بعد ازالة الحواجز النفسية والأمنية: ازالة الحواجز الكونكريتية بين مكونات المجتمع في بغداد

شبكة النبأ: رغم انها تشبه الى حد بعيد زنزانات كبيرة إلا ان الحواجز الكونكريتية التي عزلت انحاء ساخنة  في بغداد عن بعضها البعض قد ساعدت الى حد كبير في تطبيق اهداف الخطة الامنية لفرض القانون التي قامت بها القوات العراقية بمساعدة المتعددة الجنسية.  

وتصاعدت الحواجز وتمددت في نيسان بريل 2003 عقب سقوط  نظام الدكتاتور صدام في العراق. ومع ارتفاع وتيرة العمليات المسلحة ضد مؤسسات الدولة ومراكز الشرطة وغيرها من المدارس والمستشفيات ومواقع القوات الاجنبية.

حواجز على جوانب الشوارع.. حواجز حول الساحات العامة.. حواجز تخفي الحديقة عن الناس.. حواجز حول المؤسسات الرسمية ... استنزفت مبالغ طائلة من ميزانية الدولة في العراق حيث كان يفترض أن تصرف على الإعمار وشوهت جمال العاصمة فصار الناس يشعرون بانهم "في زنزانات كبيرة." ومع التحسن الأمني النسبي بدأت الحكومة بإزالة بعض هذه الحواجز.

أقتصاديا  شكلت هذه الكتل خسائركبيرة لموازنة الدولة وجعلت السوق العراقية اكثر احتياجا الى الأسمنت،  فقد حولت البلد الذي كان يصدر الأسمنت منذ اكثر من 40 عاما الى مستورد له، بل ومستورد لأسوأ أنواعه.

يقول الخبير الاقتصادي حسام الساموك لـ (اصوات العراق)، لااستطيع ان اعطي رقما تقريبا عن تكلفتها على الدولة، لكن لنأحذ بنظر الاعتبار ان القطعة الواحدة الصغيرة الحجم ( تقريبا 1.250  * 80 سم ) يقدر بـ 300 $ ،في حين سعر القطعة الكبيرة (2 *3 م) بحدود الـ 800 دولار. وتابع، هذه الكتل تستنزف السمنت والحديد ناهيك عن اليد العاملة والاجهزة والنقل.

وبيّن الساموك إنه بفعل الاستخدام الواسع للكتل الكونكريتية، تحول العراق الى مستورد وارتفعت اسعار الاسمنت بشكل جهنمي بحدود 230 الف دينار عراقي للطن الواحد في حين كان قبل 5 سنوات لايزيد عن 50 الف دينار عراقي، اي ارتفع بنسبة 450 % للطن الواحد.

مشيرا الى ان الاجهزة الامنية سواء القوات المتعددة الجنسيات  او الحكومة قامت  بتكريس الانتاج المحلي من السمنت لصناعة هذه القطع والتي لاتنفع الا لهذا الغرض، وبعد انتفاء الحاجة لها ترمى او تحطم.   

ومن أضخم الجدران الكونكريتية الجدار الذي يحيط المنطقة الخضراء ، وهي منطقة تحتل  اكثر من ثلاثة احياء وجسر معلق ، وتمتد حدودها من حي القادسية وحي الكندي غربا الى جسر الجمهورية ومتنزه الزوراء شمالا، وتقدر مساحتها بعشرة كيلومترات مربعة .. تحدها القطع الكونكريتية الكبيرة هذه المنطقة من كل الجهات وتقطعها من الداخل حيث هناك جدران .

كما تطوق الحواجز الوزارات التي تجاوز عددها الثلاثين وزارة ، ومراكز الشرطة، ومقرات الاحزاب التي  تجاوزت المئة على حد قول رئيس الوزراء نوري المالكي . كما تطوق بعض المستشفيات والمدارس ،والمؤسسات الحيوية الاخرى إضافة الى الثكنات والقواعد العسكرية . ولذلك يقدر الساموك  التكلفة الاجمالية لهذه القطع بأنها "خيالية".

وبعيدا عن التكلفة الاقتصادية تشعر هذه الحواجز الناس بانهم يعيشون فين سجن إسمنتي كبير وليس في مدينة  كما نورس حبيب (معلمة  من منطقة الجادرية) وتضيف، تسبب الالم والاحتقان والشعور بالعزلة. وتفسر ان مجرد النظر اليها يمثل لنا حالة القلق الذي يصورنا وكأننا داخل زنزانات كبيرة. 

مرهقة نفسيا ، وهي أيضا مرهقة جسديا ، لأنها تجبر هذه المعلمة على، المشي لمسافات طويلة والاحتيال على الطريق للوصول. 

سائق التاكسي ناصر علي يتحدث عن تاثير الحواجز على حركة المرور باغلاقها الطرق ومنع الوصول مناطق عديدة وتسبب ازدحاما في  حركة المرور، وبالتالي قد يمضي اليوم ونحن قمنا بتوصيلة او اثنين، ان لم نحرم نهائيا من رزقنا بسبب الاختناقات المرورية وغلق المناطق" وضرب ناصر علي مثلا " اصبح الدخول الى قاطع الكرخ  من  مدخل واحد صعب جدا وهذا يسبب حالة ارباك دائمة وحالة استنفار. 

واذا كان العديد من الناس ضد الحواجز الكونكرتية ، فقد حاول البعض الآخر انصافها بالإشارة الى الميزة الوحيدة التي تمتلكها وهي فائدتها الأمنية . فقد ذكر عامر محمد (صاحب محل  في شارع فلسطين) بايجابية الحواجز الكونكرتيية "رغم مقتي لها". وقال، ان وضع تلك الكتل الكونكريتية وفر لنا الجو المناسب لرواج البضاعة ووفر للمواطنين حالة من الامن لانها تحجب السيارات عن الناس. وتابع، صحيح انني امقتها ، ولكني ارى ان الوضع اليوم بحاجة الى مثل تلك الكتل لكي يوفر لنا جو الأمان ، فهي ضرورة وقد تزول، لكنها ضرورة.

يؤيده شرطي  في حي الوحدة مذكرا بان الحواجز، قللت الى حد ما من الخسائر البشرية في الهجمات المسلحة. وقال طالبا عدم ذكر اسمه، تفنن الارهابيون في اشكال التفجيرات والاعتداءات بالسيارات والدراجات المفخخة ، بل واستخدام القذائف ..وجود هذه الحواجز حال في كثير من الاحيان دون سقوط المزيد من الضحايا.  

جماليا راى نائب رئيس جمعية الفنانيين التشكيلين قاسم السبتي ان الكتل الصماء، حلت بديلا عن التماثيل التي كانت تزين العاصمة بغداد وحولتها مقبرة. مؤكدا على ضرورة رفعها لكونها تحجب رؤية الناس لبعضهم.

وقال، لكي تعود المدينة الجميلة بغداد التي عرفناها، فافضل ما يمكن ان تفعله الحكومة هو رفع الكتل الكونكريتية وتترك لامانة العاصمة تزيين بغداد بالتماثيل والسراميك والجداريات الموزائيك، عاصمة عربية تحتوي التماثيل وليست مقبرة الكتل الكونكريتية. ويتابع  قائلا واصفا تلك الكتل بانها، عيون الاحتلالز واضاف، نود ان تزاح لنرى اهلنا وناسنا.

ورفض السبتي الخطوة التي قامت بها الحكومة سابقا بالايعاز للرسامين بتلوين تلك الحواجز وتحويلها الى جداريات صورية في محاولة منها " لتجميل جدار السجن " وقال، بالرغم  اني كلفت من قبل احدى المؤسسات باختيار مجموعة من الطلبة الشباب للرسم  على الكتل الكونكريتية الا انني لم اقتنع بالفكرة، حيث اعدها اخر الدواء وقمنا بالعمل مضطرين لجعل الشباب يستفيدون ماديا،كما واردنا بذلك ان نعطي دلالة على ان هناك مكان فني.

وعقب التحسن الامني النسبي شهدت بغداد ومدن عراقية أخرى خلال الأسبوعين الماضيين عمليات رفع الحواجر الكونكريتية من بعض الشوارع والساحات. ومن بين المناطق التي رفع عنها كابوس الكونكريت شارع فلسطين(شرق بغداد) وشارع ابو نؤاس (وسط بغداد) .

أمانة العاصمة أعلنت كذلك عن فتح شارع (قطر الندى) في منطقة حي الاعلام جنوب بغداد أمام حركة السير والمرور بعد إغلاقه قرابة عام بسبب الظرف الامني الذي كانت تعيشه مناطق قاطع الرشيد. ولذلك اعرب السبتي عن تفاؤله في ان يسهم استمرار التحسن برفع الحواجز وبشكل نهائي وقال، اعتقد ان الوضع الامني الذي كان عذرا لوجود تلك الكتل قد بدا بالتحسن وان شاءلله خلال الشهرين او الثلاثة القامة تبدا الحكومة برفع تلك المكعبات وكفى، فليس من اللائق الاحتماء وراء المكعبات. 

وسواء كان لتلك القطع الخرسانية الصماء ميزات ايجابية او سلبية الا ان السؤال الذي يتبادر الى الذهن هل تستحق تلك الميزات ما تسببه من خسائر أقتصادية، بل والسؤال الاهم ما هو مصير الالاف من هذه الكتل. وسائق التاكسي يقترح سحقها ثم يستدرك، ربما يمكن تصديرها لدول مرشحة لتواجه مصير العراق. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26 تشرين الثاني/2007 - 15/ذوالقعدة/1428