في ظل ارتفاع اسعار المحاصيل: بدائل الوقود الحيوي تصنع الأمل والخوف في آن واحد

اعداد/صباح جاسم

شبكة النبأ: في تحرك متأخر وضعت الصين وباقي البلدان الصناعية القيود على استخدام الحبوب والزيت كمصادر للطاقة، بغية المساهمة في مكافحة اسعار المواد الغذائية التي تشهد ارتفاعا كبيرا، والتي ارتفعت بمعدل 17.9 في المائة خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عن معدلاتها قبل عام. ومازال الطلب الصناعي يواصل الارتفاع في ظل المجاهدة لتوفير الاحتياجات من الطاقة، مع وصول الاستهلاك الصناعي من زيت النخيل لوحده إلى 1.3 مليون طن خلال العام المالي السابق، اي اكثر من ضعف الكمية في العام المالي 2003.

وقال خبير وتقرير جديد للمعهد الدولي لابحاث سياسات الغذاء إن العالم يستهلك غذاء أكثر مما ينتج وأن أسعار المواد الغذائية ربما ترتفع لسنوات بفعل عوامل منها التوسع في زراعة محاصيل لانتاج الوقود الحيوي والتغيرات المناخية وطلب من مستهلكين أغني في دول نامية تحقق نموا سريعا.

وذكر التقرير أن التوسع في انتاج الوقود الحيوي وحده قد يرفع أسعار الذرة أكثر من الثلثين بحلول عام 2020 وزيادة تكلفة الحبوب الزيتية نحو النصف ليصبح الدعم الذي يقدم للصناعة بمثابة ضريبة تفرض فعليا على الفقراء. بحسب رويترز.

وصرح يواكيم فون براون مدير عام المعهد بان مخزون الحبوب العالمي وهو احتياطي هام يستخدم لمكافحة المجاعات في العالم نزل لاقل مستوى منذ الثمانينات نتيجة تراجع الزراعة وسوء الاحوال الجوية.

وقال "يأكل العالم أكثر مما ينتج حاليا وخلال السنوات الخمس أو الست الماضية انعكس ذلك على تراجع مستويات الاحتياطي والمخزون. لا يمكن ان يستمر هذا الوضع وسوف يستنفد المخزون قريبا."

وذكر في تقرير صدر في نفس الاجتماع الذي تعقده المجموعة الاستشارية للابحاث الزراعية الدولية أن دولا مثل المكسيك شهدت أعمال شغب بسبب الغذاء جراء ارتفاع الاسعار.

وذكر فون براون كبير معدي تقرير (وضع الغذاء العالمي) "ربما ولت أيام انخفاض الاسعار."وتابع "زيادة الطلب على الغذاء والعلف والوقود قادت لزيادات حادة في الاسعار في الاونة الاخيرة ... سيكون للتغيرات المناخية تأثير سلبي على انتاج المواد الغذائية."

وثمة ارتباط وثيق متزايد بين اسعار الحبوب العالمية واسعار الطاقة مع تنامي الاهتمام في قطاع الاستثمار المالي باسواق المواد الخام اثر صعود الاسعار مما يغذي تقلب الاسعار.

وذكر التقرير أن أسعار النفط التي تحوم حول 90 دولارا للبرميل تحمل انباء سيئة للفقراء الذين عانوا كثيرا بالفعل نتيجة زيادة اسعار القمح لثلاثة أمثالها مرات والارز الى مثليها منذ عام 2000.

وقد تسهم زيادة الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية وشبكة رعاية اجتماعية اقوي تدعم الطفل بصفة خاصة وانهاء القيود التجارية وتحسين البنية التحتية وفرص التمويل في الدول الاقل تقدما في تحسين الامن الغذائي.

وتابع التقرير أن زيادة حجم التجارة وهو مطلب رئيسي لكثير من الدول النامية في محادثات التجارة العالمية سيحقق مكاسب اقتصادية ولكنها لن تلعب دورا هاما في الحد من الفقر.

ويقلص ارتفاع درجة حرارة الارض الدخل العالمي من الزراعة بنسبة 16 في المئة بحلول عام 2020.

وحذر التقرير من ان افريقيا ستتضرر بشدة بصفة خاصة نتيجة تغيرات مناخية يقول العلماء ان الغازات الصناعية التي يطلقها الانسان في الجو عاملا مهما يسببها.

واضاف التقرير "ان عدد من يعانون من سوء التغذية في افريقيا جنوب الصحراء ربما يزيد ثلاث مرات بين عامي 1990 و2080 اذا وضعنا في الاعتبار اثار التغيرات المناخية."

البعض في امريكا يلجأ للوقود الحيوي

يضع فرن اصفر اللون في قبو منزل ريتشارد جريدي في ولاية ماساتشوستس الامريكية المهندس المتقاعد في صدارة ثورة بيئية.. اذ يغذى الفرن بوقود مستخلص من فول الصويا.

يتصدى جريدي وعدد متزايد من مالكي المنازل في شمال شرق الولايات المتحدة لاسعار النفط القياسية والاعتماد الامريكي على وقود الشرق الاوسط والتغيرات المناخية عن طريق التحول للوقود الحيوي لاستخدامه في التدفئة في منازلهم في اشهر الشتاء الباردة. بحسب رويترز.

ويقول جريدي (67 عاما)، ينبغي ان نقوم بما هو صحيح. اذا لم نفعل نحن فمن سيفعل..ويحاول حاكم ولاية ماساتشوستس ديفال باتريك الاسراع بخطى هذا الاتجاه واقترح في الخامس من نوفمبر تشرين الثاني مشروع قانون يقضي بان يحتوي وقود التدفئة ووقود الديزل على نسبة خمسة بالمئة على الاقل من نوع انظف من الوقود بحلول عام 2013 وهي خطوة كبيرة في شمال شرق الولايات المتحدة حيث تستخدم نسبة 32 في المئة من المنازل الوقود في التدفئة شتاء.

ويجعل مشروع القانون ماساتشوستس أول ولاية امريكية تلزم مواطنيها بان يحتوي وقود التدفئة على وقود حيوي وسيبدأ التطبيق بتحديد نسبة اثنين في المئة في عام 2010 وترتفع الى خمسة بالمئة في عام 2013. ويؤيد زعماء المجلس التشريعي المحلي مشروع القانون الا انه لم يتم الاقتراع عليه بعد.

وتدير اليزابيث وارين شركة (ماس) للوقود الحيوي وهي شركة توزع وقودا مكررا من زيت فول الصويا لم يسبق استخدامه وزيوت نباتية سبق استعمالها وتقول "يدفع الوقود الحيوي الناس لتجاذب اطراف الحديث ويوجد نوع من الصلة بين الناس لانه يتعلق بقضية اكثر منه مجرد وسيلة لتدفئة المنزل."

ولدى وارين نحو 400 عميل الان يمزجون وقود التدفئة التقليدي بوقود حيوي مقابل سبعة عملاء قبل ثلاث سنوات.

وتلقي الضغوط على امدادات النفط العالمية الضوء على وقود الديزل الحيوي وهو نوع من الوقود الحيوي يصنع من فول الصويا ودهون حيوانية وزيت الطهي المستخدم في المطاعم.

وحين يخلط الوقود الحيوي بالوقود التقليدي يخفض انبعاثات سامة بداية من اكاسيد الكبريت الى ثاني اكسيد الكربون وجزيئات صغيرة تؤثر على الجهاز التنفسي وتؤدي لتصاعد مزيج من الضباب والدخان (الضبخان).

ومن المتوقع ان تتضاعف طاقة انتاج الوقود الحيوي والطلب عليه على مستوى العالم بحلول عام 2010 بفضل سياسة حكومية لمحاربة الاعتماد على موارد طاقة خارجية.

وتشهد الولايات المتحدة واوروبا أكبر نمو للوقود الحيوي حيث تدعمه تيسيرات ضريبية وفي مارس اذار وضع الاتحاد الاوروبي هدفا بان يوفر الوقود الحيوي نسبة عشرة في المئة من وقود النقل بحلول عام 2020.

ولكن الوقود الحيوي لا يخلو من المشاكل.. يعتمد انتاجه في الولايات المتحدة واوروبا على الدعم الى حد كبير وذلك لمنافسة الوقود التقليدي والتوسع في انتاج الوقود الحيوي على مستوى العالم.

وتقول مجموعات بيئية ان مزارع زيت النخيل تؤدي لقطع واحراق غابات مطيرة في اندونيسيا وزيادة انبعاثات الكربون وتهدد انواعا معرضة للانقراض بينما تقول منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة ان مزارع الوقود الحيوي على مستوى العالم تنافس على اراض مخصصة لزراعة محاصيل غذائية مما يرفع من اسعار المواد الغذائية.

كما اظهرت الدراسات ان الوقود الحيوي يؤدي لزيادة قليلة في انبعاثات احد غازات الاحتباس الحراري وهو اكسيد النيتروز الذي يعرف باسم الغاز الضاحك.

ويقول ارموند كوهين المدير التنفيذي لمنظمة لا تسعى للربح تعرف باسم (كلين اير تاسك فورس) ان مشروع القانون في ولاية ماساتشوستس سيضر بالمناج اكثر مما سيفيده.

وذكرت مؤسسة ناشيونال اويل هيت ريسيرش الايانس في فرجينيا ان هناك 175 شركة في الولايات المتحدة توزع مزيجا يعرف بوقود التدفئة الحيوي رغم ان تكلفته تزيد على سعر وقود التدفئة العادي بحوالي عشرة الى 20 سنتا لكل جالون.وبالنسبة لموزعي الوقود مثل وارين فان الوقود الحيوي ليس مشروعا مربحا حتى الان بسبب مشكلة النقل.

وتقول "اذا توافر الوقود الحيوي في مكان قريب من هنا فسيكون ارخص ولكن علينا ان نشتريه من الغرب الاوسط وننقله عن طرق السكك الحديدية الى هنا مما يرفع من التكلفة التي نتحملها."

ولكن وارين تمكنت من السيطرة على التكلفة وتبيع وقود التدفئة ممزوجا بوقود حيوي بنسبة 20 في المئة بنفس سعر وقود التدفئة العادي.وتقول انها اداة تسويقية مهمة وتضيف "نصف الزبائن انتقلوا الينا من شركات اخرى."

نبتة جاتروفا: واقع يزرع الأمل والخوف معاً في البشرية

في جنوبي مومباي، وفي موقع كان في السابق مقرا لمصنع متفجرات، ينتج براشانت كوثاري في الوقت الحاضر الوقود الإحيائي من نبات (جاتروفا)، وهو عبارة عن شجيرة قوية انتشرت زراعتها بوتيرة سريعة للغاية على نطاق آسيا.

زراعة "جاتروفا" تتيح لكوثاري استغلال قطعة الأراضي الواسعة والقاحلة، التي تحيط بالمصنع الذي توقف عن إنتاج المتفجرات، في أعقاب الحظر الذي تم على استخدام أحد المكونات الفاعلة والنشطة، النتروجلسرين (زيت عديم اللون شديد الانفجار).

وتعتزم الهند بمفردها زراعة 33.5 مليون هكتار من نبات الجاثروفا حتى 2012. ومن الفلبين إلى بورما شرعت عدة حكومات آسيوية في وضع أهداف لا تقل طموحا عن تلك، لإنتاج محصول لم يتم تجربة الوقود المستخرج منه بالصورة المطلوبة.

ويعد تطوير إنتاج محصول "الجاتروفا" تحديا محتملا بالنسبة لبعض الدول التي أحرزت تقدما ملموسا في مجال الزراعة، وإنتاج محاصيل أخرى تستخدم في استخلاص الوقود الإحيائي، وبصفة خاصة ماليزيا التي تسهم بنسبة 57 في المائة في التجارة العالمية لزيت النخيل.

وفي الوقت الذي يعد فيه زيت النخيل المحصول الأكثر كفاءة في إنتاج الطاقة، إلا أنه الأكثر عبئا على التربة كذلك، ما جعل المجموعة البيئية (السلام الأخضر) تحذر خلال الشهر الجاري من "قنبلة بيئية" في إندونيسيا، التي يتم فيها قطع أشجار الغابات وردم المستنقعات، لفتح الطرق المؤدية إلى مزارع النخيل.

وسوف يلتئم شمل رجال الصناعة المحليين والمنظمات غير الحكومية هذا الأسبوع في كوالالمبور، للتشاور بشأن تحديد معيار التوثيق لزيت نخيل مستدام.

ونجح قطاع الوقود الإحيائي في ترسيخ أقدامه في العديد من أنحاء العالم، ولا سيما الإيثانول المستخلص من قصب السكر في البرازيل، ومن الذرة الصفراء في الولايات المتحدة.

ويأتي اهتمام آسيا في الوقت الذي تتجاوز فيه الصناعة، بشأن أفضل الوسائل المتاحة لتعزيز هذا الاتجاه ودفعه إلى الأمام. قبل شهرين أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تحذيرا شديد اللهجة من أن الدعومات الحكومية لإنتاج الوقود الإحيائي، سيؤدي إلى رفع أسعار المواد الغذائية واحتمالات تدمير البيئات الطبيعية.

إن التنوع في المناخ الآسيوي وظروف التربة يفسر وجود هذا الكم الهائل والمتنوع من المحاصيل، من زيت جوز الهند في الفلبين إلى "البورغامايا" من جنوبي الهند. والأهداف تتباين كذلك، فبالنسبة إلى دولة مثل ماليزيا التي تصدر 90 المائة من إنتاجها من زيت النخيل، فإن انتعاش الوقود الإحيائي على نطاق العالم، يمكن أن يجلب منجم ثراء من التصدير

أما بالنسبة إلى الهند التي تغطي فيها الواردات 73 في المائة من احتياجاتها النفطية، فإن تطوير الوقود الإحيائي المحلي يعد جزءا من مساعي الحكومة الرامية إلى تحقيق آمن للطاقة.

وفي الوقت ذاته، فإن الطلب العالمي على الوقود الإحيائي بات يدفع بعض الحكومات، إلى تصرف جديد للموازنة بين تطبيقات الوقود والاستخدام التقليدي والضروري، المتعلق بالمواد الغذائية لمثل هذه المحاصيل الزراعية. ربما وجدت إندونيسيا أكبر منتج لزيت النخيل في العالم نفسها في أكبر مأزق، فالأسعار العالية تعد نعمة بالنسبة إلى المصدرين، ولكنها في الوقت ذاته أشعلت نيران الاحتياجات والاحتجاجات المحلية، حول التكلفة العالية لزيت الطبخ.

وتجاوبت الحكومة عن طريق فرض ضريبة صادرة تصاعدية على المنتج، مع إلغاء القيمة المضافة من المبيعات المحلية ودعم المخزونات لصالح الفئات الفقيرة من السكان.

ويقر المسؤولون أن هذه الإجراءات غير كافية على المدى الطويل، ومن ثم تعهدوا باتخاذ سياسية أكثر مصداقية في العام الجديد.

شجرة برية..هل تحمل الترياق لفقراء الريف الهندي؟

البونجاميا أو شجرة الزان الهندية هي من الأشجار المألوفة في الهند، وتنمو لوحدها على جوانب الطرق وفي الغابات هناك. ومنذ سنوات طويلة يستخدم الهنود الزيت الذي يستخرج من ثمارها الكبيرة المستطيلة الشكل، كوقود لمصابيحهم وللطبخ.

لكن في ولايتي أندرا براديش وكارناتاكا اللتين تقعان في جنوب الهند، هناك مطالبة بزرع هذه الشجرة على نطاق أوسع، علها تكون مصدراً من مصادر الوقود الحيوي. وتخطط حكومة ولاية أندرا براديش لزرع 10.000 هكتار بهذه الشجرة، وربط أعمال جمع وزراعة أشتال هذه الشجرة ببرنامج إيجاد الوظائف في الولاية.

ومثلها مثل شجرة الجاتروفا، وهو محصول آخر من محاصيل الوقود الأحيائي، يمكن أن تزرع شجرة الزان الهندية وتعيش على القليل من الماء في الأرض غير المزروعة. وتقول إدارة الموارد الأرضية في الهند إنه يوجد في البلد 158 مليون هكتار من الأرض البور، التي يمكن استغلالها في زراعة محاصيل المحروقات الحيوية.

ولا تحتاج شجرة الزان إلى كثير من السماد لأنها من النباتات المثبتة للنيتروجين، وفقاً لما يقوله المعهد الدولي لأبحاث المحاصيل في المناطق الاستوائية شبه القاحلة، الذي يجري أبحاثا زراعية ويوجه المشاريع في الهند.

يمكن أن تعطي بذور شجرتي الزان والجاتروفا غير الصالحة للأكل 30 في المائة من النفط، الذي يمكن استخدامه لتشغيل المعدات والمحركات الخاصة بالمزارع، أو يمكن تكريره لإنتاج الديزل الحيوي الخاص بالسيارات. وتنتج كل أربعة كيلوجرامات من بذور شجرة الزان لتراً من النفط.

ويمكن لزراعة هذه الأشجار أن تصبح مصدراً من مصادر الدخل بالنسبة لفقراء الأرياف، دون التأثير على الأرض الزراعية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8 كانون الاول/2007 - 27/ذوالقعدة/1428