مزور الكبار وشهادات الطك إعطية

محمد حسن الموسوي

 لا ادري من هو( إعطية) محل ضرب المثل لكن أعلم مايراد به. والعراقيون يقولون للشئ الغير متقن (طك أعطية), وطبعا لا علاقة لأسم (اعطية) المشار اليه  بإسم والد  برلماني عراقي  أنه مجرد تشابه بالاسماء ليس الا وان كان في برلماننا العتيد من يصدق عليه القول طك إعطية.

 وعلى اية حال فأن المثل العراقي واضح بدلالته فهناك بضاعة اصلية يعني ياباني  وهناك بضاعة طك اعطية مثل البضاعة الصينية وهكذا الحال مع كل ماهو اصلي ومع المزيف او التقليد.

وما يصدق على التجارة وبضائعها يصدق على الميادين الاخرى, فبعد التغيير الذي شهده العراق طفت على السطح  ظواهر عديدة كظاهرة الحواسم ومن بعدها  الحوازم والتي كان ابطالها وزراء ومسؤولين كبار في العراق الجديد كوزير الكهرباء السابق الهارب من وجه العدالة وزميله وزير الدفاع في حكومة الاخضر الابراهيمي ,وفي هذه الايام يشهد الوسط الحكومي ولادة ظاهرة جديدة هي ظاهرة شهادات الطك اعطية التي يحملها بعض المستشارين والموظفين الحكوميين فضلا عن برلمانيين. وهذه الظاهرة تعد من اخطر الظواهر التي يعج بها العراق الجديد.

ظاهرة الشهادات المزيفة مرتبطة ارتباطا مباشرة بعمليات التزوير, واذا كانت هذه الاخيرة من القضايا التي لاتخلوا منها دولة كتزوير العملة او تزوير وثائق السفر وهكذا  فإن ما شذ به العراق عن غيره في مجال التزوير هو ليس بتزوير الشهادات العلمية فحسب بل وباستخدامها في التعيين والتوظيف في السلك الديبلوماسي او الحكومي او البرلماني ومن هنا تأتي خطورة هذه الظاهرة.

شهد العراق من قبل عمليات تزوير للشهادات العلمية لكن لم يكن ابطالها عراقيون بل كان ابطالها من (الاشقاء) العرب الذين قدموا للعمل في العراق أبان الحرب العراقية الايرانية وتحديدا من المصريين الذين دخلوا العراق فرادى وزرافات مدججين بشهادات مزورة زودتهم بها السلطات المصرية في حينها ,اي انها عملية تزوير منظمة وبأشراف حكومي.

ويتذكر العراقيون جيدا كيف ان أغلب المصريين الذين قدموا للعمل في العراق والذين تجاوز عددهم الاربع ملايين كانوا يحملون شهادات دبلوم (تكارة) على حد قول المصريين اي دبلوم تجارة. فالزبال المصري كان يحمل دبلوم تجارة والسائق خريج  تجارة وعامل البناء  دبلوم في التجارة  وهكذا.

المهم في الموضوع ان ظاهرة تزوير الشهادات العلمية لم تكن منتشرة بين العراقيين. بيد ان التغيير فتح الباب على مصراعيية امام اصحاب النفوس المريضة من الفاشلين ليعوضوا فشلهم الدراسي بشهادات مزورة.

 ومناسبة هذا الحديث هو التصريحات الاخيرة التي أدلى بها موظفو هيئة النزاهة  و ذكروا فيها ان الهيئة ضبطت شهادات مزورة لاكثر من الف موظف حكومي (رفيع  المستوى) او انهم حصلوا على شهادات من جامعات غير معترف بها, وقد نشرت احدى الصحف العربية الشهيرة والصادرة في لندن في عددها  ليوم 23/11/2007 خبرا لمراسلها   في العراق  ذكر فيه ان القوات الامريكية تسلمت متهما وصف بأنه (مزور الكبار)  قام بتزوير اكثر من أربعة الاف شهادة حيث اودعته القوات الامريكية في أحد معتقلاتها بعد وصول معلومات اليها تؤكد محاولة جهات تهريبه خشية انكشاف أمر اعضائها الذين زودهم هذا المزور بشهادات الطك إعطية. 

شخصيا لم يضف لي هذا الخبر_الذي صيغَّ بحذر شديد_ أي جديد وذلك لمعرفتي السابقة بهذه الفضيحة التي يحاول البعض طمطمتها أو تبريرها بأعذار واهية كالعذر الذي ساقه احد المستشارين في الحكومة العراقية بقوله "إن اثارة تهمة تزوير الوثائق الدراسية هذه الايام جزء من حملة المزايدات والتهم الجاهزة لإسقاط الآخر... وان مستشاري رئيس الوزراء لا يشترط في تعيينهم الشهادة الدراسية او الدرجة العلمية وانما يتم اختيارهم من خلال ما يمتلكه كل منهم من امكانات في مجال تخصصه".

لا ادري عن اي مزايدات يتحدث السيد المستشار؟ وما علاقة تزوير الشهادات بالتسقيط؟  ثم كيف لاتشترط الشهادة في تعيين المستشار والله تعالى يقول في كتابه المجيد ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)؟ بالله عليكم هل سمعتم بهذه الفلسفة الجوفاء من قبل؟.

 أن مهنة المستشار هي من اخطر المهن, فهناك مستشار قانوني يلتجأ اليه بالقضايا القانونية وهناك مستشار طبي يعمل بنصيحته في المجال الصحي وهناك مستشار سياسي يركن الى استشارته في العمل السياسي وهكذا في كل اختصاص يوجد مستشار ولايحصل  المرء على هذه الصفة اي المستشارية الا بعد ان يفني عمره بالدراسة والحصول على الشهادات الدراسية الراقية  والدرجات العلمية العالية والخبرة الطويلة في مجال تخصصه فكيف والحال هذا لايشترط في التعيين الشهادة الدراسية على حد تبرير سماحة السيد المستشار متع الله الحكومة بطول بقاءه؟.

 والشئ بالشئ يذكر ان رئيس الوزراء في المانيا وكذلك الحال في النمسا يلقب بالمستشار, اي ان صاحب اعلى منصب حكومي وسياسي في هذين البلدين الاوربيين يسمى مستشارا وذلك لخطر هذا المنصب وأهميته.

 بالنسبة لي  اعرف جيدا الاسباب التي تقف وراء هكذا تبريرات, لان صاحب التبرير السالف الذكر والذي يحمل صفة مستشار ذاته لايحمل اي شهادة اكاديمية ومن هنا تجده وامثاله يلتجئون  الى مزور الكبار لحل هذه المعضلة من خلال الحصول على شهادة طك أعطية, ولو شئت هنا لذكرت لكم أسماء العديد من امثال هذا المستشار الذين يطرقون ابواب الملحقيات الثقافية في سفاراتنا في اوربا لتزويدهم بتأييد لشهادات حصلوا عليها من جامعات لاوجود لها الا على شبكة الانترنيت.

أخيرا ويمناسبة الحديث عن المستشارين , ذات يوم كنت اتناول  تشريب البامية في احد المطاعم العراقية في لندن وما هي الا لحظات حتى  جلس امامي صاحب المطعم الذي أعرفه ومهنته الطهو قال لي وبفضول بانه ينوي السفر الى العراق, قلت خيرا انشاء الله, فرد عليَّ  هو الخير كله لقد استدعاني _ والحديث لايزال له_ الدكتور فلان المستشار في الحكومة للعمل معه.

 سألته وماذا ستعمل انشاء الله ؟ فأبتسم ابتسامة عريضة واجاب سأعمل مستشارا عنده. ساعتها انفجرت ضاحكا وقلت له يعني ستعمل مستشارا للمستشار؟ واردفت سائلا لكن اي نوع من الاستشارة ستقدم ؟ فصمت ولم يحر جوابا.  ساعتها ايقنت ان العراق ماض من جديد الى كارثة مادام فيه هذا الصنف من المستشارين والذين هم من فصيلة (الجنرال) علي كيمياوي* و(الدكتور) عبد حمود**. لا تستغربوا فالعراق اليوم يعج بالكثير من الدكاترة من حملة شهادات الطك عطية الذين قدموا اليه من كل فج عميق وجل رأسمالهم  الولاء الحزبي او الفئوي من دون ان يكون لهم ادنى خبرة او كفاءة وحيث لاتبنى الاوطان الا بهما.

[email protected]

.........................

* علي الكيمياوي واسمه الحقيقي علي حسن المجيد وهو ابن عم صدام حسين الذي رقاه من نائب ضابط  في الجيش العراقي  ومنحنه رتبة فريق ركن  تعادل رتبة جنرال. 

 ** عبد حمود هو المرافق الشخصي للدكتاتور السابق صدام. مُنح شهادة دكتوراء رغم     انه لم يتمم دراسته الابتدائية, ويمثل الان امام المحكمة الجنائية بتهمة ارتكابه جرائم ضد البشرية. والاستاذ الذي منحه شهادة الدكتوراء حي يرزق ويعمل الان ملحقا ثقافيا في احدى سفارات العراق (الجديد) في اوربا ببركة المحاصصة الطائفية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8 كانون الاول/2007 - 27/ذوالقعدة/1428