(الحياة) تكشف عن تفاصيل خطيرة: الأمية والوثائق المزورة  تنخر مؤسسات الدولة في العراق

شبكة النبأ: رغم انه يعد مثلبة كبيرة في مستوى الوعي والإمكانات فإن الحديث عن 19 ألف شرطي عراقي (أمّي) لا يُعد مفاجئاً للعراقيين الذين عايشوا عن كثب تفاصيل تشكيل جهاز الشرطة في خضم الاحداث التي اعقبت سقوط النظام السابق، إلا انه يسلط الضوء كجزء من مبررات الضعف الأمني  ويكشف حجم  التدخل الحزبي والاختيار العشوائي السريع في تشكيل القوات الأمنية العراقية الجديدة في بداياتها منتصف عام 2003.

وتكشف إحصائية نادرة نقلها تقرير لـ(الحياة)، أعدتها وزارة الداخلية العراقية ان 12 في المئة من أفراد جهاز الشرطة يعانون من الأمية ولا يجيدون القراءة والكتابة.

وتوضح الاحصائية التي اعدتها الوزارة تمهيداً لزج قوات الشرطة في مراكز خاصة لمحو الأمية ان هناك شرطياً واحداً بين كل 8 رجال شرطة لا يجيد القراءة والكتابة وان هناك عدداً كبيراً من منتسبي جهاز الشرطة يعانون من الأمية وغير قادرين على التدقيق في الأوراق الرسمية للمواطنين في نقاط التفتيش الداخلية والخارجية.

وإثر النتائج التي كشفت عنها الاحصائية باشرت وزارة الداخلية بفتح مجموعة من مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في بغداد وعدد من مدن جنوب العراق لتعليم أفراد من الشرطة القراءة والكتابة.

ويؤكد مصدر امني مطلع ان المعلومات الاستخبارية المتوافرة لدى القوات الاميركية والحكومة العراقية عن طرق تحرك الجماعات المسلحة واساليب تنقلهم تكشف عن مرور عشرات الإرهابيين من نقاط التفتيش من دون تمكن رجال الشرطة من تدقيق هوياتهم فيما كان مصدر مقرب من زعيم تنظيم القاعدة السابق ابو مصعب الزرقاوي كشف عن مرور الأخير في عشرات نقاط التفتيش بهويات مزورة بعضها ينتحل صفة رجال أمن او عامل لدى القوات الأميركية.

ويصف رائد الشرطة حسين علوان ما يحدث في بعض نقاط التفتيش بأنه مثير للسخرية ويقول ان ضباط ومنتسبي الشرطة من الأميين يطلعون على هويات من دون ان يعرفوا محتواها ويدعون انهم يعرفون القراءة والكتابة.

ويروي علوان ان قيادياً في تنظيم القاعدة في منطقة الدورة جنوب بغداد كان يتنقل بهوية مزورة تثبت انه مترجم لدى القوات الاميركية لعلمه مسبقاً ان رجال الشرطة يتجنبون التدقيق مع حاملي الهويات المكتوبة باللغة الانكليزية لأن معظمهم يقرأ العربية بصعوبة.

وتؤكد وزارة الداخلية العراقية ان كل مركز لمحو امية سوف يضم اربع مراحل هي الاساسية والتكميلية والخاصة والخامسة والسادسة وتستمر كل مرحلة ستة اشهر يحصل بعدها الشرطي على شهادة المرحلة الابتدائية التي تؤهله لإكمال دراسته المتوسطة.

واصدرت الوزارة تعليمات خاصة باجبار جميع منتسبي جهاز الشرطة الاميين على الحضور الى مراكز محو الأمية التي فتحتها الوزارة.

ويؤكد اللواء مهدي صبيح، قائد قوات حفظ الامن والنظام ان بروز الأمية بين صفوف الشرطة تسبب في مشكلات أمنية كبيرة لاسيما في نقاط التفتيش التي تنتشر عند مداخل ومخارج العاصمة حيث يعجز هؤلاء عن تدقيق الهويات والأوراق الرسمية للوافدين والخارجين، ويعتمد كثيرون منهم على الصورة الملصقة في تلك الأوراق للتعرف على صاحبها ومقارنتها بالشخص الذي يخضع لعمليات التفتيش.

ويقول ان تأسيس جهاز الشرطة انطلق من نقاط خاطئة لا سيما اولئك الذين انتسبوا للجهاز عام 2004 بعد قرار اعادة تشكيل الأجهزة الأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية.

ويرى ان القوات الاميركية في العراق تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية في هذا الجانب كونها وافقت على استقبال المتطوعين من دون اجراء اختبارات الكفاءة.

لكن سياسيين عراقيين مطلعين يؤكدون ان قبول آلاف المنتسبين في جهاز الشرطة تم عبر قوائم قدمتها الأحزاب المتـنـفـذة اليوم تـحت بند قرار 91 الخاص بدمج المليشيات في القوى الأمنية وان القوائم التي قدمت باسم تلك المليشيات وتصل الى نحو 50 الف منتسب جميعها تمت المصادقة عليها من دون النظر لكفـاءات افـرادها او اجـادتـهم القراءة والكتابة على الأقل.

ويقول العميد عبدالكريم خلف، مدير مركز القيادة الوطنية في الوزارة لـ «الحياة» ان مشروع محو امية منتسبي وزارة الداخلية سيعود بالفائدة على اكثر من 19 الف شرطي عراقي من الذين يعانون من الأمية حيث سيتم إرسال جميع هؤلاء إلى مراكز مكافحة الأمية التي تم فتحها في بغداد والمحافظات بهذا الخصوص.

ويرى ان هذه المراكز بمثابة خطوة رئيسة لمعالجة قضية تدني الكفاءة لدى الأجهزة الأمنية في وزارة الداخلية. 

ويطالب اللواء عبد العزيز محمد جاسم، مدير العمليات العسكرية في وزارة الـدفاع بفتح مراكز مماثلة لمنتسبي الجيش للقضاء على ظاهرة الأمية بين منتسبي الجهاز، وقال ان هناك المئات من العسكريين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة وان شروط قبولهم تمت وفق الخبرة العسكرية وتبعاً للحاجة الملحة لمتطوعين في بداية تشكيل الوزارة.

وكان الناطق باسم خطة أمن بغداد اعلن في وقت سابق ان عدد القوات الأمنية في العراق وصل الى 328700 من الشرطة والجيش، مشيراً الى وجود عمليات غربلة لمعالجة الفساد والمشكلات التي يعاني منها الجهاز الأمني في البلاد.

اعترافات خطيرة

وأكدت مصادر رفيعة المستوى في وزارة الداخلية العراقية القبض على شخص زور شهادات ووثائق رسمية. وفيما اعترفت وزارة الداخلية بأن 9 آلاف من العناصر والضباط والموظفين في الوزارة، وفي رئاسة الحكومة، شهاداتهم مزورة، وأكدت مصادر في هيئة النزاهة إحالة 40 مسؤولاً حكومياً على المحاكم بتهمة التزوير. وعلمت «الحياة» أن المحققين سلموا المتهم الى القوات الأميركية بعد محاولة لتهريبه.

وأعلن مسؤول أمني، فضل عدم نشر اسمه ان المتهم (لم يسمه) اعترف بتزوير اكثر من 4 آلاف وثيقة باعها الى مسؤولين وموظفين في الوزارات المختلفة، وفي المحافظات، وتم القبض عليه الشهر الماضي. وقال المصدر الذي لقب المتهم بـ «مزور الكبار» إنه عثر في حوزته على أعداد كبيرة من صور ووثائق لموظفين ومسؤولين كبار غالبيتهم في الوزارات الامنية والعسكرية وأكثر من مئة ختم للوزارات والجامعات ودوائر التربية كان يستخدمها في عمله.  

الى ذلك، قال مطلعون على التحقيق في هذه القضية إن المحققين تعرضوا لضغوط إلا ان أحدهم صور اعترافات المتهم وتوقيعه لمنع اي تلاعب في الاعترافات، خصوصاً انها تدين اسماء مهمة في الحكومة والاحزاب المتنفذة. ولقطع الطريق امام محاولات مسؤولين كبار حاولوا تهريب المتهم أبلغت القوات الاميركية بالقضية فنقلت المتهم الى احدى قواعدها حيث يتم التحقيق معه.

وتحتوي قائمة الحاصلين على شهادات دراسية، ضبطت في حوزة المتهم، اسماء عدد من مستشاري مجلس الوزراء (تتحفظ الحياة عن ذكر اسمائهم) أحدهم شقيق قيادي بارز في الائتلاف الشيعي، ومستشارين لوزراء، بالإضافة الى وزيري دولة تم تعيينهما، من خلال «كوتة» المحاصصة الحزبية، في مناصب رفيعة داخل الائتلاف. وذكرت المصادر، وزيري دولة لا يحملان شهادات جامعية.

لكن حسين الشامي، مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي لم ينف ولم يؤكد قصة المزور ودافع عن مستشارين، وقال ان اثارة تهمة تزوير الوثائق الدراسية هذه الايام جزء من حملة المزايدات والتهم الجاهزة لإسقاط الآخر. وأضاف ان مستشاري رئيس الوزراء لا يشترط في تعيينهم الشهادة الدراسية او الدرجة العلمية وانما يتم اختيارهم من خلال ما يمتلكه كل منهم من امكانات في مجال تخصصه.

ولدى سؤاله عن شهادات من جامعات غير معترف بها، او غير معادلة لمثيلاتها في العراق، قال ان بعض المسؤولين درس في جامعات مفتوحة وحرة تنتشر في أوروبا وحوزات علمية دينية في ايران وسورية والنجف. والمشكلة ان القانون العراقي ووزارة التعليم العالي لا تعترفان بهذه الجامعات، والخلل ان الوزارة العراقية غير منفتحة على هذه النظم من التعليم المتطور في الدول المتقدمة. وأوضح ان الامتناع عن معادلة الشهادات اضطر بعض المسؤولين الى جلب شهادات معادلة بطريقة غير قانونية او البحث عن جامعات في الخارج لمعادلة شهادته وهي طريقة غير شرعية ايضا.

الى ذلك، قال الناطق باسم هيئة النزاهة سمير الشويلي اناجراءات قانونية اتخذت بحق عشرات الموظفين الكبار بتهم التزوير فأحيل 40 مسؤولاً حكومياً الى المحاكم المختصة، بعضهم يعمل في الحكومة المركزية في بغداد وآخرون في المحافظات.

وأوضح الشويلي ان الهيئة شكلت لجنة خاصة للتدقيق في الشهادات الدراسية الصادرة من جمهورية ايران لمعادلتها، وأضاف أن مهمة هيئة النزاهة التحقيق في قضايا الفساد وإحالة المتهمين على المحاكم المختصة. وأكد: إحالة المدير السابق لدائرة الرقابة والشفافية على القضاء بعد ثبوت تزويره الشهادة الجامعية التي تم تعيينه بموجبها في وظيفته ونتابعه قانونيا لاسترداد الرواتب التي تقاضاها.

وكانت هذه القضية تفجرت عندما كُشف تزوير محافظ بابل ومسؤولين في محافظة كربلاء والناصرية شهاداتهم الدراسية. واعترفت وزارة الداخلية في بيان امس بأن 9 آلاف من عناصر الشرطة والضباط وموظفين كبار في الوزارة زوروا شهاداتهم.

وقالت مصادر مقربة من مجلس الوزراء لـ الحياة إن  حوالي 1000 موظف في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي زوروا شهاداتهم ويعاملون على اساس الشهادات، ووفقا لسلم التدرج الوظيفي ويتقاضون الرواتب والامتيازات المالية بناء على ذلك لكننا بدأنا بملاحقتهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26 تشرين الثاني/2007 - 15/ذوالقعدة/1428