شبكة النبأ: يعد الوشم
من الثقافة الريفية العراقية لكن تلك الثقافة تعرضت في سنى اختلاط
الريف بالمدينة الى تغيرات جذرية مما افقدها الالتزام والاستمرارية
شانها شان العادات الاخرى المتغيرة باطراد اما الوشم في نطاق سكان
المدن فكان على قلته فانه محدود في فئة قليلة وخصوصا بين الفتوّات وممن
يزدريهم المجتمع المدني.
ففي الريف عندما يصار الى زفة العروس فان اول الاجراءات التي تقوم
بها ان تُعرض امام الحافوفة التي تتولى فيما تتولاه وشم العروس ان لم
تكن موشومة سابقا باعتبار ذلك من الضروريات قبل ان تزف كعروس لاستقبال
حياتها الجديدة.
والشباب الموشومون اليوم فانهم يعانون من ندمهم لما يشكله الوشم على
اجسادهم من حرج ويفقدهم لكثير من الفرص العملية.
فبضعة خطوط خضراء، او صورة لعقرب او ثعبان، وربما صورة لفتاة غائبة
الملامح، قد تكون سببا في فقدان فرصة عمل يبحث عنها شاب في مقتبل
العمر، أو وسيلة يتعرف بها أب على جثة ابنه المفقود في شوارع بغداد،
وربما ايضا، مبررا لأن يحصل شخص ما على لقب يظل يلاحقه حتى اخر العمر (مشبوه).
الوشم، أو ما يسمى بالـ(تاتو)، هو الظاهرة القديمة - الجديدة التي
انتشرت بشكل ملفت في أوساط الشباب، وكأن الاشكال التي تطرز اجسادهم هي
نماذج للوحات تشكيلية تلتصق بهم لتمنحهم بطاقة تعريف من نوع خاص، وفيما
يرى بعض الشباب ان الوشم هو مجرد موضة ليس ضروريا ان يشعر بالحرج منها،
يعبر اخرون عن ندمهم على تلك (النزوة) التي كلفتهم الكثير فيما بعد،
لان محاولات ازالة الوشم لا يجدي معها غير ماء النار، كحل اخير للتخلص
مما يسببه الوشم من مشاكل اجتماعية.
تقول امرأة في عقدها السابع، رسمت على جبينها خطوط خضراء محاطة
بدوائر صغيرة، ان هذا الوشم التصق بجبينها منذ اصيبت في صغرها بداء
الشقيقة الذي لم يكن له علاج سوى الوشم، فحصلت على هذا الوشم الذي
التصق بها طوال حياتها من عرافة القرية، وتضيف: نحن نعرف ان الوشم حرام
في الشرع الإسلامي، ولكننا كنا جهلاء، واحيانا كانت معنا بنات لم
يكنَّ مريضات، ولكن كان الوشم يعجبهن فكنَّ يتحايلن على أهاليهن للذهاب
إلى العرافة. بحسب تقرير لرويترز.
في وقت ما، كان الناس يتحدثون بحنق عن هذه الظاهرة باعتبارها حكرا
على لأشقياء ونزلاء السجون من المجرمين والهاربين من الخدمة العسكرية،
إلا أن أبو علي، الرجل الستيني، يرى الآن عكس ذلك تماما، فهو يعتبر
الوشم اليوم ضرورة من ضرورات المرحلة لان الوشم يدل على صاحبه، ويضيف
أخبرت أبنائي جميعهم بفكرتي هذه خشية أن لا اتعرف عليهم اذا ما اختطفوا
من قبل الجماعات الإرهابية.
ويتابع أبو علي قبل أيام تعرف صديق لي على جثة ولده المخطوف قبل
تسعة أشهر من خلال الوشم المرسوم على احد فخذيه فما الذي يضمن لي أن
أتعرف على جثث اولادي وجماعات الارهاب تبتكر طرقا جديدة في القتل كل
يوم، وكأن أسباب الله الاعتيادية لا تكفيهم فاستحدثوا ميتة (الدريل)
وميتة الغرق مع تشويه الوجه أو الحرق حيا.
يقول الوشّام داود الربيعي (نسبة إلى المنطقة التي يعمل فيها وهي
شارع الربيعي): الوشم ظاهرة قديمة تمتد لالاف السنين، استخدمها
البابليون والمصريون القدماء والصينيون وغيرهم من الأقوام القديمة،
ولكل قوم من هذه الأقوام أغراض محددة للوشم، فمنهم من استخدمها للعلاج
الطبي، ومنهم من استخدمها كواحدة من طرق الزينة كالوشم على الحاجبين أو
في منتصف الشفة السفلى نزولا إلى الذقن وغيرها من الأماكن في جسد
الإنسان.
وربما لم يكن داود الوشّام يعلم أن هذه الظاهرة استخدمت عند الأقوام
الوثنية كتعويذة ضد الموت أو الطاعون، وأحيانا أخرى ضد الروح الشريرة
التي تحوم حول الأماكن التي يسكنها قوم من الناس وتحاول أن تثير القلق
والذعر كما عند الهنود الحمر في أمريكا.
ويمضي داوود بالحديث: الوشم هو رسم معين يحبه الشاب فيحاول أن
يرسمه على يده أو على ساقه للأبد وهذا ما يجعله يقصد هذا (الوشام) أو
ذاك، ويضيف: كنت مهاجرا غير شرعي أيام النظام السابق، ذهبت إلى بيروت
لاستقر بها وهناك تعلمت من صالونات الحلاقة التي عملت بها لقاء اجر
زهيد هذه المهنة التي صارت تدر علي ارباحا غير متوقعة، ووصلت أسعار
الوشم هنا في بغداد إلى أضعاف سعره في بيروت.
يتلخص عمل داوود الوشام بطبع صور معينة بعد ان يحدد مكانها على
الجسد، ثم يقوم بزرق الألوان داخل بشرة الجسم عن طريق إبرة مثبتة إلى
غلاف خارجي لقلم جاف عادي، مربوط في نهايته محرك صغير يدفع الإبرة
حالما يتصل قطبي المحرك ببطارية صغيرة، وبهذه الطريقة تدفع الإبرة
الحبر إلى المكانات المحددة داخل الجلد، راسمة الشكل الذي يريده
الزبون.
يقول داوود: هذه العملية تتطلب دقة متناهية وتستغرق من ساعة إلى
ساعتين تقريبا حسب مهارة الواشم، ولا يجب ان يفعلها أي شخص لا يمتلك
جرأة وخبرة كافيتين لذلك.
علي حاتم شاب في الثلاثين من عمره، كان واقفا بالقرب من داود
الوشّام، قال: أرى الشباب يقبلون على هذه الظاهرة، فأقبلت عليها مثلهم
،ولذلك لا أرى حرجا من أن يرى الناس ذراعي وهو موشوم بهذا التنين الذي
تراه، مشيرا الى ساعده الأيمن، ويضيف، علي هناك أنواع كثيرة من الرسوم
التي وجدتها عند الوشام، معظمها زخرفات نباتية لا تليق بالرجال، ولذلك
فضلت هذا الوشم لأنه يعبر عن القوة التي يجب ان يمتلكها الذكر وليس
الأنثى، بينما الوشم الذي يشبه الوردة، فهو من اختصاص النساء.
يتحسر وهو يقول الوشم ما هو إلا تقليد أعمى أستوردناه من الغرب
حاله حال أية تقليعات غريبة أخرى أصابت الشباب من الجنسين، خاصة
المصابين بأمية ثقافية ودينية، واللاهثين وراء التقاليع والموضة في
غياب الرقابة الاجتماعية، هكذا كانت حال عمار مجيد، الشاب الثلاثيني
الذي حاول ان يتقمص دور الشاب الشرقي الذي صحا من غيبوبته ووجد أثراً
ما في جسمه، وحاول أن يتخلص من هذا الأثر دون طائل.
ويضيف عمار لم يكن علي أن أصغي إلى مجموعة الأصدقاء التي كانت تحيط
بي أيام المراهقة، إلا إنني لم أجد أمامي غير ذلك وسط عدم اكتراث الأهل
بي واعتباري دائما صغيرا في نظرهم، مما دفعني إلى أن أتعلم كيف أدخن
السيكارة، وبعد أن كبرت قليلا وجدت (الشلة) قد عملوا لكل واحد منهم
وشما معينا تيمنا بالصداقة الدائمة التي لا تنتهي، ويا ليتني لم افعل
ذلك.
وتابع عمار كان بامكاني أن أتعين في الحرس الوطني أو الشرطة
العراقية منذ زمن، لكنني كنت اصطدم دائما بهذا الوشم الذي تراه على
كتفي وعلى ساقي، فما ان تراه اللجنة المختصة بالفحص الطبي للمتقدمين
حتى تخرجني من دائرة التنافس دون اي اختبار، فقد يكون الوشم كافيا
لفشلك في الاختبار، مضيفا لا بد لي أن اكتشف طريقة جديدة غير مؤذية
وأمينة طبيا لإزالة هذه الوشومات التي شوهت أجسادنا وحطمت مستقبلنا.
لعلماء الدين موقف من الوشم ، فالشيخ محمد عبد الله الشمري إمام
وخطيب جامع الحرية الأولى، يقول ان موضع الوشم سواء عند الرجل أم
المرأة يعتبر نجسا لان الدم محبوس فيه، وذهبت بعض المذاهب إلى وجوب
إزالته، لأن الصلاة لا تصحّ من حامل النجاسة، ولكنهم يقولون إن لم يمكن
بالإمكان إزالته إلا بعملية جراحية، وخيف التلف في ذلك، فلا تجب عليه
الإزالة وتكفي التوبة وتصح صلاته.
ويضيف الشيخ عبد الله، مع الأسف إن الإحصائيات تؤكد على أن 5% إلى
9% من النصارى والمسلمين يقومون بعمليات وشم رغم تحريم الديانتين له،
فإن كان الإسلام لعن فاعليه فإن النصرانية حرمته أيضاً باعتباره من
العادات الوثنية.
الدكتور ثامر الموسوي، اختصاصي الأمراض الجلدية، يقول ان الوشم
يقسم علميا إلى ثلاثة أصناف، إما وشم بسبب الحوادث أو الجروح وإما وشم
الهواة، او وشم المحترفين، ويشرح الموسوي أنواع الوشم فيقول يحدث النوع
الأول عادة بسبب تلوث الإصابة بالأتربة أو الشوائب الصلبة التي تترك
بقعاً ملونة في مكان الإصابة، والنوع الثاني يكون عادة عميقاً وغير
منتظم، لان الذي يقوم به في الغالب شخص غير متقن لعملية الوشم، اما
النوع الاخير فيكون نتيجة لعمل فنان محترف في رسم الوشم.
وعن إمكانية إزالة الوشم يقول الموسوي في كل الحالات التي مرت يتطلب
إزالة الخلايا المتضررة نفسها، وهناك طرق مختلفة، إما أن يتم استئصال
أو قطع الجلد في منطقة الوشم، وإما ان تقشر البشرة في مكان الوشم
تماماً لإزالة الوشم وبخاصة إذا كان الوشم سطحياً مثل وشم الجروح
والحوادث وأحياناً الوشم الاحترافي، ويؤخذ على هذه الطريقة احتمال
ابيضاض المنطقة المعالجة بشكل دائم، والطريقة الثالثة هي باستخدام أشعة
الليزر.
لكن الموسوي يؤكد على أن كل الطرق لا تنفع في إزالة الوشم تماما
لأنها تترك أثراً ما على الجلد يدل على وجود وشم سابق، ويحدثنا
الدكتور الموسوي عن تقرير فاجأنا بتفاصيله قائلا ..قبل عدة أيام قرأت
تقريرا أمريكيا يتحدث عن مجموعة من العلماء الأمريكيين في جامعتي
(تكساس آي أند أم) و(بين ستيت) في الولايات المتحدة، طوروا وشماً
معينا يبين لمرضى السكري مستوى الجلوكوز في الدم، وينبههم إذا هبط إلى
مستويات خطيرة، ويضيف الدكتور الموسوي: ذكر التقرير أن هذا الوشم سوف
يساعد مرضى السكري على تجنب طريقة فحص الدم المتبعة حالياً التي تتضمن
وخز الإصبع بشكل منتظم، ويتكون الوشم من حبات من (جلوكول بوليثيلين)
المغطاة بجزيئات فسفورية، ويمكن قياس مستوى الجزيئات الفسفورية
باستخدام جهاز شبيه بالساعة تسمح لمستخدميه قراءة مستوى الجلوكوز في
أجسامهم. |