عرف التاريخ مدينة كربلاء قبل أن تعصف أجواءها ملحمة يوم عاشوراء
وبديهي فليس من اليسير استيفاء البحث عن كل تاريخها بصورة مسهبة، وذلك
لقلة المصادر وشحة وثائق التاريخ المدون عنها كي يعول الأمر عليها وعلى
أية حال فالتوصل إلى معرفة كل تاريخ كربلاء القديم ليس سهلاً كما هو
الحال مع أي مدينة غائرة في القدم.
ورد ذكر مدينة كربلاء في كتب التاريخ فوردت في معجم البلدان لياقوت
الحموي والأغاني لأبي فرج الأصفهاني وتاريخ الطبري والبداية والنهاية
لابن كثير ومروج الذهب للمسعودي ومقاتل الطالبيين وتاج العروس للزبيدي
والصحاح للجواهري وتاريخ ابن خلدون ولسان العرب لابن منظور وشذرات
الذهب ووفيات الأعيان لابن خلكان والعقد الفريد لابن عبد ربه وتجارب
الأمم لابن مسكوبة وصورة الأرض لابن حوقل والمختصر لأخبار بن البشر
والكامل بالتاريخ لابن الأثير والمنتظم لابن الجوزي ورحلة ابن بطوطة
ومقدمة ابن خلدون والبحار للمجلسي وتاريخ الخلفاء للسيوطي وتاريخ
الخلفاء لابن قتيبة الدينوري والعراق قديماً وحديثاً للحسني وتاريخ
الإسلام للذهبي وظهور الإسلام لأحمد أمين وتاريخ العراق بين احتلالين
لعباس العزاوي وأحداث ثورة الحسين لكاظم الذهبي وحكم المماليك لعلاء
موسى وعشرات من الكتب.
لا يمكن لأي منصف يتعرض إلى الإرث الثوري في الإسلام أن يتجاهل ذكر
اسم كربلاء الذي أحيط بالفخر والإعجاب إذ اقترن كل حرف من اسمها
بملحمتها التاريخية التي وقعت في العاشر من شهر محرم الحرام سنة (61هـ)
وراح شهيداً لها بطل الإسلام الإمام الحسين(ع). وأبيد معسكره بكامل
محاربيه. لكن كربلاء لم تقف عند ذاك الحدث الجلل بل تعدى بها الزمان
لتشهد فصولاً أخرى أضيفت لتاريخها الناصع في الصمود والإيمان عند شيعة
النبي (ص) والإمام علي (ع).
فمن تدمير أضرحة أئمة أهل البيت في البقيع وتسويتها بالأرض في مطلع
القرن العشرين ثم تدمير البيت الذي ولد فيه النبي العربي محمد بن عبد
الله بشعب الهواشم بمكة ثم تدمير بيت السيدة خديجة بنت خويلد زوج النبي
وقبرها وصولا إلى تدمير قبور شهداء الصحابة في غزوة بدر يمكننا القول
بأن الأمر هو خط عقائدي ثابت يتحين الظروف الملائمة بعد أن أصبح
التدمير والتفجير والتفخيخ بديلا سريعا وملائما عن المعاول التي تحتاج
إلى وقت وجهد!!.
نحن أمام نمط من الجرائم التي يجري تنفيذها في خدمة العقيدة
التكفيرية التي ترى في عباد الله الصالحين من أهل بيت النبوة وفي
قبورهم مجرد أوثان يتعين هدمها وتطهير الأرض منها ولذا فالجريمة هي عمل
عقائدي ذو بعد سياسي أكثر من كونها عملا سياسيا ولا شك أن لائحة
السوابق الإجرامية من هذا النوع تطول وتطول، لذلك سنحاول هنا أن نستعرض
هذا الموقف التكفيري وعبر فتراته المختلفة.
وفي أواخر سنة (36هـ) نزل الإمام علي (ع) كربلاء أثناء مروره إلى
صفين حيث الذهاب لمحاربة معاوية إذ أقام بها يومه وليلته.. وإذ نظر إلى
شاطئ الفرات... بكى علي (ع) بكاءً شديداً حتى أخضلت لحيته بدموعه،
وسالت الدموع على صدره، ثم جعل يقول! أواه! مالي ولآل أبي سفيان! ثم
ألتفت إلى الحسين (ع) فقال : (أصبر أبا عبد الله! فلقد لقي أبوك منهم
مثل الذي تلقى من بعدي ). وفعلاً فقد شهدت كربلاء أفجع واقعة في
التاريخ وذلك سنة 61هـ حيث أريق دم الإمام الحسين (ع) الزكي في أرض
الطف. في سنة (65هـ) قصد كربلاء التوابون وهم جماعة من أهل الكوفة
يقارب عددهم (4000) رجل بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي يطالبون بثارات
الإمام الحسين(ع). في أواخر سنة (65هـ)...
لما استتب الأمر للمختار أوعز إلى محمد بن إبراهيم الأشتر أن يسير
إلى كربلاء ويشرف على بناء مسجد لإيواء الوافدين والقاصدين إلى زيارة
القبر... وبذا فقد وضع المختار الحجر الأساس في تعمير كربلاء.
لم ينقطع المسلمون المحبون عن زيارة قبر الحسين (ع) في كربلاء طيلة
حقبة الخلافة العباسية رغم المصاعب السياسية وإن كانت الزيارات تكثر أو
تقل بين عهد خليفة عباسي وآخر.
لقد بدأت غارات الوهابيين على كربلاء بحسب ما ذكره المؤرخين ومنهم
صلاح الدين المختار الذي ذكره في كتابه تاريخ المملكة العربية السعودية
في ص 73 ما يلي: ( أنه في سنة1216هـ سار الأمير سعود على رأس قوات
كبيرة جمعها من نجد والعشائر والجنوب والحجاز وتهامة وغيرها، وقصد بها
العراق ) وتمكن جماعة من هذه القوة من الوصول إلى كربلاء في شهر ذي
القعدة من هذه السنة وحاصروها... وقتلوا أكثر أهلها في الأسواق والبيوت
وخرجوا منها قرب الظهر ومعهم أموال كثيرة. كما نقل عن المؤرخ الشيخ
عثمان بن بشير النجدي تفصيل هذه الحادثة. من الحوادث الشهيرة التي مرت
على كربلاء أيضاً حادثة سميت بـ (المناخور) التي وقعت في عهد داود باشا
سنة 1241هـ واستمر حصارها حتى سنة 1244هـ. وفي كتابه كربلاء في التاريخ
نقل السيد عبد الرزاق الوهاب في المجلد (3) وعلى الصفحة (99) تفاصيل
تلك الحادثة بإسهاب مبيناً أسبابها ودوافعها. والحادثة المسماة
بـ(حادثة نجيب باشا) التي ترويها أسفار التاريخ.. تفيد أن أوارها قد
نشبت يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر ذي القعدة سنة 1258هـ ضد
الطاغية الوالي المشير محمد نجيب باشا، وقد ورد ذكر هذه الحادثة بشكل
موجز في كتاب شهداء الفضيلة، لمؤلفه ( عبد الحسين بن أحمد الأميني ).
في ليلة النصف من شعبان سنة 1333هـ، هاجمت جماهير غفيرة من الناس
والعشائر والفارين من الجيش دور الحكومة... وثكنة الجند وثكنة الخيالة
الجندرمة، وأحرقوا بلدية كربلاء وأخرجوا السجناء... وتم استيلاء الثوار
على البلدة، وفي سنة 1344هـ عادت الحكومة وبسطت سلطتها على المدينة مرة
أخرى.
في سنة (1338هـ - 1920م) اندلعت الحركة التحررية الاستقلالية في
العراق التي دعت للتصدي ضد الاحتلال البريطاني وفي كربلاء اندلعت
المقاومة وكانت سبباً لتأجيج نار الثورة لتعم سائر المدن العراقية
وخاصة في منطقة الفرات الأوسط.
وسرعان ما أعاد التاريخ نفسه، وذلك عندما اسند عبد العزيز إلى ابنه
سعود قيادة الحملات العسكرية والذي أقدم على مهاجمة مدينة كربلاء عام
( 1802 م / 1226 هــ )( 1 ) المدينة المقدسة عند الشيعة حيث مسجد
الحسين وقبره، ولم يكن التبجيل لهذا المقام من قبل الشيعة إلا مبالغات
غير جائزة عند الوهابيين. وبعد حصار لم يستمر طويلا فتحت المدينة
وتساقط القتلى من جميع الأعمار في الشوارع والبيوت، وهدم قبر الحسين
وسلبت الجواهر التي كانت تزينه واقتسمها المحاربون كما اقتسموا كل شيء
في المدينة(2). وحين أتم سعود مهمته عاد إلى عاصمة الدرعية محملا
بالغنائم الثمينة ليحظى بتأييد والده وشعبه!.
ويقول كتاب " تاريخ العربية السعودية " عن حادثة تدمير ونهب كربلاء
ما يلي :
اختمرت لدى أمراء الدرعية خطة الاستيلاء على كربلاء وفيها العتبات
المقدسة الشيعية، وخصوصا ضريح الإمام الحسين حفيد النبي محمد (ص). وحقق
الوهابيون نواياهم في آذار 1802م(5). أما المراجع التاريخية العربية،
ومعها من الأوربيين فيلبي(6)، فتنقل التاريخ إلى العام التالي:
آذار-نيسان 1802. والأساس المعتمد في ذلك هو مصنف ابن بشر. وي}يد هذا
التاريخ ابن سند (7) وج.رايمون (8) ومجلة المنوعات الأدبية (9). وجميع
هذه المصادر قريبة زمنيا من الأحداث.
والقول الفصل بهذا الخصوص، هو لصالح عام 1802، وارد في تقرير وصل من
العراق إلى سفارة روسيا في الآستانة وكتب قبل صيف 1803. فالشخص الذي
عاش آنذاك في العراق وتحدث شخصيا مع شهود عيان عن تدمير كربلاء من
المستبعد أن يخطيء لعام كامل بخصوص تاريخ هذا الحادث الهام (10). و
يقول كاتب التقرير:" رأينا مؤخرا في المصير الرهيب الذي كان من نصيب
ضريح الإمام الحسين(ع) مثالا مرعبا على قساوة تعصب الوهابيين. فمن
المعروف انه تجمعت في هذه المدينة ثروات لا تعد ولا تحصى وربما لا يوجد
لها مثيل في كنوز الشاه الفارسي. لأنه كانت تتوارد على ضريح الحسين
طوال عدة قرون هدايا من الفضة والذهب والأحجار الكريمة وعدد كبير من
التحف النادرة...وحتى تيمورلنك صفح عن هذه الحضرة. وكان الجميع يعرفون
إن نادر شاه قد نقل إلى ضريح الإمام الحسين وضريح الإمام علي قسما
كبيرا من الغنائم الوافرة التي جلبها من حملته على الهند وقدم معه
ثروته الشخصية وهاهي الثروات الهائلة التي تجمعت في الضريح تثير شهية
الوهابيين وجشعهم منذ أمد طويل. فقد كانوا دوما يحلمون بنهب هذه
المدينة وكانوا واثقين من نجاحهم لدرجة إن دائنيهم حددوا تسديد الديون
في ذلك اليوم السعيد الذي تتحقق فيه أحلامهم.
وها قد حل هذا اليوم في الأخير وهو 20 نسيان 1802م. فقد هجم 12 ألف
وهابي فجأة على ضريح الإمام الحسين. وبعد إن استولوا على الغنائم
الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها اكبر الانتصارات تركوا كل ما تبقى
للنار والسيف...وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء
البرابرة. وكانت قساوتهم لا تشبع و لا ترتوي فلم يتوقفوا عن القتل حتى
سالت الدماء انهارا... وبنتيجة هذه الكارثة الدموية هلك أكثر من 4000
شخص... ونقل الوهابيون ما نهبوه على أكثر من 4000 جمل (11). وبعد النهب
والقتل دمروا أيضا ضريح الإمام الحسين وحولوه إلى كومة من الأقذار
والدماء. وحطموا خصيصا المنائر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي
بنيت منه مصبوب من الذهب(12).
وكتب المؤرخ ابن بشر عن هذا الحادث يقول: " سار سعود بالجيش
المنصورة والخيل العتاق المشهورة من جميع حاضر نجد وباديها والجنوب
والحجاز وتهامة وغير ذلك وقصد ارض كربلاء...فحشد عليها المسلمون
وتسوروا جدرانها ودخلوها عنوة وقتلوا غالب أهلها في الأسواق والبيوت.
وهدموا القبة الموضوعة على قبر الحسين. واخذوا ما في القبة وما حولها
واخذوا النصيبة التي وضعوها على القبر وكانت مرصوفة بالزمرد والياقوت
والجواهر واخذوا جميع ما وجدوا في البلد من أنواع الأموال والسلاح
واللباس والفرش والذهب والفضة والمصاحف الثمينة وغير ذلك مما يعجز عنه
الحصر ولم يلبثوا فيها إلا ضحوة وخرجوا منها قرب الظهر بجميع تلك
الأموال وقتل من أهلها قريب ألفي رجل "(13).
واستمرت هذه المحاولات عبر التاريخ من هدم العتبات المقدسة
والمراقد، وما قام به التكفيريين ضد العتبات المقدسة توقف في القرن
العشرين بعد الاتفاق مع المرجع الشيعي جعفر الكبير (ت 1813)، وهو جد
عائلة آل كاشف الغطاء المعروفة فقهاً وعلماً ( العبقات العنبرية في
الطبقات الجعفرية ).
وتوقفت هجمات التكفيريين تماماً، في القرن العشرين، بعد هجومهم
الأخير السنة 1922، بعد معركة «السبلة» الشهيرة (1929)، ثم اللقاء
التاريخي بين القيادتين السعودية والعراقية، على ظهر البارجة (لوبن)
1930. وكان الهجوم الأخير اختباراً للتآلف الشيعي السُنَّي العراقي،
وذلك عندما اجتمع كبار علماء السُنَّة بتكية الخالدية ببغداد، وأعلنوا
دفاعهم عن العتبات المقدسة بكربلاء والنجف، ومعلوم أن مراقد: الإمام
أبي حنيفة، والشيخ عبد القادر الكيلاني، والشيخ معروف الكرخي لم تكن
بمأمن من هذه الهجمات.
أما مشهد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام فيُعد
واحدا من أهم معالم سامرّاء وواحدا ومن أبرز المعالم المقدسة في
العراق، وفيها مشهد صاحب الزمان (عج) وقبة سرداب الغيبة وقبر السيدة
نرجس زوج الإمام العسكري المتوفاة سنة 260 هـ، وقبر السيدة حليمة بنت
الإمام الجواد عليه السلام، ومرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي
عليه السلام المتوفى سنة 252 هـ، وقبر أبي هاشم داود من ذرية عبد الله
بن جعفر، ومقر الإمام محمد الدرّي الذي ينتهي نسبه إلى الإمام الكاظم
عليه السلام المتوفى سنة 300 هـ.
تقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة وتبعد نحو 118 كم إلى
الشمال من العاصمة بغداد، وتقع على خط طول 43 درجة و45 دقيقة، وعلى خط
عرض 34 درجة و35 دقيقة، يحدها من الشمال تكريت، ومن الجنوب بغداد، ومن
الغرب الرمادي، ومن الشمال الغربي الموصل، ومن الجنوب الشرقي ديالى.
بنيت المدينة لتكون عاصمة الدولة العباسية وأخذ في سنة ( 221 هـ )
بتخطيط مدينته التي سميت ( سر من رأى ) قام هارون الرشيد بحفر أول نهر
في المدينة وشيد قصراً له سمي باسمه وأراد أن يبني مدينة في منطقة
القاطول لكنه لم يتمها، في عهد المأمون العباسي ( 198 ـ 218 هـ ) بنيت
قرية المطيرة التي كانت من منتزهات بغداد وسامراء، وفي سنة ( 245 هـ )
بنى المتوكل العباسي مدينة المتوكلية وشيد المسجد الجامع ومئذنته
الشهيرة ( الملوية). وكان المتوكّل شديد العداوة لأهل البيت فقام
بإحضار الإمام الهادي من مدينة رسول الله إلى سامراء بهدف وضعه تحت
الإقامة الجبرية فأَقامَ بها حتى مَضى لسبيله وكانَتْ مُدّةُ إِمامتِه
ثلاثاً وثلاثين سنة.
والإمام الهادي هو علي بن محمد الجواد بن علي الرضا وهو الإمام
العاشر من أئمة أهل البيت وكانَ مَولده ( بِصَريا ) بالقرب من المدينة
سنة ( 212هـ ) وتُوُفِّيَ ( بُسر مَن رَأَى ) في رجب سنة ( 254هـ ) وله
يومئذٍ إِحدى وأَربعون سنة وأشهر، ودفن في داره.
وأقدم المتوكل على جريمة لا تقل بشاعة عن الجرائم الوهابية عندما
قام بتدمير ضريح الإمام الحسين بكربلاء وكان كما يصفه أبو الفرج
الأصفهاني " شديد الوطأة على آل أبي طالب غليظا على جماعتهم مهتما
بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم وسوء الظن والتهمة لهم واتفق له أن
عبيد الله ابن يحيى بن خاقان وزيره يسئ الرأي فيهم فحسن له القبيح في
معاملتهم فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله وكان من
ذلك أن كرب قبر الحسين ( أي قام بهدمه وحرثه ) وعفى آثاره ووضع على
سائر الطرق نقاط حراسة مسلحة لا يجدون أحدا زاره إلا أتوه به فقتله أو
أنهكه عقوبة ومن ثم فقد قام " ( 12 ).
وكانَ الإمامُ بعد أَبي الحسن عليِ بن محمد عليهما السلامُ ابْنَه
أَبا محمد الحسن بن عليّ وكانَ مَوْلدُه بالمدينة في شهر ربيع الآخر
232هـ. وقُبِضَ يَوْمَ الجمعةِ لثمانِ ليالٍ خَلَوْنَ من شهر ربيع
الأول سنة 260هـ وله يومئذٍ ثمان وعشرون سنة، ودُفِنَ في دارِه بسُرَّ
مَنْ رأى في البيت حيث دُفِنَ أَبوه عليه السلام وهو المقام الذي قام
الوهابيون بتدميره. لقد كان الإمام الحسن العسكري ( نسبة لمدينة سامراء
التي كانت تسمى آنئذ محلة العسكر ) كما وصفه ابن خاقان نفسه لابنه
أحمد: (يا بُنَيّ ذاك إِمامُ الرافِضَةِ الحسنُ بن عليّ المعروف بـابن
الرضا.... يا بُنيَ لو زالَت الإمامَةُ عن خُلفائِنا بني العباس مَا
اسْتَحقَّها أحَدٌ من بني هاشمِ غَيْرُه لِفَضْلِه وعَفافِه وهَدْيِه
وصِيانتِه وزُهْدِه وعِبادتِه وجميلِ أَخلاقِه وصَلاحِه ولو رَأَيْتَ
أَباه رَأَيْتَ رجلاً جَزْلاً نَبيلاً فاضلاً). ثم يقول أحمد بن خاقان:
فازْدَدْتُ قلقاً وتَفَكُّراً وغَيْظاً على أَبي وما سمعتُ منه فيه
ورَأَيْتُ من فِعْلِه به فلم يَكُنْ لي هِمَّةٌ بعد ذلك إِلا السؤالَ
عن خَبَرِه والبَحْثَ عن أَمْرِه. فما سَأَلْتُ أَحَداً من بني هاشم
والقُوّادِ والكُتّاب والقُضاةِ والفُقهاءِ وسائرِ الناسِ إلا وَجدْتُه
عِنْدَه في غاية الإجلالَِ والإعظامِ والمحلِّ الرفيعِ والقولِ الجميلِ
والتقديمِ له على جميع أَهل بيتهِ ومشايخه فعَظُمَ قَدْرُه عندي إِذْ
لم أَرَ له وَلِيّاً ولا عَدُوّاً إلا وهو يحسِنُ القَوْلََ فيه
والثناءَ عليه. أما الإمام الحجة المنتظر ( عج ) فقد ولد في سنة ( 255
هـ ).
اتخذ مرقدهما مزاراً بنيت حولهما العمارات وأنشئت الدور والمنازل
العامة فحافظت المدينة على عمرانها إلى ما بعد انقراض الدولة العباسية.
كان يحيط بالمدينة سور مضلع على شكل يميل إلى الاستدارة، يبلغ طول
محيطه ( 2 كم )، ولا يتجاوز قطره ( 680 م )، مبني بالجص والآجر يصل
ارتفاعه إلى ( 7 م )، وكان له ( 19 ) برجا وأربعة أبواب، هي باب
القاطول، وباب الناصرية، وباب الملطوش، وباب بغداد، وظل هذا السور
ماثلا للعيان حتى سنة ( 1356 هـ / 1936 م )، وأكثر بيوت المدينة مبنية
بالآجر وتنتشر في أرجائها الحدائق العامة والخاصة، وفتح فيها متحف وضعت
فيه المخطوطات والمصورات المهمة عن آثارها، وفي مدخل المدينة يقع مشروع
الثرثار الذي يقي بغداد من الغرق.
لقد تعرض مشهد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام في
سنة (( 1335 هـ / 1917 م )) للسرقة حيث قام بعض السراق بقلع ( 25 )
طابوقة من قبة المشهد.
وما حدث إبان العهد البائد من تدمير لمرقد الإمام الحسين ( عليه
السلام ) بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وما رافقها من محاولة
النظام البائد من تخويف الشعب وذلك بمنع الزيارات الحسينية.
ونجد هذه الأيام عودة هذه الهجمات تحت شعار مقاومة الاحتلال رغم أن
أيا من الإمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسكري لم يأتيا
إلى سامراء أو (سُر من رأى) في بداية القرن الثالث الهجري على ظهر
دبابة أمريكية بل كان مجيئهم نفيا إجباريا وتحديدا للإقامة تحت الرقابة
اللصيقة للخلافة العباسية. كما أن الإمام الهادي لم يأت من المدينة
المنورة لنشر ( التشيع) في سامراء فهو ابن رسول الله ولا مجال للطعن
فيها ومن ثم فليس هناك مجال للربط بين هذا العمل التفجيري الإجرامي وما
يدعيه البعض عن مقاومة الاحتلال.
مرة أخرى قامت التنظيمات الوهابية التكفيرية يوم الأربعاء
13-6-2007 بتدمير منارتي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء بالعراق.
وأدى التفجير إلى انهيار المئذنتين وكان نفس المرقد قد تعرض لتفجير كلي
في شباط (فبراير) من العام الماضي وأشعل موجة من العنف الطائفي راح
ضحيتها آلاف العراقيين. وبعد أقل من 8 ساعات من تفجير مرقد الإمامين
العسكريين في سامراء ,أقدمت مجموعة إرهابية أخرى على تلغيم مرقد الإمام
علي كمال الدين بن موسى الكاظم (ع) في قرية عرب ثعيلب في مدينة الخالص
عصر يوم الأربعاء وتفجيره عن بعد مما أدى إلى تسوية المرقد بالأرض علما
بأن التكفيريين قاموا قبل ذلك بتفجير أكثر من 70 مزارا ومرقدا دينيا
للشيعة.
ومن ثم فليس هناك مجال للربط بين هذا العمل التفجيري الإجرامي وما
يدعيه البعض عن مقاومة الاحتلال، إضافة إلى هدم رأس ملوية سامراء. إن
تنظيم القاعدة والنظام البائد هما المسوؤلين عن التفجير، فالأول ينطلق
من فكره الذي يحرم إقامة الشواهد والمراقد حول الأئمة والأولياء
والصحابة ولذلك فإنها تستهدف مساجد ومراقد الشيعة والسنة على السواء
كما أقدمت هذه الجماعات على تفجير مرقد عبد القادر الجيلاني القطب
الصوفي الشهير في قلب بغداد، وغيرها من المراقد في عموم العراق. أما
فلول النظام البائد التي ما فتئت تعبث بالعراق لتحقق ما تعهدت به من
إبادة وتدمير البلاد والعباد وهي ترمي من وراء تدمير القبتين إلى إثارة
فتنة طائفية تمهد لعودة بقايا النظام البائد. ولربما هناك صلة بين ضرب
ضريح الإمام الحسين إبان الانتفاضة الشعبانية والذي استفز التاريخ
وملايين المسلمين، وبين المفخخات التي هدمت ضريح العسكريين في سامراء
وبين هدم رأس ملوية سامراء. فكلاهما منقطعان عن التاريخ، بقدر
انقطاعهما عن الحاضر. وعند الربط بين ما حصل من تدمير وهدم وإزالة في
العهد البائد وهذه الأيام نجد إن الأفكار واحدة مع اختلاف الأقنعة..
زرقاويون.. تكفيريون.. بعثيون.
وخلاصة القول إن المتتبع للأحداث يمكن أن يرى شراذم البعث تائهة في
الصحاري أو قابعة في أوكارها الإرهابية إذ لم تكن متقنعة بمصطلحات
دينية أو قومية وحتى إرهابية مثل قناع الزرقاوي أو القاعدة الخ، إن
تفجير بيوت الله والهرب هو عمل إرهابي جبان بصفاته الفاشية أي قتل
الناس شعوب جماعة وأفراد.
.........................................................................
المصادر:
1. عن كربلاء يرد في التقارير البريطانية:"هاجم
الوهابيون كربلاء عام 1802، ودمروها بالكامل، ماعدا محلة العباس،
وعاثوا في قبر الحسين وقتلوا 5000 من أهلها وعلمائها، وترك هذا العمل
أثره في ذاكرة الفرس والعرب والأتراك ووجهت التهامات إلى الأتراك لعدم
حمايتهم هذه القباب المقدسة ".راجع سجلات مكتبة حكومة بومبي، رقم XXIV،
ص43. أما في كتب التراث الشيعي فيذكر لنا الدكتور عبد الله الكليدار في
كتابه " تاريخ كربلاء " ص223، ما نصه:" إن أعظم فاجعة مرت على كربلاء
في التاريخ هي غزو الوهابيين لها في 18 ذي الحجة، عام 1216هـ ويستشهد
بأقوال المستشرقين و منهم الإنكليزي المستر ستيفن هيمسلي لونكريك الذي
خاطب الرأي العام بصراحة وحرية في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق
) طبع بغداد سنة 1941م، لمزيد من التفاصيل راجع الصفحات 223-226 من
الكتاب المذكور.
2. راجع: فيلبي، تاريخ نجد، ص143.
3. راجع: ابن بشر. عنوان المجد، ج1، ص ص 121-122.
4. راجع: Philipy H. Saudi Arabia, p.93
5. راجع: عثمان بن سند البصري، تاريخ بغداد، ص28.
6. راجع: Raymond J.Les Wahabys.p16
7. راجع: مجلة المنوعات الأدبية، 1805، مجلد2، ص25.
8. Rousseau J. Description.pp72-75
9. راجع: يورد روسو في كتابه رقما اقرب إلى الحقيقة،
وهو 2000 رأس من الإبل. ص74.
10. راجع: أرشيف السياسة الروسية، "الديون"، 1803،
الاضبارة 2235، ص38-40.
11. راجع: ابن بشر، عنوان المجد، ج1، ص ص121-122
[/ALIGN]
12. راجع : تاريخ الطبري، ج 9، ص 185. |