النحات الايطالي جوزيف بنكّلوني يستنطق مالا يطاوع الأنامل

صراخ الحديد الصامت قاصر عن إدراك المعنى

محسن الذهبي

 شبكة النبأ: حين يتكلم الفنان عن اعماله قد يكون قاصرا عن ادراك المعنى، هذا ما يقوله الفنان الايطالي جوزيف بنكّلوني  المولود في ايطاليا عام 1935والذي يعيش ويعمل الان في محترفه في  مدينة بارما الايطالية، فهو يريد ان يكون العمل بحد ذاته قادر على عكس افكاره ، فهو يحلم ويحاول ان ينقل لللآخرين  هذا الحلم عبر منحوتاته الحديدية. فهو يقول ( ان من السهل ان نرسم منحنيات او خطوط متوازية ولكن من الصعب ان تعطي التعبير المراد ) . فالفنان يعمل من اجل اقامة منهجية جديدة لمهنة الحدادة متجاوزا كل التقاليد القديمة   في بحثه عن جمالية فنية تعتمد التوازن بين تكريس الدلالات البصرية وتثوير الحس الدرامي من اجل تغيير نمط السائد في النحت .

فالحديد بحد ذاته مادة صلبة توحي بثقل الفكرة. والحديد من المعادن التي لاتمنح نفسها بسهولة الا بقوة النار والارادة ، لكنها لدى الفنان  مادة طيعه بشكل مبسط  حتى تصل حد السهل الممتنع ،ان الحديد من الخامات النحتية  التي لم تستغل بشكل واسع لحد الان رغم قدرتها التعبيرية العالية  والتي تبرز بعد طرقه ليعرف بالحديد المطاوع او المطروق  .ليتم تشكيلة بواسطة اللحام للوصول الى اشكال لها طابع الخيال .  فالفنان عندما وجد  نفسه عاجزا عن التعبير حمل ازميله وراح يطرق الحديد على سندانه صارخا بعنف  وهو يحاول البحث عن اجوبة لاسئلة تحاصره وتحاصر النار المستعره التي تذيب الحديد. فالعمل الفني ينبغي ان يكون قادرا على نقل العواطف والمشاعر دون الحاجة لاي واسطة اخرى  ،لانه قادر بذاته على كشف الملغز من اشكاليات الحياة بكل معانيها . ان الفنان يحاول النفوذ لمدارات ترجع به الى امكانية تدوير مفهوم تقنيات المواد الرائجة في الحياة اليومية ، مضيفا لها قدرة تعبيرية قادرة على تجاوز الفكرة الاساسية وتحويله الى موضوع جديد ،تلك القدرة اذن هي التي تخلق شرط الاصالة . انه يقوم باستخراج الخالد من العابر وليس ذلك الاستنباط المنظم للسياق الاسلوبي للتقنية المستخدمة هو التقدير السليم  لاعادة استعمال التصورات القديمة عبر اساليب تنتمي الى الحداثة. وتلك مهمة الخيال فالعمل الفني يكتسب قيمتة من خلال اقتراح رؤية جديدة للعالم وهذا العالم هو نتاج فكر انساني جمالي. لذا فهو يعتمد على تحويل الواقع انطلاقا من رؤية حلمية مغايرة ، وكما يقول بول كلي (( أرسم في انتظار وقوع شيء ما )) فمنحوتاته عبارة عن استيهامات وتهجينات شكلية تتعامل منظوريا مع المتخيل متجاوزتا مادية الواقع وتأثيراته الحسية .فالعمل لديه ليس للتلذذ البصري فحسب ، انه يستدعي بصيرة تحليلية تؤدي لتوالد الدلالات في تساع لغة المغايرة الاستعارية ولتوطين الشكل التجسيمي في تعاطي سكوني كامن،انها مركبة بشكل دلالي يعتمدعلى تسخير بنيوية الشكل كمرادف لنص بصري. ان اعمال الفنان  لاتقع تحت اعمال المصادفة الفنية التي تعطيها طبيعة المادة بل هي جهد ومثابرة شجاعة.

 ان الفنان يحاول تبسيط هندسة المنحوتات للتعبيرعن فكره الجمالي فالواقع لديه مزدوجا بين واقع ذاتي و واقع فني متجاوزا  وضعية الشكل الكلاسكي الى الشكل الجوهري في اعتمادة على الواقع المحوّر، لذا نراه يحول شكل( المسمار) من وضيفتة اليومية الى مصدر ايحائي مستفز  مستفيدا من مسترجعات الذاكرة الحسية للمشاهد ،كذلك يفعل مع( خالعة المسامير) ليحولها الى مخلوقات انسانية محتجا على استلابها الانساني ، فالرؤوس المدببة تستفز الذاكرة الرمزية المتعددة المعاني فيخلق توافقا مابين  الذاكرة والمتلقي المنظور للرمز ، كما ياخذنا شكل (الكرسي والسكين والمسمار والمقص والدراجة الهوائية والمنضدة )وغيرها من الاشكال المالوف واليومية وخاصة الادوات التي يستخدمها في الحدادة انه لا يذهب بعيدا بل يقترب الى اقرب ادواته لياخذها الى مركز اهتمامنا فيقدمها لنا بمفهوم جديد ان النحت عند الفنان جوزيف بنكّلوني يتبنى مفهوم الوقاحة المفاهيمية للقوه لهذه المفردات عبر عناء لفكرة المدهش انها الجرئه الشاعرية  في طرح المفاهيم فالفنان ان يحول فكرة ما لم تكن خاصة ، لكنها تصبح كذلك بحكم التغيرات التي تطرا عليها . فالعمل الفني يصوغ معنى اخر عندما يكتمل انه نتاج فكر الفنان وجهده واجتهاده في تحويل العابر والمالوف الى عمل مغاير وخالد، فالعنصر العابر غير الثابت لا تكترث فيه التحولات ،ان قوة منحوتاته في قوة وضوحها وتأثيرها بشكل مباشر  في نفس المتلقي ،ان تجربته في تحميل سطح الشكل اضافات اخرى كالالون اواستخدامه للزجاج مما يصعد قدرة العمل التعبيرية مثلما جعلتة يتحلل من سطوة الوظيفة الاستعمالية والتزينية للمنحوتات وهما الصفتان الملازمتان لهذا الفن مذ انتج الانسان الاول اول منحوتاتة. فاعماله انحلال روحي داخل تراكيب الحديد حيث الرمز يبدوا كما لو انه اختلس المعنى لتكون تفتحا رائعا بين المرئي بدلالته البصريه واللامرئي بدلالته الفنية في بناء تعبيري دراماتيكي . ان الجمال وكما يرى (أدورنو ):  "في ترابط ووعي مايحدث بطريقة متماسكة وغامضة في الاعمال الفنية . "

 ان الفنان هنا يصرخ بحده ضد الفساد المتوحش للواقع المعاش مفترضا ان الرموز تعكس المجتمع الذي تمثله ، فالرمز يتأسس على اهمية دوره  الاجتماعي للمجتمع و في نسيج الحياة،انه يحاول ايجاد معنى لدور ووجود الفنان ،فالهدف من اعادة التصورات المسبقة هوايجاد معنى اخر ،او حلم اخر  قابل للتفسير . 

* كاتب عراقي مقيم في بريطانيا

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19 تشرين الثاني/2007 - 8/ذوالقعدة/1428