية في الدولة المرشحة للانضمام الى عضوية الاتحاد الاوروبي.

وعزز انتخاب جول للرئاسة في اغسطس اب توجها تجاريا ودبلوماسيا متناميا لاقامة تعاون مع دول اخرى غير الشركاء الغربيين التقليديين يمتد الى الدول التي تتحدث التركية في اسيا الوسطى وروسيا وايران والعالم العربي وشرق اسيا.

ويقول محللون انه يجب ان ينظر الى علاقات تركيا المتنامية غالبا بسبب احتياجات الطاقة على انها مكملة وليس على انها تحل محل جهودها على مدى عقود للانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وزار جول الذي ساعد عندما كان وزيرا للخارجية في محادثات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي باكستان وتركمانستان الاسبوع الماضي ويتوجه الى قازاخستان هذا الاسبوع. وزار فرنسا الاسبوع الماضي وقبل ذلك زار جورجيا.

وقال سوات كينيكلي اوغلو عضو البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، هذه السياسة الخارجية الجديدة متعددة الابعاد لا تأتي على حساب توجهنا الاوروبي لكن مكاننا في العالم يتغير.

وأضاف، اننا نفتقر الى النفوذ للتفاوض على اتفاقات دولية كبيرة لكننا نصل الى نقطة يتم عندها الاعتراف بتركيا كلاعب في اماكن مثل الشرق الاوسط واسيا الوسطى. ولدى تركيا العضو في حلف شمال الاطلسي الكثير الذي تقدمه والعالم مهتم بدرجة متزايدة فيما يبدو بوجهة نظرها.

وتحتفظ تركيا بعلاقات جيدة مع كل من ايران واسرائيل على سبيل المثال ولها قوات لحفظ السلام في مناطق تمتد من كوسوفو ولبنان الى افغانستان. بحسب رويترز.

وفي الشهر المنصرم شارك وزيرا خارجية ايران والولايات المتحدة في مؤتمر دول الجوار للعراق الذي عقد في اسطنبول والقى الرئيسان الاسرائيلي والفلسطيني كلمات امام البرلمان التركي في انقرة.

كما استخدم أردوغان بذكاء وثقة التهديدات بارسال قوات الى شمال العراق لمحاربة المتمردين الاكراد الذين يختبئون هناك لحمل الرئيس الامريكي جورج بوش على تبادل معلومات المخابرات مع تركيا لمساعدتها في محاربة المتمردين.

وادراكا منهما للاهمية الاستراتيجية لتركيا كحليف في منطقة صعبة غض كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي الطرف عن الهجمات التركية عبر الحدود ضد المتمردين الاكراد.

وقال هيو بوب الذي ألف كتبا عن تركيا من بينها "أبناء الغزاة" عن الاتراك واسيا الوسطى، تركيا ليست لاعبا اساسيا وهي في دوري الدرجة الثانية لكن (الاطراف الاخرى) في انحاء المنطقة تنصت اليها بدرجة متزايدة.

وتابع، تركيا تخلت عن بعض الغرور السابق الذي أظهرته في تعاملاتها مع الشرق الاوسط واسيا الوسطى. مؤكدا على الروح العملية التي أظهرها رجال الاعمال والمهندسون والمعلمون الاتراك في المنطقة. وحكم الاتراك العثمانيون الشرق الاوسط والبلقان وشمال افريقيا عدة قرون من اسطنبول.

غير ان الدبلوماسية الاكثر نشاطا لتركيا ليست بلا مشاكل. فقد غضبت الولايات المتحدة من علاقات تركيا المتنامية في مجال الطاقة مع ايران وان كانت أنقرة أوضحت انها تشترك مع واشنطن في معارضتها لتصنيع طهران لاسلحة نووية.

كما يتمتع حزب العدالة والتنمية بمزيد من الاحترام في العالم العربي أكثر من الحكومات التركية السابقة بسبب توجهه الاسلامي ونجاحه في تحقيق نمو اقتصادي في تركيا بلغ نحو سبعة في المئة. وتتدفق الاموال العربية الخليجية على اسطنبول.

ويقول محللون ان أحمد داود اوغلو كبير مستشاري السياسة الخارجية لاردوغان هو العقل المدبر وراء النشاط الدبلوماسي المتنامي لتركيا خلال السنوات الخمس الماضية من حكم حزب العدالة والتنمية.وتهدف تركيا لان تصبح محورا لصادرات النفط والغاز من بحر قزوين واسيا الوسطى الى الاسواق الغربية.

ويقول محللون ان الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية التركية سيظل مفاوضات الانضمام الى الاتحاد الاوروبي التي بدأت في عام 2005.

قوة اقتصادية تنتظر حسم جدل الهوية

العام 2007 حمل معه ما يؤكد تعافي أنقرة من جراح العام 2001 الأقتصادية، فقد عادت مستويات النمو إلى معدلاتها السابقة، وتقاطرت رؤوس الأموال الأجنبية مجدداً على تركيا التي استقطبت اهتمام المستثمرين.

ويقف خلف هذه الطفرة الاقتصادية الجديدة، ألب أصلان قرقماز، الذي أوكلت إليه الحكومة التركية مهمة ترويج البلاد في الخارج، وهو لم يتمكن من إخفاء تفاؤله خلال التحدث إلى برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" حول مستقبل تركيا الاقتصادي.

وقال قرقماز: كانت تركيا قبل ثلاثة أو أربعة عقود بلداً متخلفاً على الصعيد الاقتصادي، لكنها باتت اليوم إحدى الأسواق النامية، ومن وجهة نظري، فإنها ستتحول خلال العقد المقبل إلى بلد متطور.

وأضاف قرقماز، الذي يدير وكالة دعم وترويج الاستثمار بتركيا التابعة مباشرة لمكتب رئيس الوزراء: لم يعد هناك أي عقبات أو قيود أمام المستثمر الأجنبي الراغب بالقدوم إلى تركيا، وسيتمتع بكامل الحقوق بما فيها القانونية، وهذا أمر شديد الأهمية.

وتبدو النتائج الأولية للخطة التي وضعتها تركيا لإعادة هيكلة اقتصادها إيجابية وواعدة، ففي العام 2002، لم يتجاوز إجمالي المبالغ المقدمة كاستثمارات أجنبية في البلاد سقف المليار دولار.

ولكن بدء الإصلاحات، رفع الحصيلة إلى ثلاثة مليارات دولار عام 2004، وإلى عشرة مليارات عام 2005 و20 ملياراً بعد عام واحد فقط في سنة 2006، فيما شهدت الأشهر الأولى من العام 2007 تدفق أكثر من 10 مليارات دولار.

وفي هذا السياق، شرح قرقماز وجهة نظر أنقرة قائلاً: نحن نرحب بكل المستثمرين هنا، فهذه صفقة مربحة لجميع أطرافها، فأصحاب رؤوس الأموال يرغبون في الحصول على العوائد جراء استثمارهم، ونحن نستفيد من خلقهم فرص عمل وإدخالهم تقنيات وأفكار جديدة.

غير أن أبرز ما قد تجنيه تركيا في هذا الإطار يتمثل في الدور الذي قد تلعبه عمليات التطوير في مساعدتها على تحقيق شروط العضوي في الاتحاد الأوروبي الذي تطمح البلاد بشدة لتحقيقه.

ويؤكد ذلك عودة رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان، إلى منصبه بقوة صناديق الاقتراع التي منحته تفويضاً إضافياً لتحقيق أجندته التي يشكل الانضمام إلى أوروبا أبرز بنودها.

ولكن على أنقرة مواجهة جملة من التحديات الاقتصادية الكبيرة التي ما تزال تنتظرها، فرغم أن البلاد نجحت في تحقيق نمو بمعدل سبعة في المائة منذ العام 2001 بصورة متواصلة، إلا أن عجز الحساب الجاري ما يزال كبيراً. كما تحضر مشكلة البطالة بقوة مع معدل 8.9 في المائة من إجمالي القوة العاملة و16.7 في المائة بين فئة الشباب.

من جهته، شدد النائب التركي إيغمن بيغاس على ضرورة تطبيق المعايير الاقتصادية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي بصرف النظر عن فرص الانضمام إليه.

وقال في هذا الإطار: أرى أوروبا على أنها نظام حمية لتركيا لمساعدتها على التخلص من الوزن الزائد، لقد نجحت 27 دولة في الوصول إلى المقاييس المثالية والتخلص من الأوزان الزائدة بمساعدة هذا المعايير التي وضعت في كوبنهاجن، وننوي الاستفادة من هذه المعايير سواء أنجحنا أو فشلنا في الانضمام إلى أوروبا.

لكن ما يمكن قوله حتى الساعة هو أن الاستثمارات الأجنبية مشدودة إلى تركيا، وستزداد عوامل الجذب في هذا البلد إذا ما قبل طلب انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي، وهو أمر تنتظره تركيا بفارغ الصبر.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11 كانون الاول/2007 - 30/ذوالقعدة/1428