شبكة النبأ: تتلون اساليب الفساد
وتمتد في البيئات المختلفة كالبيئة الاقتصادية بشكل عام وفي قطاع
السياسة والخدمات وادارة الدولة وخارج هذه الادارة وتشكل عدوى مدمرة
للمجتمع الذي تعوم على بحره، ويمكن ان ترى تنوعات الفساد في القطاعات
بسهولة ووضوح.
** الفساد سياسي
يعرف الفساد السياسي بمعناه الأوسع بانه إساءة استخدام السلطة
العامة (الحكومية) لأهداف غير مشروعة وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب
شخصية، كل أنواع الأنظمة السياسية معرضة للفساد السياسي التي تتنوع
أشكاله إلا أن اكثرها شيوعاً هي المحسوبية والرشوة والابتزاز وممارسة
النفوذ والاحتيال ومحاباة الأقارب. ورغم أن الفساد السياسي يسهل
النشاطات الإجرامية من قبيل الاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة
إلا أنه لا يقتصر على هذه النشاطات ولا يدعم أو يحمي بالضرورة الجرائم
الأخرى.
تختلف ماهية الفساد السياسي من بلد لآخر ومن سلطة قضائية لأخرى،
فإجراءات التمويل السياسي التي تعد قانونية في بلد معين قد تعتبر غير
قانونية في بلد آخر. وقد تكون لقوات الشرطة والمدعون العامون في بعض
البلدان صلاحيات واسعة في توجيه الاتهامات وهو ما يجعل من الصعب حينها
وضع حد فاصل بين ممارسة الصلاحيات و الفساد كما هو الحال في قضايا
التصنيف العنصري، وقد تتحول الممارسات التي تعد فساداً سياسياً في بعض
البلدان الأخرى في البلدان إلى ممارسات مشروعة وقانونية في البلدان
التي توجد فيها جماعات مصالح قوية تلبية لرغبة هذه الجماعات الرسمية.
**تأثيرات الفساد السياسي
يمثل الفساد تحدياً خطيراً في وجه التنمية، فهو على الصعيد السياسي
يقوض الديمقراطية والحكومة الجيدة بتعويم أو حتى تغيير مسار العملية
الرسمية، أما الفساد في الانتخابات والهيئات التشريعية فيقلل من
المساءلة ويشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي. أما
الفساد القضائي فإنه يعرض سيادة القانون للخطر والفساد في الإدارة
العامة ينجم عنه التوزيع غير العادل للخدمات.
أي بمعنى أوسع ينخر الفساد في القدرة المؤسساتية للحكومة لأنه يؤدي
إلى إهمال إجراءاتها و إستنزاف مصادرها، فبسببه أي الفساد تباع المناصب
الرسمية و تشترى، كما و يؤدي الفساد إلى تقويض شرعية الحكومية و
بالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع كالثقة و التسامح.
**التأثيرات الاقتصادية
يؤدي الفساد كذلك إلى تقويض التنمية الإقتصادية لتسببه في حدوث
تشوهات و حالات عجز ضخمة، ويؤدي إنتشار الفساد في القطاع الخاص إلى
زيادة كلفة العمل التجاري من خلال زيادة سعر المدفوعات غير المشروعة
نفسها و كذلك لإزدياد النفقات الإدارية الناجمة عن التفاوض مع
المسؤولين و مخاطر إنتهات الإتفاقيات أو الإنكشاف، ورغم ان البعض يدّعي
بان الفساد يقلل من النفقات الإدارية عن طريق تجاوز الروتين الإداري،
إلا ان وجود الرشوة يمكن كذلك ان يدفع المسؤولين لإستحداث تعليمات
وحالات تأخير جديدة في إنجاز المعاملات. ومع إسهامه في زيادة تضخم
النفقات التجارية فإن الفساد يشوه الملعب التجاري إذ يحمي الشركات ذات
المعارف في الحكومة من المنافسة ما يعني بالنتيجة إستمرار وجود شركات
غير كفوءة.
وعلاوة على ذلك يولد الفساد تشوهات إقتصادية في القطاع العام عن
طريق تحويل إستثمار المال العام إلى مشروعات رأسمالية تكثر فيها الرشى،
ويلجأ المسؤولون إلى حيلة زيادة التعقيدات الفنية لمشاريع القطاع العام
لإخفاء أو لتمهيد الطريق لهذه التعاملات غير المشروعة، ما يؤدي
بالنتيجة إلى زيادة تشويه إستثمار المال العام، ويؤدي الفساد كذلك إلى
خفض معدلات الإلتزام بضوابط البناء و المحافظة على البيئة و الضوابط
الأخرى و إلى تردي نوعية الخدمات الحكومية و زيادة الضغوط على ميزانية
الحكومة، يقول خبراء الإقتصاد بأن أحد أسباب إختلاف معدلات التنمية
الإقتصادية بين أفريقيا و آسيا يعود إلى أن الفساد في أفريقيا قد إتخذ
شكل إشتقاق الإيجارات الذي ينجم عنه تحريك رأس المال إلى الخارج بدلاً
من إستثماره في الداخل (وهو النمط التقليدي و المحبط الذي نشهده في
قيام الحكام الدكتاتوريين الأفارقة بإنشاء حسابات مصرفية لهم في بنوك
سويسرا).
أما الإدارات الفاسدة في آسيا من قبيل إدارة سوهارتو فغالباً ما
إتخذت هيئة الحصول على حصة في كل شيء (طلب الرشى)، إلا أنها تمكنت
بخلاف ذلك من توفير جميع شروط التنمية عن طريق الإستثمار في مشاريع
البنية التحتية ودعم سيادة القانون و ما إلى ذلك.
ويقدر الباحثون في جامعة ماساشوسيتس ان تهريب رؤوس الأموال من 30
دولة أفريقية للفترة بين 1970 و 1996 قد بلغ 187 مليار دولار وهو ما
يفوق مديونيات هذه الدول مجتمعة، و هو ما ينجم عنه تخلف أو تنمية
منقوصة وهو ما أطره الإقتصادي مانكور اولسون في نظرية وضعها لذلك)،
وأحد العوامل التي تقف خلف هذا السلوك في حالة أفريقيا كان عدم
الإستقرار السياسي وحقيقة أن الحكومات الجديدة عادة ما تصادر أرصدة
الحكومات السابقة التي حصلت عليها عن طريق الفساد، وهذا ما شجع
المسؤولين على تخزين ثرواتهم خارج البلاد لكيلا تطالها قرارات المصادرة
الحكومية في المستقبل.
**الرشوة
لحدوث الرشوة يحتاج الأمر لطرفين: الذي يعطي الرشوة و الذي يأخذها،
وقد تمتد ثقافة الفساد في بعض البلدان لتشمل كل نواحي الحياة، ما يجعل
من الصعب الحفاظ على أي تجارة من دون اللجوء إلى الرشى.
**الابتزاز
هو قيام المسؤول السياسي شخصياً بالإستفادة من الأموال العامة بطرق
غير قانونية. ويمكن مقارنة الإبتزاز بالإتجار بالمنصب، لقد إدعى جورج
واشنطن بلنكيت ممثل نيويورك في مجلس الشيوخ إدعاءه الشهير بأن هناك
إختلافاً بين الإبتزاز الشريف و الإبتزاز غير الشريف، فالمثال التقليدي
للإبتزاز يتمثل في إستغلال امسؤول لمعرفتة بالقرارات المتعلقة بمسح
الأراضي في شراء الأراضي التي يعرف بان منظمته السياسية مهتمة
بإستغلالها و من ثم بيعها وتحقيق أرباح كبيرة لتلك المنظمة، أما
الهدايا الكبيرة المقدمة من أحد الاحزاب المشتركة في الحكومة فتصنف هي
الأخرى على أنها إبتزاز و معظم الدول لها قوانين تحظر هذا العمل، (ففي
الولايات المتحدة على سبيل المثال كل هدية تتعدى قيمتها 200 دولار نقدم
إلى رئيس البلاد تعتبر هدية مقدمة إلى مكتب الرئاسة و ليس إلى شخص
الرئيس. و يمكن للرئيس المنتهية ولايتة أن يشتريها إذا ما أراد
الإحتفاظ بها).
**المساهمات في الحملات الإنتخابية
والأموال المشبوهة
قد يصعب إثبات الفساد في الميدان السياسي و لكن يستحيل كذلك نفي
وجوده، ولهذا نشهد في كثير من الأحيان بعض السياسيين من الذين تدور حول
شائعات الفساد، من الواضح بأن الساسة و بسبب من حاجتهم إلى حشد الدعم
المالي لحملاتهم الإنتخابية في يكونون في موقف معرض للخطر، وهم كما
يتضح يظهرون بعد حصولهم على الدعم من طرف ما و كأنهم يعملون لصالح
الطرف الذي قام بتمويل حملاتهم، وهو ما يفتح المجال للحديث عن فسادهم
السياسي، ومؤيدو الساسة يؤكدون بان ذلك التشابه في توجهاتهم مع الساسة
لا يعدو كونه من نتاج الصدفة، أما المتهكمون فيتساءلون عما يدفع هذه
الأطراف أصلاً لأن تمول السياسيين إذا لم تحصل على شيء مقابل ما تنفقه
عليهم من أموال، العديد من الشركات في الولايات المتحدة وخاصة الكبرى
منها تمول كلا الحزبين الديمقراطي و الجمهوري.
وبسبب من تبعات تمويل الشركات للسياسيين من قبيل مفهوم الخطر الكامن
في أن تلك الشركات إنما تشتري باموالها أصوات المسؤولين المنتخبين، فقد
لجأت بعض البلدان كفرنسا مثلاً إلى حظر قيام الشركات بتمويل الاحزاب
السياسية جملة و تفصيلاً، وكذلك بسب الإلتفاف المحتمل على هذا الحظر
القانوني على تمويل الحملات السياسية، تفرض فرنسا سقفاً محدداً كحد
أقصى للإنفاق على الحملات الإنتخابية، لذا فإن المرشحين الذين يتجاوزون
سقف الإنفاق هذا سيخاطرون بإعتبار حملتهم غير قانونية او بالتعرض للمنع
من الإشتراك في الإنتخابات المستقبلية، وعلاوة على ذلك تقوم الحكومة
بتمويل الأحزاب السياسية تبعاً لنجاحات تلك الأحزاب في الإنتخابات، وفي
بعض البلدان تدار الأحزاب السياسية بالإعتماد على إشتراكات الأعضاء فقط
(رسوم العضوية في الحزب).
ينتقد البعض حتى هذه الإجراءات القانونية ويقولون بأنها تقنن الفساد
لكونها تفضل الإبقاء على الوضع السياسي الراهن، فالأحزاب الصغيرة و
المستقلون غالباً ما يقولون بأن الجهود المبذولة لتحجيم نفوذ المساهمين
بالأموال لا تفيد سوى في حماية الأحزاب الكبيرة عن طريق ضمان تمويل
حملاتها من الأموال العامة، في الوقت الذي تحد فيه من إحتمالات التمويل
الخاص من أطراف خارج الحزب للأحزاب الصغيرة، وفي تلك الحالات ياخذ
المسؤولون الأموال من الخزينة العامة لإنفاقها على حملاتهم الإنتخابية
ليضمنوا لانفسهم إستمرار الإحتفاظ بمناصبهم ونفوذهم و رواتبهم المجزية.
**معايير قياس الفساد
إن قياس الفساد بلغة الإحصاءات ليس أمراً سهلاً طالما ان المشتركين
فيه ليسوا متعاونين في هذا الصدد. وتقدم المنظمة العالمية للشفافية وهي
منظمة رائدة في مجال محاربة الفساد ثلاثة معايير تقوم بتحديثها سنوياً
لقياس الفساد وهي:
مؤشر إدراك الفساد (القائم على آراء الخبراء حول أحوال البلدان
الفاسدة)، و البارومتر العالمي للفساد (القائم على إستطلاعات مواقف
الرأي العام و خبرتهم مع الفساد، و إستطلاع دافعي الرشى الذي يبحث في
إستعداد الشركات الأجنبية لدفع الرشى، كما تقوم المنظمة العالمية
للشفافية بنشر تقرير دولي حول الفساد على موقعها.
تقوم المنظمة العالمية لمراقبة الفساد بإجراء إستطلاعات لإدراك وجود
الفساد بين أونة وأخرى.
وبحسب آخر إستطلاع للمنظمة أجرتة في عام 2005 فإن أقل 10 دول فساداً
في العالم هي (حسب الترتيب الأبجدي باللغة الإنجليزية):أستراليا،
النمسا، الدنمارك، فنلندا، آيسلنده، نيوزلنده، النرويج، سنغافورة،
السويد و سويسرا. وبحسب الإستطلاع المذكور فإن أكثر 9 دول فساداً (حسب
الترتيب الأبجدي) هي: أنغولا، بنغلاديش، تركمانستان، تشاد، ساحل العاج،
غينيا الإستوائية، نيجيريا، هايتي.
ولكن نتائج ذلك الاستطلاع قد تكون موضع جدل لأنها تقوم على الإدراك
الموضوعي، فتوفر التكنولوجيا المتطورة في الدول التي يعدها جمهور الرأي
العام "الأقل فساداً" قد يساعدها على إخفاء الفساد عن أعين شعبها أو
على جعل ممارسات الفساد تبدو شرعية.، وبحسب إستطلاع الإدراك تعد ولايات
مسيسيبي و داكوتا الشمالية و لويزيانا من أكثر الولايات المتحدة
فساداً. بينما تعتبر ولايات هامبشاير و أوريغون و نبراسكا أقلها
فساداً، وتأتي أكبر ولايتين وهما كاليفورنيا و تكساس في الوسط، إذ تأتي
كاليفورنيا بالمرتبة 25 و تكساس بالمرتبة 29 في القائمة التي تصنف
الولايات أكثر الولايات فساداً.
الفساد: نظرة مغايرة
يتم تصوير الفساد دائما كسرطان قاتل للاقتصاد، ويتفنن السياسيون
خصوصا ان كانوا من المعارضة ومحسوبين على الاقتصاد في شتمه وتخويف
الناس من آثاره الكارثية على البلاد والعباد، وتكاد تسرى هذه المقولات
على كل بلدان العالم الثالث ،وتلتقط القفاز منظمات دولية واخرى محلية
شغلها الشاغل مكافحة الفساد وتحقيق الشفافية ولكن·
ما هو الفساد؟ هل الفساد والسرقة متلازمان هل الفساد ضار حقا؟ لماذا
تسعى الدول الغنية لمكافحة الفساد خارج حدودها؟ هل حقا اولئك الناس
راغبون في المساعدة؟.
الاجابة على الاسئلة السابقة ليست سهلة كما يظن البعض، بل هي غاية
في التعقيد، فالفساد هو استغلال صلة ما للحصول على منافع مادية، اي ان
يكون صهرك مديرا للبلدية، وتتحصل على عقد توريد اعمدة انارة الشوارع
برغم عدم حصول مناقصة حول العقد او بحصول مناقصة مشبوهة· او ان تدفع
لموظف للحصول على العقد، هذه الصلة تسمى فسادا· نوع آخر من الفساد هو
ان تتحالف شركتان او أكثر بغرض ترسية المناقصة على احداهما، مقابل ضمان
الشركة الاخرى لمناقصة مختلفة·
الملاحظ ان ما ذكر اعلاه ليس عملية سرقة، فمثلا ان تسرق مخازن
الشركة التي تعمل بها فهو اختلاس وليس فسادا، ان تلعب في مواصفات اعمدة
الانارة السابقة هو غش تجاري وليس فسادا، هذا الامر يجب ان يكون واضحا
للقارئ قبل المتابعة، لأن البعض يميل لوصف كل الجرائم المتعلقة بالمال
بوصمة الفساد، وهذا غير صحيح·
والفساد ليس ضارا باطلاق وليس نافعا باطلاق، وانما تكون هناك اوقات
يكون الفساد فيها نافعاً للمجتمع بل ضروري، واوقات اخرى يكون فيها
ضارا، بحسب رأي الكاتب طارق هاشم اي ان الامر مرتبط بتطور المجتمع
الاقتصادي، وبمدى رغبته في المحافظة على هياكله الاقتصادية القائمة او
تعديلها· ولشرح ما سبق نقول إن المجتمع اذا قام على الشفافية الكاملة
وهي نقيض الفساد، فإنه لن يستطيع المنافسة في مجالات اقتصادية غير
تقليدية بالنسبة له· ولنأخذ مثلا صناعة السيارات اذا قام مصنع للسيارات
في بلد فقير، فإنه سيسعى للحصول على عقود حكومية لشراء سياراته طبعا
بدون مناقصة، لانه لن يقدر على منافسة سيارات تويوتا او فورد مثلا في
عقد غير فاسد، النتيجة ان هذا المصنع يستطيع الاستمرار في الوجود بسبب
ما يمكن تسميته بحاضنة الفساد، وبعد عدة عقود من هذا النوع سيستطيع
تطوير انتاجه للدرجة التي تسمح له بالقدرة على المنافسة في مناقصة
كاملة الشفافية، او على الاقل خلق طلب محلي معقول يسمح له بالاستمرار
في السوق دون حاضنته· هنا يقوم الفساد بدور تهيئة المؤسسات الجديدة
التي تكون ضعيفة عادة، للتنافس في العالم الفعلي، دون تلقي صدمات
مباشرة قد تقضي عليها· نموذج آخر هو وجود حاجة ضيقة، ولنفرض ان الدولة
تريد شراء مواسير لنقل المياه بقيمة مليون ونصف من الدولارات، ولا توجد
لدينا مصانع لانتاج هذا الصنف، فالحل يكمن في الشراء من الخارج، لانه
لا يوجد شخص يفكر في عمل مصنع لانتاج هذه المواسير وهو غير متأكد من
الحصول على الصفقة، هنا يأتي دور الفساد، فمع ضمان حصول رجل الاعمال
على الصفقة، فإنه سيكون سعيدا بإنشاء مصنع المواسير في بلده وتشغيل
المئات من العاطلين، ويكون هذا الفساد مفيدا جدا، لانه حتى وان لم يوفر
على الدولة اموالا ودفعت نفس سعر المستورد، فإنها تكون وطنت صناعة
مهمة، وقامت بتشغيل العاطلين، ووفرت النقد الاجنبي، اذن هنا مرحبا
بالفساد·
أيضا يقوم الفساد بالقضاء على المنافسة الضارة، وبالعودة للمثال
السابق لنفرض ان مصنع المواسير يكلف مليون دولار، وان هناك شخصين
يتنافسان يبني كل واحد منهما مصنعا، مما يعني دفع مبلغ مليوني دولار في
سبيل التنافس للحصول على عقد بمليون ونصف، مما يعني خسارة اجمالية
للاقتصاد الوطني بمقدار نصف مليون دولار، هذه الخسارة لا يمكن ان تحدث
في ظل الفساد، لان احد المتنافسين سيخلي السوق للآخر مقابل مناقصة
قادمة· مما سبق يتضح ان الفساد يعمل كمحفز للنمو الاقتصادي في الدول
المتخلفة من الناحية الاقتصادية· ولكن في احيان يكون الفساد هو الطريق
الوحيد للنمو كيف؟ في البلدان الاشتراكية او ذات التخطيط المركزي مثل
معظم بلداننا، فإن يد الدولة الثقيلة قامت بافقار الجميع تقريبا على
مدى سنوات من التدمير المنظم لطبقة رجال الاعمال وكبار ملاك الاراضي
وغيرهم من اصحاب المبادرة، مما جعل وجود اية اسس للاقراض البنكي غير ذي
معنى، فالجميع فقراء والجميع لم يسبق لهم إدارة اعمال خاصة بهم، هنا
يأتي دور الفساد، فمدير البنك سيكون راغبا في منح القروض لاولئك الذين
يمتلكون الصلات التي تضمن ارجاع القروض· وبدون الفساد فإن القطاع
المصرفي الضعيف اصلا في الدولة المتحولة حديثا لاقتصاد السوق سينهار،
لانه ببساطة في ظل وضع لا توجد فيه المعلومة بالنسبة لمانح القرض حول
متلقي القروض، لا يستطيع اي بنك العمل·
لذا نجد الفساد ملازما دائما لطفرات النمو الاقتصادي- الولايات
المتحدة في فترة ما بعد الحرب الاهلية عرف فيها مصطلح بارونات السرقة·
ويمكن ذكر امثلة كثيرة لدرجة غير قابلة للتصديق، تقريبا كل القوى
الاقتصادية عرفت مراحل نمو قوية جدا مصحوبة بفساد رهيب· وقد يحاول
البعض ايهامنا بأن الفساد هو عرض غير مستحب للنمو الاقتصادي· ولكن
الحقيقة هي أن الفساد هو قلب النمو الاقتصادي الفاعل، واداته المثلى
للخروج من الفقر والتخلف·
ولكن ما مصلحة البلدان الغنية في مكافحة الفساد خارج أراضيها؟ هذا
السؤال اصبحت الاجابة عليه واضحة من السياق فشركة تملك ارصدة بقيمة
مليون جنيه، لن تستطيع منافسة شركة اميركية برأسمال اربعمائة مليون
دولار في اي مشروع، مهما كانت متفوقة في جوانب الابداع والتقنية
وغيرها، لذا فإن الدول الغنية تدفع قدما باتجاه تحقيق الشفافية
الكاملة.
..................................................
المصادر/
1-الحياة |