النظام السياسي الطائفي في لبنان سبب تعقيد الأزمات ام ضمان لحقوق الأقليات

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: رغم انه قد يحقق التزاما صارما فيما يخص حقوق الأقليات يرى العديد من المحللين ان النظام السياسي اللبناني عنصر اساسي في الأزمات التي يشهدها البلد المتعدد الطوائف لا سيما انه نظام معقد يقوم على المحاصصة الطائفية وعلى ممارسة توافقية. حيث لكل طائفة حصتها المثبتة دستوريا من كراسي الحكم.

ويقول مدير مركز كارنيجي للشرق الاوسط بول سالم، المبدأ الاساسي يقوم على ان لبنان هو بلد توافقي بما يعني ان اي اكثرية لا سيما اذا كان لها طابع طائفي لا يمكنها ان تتحكم بالاقلية.

وقبل ثلاثة ايام من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبنان لم تتوصل الاكثرية المناهضة لدمشق والمعارضة من التوافق على الانتخابات. بحسب فرانس برس.

ويقول سالم، مبدأ التوافق يولد ازمات. اذا اختلفت مجموعات لا توجد طريقة سهلة للتوصل الى حل. وتتوزع الرئاسات والوظائف في النظام اللبناني بين الطوائف ما يزيد من ارتباط الانتماءات الطائفية والسياسية.

وقال سالم ان نظام الحصص كرس الطابع الطائفي للمجتمع اللبناني المؤلف من 18 طائفة فيما عدد سكان لبنان يتجاوز الاربعة ملايين مشيرا الى ان الوضع يختلف تماما عما يحدث في الولايات المتحدة مثلا حيث يتم انتخاب رئيس بفارق 0,5%. واضاف، في لبنان كلما اختلفت مجموعتان تنجح مجموعة بشل القرار.

واستقال كل وزراء الطائفة الشيعية من الحكومة في تشرين الثاني/نوفمبر 2006. ومنذ ذلك الحين يعتبر رئيس الجمهورية اميل لحود والمعارضة ان الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة فاقدة للشرعية وغير دستورية كونها تناقض "الميثاق الوطني" والدستور الذي ينص على ان، لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، اي التعايش بين الطوائف.

وقال رئيس المركز اللبناني للدراسات السياسية اسامة صفا ان النواب في هذا البلد، لا يعارضون مشروعا اقتصاديا لانهم ينتمون الى اليمين او الى اليسار انما لان الطائفة التي ينتمون اليها لم تحصل على حصتها في المشروع.

وراى صفا ان مشروع الغاء الطائفية السياسية لا يزال بعيدا. وقال ان، تركيبة الاحزاب في لبنان طائفية لا تهتم بالبرامج بقدر ما تهتم بالبقاء في القيادة مدى الحياة.

الا انه اشار الى الانقسام الكبير حول القيادة بين المسيحيين خصوصا الموزعين بين الاكثرية والمعارضة.

ويصف الكاتب السياسي جهاد الزين هذا الانقسام بين المسيحيين، بانه تعبير عن التنوع السياسي في بلد تختزل الاحزاب الطائفية والمؤسسات الطائفية المؤسسات الدستورية.

ويرى صفا من جهته ان، اتفاق الطائف اضعف المسيحيين في لبنان بعد ان باتت الصلاحيات التي كانت للرئيس قبل الطائف في يد السلطة التنفيذية مجتمعة. كما ساهمت الوصاية السورية التي كانوا ابرز معارضيها في اضعافهم.

الا ان الكثير من الخبراء يدافعون عن النظام السياسي الطائفي لانهم يرون فيه ضمانة لاستمرار المسيحيين في المشاركة في السلطة في منطقة هم فيها اقلية.

ويقول الاستاذ الجامعي في علم الاجتماع انطوان مسرة ان "نظامنا حتى لو كان فيه الكثير من الثغرات افضل بكثير من انظمة اخرى في العالم العربي... هنا على الاقل الاقليات لها دور ولا تسحقها الاكثرية العددية.

تاريخ من التدخلات الاجنبية والظروف الضاغطة

احد عشر رئيس جمهورية تم انتخابهم منذ استقلال لبنان في 1943 ولكل عملية انتخاب رواية عن التدخلات الاجنبية والظروف الضاغطة والمقار المستحدثة.

وتحولت سوريا في 1989 وحتى انسحابها من لبنان في 2005 الناخب الاوحد على خلفية اتفاق ضمني مع الاميركيين. بحسب فرانس برس.

ولم تجهد دمشق كثيرا لتغطية هذا الدور. فيوم قررت تمديد ولاية الرئيس الراحل الياس الهراوي اعلن الرئيس السوري حافظ الاسد عبر صحيفة "الاهرام" المصرية في 11 تشرين الاول/اكتوبر 1995 ان "هناك اتفاقا بين اصدقائنا اللبنانيين (..) على مختلف فئاتهم على التمديد لرئيس الجمهورية".

وفي 18 تشرين الاول/اكتوبر اجتمع مجلس النواب في مقر البرلمان في بيروت واقر باكثرية 110 اصوات (من 128) تعديلا دستوريا مددت بموجبه ولاية الهراوي ثلاث سنوات اضافية.

وفي كتاب تضمن مذكراته بعنوان "عودة الجمهورية من الدويلات الى الدولة" يكشف الهراوي انه مع اقتراب نهاية عهده علم من الرئيس الاسد ان "السوريين في صدد تاييد العماد اميل لحود قائد الجيش" فاتصل بقائد الجيش ليقول له "مبروك (...) انت الرئيس".

ويروي الاعلاميون حتى في لبنان ان الفريق الاعلامي للهراوي اتصل بالصحافيين وسرب اسم الرئيس المقبل قبل ان يعرف النواب انفسهم من سينتخبون.

وخلف الهراوي الذي انتخب في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 في فندق بارك اوتيل في شتورا الرئيس رينيه معوض الذي انتخب بعد ان حظي بمباركة سورية وعربية في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر واغتيل في 22 من الشهر نفسه.

وتروي الصحافية في جريدة "النهار" هيام القصيفي التي نشرت اخيرا ملفا عن الانتخابات الرئاسية في لبنان ان كل الصحافيين "الذين رافقوا المرحلة السابقة سمعوا من سياسيين ان +كلمة السر+ كانت تاتي من مسؤولين سوريين بان يتم انتخاب فلان او ان يتم التمديد لفلان".

واضافت ان كلمة السر اليوم لا تكمن في الاسم انما في سؤال: هل ستحصل انتخابات ام لا؟ هل سيبقى لبنان في صيغته الحالية ام لا؟.

وتابعت، اليوم هناك ثلاثة او اربعة اشخاص ربما يعرفون ما سيحصل خلال الايام القليلة المقبلة بينما مسؤولون عديدون وسياسيون نلتقي بهم يسالوننا راينا في ما سيحصل ونعرف نحن الاخبار قبلهم.

ويقول الاستاذ في العلوم السياسية جوزف فاضل "ليس الجوار العربي وحده عنده مصلحة في التدخل في لبنان بل كل من يسعى الى دور في المنطقة يحاول تحقيقه عبر الدخول الى الساحة اللبنانية" وذلك في اشارة الى المساعي الفرنسية الجارية حاليا لدفع اللبنانيين الى الاتفاق على رئيس تسوية. وقد رافق تاريخ طويل من تقاطع المصالح والتدخلات والضغوط والحروب الانتخابات الرئاسية.

وفي 21 ايلول/سبتمبر 1943 كان النفوذ الفرنسي يتضاءل مع انتهاء الانتداب على لبنان وتداعيات الحرب العالمية الثانية فنجح المندوب البريطاني في لبنان الجنرال ادوارد سبيرز في فرض بشارة الخوري رئيسا بينما خسر اميل اده المدعوم من الفرنسيين.

وفي 22 ايلول 1952 انتخب كميل شمعون رئيسا للجمهورية وكان الصراع الفرنسي البريطاني على النفوذ لا يزال قائما ومالت بريطانيا الى شمعون الذي كان ينافسه حميد فرنجيه.

ووصل الرئيس الثالث فؤاد شهاب نتيجة توافق اميركي مصري. ويقول بعض مؤرخي تلك المرحلة ان الرئيس المصري جمال عبد الناصر طرح اسم شهاب على الاميركيين.

يومها كانت القوات الاميركية انتشرت في بيروت بطلب من شمعون اثر سقوط النظام الملكي في العراق خوفا من انعكاسات محتملة في لبنان لا سيما انه كان يواجه خصوما في الداخل في اطار ما عرف ب"ثورة 1958".

وفي الرابع من آب/اغسطس 1958 انتخب قائد الجيش فؤاد شهاب رئيسا وفاز على ريمون اده الذي كان عارفا مسبقا بهزيمته انما ترشح مع ذلك "لئلا يقال ان الاسطول السادس الاميركي عين رئيس الجمهورية في لبنان" بحسب عبارته الشهيرة.

واذا كان العامل الاساسي في اختيار شارل حلو رئيسا في 1964 هو فؤاد شهاب نفسه الذي اختاره خلفا له يبرز بعض المؤرخين علاقة حلو الجيدة بالفاتيكان.

وفي 17 آب/اغسطس 1970 فاز سليمان فرنجيه على الياس سركيس بفارق صوت واحد (50-49). ولعلها العملية الانتخابية الوحيدة تقريبا في تاريخ لبنان التي لم يكن فيها للتدخل الخارجي اثر مباشر.

خلال سنوات الحرب الاهلية (1975-1990) انتخب الرؤساء غالبا على وقع المعارك الضارية وكان الفلسطينيون والاسرائيليون والسوريون اطرافا في هذه المعارك في مراحل زمنية مختلفة.

فقد شهد يوم انتخاب الياس سركيس في الثامن من ايار/مايو 1976 معارك عنيفة وقطع طرق ما جعل الجلسة تستمر ست ساعات قبل ان يلتئم النصاب في قصر منصور في العاصمة الذي استضاف مجلس النواب على مدى سنوات الحرب بسبب وقوع مقر البرلمان الاساسي في وسط بيروت الذي دمرته الحرب.

وانتخب بشير الجميل في 23 آب/اغسطس 1982 في ثكنة عسكرية في الفياضية شرق بيروت في ظل الاحتلال الاسرائيلي. كان المرشح الوحيد وكانت المعركة معركة تامين النصاب. ويروى ان عددا كبيرا من النواب حضروا تحت ضغط الترهيب او الترغيب.

وبعد مقتل بشير الجميل في 14 ايلول/سبتمبر 1982 انتخب امين الجميل في المكان نفسه وفي الظروف السياسية والعسكرية والضغوط الاسرائيلية نفسها باكثرية 77 صوتا من ثمانين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22 تشرين الثاني/2007 - 11/ذوالقعدة/1428