الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

ذروة الكمال الإنساني

محمد طاهر محمد

- في ذكرى مولد الامام الرضا (ع)

- دور الإمام الرضا(ع) في حياة إيران الاقتصادية المعاصرة

- في رحاب مولد الإمام الرضا عليه السلام : مراجعة لغربة الذات الإسلامية

- مشهد الإمام الرضا (ع)

- الامام الرضا (ع) والخلافة المغتصبة

- أهداف المأمون من وراء بيعته للإمام الرضا

- أسباب تولية المأمون للإمام الرضا (ع)

- مع الإمامين من آل الرضا(عليهم السلام)

- مَهْوَى الشَمس

شبكة النبأ: إن الدارس لتاريخ أئمة أهل البيت(ع) ليشعر ان هناك عناية إلهية أحاطت بتلك الشخصيات العظيمة جعلتهم في مقام الذروة من الكمال البشري اذ شكل كل واحد منهم(ع) قاعدة للفكر الاسلامي ومنطلقا غنيا للعلوم المختلفة ومفتاحاً لكنوزها ومنهلاً لطلابها فأجلوا غوامض العلوم وبينوا مناهج الاحكام وأسسوا دعائم الفكر فكانوا اقطاب للدين وفيضاً للعطاء إن الظاهرة التي امتاز بها أئمة أهل البيت(ع) ان لهم الحق على الاخرين في الاخذ منهم وليس لاحد من الناس عليهم حق الاخذ منه وان المتتبع لتاريخهم ليجد انهم لم يأخذوا أو يتلمذوا على يد أحد سوى آبائهم وقد شهد لهم بذلك حتى خصومهم، وتاريخهم حافل بتميزهم الفريد الذي لا يشاركهم فيه أحد من علماء الامة وحكمائها في العلم والحكمة والفكر.

ولم يعهد عن أي واحد منهم(ع)عي أو تلكؤ في الإجابة عن أي سؤال ورد عليه في مختلف العلوم والقضايا رغم ان البعض منهم(ع) كان في سن لا تسمح له الاجابة عادة ولا ندعي هنا الغلو فيهم وانهم يعلمون الغيب كما يقول البعض عنا بل عقيدتنا فيهم انهم مبلغون عن صاحب الرسالة(ص) ما خفي على الامة من أسرار الرسالة وكوامنها والحافظون لكليات التشريع والعارفون بموارد تطبيقاته وهذا ما أخذناه من وصيه جدهم الرسول الاعظم(ص) في الحديث الذي روي عن الخاص والعام (أني أوشك أن أدعى فاجيب, واني تارك فيكم الثقلين, كتاب الله وعترتي, كتاب الله حبل ممدود من السماء الى الارض, وعترتي أهل بيتي, وان اللطيف الخبير, اخبرني

انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض, فانظروا كيف تخلفوني فيهما فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تعلموهم فأنهم اعلم منكم).

والامام منهم(ع) منصوص عليه من الله سبحانه وتعالى بالامامة ويكون تعريفه الى الامة بواسطة الامام الذي قبله فنرى كل امام عندما يحس بدنو اجله يكثر من الوصايا بالامام الذي بعده لكي لا تختلف الامة في امامها ولكن على الرغم من الوصايا الكثيرة من الأئمة(ع) بتعيين خلفائهم في منصب الامامة إلا ان بعض المنحرفين دفعتهم المغريات المادية والسياسية فشذوا عن الصراط القويم وزاغوا عن طريق الحق المتمثل بأهل البيت(ع) وابتدعوا فرقاً ضالة وجمعوا لهم اتباعاً سخروهم لمصالحهم الشخصية وأغراضهم الدنيوية والعجيب انه على الرغم من ان الأئمة(ع) تبرؤا من هذه الفرق ومن اصحابها ولعنوهم ألا ان المؤرخين يعدونها من الشيعة وينسبون ما ابتدعت هذه الفرق من ضلالات على المذهب الشيعي.

 من هذه الفرق الضالة المضلة فرقة الواقفية، التي ظهرت بعد وفاة الامام موسى بن جعفر الكاظم(ع) مباشرة والتي ادعت ان الامام الكاظم لم يمت بل رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم وانه المهدي ولا إمام بعده وقد روج لهذه الفكرة التي احدثت انقساماً كبيراً وخلافاً حاداً بين الشيعة وكثر اصحابها ولم تقتصر ضلالتهم على انفسهم بل عملوا جاهدين على حرف الشيعة عن الامام الرضا(ع) ومذهبه الحق.

لم تكن هذه الانطلاقة الشاذة الجديدة ناشئة عن اعتقاد واقتناع من قبل اصحابها بواقعيتها بل هي رغبات ماديه وعوامل دنيوية اثرت في نفوسهم فقادتهم الى هذه الفكرة المنحرفة اذ ان مبتدعي هذه الفرقة هم ثلاثة من اصحاب الامام الكاظم، وهم علي بن ابي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي وقد شهد هؤلاء الثلاثة تشييع الامام (ع) وتغسيله ودفنه وكانوا من خزنه الاموال التي تجبى للامام من شيعته فكان عند أحدهم سبعون ألف دينار وعند كل من الاثنين الاخرين ثلاثون ألف دينار فنازعتهم انفسهم في تسليم هذه الاموال للامام الرضا(ع) بعد وفاة الامام الكاظم(ع) وتحيلوا لذلك بانكار موت الامام الكاظم(ع) وانه حي يرزق وانهم لن يسلموا الاموال حتى يرجع فيسلوها له.

وقد استفحل امر هذه الفرقة وكثر اتباعها فغرروا بالبسطاء وألقوا عليهم الشُبه والتشكيكات المريبة فأذعنوا لهم ودانوا بباطلهم حتى احدثت هذه الفرقة شرخاً كبيراً في الصف الشيعي فكانت هذه الفرقة هي اول ما واجه الامام الرضا(ع) في امامته من المحن والبلايا. كانت هذه الفترة القاسية جداً على الامام الرضا(ع) عمقت في المأساةن فإضافة الى الالم الذي كان يعتصره لسنوات طوال وهو بعيد عن ابيه(ع) الذي كان تلك المدة الطويلة في سجن هارون ولم يفرج عنه الا وهو ميت كان يعاني من جهة من محاولات جلاوزة السلطة للقضاء عليه ومن جهة اخرى تلك الفتنة التي اثارها بعض اصحاب ابيه وبدؤا يحرفون الناس عن الصراط القويم وكانت الخلافات والمنازعات بين اصحاب هذه الفرقة واصحاب الامام المخلصين على أشدها وأول عمل قام به الامام الرضا(ع) في امامته هو درأ الخطر عن المذهب الحق ووأد الفتنة فدحض اباطيل الواقفية وكشف دخائل نفوسهم وتعريتهم امام الملأ لئلا تنخدع بهم النفوس الضعيفة والعقول المريضة فاستطاع ان يرجع كثيرا من الناس الى رشدهم وهدايتهم الى الطرق القويم.

لقد أوضح الامام الكاظم(ع) مكانة ولده الرضا(ع) واكد على انه وارثه ووصيه في الامامة واوصى اصحابه بالرجوع اليه في اكثر من حديث كقوله(ع) "ابني هذا سيد ولدي" وقوله(ع) "ابني علي وصيي والقيم بأمري وخير بني" وقوله(ع) "علي مني بمنزلتي من أبي" ثم تلا قوله تعالى "ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم" ولسنا هنا بصدد الحديث عن حقيقة امامة الرضا(ع) فهي أوضح من الشمس بقدر ما نحن بصدد الحديث عن اهم الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية والاخلاقية والفكرية للامام الرضا(ع) وأهم الاحداث التي جرت في عصره وموقفه ومنها.

الامام الرضا(ع) قطب العلوم

ولد الامام علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب(ع) في المدينه المنورة سنة(148)هـ، أمه جاريه اسمها تكتم لقبها الامام الكاظم(ع) بالطاهرة لعظيم خلقها وسمو دينها.

نشأ الامام الرضا(ع) في ظل ابيه الكاظم(ع) وتلقى علومه على يديه مدة وجوده معه حتى وفاته فانتقلت الامامة الى الامام الرضا(ع) فتولى زعامة المدرسة  المحمدية التي أرست دعائم الاسلام امتاز عصر الامام(ع) باتساع الحركة العلمية والفكرية فنشط البحث والتدوين والتأليف التصنيف ونشأت المدارس الكلامية والتيارات الفلسفية والفكرية بدأت حركة الترجمة عن اللغات المختلفة فكانت هذه الفترة من اغنى الفترات الفكرية وقد عاش فيها كبار العلماء والفقهاء والمتكلمين فكان الامام الرضا(ع) وسط هؤلاء كالقطب من الرحى يناظر على التفسير ويحاور اهل الفلسفة والكلام ويرد على الزنادقة والغلاة فكان محور التوجيه ومركز الاشعاع ومنطلق الهداية ومفزع العلماء وملاذ أهل الفكر وقد روى لنا التاريخ الكثير من مواقفه العلمية ومحاوراته الفكرية حتى جمع محمد بن عيسى اليقطيني المسائل التي اجاب عنها الامام الرضا(ع) في شتى العلوم فبلغت خمسة عشر الف مسألة.

 وكان المأمون العباسي يعقد مجالس الحوار والمناظرة ويدعو علماء المسلمين والمتكلمين وعلماء الاديان الاخرى واصحاب الدعوات ويدعو الامام الرضا(ع) للمناظرة فلا يخرج هؤلاء آلا وقد اقروا بعجزهم عن الاستمرار في المناظرة لتفوق الامام(ع) بعلمه وفضله عليهم ويعبر الامام الرضا(ع)عن هذه الحقيقة بقوله (كنت اجلس في الروضة والعلماء متوافرون فاذا اعيا واحد منهم مسألة اشاروا الي باجمعهم وبعثوا الي بالمسائل فاجبت عنها). وقد شهد بذلك معاصروه يقول المأمون العباسي عنه(ع) (ان هذا من أهل بيت النبي الذين قال فيه النبي(ص) (ألا ان ابرار عترتي واطائب ارومتي احلم الناس صغاراً واعلمهم كباراً لا تعلموهم فانهم اعلم منكم فلا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم من باب ضلال) يقول ابو الصلت الهروي (ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم إلا وشهد له بمثل شهادتي) ويقوا إبراهيم بن العباس الصولي (ما رأيت الرضا سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الى وقته وعصره) ونحن لسنا بحاجة الى شهادة اي انسان للتدليل على تميز الامام الرضا بعلمه على سائر الخلق اذ يكفينا ان نطالع كتب السير والحديث التي روت اقواله ومناظراته واماليه في شتى العلوم وقد ذكر المؤرخون ان للامام الرضا(ع)بعض المؤلفات عدا الاحاديث والاخبار التي املاها على سائليه واصحابه منها الرسالة الذهبية في الطب وهي انفس ما في تراثنا الاسلامي في مجال الطب فقد جاءت هذه الرسالة العلمية الشاملة مختصراً لعدد من العلوم الطبية كعلم التشريح وعلم الاحياء, وعلم وظائف اعضاء الجسم (الفلسجة) وعلم الامراض (الباثولوجي) وعلم حفظ الصحة ودللت على القسم الاعظم من الطب الوقائي وعلم الاغذية والكيمياء وغيرها من العلوم وقد بعث الامام برسالته هذه الى المأمون سنة (201)هـ وكان الطب في ذلك الوقت علماً بدائياً ودراسته بصورة غير علمية فهي مبنية على الممارسة فقط وليست على الاكتشافات العلمية وقد أمر المأمون ان تكتب هذه الرسالة بالذهب وتوضع في خزنه الحكمة فسميت بالرسالة الذهبية وقد تصدى عدد كبير من العلماء لشرح هذه الرسالة.

الامام الرضا(ع) ذروة الكمال الاخلاقي والانساني

كانت حياة الامام الرضا(ع) مدرسة تفيض بالعطاء وتشع بالعلم والادب وشخصيته قدوة في الاخلاق الفاضلة فهو اضافة الى ما تمتع به من علم وفقه امتاز بادبه العالي وخلقه الرفيع ولا يسعنا هنا الحديث عنه(ع) مفصلاً ولكن نورد باقة من صفاته الكريمة على لسان أحد معاصريه فعن ابراهيم بن العباس الصولي انه قال (ما رأيت ابا الحسن الرضا(ع) جفا احداً بكلامه قط, وما رأيته قطع على احد كلامه قط حتى يفرغ منه وما رد احداً عن حاجة يقدر عليها وما مد رجليه بين جليس له قط ولا اتكأ بين يدي جليس له قط ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل كان ضحكه التبسم وكان اذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب والسائس –الى ان قال- فمن زعم انه رأى مثله في فضله فلا تصدوه) ويكفينا هذا الحديث للدلالة على شخصية الامام ومقوماته الاخلاقية التي انسجمت تماماًَ مع رسالته تصدقوه فجسدها عملاً رسالياً تسلق به قمة الكمال الانساني وأرتفع الى مشارف العظمة الذاتية فحينما يجلس الامام(ع) الى مائدته ومن حوله مماليكه وبوابه وسائس دوابه ليس إلا ليعطي الامة درساً في الانسانية الفاضلة التي تؤمن بكرامة الانسان وليعرض نظرية الاسلام عملياً في طبيعة السلوك الذي يجب ان يعتمده الانسان مهما كان مركزه مع اخيه الانسان فرفعه المقام وسمو المركز لا يستدعيان ان يحتقر الانسان من دونه في ذلك أو يشعره بوضاعة شخصيته فتتسع الهوة بين افراد الامة ويتوزع كيانها في فصائل متنافرة يمزقها الحقد وتنهشها البغضاء فهذه النماذج العملية من اخلاقه وانسانيته(ع) والتي استمدها ميراثاً نقياً يعبق بالرحمة من جده الرسول الاعظم(ص) وآبائه الطاهرين(ع) هي التي تستمد الامم قوتها منها وتبني عليها دعائم مجدها وتضمن بها ديمومتها.

الامام الرضا وموقفه من السلطة العباسية

كانت الاوضاع السياسية والاجتماعية في العصر العباسي مزرية جداً، إذ عاش الخلفاء حياة القصور والجواري والمغنين وكؤوس الخمر والترف والبذخ وقد امتلأت كتب التاريخ برذائلهم وطغيانهم وتردي وضعهم الاخلاقي بينما كان المسلمون يرزحون تحت سياسة التجويع والارهاب والتشريد، فالقتل ومصادرة الاموال وانتهاك الحرمات لا تخضع عندهم للحساب الشرعي ما دام في ذلك بقاؤهم على كرسي حاكم، اذاً كان من الطبيعي جداً ان يكون موقف الأئمة(ع) موقفاً سلبياً ومعارضاً لهذه الحكومات الظالمة لبعدها عن المنهج الاسلامي وانحرافها عن ابسط قواعد العدل فلم يعترف الأئمة بشرعية تلك الحكومات لانها تتعارض مع مسؤولياتهم الرسالية وعلى هذا الاساس كان الأئمة(ع) لا يقرون لاحد من اتباعهم توظيف نفسه في خدمة مصالح الحكم لان في ذلك اعانة على الظلم وتقوية لموقفه إلا ان يكون في ذلك مصلحة دينية ودفع ما يمكن دفعه من المظلمات واصلاح ما يمكن اصلاحه من المفاسد كما حدث لعلي بن يقطين في عهد الامام الكاظم(ع) عاصر الامام الرضا(ع) حكم هارون الرشيد وعاش خلال هذه الفترة مأساة ابيه الامام موسى بن جعفر وغيرها من مآسي العلويين وبمجرد ان تسلم الامامة بعد أبيه بدأت المحاولات القذرة من المتزلفين للسلطة للقضاء عليه فلم يكتف يحيى بن خالد البرمكي بنسج خيوط المؤامرة البشعة على الامام الكاظم(ع) والايقاع به عند هارون حتى راح يسعى بمحاولات قذرة للقضاء على الامام الرضا(ع) وراح يحرض الرشيد على ذلك كما كانت هناك محاولات أشد من جعفر بن يحيى الذي لم يقف أمره على التحريض بل تعداه الى مواطن الخطر لكي يلاقي اذناً صاغية من الرشيد وفي مقابل هذه المحاولات الدنيئة كانت هناك محاولات مخلصة من قبل اصحاب الامام(ع) لابعاده عن المواطن الخطر وذلك بطلبهم منه عدم أظهار أمره. ولكن الامام وهو الواثق من موقفه لم يعبأ بتلك المحاولات لان علماً تلقاه عن آبائه يطمئنه وقد أوضح ذلك عندما قال له(ع) صفوان بن يحيى (انك اظهرت أمراً عظيماً وانا نخاف عليك) فقال(ع) (يجهد جهده فلا سبيل له علي) وفعلا مات هارون وجاء بعده الامين الذي لم يكن له أي موقف مع الامام الرضا(ع) ويمكن إرجاع ذلك الى الجو المربك الذي تعيشه الخلافة العباسية آنذاك بسبب انقسام الاسرة الحاكمة والذي انطلق من خلع الامين لاخيه المأمون من ولاية العهد وبداية الصراع بينهما حتى انتهاءه بانتصار المأمون وتربعه على عرش الخلافة بعد قتله لاخيه الامين.

الامام في عصر المأمون وولاية العهد

لقد أدى الوضع السيئ الذي عاشته الامة الاسلامية في عهد المأمون الى قيام ثورات عديدة تدعو الى الاصلاح والتغيير كثورة ايراهيم بن موسى بن جعفر وثورة الحسين بن الحسن وثورة محمد بن جعفر الصادق وثورة زيد بن موسى بن جعفر وكان اخطر هذه الثورات على الدولة العباسية هي ثورة محمد بن ابراهيم الحسين المعروف بابن طباطبا العلوي وكان القيم بامره ابي السرايا السري بن منصور إلا ان هذه الثورات جميعها كانت تقمع لتفوق الجيش العباسي بالعدة والعدد ولما رأي المأمون ان انظار الناس تتجه نحو الامام الرضا(ع) سيد أل أبي طالب وعميدهم بينما يجلس على كرسي متزعزع بالثورات وسخط الجماهير قرر أن يتعامل مع الرأي العام بدبلوماسية بعد أن رأى فشل السيف والسجون والدماء فقرر ان يعقد ولاية العهد للامام الرضا(ع) لتهدئة الخواطر وامتصاص نقمة الجماهير ولاضفاء مسحة من الشرعية على حكمه والامر الثالث الذي أراده المأمون اوضحه اوضحة الامام الرضا(ع) في قوله للمأمون (اني لا علم ما تريد, تريد بذلك ان يقول الناس ان علي بن موسى الرضا لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة) لقد رفض الامام الرضا(ع) ولاية العهد رفضاً شديداً لانه يعلم دخائل المأمون وما تنطوي عليه سريرته من الخبث وبقي المأمون يعرض ولاية العهد على الرضا(ع) لمدة شهرين والرضا يرفض حتى غضب المأمون وقال له (بالله اقسم لئن قبلت بولاية العهد وإلا ضربت عنقك) فقال له الامام الرضا(ع) على شرط اني لا أمر ولا انهي ولا أقضي ولا غير شيئاً مما هو قائم على اصوله) فقبل المأمون بذلك لقد وضع الامام الرضا(ع) هذه الشروط حتى لا يتحمل شيئاًَ من تبعات الحكم العباسي وامر المأمون ان يعلن هذا النبأ في أرجاء البلاد وامن يبدل الشعار العباسي (اللون الاسود) باللون الاخضر شعار العلويين وان تضرب النقود باسم الامام الرضا وامر ولده العباس ليكون اول المبايعين فقام وبايع الرضا بولاية العهد وقد أثار قبول الامام بولاية العهد ردود افعال مختلفة في الوسط الاسلامي وخاصة الشيعي منه فكيف تنقل الخلافة التي بناها بنو العباس على السيف والدم والسجون والتشريد والتعذيب والتنكيل بهذه السهولة الى العلويين...؟ صراع وكفاح دموي وعقائدي وفكري عنيف امتد بينهم لا كثر من ستة عقود فكان هناك رفض واحتجاج من قبل العباسيين ومن والاهم ولا يهمنا هنا ردود افعال العباسيين وسخطهم ودسائسهم بقدر ما يهمنا ايضاح الموقف من قبل الامام الرضا(ع) لشيعته وبقية الناس وكشف الملابسات التي احاطت بقبوله ورد الشبهات المثارة نحوه حيث قال(ع) (قد اعلم الله كراهتي لذلك فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل, اما علموا ان يوسف(ع) كان نبياً ورسولاً فلما دفعته الضرورة الى تولي خزائن العزيز قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك على اكراه واجبار بعد اشراف على الهلاك على اني ما دخلت في هذا الامر إلا دخول الخارج منه) لقد كشف الامام في الفقرة الاخيرة من حديثه انه خرج من العهد بمجرد وضعه للشروط التي اشترطها والعمل بها يعني انه لم يكن ضمن نظام السلطة الذي لا يتلائم مع فكره واخلاقه ورسالته ولا بد من الفات النظر الى ان الامام كان لا يمكنه ان يصرح بالعلة التامه لقبوله ولاية العهد حرصاً على عدم كفشها للطرف الآخر وتحمل تبعات ذلك ولكنه استعمل اسلوب السوابق التاريخية للتدليل على موقفه ولو فرضنا ان الامام رفض ولاية العهد فبغض النظر عن القتل الذي ينتظره فانه سوف يفتح باباً للقتل على اتباعه وأهل بيته وشيعته فكان(ع) يوازن بين النتائج والمعطيات المترتبة على القبول والرفض واضعاً المصلحة الاسلامية نصب عينيه فرجح القبول على الرفض.

استشهاده(ع)

لم يكن المأمون ذلك الشخص الزاهد بالخلافة حتى يقلدها للإمام الرضا وقد قتل من اجلها اخاه الامين وقتل حتى من خدموه وثبتوا ملكه وكان لهم الفضل في تصفية خصومه امثال طاهر بن الحسين والفضل بن سهل وغيرهما فكيف بالامام الرضا الذي كان اشد الناس خطراً عليه فدس اليه سما قتله وكانت شهادته في اخر من صفر سنة 203هـ

خلاصة

لقد كانت حياة أهل البيت (ع) كلها بذل وعطاء لخير الانسان وبدون حدود رغم ملاقوه من ضغوط والمحن والبلايا من قبل الحكومات التي عاصروها ولرب سائل يسأل.. لماذا كل هذا الاهتمام بتلك الشخصيات والاحداث التاريخية التي رافقتها رغم مضي زمن طويل عليها؟ ولماذا نستذكر تلك الاحداث المأساوية التي جرت عليهم واقامة مجالس العزاء في ذكرى استشهادهم؟ ثم... ما الغاية من ذلك في هذا الوقت؟ أليس الاحرى ان ننسى تلك المآسي ونعيش واقعنا بخيره وشره فالأئمة مضوا الى ربهم وكذلك الحكومات التي عاصرتهم؟ قبل ان نجيب على هذه الاسئلة ننصح اصحابها بقراءة تاريخ أهل البيت(ع) بتمعن والوقوف على مواقفهم وتأمل اقوالهم وحكمهم ونحن متأكدون بأنه سوف تتولد لديهم اجوبة كافية لأسئلتهم واضافة الى ذلك فأنه من أراد الجواب على هذه الاسئلة فليراجع حديث الثقلين لمعرفة مالهم (ع) من الفضل والشرف ولو كان امرهم انهم مضوا كغيرهم من الشخصيات التاريخية لما قرنهم النبي الاكرم (ص) بالقرأن ولما امرنا بالتمسك بهم، فهم احياء بعلمهم وفضلهم واخلاقهم وانسانيتهم وتواضعهم وهم الاسوة والقدوة التي يجب علينا ان نجسدها في حياتنا العملية، فكل واحد منهم (ع) كان قمة في الكمال البشري وما قدمناه عن حياة كوكب من هذه الكواكب ألا وهو الامام علي بن موسى الرضا(ع) وما اتصف به من الصفات العظيمة ليحدونا الى التأمل والتفكير واخذ العبر في تلك الصفات التي توارثها عن آبائه الطاهرين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 21 تشرين الثاني/2007 - 10/ذوالقعدة/1428