يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، يعملان
للاستفادة القصوى من لحظة الضعف التي يعانيها العرب على أكثر من مستوى
وصعيد. فالأوضاع العربية أقل ما يقال عنها إنها تسر العدو ولا تسر
الصديق. وخصوم الأمة يعملون على البناء على لحظة الضعف المستشرية في
الجسد العربي من أجل تسوية مذلة للعرب. كما أن الشعب الفلسطيني يعيش
محنة داخلية معقدة لم يألفها هذا الشعب المظلوم من قبل. فالانقسام بين
الضفة والقطاع أصبح واقعا قائما، وغياب المبادرات العربية الجادة
لإصلاح الأوضاع وإنهاء حالة الانقسام بين أهل القضية الواحدة.
ونود في هذا السياق أن نوضح وجهة نظرنا من هذه الأحداث والتطورات من
خلال النقاط التالية:
1. إن مؤتمر الخريف للسلام، الذي تسعى إليه الإدارة الأمريكية بكل
إمكانياتها، لن يقدم حلا مقبولا للعرب في المسألة الفلسطينية. وذلك
ببساطة لأن الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة الأمريكية
يعتقدان أن العرب يعيشون في حالة ضعف سياسي واستراتيجي واضحة، بحيث
تغري أعداء الأمة والعرب للحصول منهم على كل شيء دون أن يقدموا للعرب
أي شيء.
فمؤتمر أنا بوليس تريده إسرائيل كغطاء لتصفية القضية الفلسطينية،
ودفع الدول العربية الأخرى للانخراط الفعلي في مشروع التطبيع معها، دون
أن تقدم للعرب في الملف الفلسطيني أي شيء. وحتى التصريحات الأخيرة
للمسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم أولمرت رئيس وزراء إسرائيل، تم
التراجع فيها عن مبدأ الأرض بمقابل السلام. وحسنا فعل الأمير سعود
الفيصل وزير خارجية المملكة حينما طالب بوضوح أجندة المؤتمر وعدم
استثناء أي ملف ودعوة جميع الأطراف المعنية بالموضوع بما فيها سورية ..
فالعرب صحيح أنهم يعيشون في لحظة ضعف استراتيجية، ولكنهم لا يستطيعون
القبول بإنهاء القضية الفلسطينية دون أن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم
المشروعة.
2. يبدو ووفق المعطيات السياسية القائمة، أن الخطوة التي أقدمت
عليها حركة حماس في قطاع غزة، هي خطوة خاطئة ومستعجلة وأضرت بالقضية
الفلسطينية، وأدخلت الشعب الفلسطيني بأسره في محنة صعبة ومركبة في آن.
فأخطاء حركة فتح في قطاع غزة مهما كان حجمها، لا يمكن أن تعالج بسيطرة
حماس على قطاع غزة. ولقد أبانت الأحداث السياسية التي تبلورت بعد سيطرة
حماس على قطاع غزة، أن الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني يعملان بكل
إمكاناتهما لإبقاء حالة الانقسام الفلسطيني وإفشال أية مبادرة تسعى نحو
رأب الصدع في الداخل الفلسطيني.
وإننا ندعو أبناء حركة حماس لمعاودة فحص ومراجعة الخطوة التي أقدموا
عليها. مع تأكيدنا التام أن الأوضاع التي كانت قائمة في القطاع قبل
خطوة الانفصال، ليست إيجابية، وأن هناك أطرافا فلسطينية كانت تعمل
لإيصال الأوضاع إلى ما وصلت إليه. ولكننا نقول ووفق رؤية مبدئية، مهما
كانت أخطاء حركة فتح أو المحسوبين عليها في القطاع، لا تبرر القيام
بخطوة الانفصال. وإن المطلوب الإسراع في تصحيح الأوضاع وعودة الوحدة
بين الضفة والقطاع.
3. لعل من أهم جوانب الأزمة الفلسطينية الداخلية هو أوضاع حركة فتح
وطبيعة خياراتها، وكيف تنظر إلى نفسها ودورها. فيبدو من مجموع الأحداث
والتطورات الفلسطينية الأخيرة، أن هناك شريحة فتحاوية، لا يستهان بها
تنظر إلى نفسها بوصفها حركة أو حزب السلطة، وأن مهمتها تتجسد في حماية
السلطة وخياراتها القائمة، حتى لو جلبت الديمقراطية الفلسطينية قوى
سياسية أخرى لإدارة السلطة. ولعل هذا هو أحد أسباب التأزم والصدام الذي
بدأ بين حركتي فتح وحماس بعد الانتخابات التشريعية التي فازت فيها حماس
بالأكثرية. فالعقل السياسي الفتحاوي يعتقد أن السلطة الفلسطينية هي من
حقوقه السياسية، لذلك غاب التمايز بين فتح والسلطة. وهذا التماهي في
تقديرنا أضر بالطرفين. أي السلطة الفلسطينية وحركة فتح.
من هنا فإننا نعتقد أن إحدى خطوات الحل في القضية الفلسطينية، هو أن
تعمل حركة فتح لبناء مشروعها السياسي التحريري. فهي بالدرجة الأولى
حركة تحرير، ووجودها في السلطة، ليس قطيعة مع مشروع التحرير، بل هو أحد
موجباته ومتطلباته. والتنافس الحقيقي بين الحركات الفلسطينية، ينبغي أن
يتجه صوب مشروع المقاومة وتحسين أوضاع الشعب الفلسطيني وليس على وزارة
هناك أو سفارة هنا. لا زالت المهمة الأساسية للشعب الفلسطيني، هي مهمة
المقاومة والتحرير وطرد الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية
وليس شيئا آخر.
وإننا نرى أن أية أزمة تصيب حركة فتح، ستنعكس سلبا على واقع الشعب
الفلسطيني بكل مكوناته وأطيافه. وذلك لأن حركة فتح هي رائدة النضال
والمشروع الفلسطيني. من هنا فإن أي التباس في مشروع فتح، يعني التباسا
في مشروع القضية الفلسطينية. فحركة فتح هي حركة مقاومة مستديمة للمشروع
الصهيوني، وتوسلها بالوسائل السياسية والدبلوماسية للنضال، لا يلغي
جوهرها النضالي. فهي ليست حزب السلطة، بل هي حزب وحركة القضية
الفلسطينية بكل مراحلها وأطوارها. ووجود أخطاء ونقاط ضعف بنيوية في
مسيرتها الآن، لا يعالج بمواجهتها العسكرية أو العمل على إلغائها من
الخريطة الفلسطينية. لهذه فإننا ندعو قيادات فتح وكوادرها الأساسية
للعمل على إخراج فتح من هذه الأزمة، وذلك حتى تواصل مشروعها النضالي
حتى تحقيق كامل مطالب الشعب الفلسطيني.
4. من الخطأ الذي يصل إلى حد الخطيئة، هو أن تشارك السلطة
الفلسطينية في مؤتمر أنا بوليس وحالة الانقسام السياسي قائمة بين حركتي
فتح وحماس، بين الضفة والقطاع، لأن هذه المشاركة لن يجني فيها
الفلسطينيون أي شيء. والمهمة الأساسية الملقاة اليوم على عاتق الرئاسة
الفلسطينية، هي الإسراع في معالجة هذا الملف، لأنه يضر بالقضية
الفلسطينية على المستوى الاستراتيجي. فالأولوية الفلسطينية اليوم، هي
معالجة الانقسام الفلسطيني، وندعو جميع الأطراف الفلسطينية وعلى رأسها
حركتي فتح وحماس للإسراع في معالجة هذا الملف الذي يلقي بظله الأسود
على واقع كل القضية الفلسطينية. فلا مصلحة لأحد قي استمرار هذه الأزمة،
واستمرار الأطراف المعنية في مناكفة بعضهم البعض، سيضر الجميع ويدخلهم
في نفق التنازلات التي لا حد لها. فاللحظة تستدعي المعالجة وتجاوز
أخطاء الماضي وبناء الواقع السياسي الفلسطيني على أسس جديدة، لا تكرر
هذا الخطأ، ولا تسمح لأي طرف أن يتلاعب بمصالح الشعب الفلسطيني العليا
.
وعودة الجميع إلى مؤتمر المصالحة الذي عقد في مكة المكرمة برعاية
خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، هي الحل الذي
يرضي الجميع، ويخرجهم في آن من هذه الأزمة التي تضر بحاضر ومستقبل
القضية الفلسطينية. والقضية الأساسية في هذا السياق، ليس أن هذا الطرف
قد خسر من شعبيته أو علاقاته الإقليمية والدولية، وإنما القضية الأساس
هي وحدة الشعب الفلسطيني، وقدرة هذا الشعب عبر نخبته السياسية على
مواجهة تحديات المرحلة ومؤامراتها المتعددة. والنجاح السياسي الفلسطيني
ليس في حضور مؤتمر أنا بوليس، وإنما بأية عناصر قوة ستحضر السلطة
الفلسطينية، وهل استمرار الأوضاع على حالها بين الضفة والقطاع يضر
بالقضية الفلسطينية في هذا المؤتمر وغيره أم لا .. إن الرهان الحقيقي
بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني هو في وحدته الداخلية، وتوافق قواه الحية
على مشروع سياسي ونضالي مشترك. ولقد أثبتت تجارب المفاوضات السابقة أن
العدو الصهيوني سيصر على تحسين شروط مفاوضاته، وسيبقى يعمل عبر وسائله
السياسية والدبلوماسية والميدانية، لتصفية القضية الفلسطينية.
ولقد عبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية (ليفني) عن هذه الحقيقة،
حينما تحدثت بصلافة أن أولويتنا في الأمن الإسرائيلي وليس الدولة
الفلسطينية. وسيبقى الأمن الإسرائيلي هو المسيطر على القادة الصهاينة
قبل مؤتمر أنا بوليس وفي أثنائه وبعده. والأمن الإسرائيلي أولا كما
يطرحه قادة الكيان الصهيوني، يعني لا دولة فلسطينية ولا عودة للاجئين
ولا حسم لكل القضايا الأساسية في مشروع الحل النهائي. بمعنى أن إسرائيل
تريد من الفلسطينيين والعرب كل شيء لضمان أمنهم، دون أن يقدموا أي شيء
بدعوى أيضا الحفاظ على الأمن الإسرائيلي. فالأمن الإسرائيلي هو كلمة
السر التي تعني استمرار الضغوطات الأمريكية والأوروبية على الشعب
الفلسطيني لتقديم المزيد من التنازلات تحت يافطة تشجيع القادة الصهاينة
للجلوس والتفاوض . وتعني استمرار السيطرة الميدانية، وقضم الأراضي
وتوسيع المستوطنات، وتثبيت حقائق جديدة على الأرض تزيد من خنق وقتل
الفلسطينيين. وتعني أيضا المساهمة بكل الوسائل لاستمرار الانقسام
الفلسطيني، وتشجيع كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لرفع الغطاء
عن قطاع غزة لتجويع أهله وتشديد الحصار عليه وإمعان القتل اليومي فيه.
وكل هذا يتم تحت عنوان ويافطة الأمن الإسرائيلي. فلا تطبيق وتنفيذ
للاتفاقيات القديمة بدعوى أنها تضر بالأمن الإسرائيلي. ولا فك للحصار
ولا وقف للقتل أيضا بدعوى أن من نحاصرهم ونقتلهم هم مهددون فعليون
للأمن الإسرائيلي. فهو كلمة السر التي تعني تثبيت انتصار استراتيجي على
الشعب الفلسطيني والعرب. ولكن ومهما كانت صعوبات المرحلة ومآسيها على
مختلف الصعد والمستويات، فإن الشعب الفلسطيني بكل قواه وأطيافه، لن
يرفع الراية البيضاء، وسيعمل بكل إمكاناته المحدودة على إفشال المشروع
الصهيوني التوسعي، والدفاع عن كامل الحقوق للشعب الفلسطيني. ولقد علمنا
التاريخ أنه ما ضاع حق وراءه مطالب. |