شبكة النبأ: يواجه السودان شبح الحرب
الأهلية مجددا بين شماله وجنوبه، وذلك بعد الأزمة الأخيرة التي انسحب
على إثرها وزراء الحركة الشعبية لتحرير السودان من الحكومة المركزية
التي تم تكوينها تطبيقا لاتفاق السلام الشامل في "نيفاشا" بكينيا عام
2005، وذلك على خلفية اتهامات الحركة لحكومة الخرطوم والمؤتمر الوطني
الحاكم بعدم تنفيذ بنود اتفاق السلام.
هذه هي خلاصة الدراسة التي أعدها تيموثي كاميTimothy Caney وهو
دبلوماسي محترف وآخر سفير للولايات المتحدة في السودان في الفترة من
اغسطس 1995 حتى نوفمبر 1997، وله تاريخ طويل من العمل الدبلوماسي في
مناطق الصراعات الساخنة من فيتنام إلى كمبوديا وجنوب أفريقيا وهاييتي،
بعنوان بعض التوافق مطلوب: اتفاق السلام الشامل في السودان، أوSome
Assembly Required :Sudan’s Comprehensive Peace Agreement الذي
أصدره المعهد الأمريكي للسلام “United States Peace Institute”
مؤخراً. ونقله موقع تقرير واشنطن.
جدول المفاوضات
تستعرض الدراسة بعضاً من تاريخ الصراع الدامي بين الشمال والجنوب
الذي بدأ منذ عام 1955 ولم يتوقف إلا خلال عام 2005، وتشير إلى أنه رغم
إدراك الشمال والجنوب عدم إمكانية الانتصار في الحرب بينهما، إلا أنهما
أثبتا عدم قدرتهما على التوصل إلى اتفاق للسلام ، حيث لم يكن وفدا
التفاوض قادرين على تقديم تنازلات دون الرجوع إلى قيادتهما السياسية.
وظهرت أهمية الدور الأمريكي في العام الأخير لحكم كلينتون بتهديدها
بعزل السودان سياسيا وفرض عقوبات اقتصادية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق
سلام، وضغطت جماعات المصالح الأمريكية على إدارة بوش ، وتمثل هدف
التدخل الأمريكي في إنهاء دور السودان في الإرهاب الدولي ، إلى أن قادت
واشنطن الدولة الأوروبية ممثلة في بريطانيا والنرويج وإيطالييا او ما
عرف باسم "الترويكا" الأوروبية +1 أو Toroueka+1 عام 2001 للدفع نحو
تحقيق السلام.
وعين بوش أول مبعوث خاص له للسودان عام 2001 وهو جون دانفورث John
Dnafourth الذي لعب دورا رياديا في تقريب وجهات الظر بيين شمال وجنوب
السودان بالتعاون مع منظمة "إيجاد" إلى أن باتت الأجواء مهيئة للتفاوض
بين الخرطوم والجنوبيين.
سياسات الشمال والجنوب
تشير الدراسة إلى أن ثمة عوامل محلية وإقليمية أدت إلى تمهيد الطريق
لعقد مفاوضات ناجحة ، حيث بدأ الشمال يدرك عدم إمكانيية فرض نموذج
الإسلام السياسي على الجنوب أو تحقيق النصر وواجهت حكومة البشير العديد
من المشكلات الداخلية والضغوط الخارجية. كما بدأت الخرطوم تدرك أن
واشنطن أصبحت طرفا معاديا تفرض سياسة الاحتواء عليها، كما ساهم دعم دول
الجوار للحركة الشعبية في إقناعها بالتفاوض.
الدور الدولي
تلفت الدراسة النظر إلى أن دور الوسطاء الدوليين اختلف تجاه أطراف
الصراع، ففيما كانت بريطانيا أقرب إلى مواقف الخرطوم ، كانت النرويج
أقرب إلى متمردي الجنوب، كما أن واشنطن لم تكن لها رؤية واضحة حول
الطرف الذي تدعمه ولم تستطع صياغة رؤية سياسية واضحة لتعارض المواقف
بين وزارة الخارجية والكونجرس ومجلس الأمن القومي ، كما كانت المنظمات
غير الحكومية تعاني عدم الخبرة بشأن حقيقة الأوضاع في السودان ، إلا أن
الدور الذي لعبه الكونجرس الأمريكي مؤخرا ساهم في توقيع ميثاق السلام
في السودان Sudan Peace Act. في نهاية عام 2000 ، كما هدد بفرض عقوبات
دولية على عوائد النفط.
إجراء الاختبارات وانطلاق المحادثات
وتشير الدراسة إلى أن كينيا تدخلت كوسيط للسلام عام 2001 من خلال
منظمة إيجاد وعن طريق قائد الجيش السابق الجنرال لازاروا سامبيو
General Lazaro Sumbeiywo حيث نجح في إعداد فريقي التفاوض بين الخرطوم
والحركة الشعبية، وتزامن ذك مع جهود المبعوث الأمريكي دانفورث حيث أعد
خريطة طريق لاختبار نوايا الطرفين في التفاوض مكونة من 4 نقاط.
كما دعم دانفورث مفاوضات "إيجاد" مما أدي إلى وقف إطلاق النار في
جبال النوبة عام 2002 ،ووقعت الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان
اتفاق ماشاكوس Machakos في 2002 والذي أنشأ إطار المفاوضات المستقبلية
ولبى رغبات الجنوب في إجراء استفتاء على الانفصال في منتصف الفترة
الالنتقالي ، وحدد تطبيق الإسلام على الشمال فقط. وتشير الدراسة إلي أن
اتفاق ماشاكوس واحد من 6 بروتوكولات ، إلا أنه بعد الاتفاق لم يكن وفدا
التفاض قادرين على تسيير المفاوضات فتدخل الجنرال سامبيو وطلب من
الطرفين بدء المفاوضات.
تداخل القتال مع المفاوضات
وتؤكد الدراسة أن متمردي الحركة الشعبية شنوا هجوما فجائيا على
القوات الحكومية في بلدة تورييت لتحسين موقفهم التفاوضي ثم عاد الطرفان
للمفاوضات وتوصلا لاتفاق رسمي لوقف القتال وكونا وفدين لمعالجة قضايا
الأمن وتقاسم السلطة والثروة التي نص عليها اتفاق ماشاكوسس،وتناول
الاتفاق الجديد 3 قضايا محورية هي إقليم إيبي وجبال إنجستينا وجبال
النوبة التي لم ترد في اتفاق ماشاكوس.
كما أن الجنرال سامبييو نجح بعد تقاعده في فبراير 2003 في عقد
لقاءات مباشرة بين على عثمان طه رئيس وفد الخرطوم وجون جارانج رئيس
الحركة الشعبية بكينيا،وبعد 16 شهرا ،وقع الطرفان اتفاق السلام الشامل
بفضل الجهود الدولية والوساطة الكينية في 9 يناير 2005.
تحدي تطبيق الإتفاق المعقد
وتذكر الدراسة أن اتفاق السلام هدف إلى تحويل البلاد لدولة
ديمقراطية موحدة تكون الحكومة فيها مسؤولة أمام الرأي العام وتعمل
لمصلحته،وُوقيع اتفاق تقاسم السلطة في 2004 ودعا إلى إجراء انتخابات في
2009 وهي منتصف الفترة الانتقالية ، إلا أن الشكوك تحيط بتك الانتخابات
لبطء تنفيذ اتفاق السلام ، وعدم عودة مليوني نازح،وذلك لأن اتفاق
السلام مليئ بالتفاصيل المعقدة بدءً من اختيار أعضاء الجمعية الوطنية
وتأسيس قضاء وحكومة مستقلة للجنوب وإنشاء وحدات عسكرية مشتركة وإعادة
نشر القوات الحكومية ومليشيات الحركة الشعبية وبحث قضية الحدود ودمج
المليشيات في القوات الحكومية. وبينما استفاد الجميع من وقف القتال ،
إلا أن صعوبة توصيل مواد الإغاثة إلى الجنوب وتوزيع عوائد النفط نتيجة
الفساد أعاق تنفيذ الاتفاق ، إلى أن قدم كير في سبتمبر 2006 "خطة عمل"
من 200 يوم لتحسين أوضاع الجنوب وتطوير نظام الحكم.
دور الأمم المتحدة
وترى الدراسة أن مجلس الأمن كان له دور محوري بعد اجتماعه في نيروبي
عام 2004 في إقناع السودانيين لتحقيق السلام ، وأنشأ قوات مهام حفظ
السلام في السودان United nations Mission In Sudan في 2005 ، بينما
أنهت الخرطوم مهمة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في 2006
،وتم إرسال مبعوث جديد في سبتمبر 2007.
وكان لمنظمات اللإغاثة دور قوي في السودان ومنها منظمة اليونسيف
والمفوضيية العليا لشؤون اللاجئين ولكن الأخيرة فشلت في آداء مهامها
لفقر البنية التحتية في الجنوب ، وقدمت المؤسسات المالية الدولية
مساعداتها متمثلة في البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية
،وقدرت احتياجات الجنوب بـ7,9 مليار دولاركمساعدات.
دروس لم يتعلم منها أحد
تؤكد الدراسة أن تنفيذ أي اتفاق سلام يتطلب إرداة سياسية، ولكن طرفي
الصراع في السودان لا يريدان المخاطرة بمستقبلهما السياسي فيما يتعلق
بإجراء الانتخابات في منتصف الفترة الانتقالية وذلك بحسب الدراسة. وقد
أدى الوضع في دارفور إلى تعقيد تنفيذ اتفاق السلام وترى الخرطوم أن
واشنطن تريد تغيير النظام السياسي في السودان وليس تحويله بعد أن وضعته
على لائحة الدول الراعية للإرهاب وعدم رفع عقوباتها ،ومن ثم تحيط
الشكوك في الخرطوم حول الدور الأمريكي في تنفيذ الاتفاق.وفي المقابل
ورغم أن سيلفا كير ركز على "السودان الجديد" وتقوية حكومة الجنوب لكنه
لم يكن حاسما في مواجهة الفساد ، وظلت البنية التحتية ضعيفة مما أعاق
تنفيذ الاتفاق.
ويؤكد كاتب الدراسة أن العناصر المهمة في اتفاق السلام أثبتت إما
أنها صعبة التنفيذ أو تحمل مخاطرة وتمثل ذلك في رفض الحزب الحاكم تقرير
لجنة تحديد حدود إقليم إيبي مما أكد عدم جدية الخرطوم في تنفيذ
الاتفاق. ومن بين المعوقات الأخرى، اقتصار المفاوضات على حزب المؤتمر
الوطني الحاكم والحركة الشعبية مما أدى إلى تعقيد تنفيذ الاتفاق فلم
يشمل أطراف الوساطة والمنظمات الدولية ومنظمات الإغاثة والأحزاب
السودانية مما يجعله غير مؤثر على دارفور غربا وقبائل البجة Beja شرقا.
كما أن دور أمريكا في عملية السلام غير كاف وبخاصة في مرحلة تنفيذ
اتفاق السلام وسعت أمريكا إلى إلقاء المسؤولية على الشركاء الدوليين
وعقد الصراع في دارفور من الدور الأمريكي الذي تضائل نتيجة الحرب في
العراق وأفغانستان لصالح الصين.
ومما سبق تخلص الدراسة إلي أن السودان يتجه إلى مرحلة إنهاء اتفاق
السلام الشامل حيث تثار شكوك جادة حول إكمال تنفيذه أو الحفاظ على
السلام نتيجة انعدام الثقة والشكوك حول الإرادة السياسية لشمال السودان
وتركيزه على دارفور، وآداء حكومة الجنوب في ظل الفساد وتهالك البينة
التحتية وغياب الشفافية ،فالمستقبل غير واضح، وظل المجتمع الدولي على
حالة عدم توافق الرؤى والغموض، وتؤكد الدراسة أنه إذا نجح هذا الاتفاق
فإنه سيكون بمثابة دليلا لكافة النزاعات الأخرى في السودان بما فيها
دارفور.
وتتمثل التوصيات التي يقدمها كاتب الدراسة في أهمية إجراء انتخابات
منتصف المرحلة الانتقالية في 2009 لخلق حكومة أكثر تمثيلا للجنوب ،وعدم
التركيز فقط على عوائد النفط ، بل يجب توجيهها إلى تطوير الجنوب ولكن
بجانب المساعدات الدولية. |