شبكة النبأ: ان ثمة علاقة قوية بين
الدين والثقافة بمسالة الفساد كذلك هناك علاقة متينة مع المستوى
الاقتصادي وعملية التطوير وفاعلية السوق، فالفساد المؤول كخطيئة، حيث
ترى بعض الطوائف الدينية ان الانسان ليس بمنجى عن الخطيئة وانها تشبه
ان تكون قدرا موضوعا بصورة تكوينية في ذمة الانسان أي بمعنى كشئ واقع
لامحالة وليس باستطاعة الانسان دفع الخطيئة عنه او عدم القيام بها لأنه
مدفوع بقوى اقوى من ارادة الكبح الضعيفة تكوينيا.
فيما ترى بعض الطوائف الدينية ان الانسان اقوى من الخطيئة وان
بامكانه ان يردع الميول الفاسدة وكونه ايضا مسؤولا بصورة مباشرة عن
الفعل الشائن وهي مسؤولية يحاسبه القانون الوضعي والديني بشكل حاسم مع
كثير من الصرامة.
فالدين محدد مهم للتباينات في الثقافات العلمانية واسعة النطاق
ويسهم هذا الراي في الوصول الى عدد من المقترحات المفيدة فالبلدان التي
يسودها البروستانت اقل فسادا من غيرها ذلك لان روح وطبيعة العقيدة
البروستانتية تهيئ اكثر من غيرها امكانية للسلوك الملتزم بالمعايير اذ
يؤمن البروستانتي خاصة المتشيعون لطائفتهم ان الافراد مسؤولون عن تجنب
الوقوع في الخطيئة بينما المذاهب المسيحية الاخرى خاصة الكنيسة
الكاثوليكية تؤكد اكثر على الضعف الاصيل الذي فطر عليه البشر، وعلى
عجزهم من الخطيئة ثم اهمية حاجتهم الى الكنيسة التماسا للغفران
والحماية وتميل الكنائس الكاثوليكية والانجيلكانية والارثذوكس الى ان
تكون اكثر قبولا لمفهوم الضعف البشري وان رجال الدين لهم سلطة اعفاء من
بعض الشعور بالمسؤولية.
والنتيجة اذا ما سلمنا بامكانية الوقوع بالخطأ ان نسلم بضعف وهشاشة
الانسانوان لا احد بوسعه ان يكون قديسا.
لكنه من الجانب الآخر نجد الانجيليين والبروستانت الاكثر تشيعا
يميلون الى غرس الانتماء الى القيم المطلقة خاصة فيما يتعلق بالاخلاق
والالتزام بها وتشجع المؤمنين بالكد والاجتهاد من اجل تحقيق الفضيلة
وان يحدوا بدرجة كبيرة من فاعلية الاشرار والممارسات المرذولة.
وان هناك نزوعا سياسيا باعتبار المجتمع والسياسة مسرحيات اخلاقية ..
معارك بين الرب والشيطان، دون التفكير في المساومة او البحث عن حلول
وسط.
وثمة رابطة قوية وواضحة بين البروستانت والتصورات عن الفساد وتظل
العلاقة واضحة الدلالة والاهمية عند تثبيت وضبط متوسط دخل الفرد ومعنى
هذا ان حوالي ربع العلاقة بين البروستانت وقائمة تصورات الفساد مرتبطة
بالدخول المرتفعة او بالمستويات الاكثر تقدما للتطوير الاقتصادي الذي
حققه البروستانت ويعني ايضا ان 75 من علاقة البروستانت بالفساد ربما
يكون من عوامل ثقافية.
ويمكن توضيح ذلك بان فاعلية الفساد في المجتمع البروستانتي قد يكون
الفساد فيها اقل ما يمكن أي انه لا يشغل سوى الـ 25 بالمائة مما في
غيرها من المجتمعات.
فالامم البروستانتية امم ثرية فكلما زاد عدد البروستانت في بلد ما
انخفض الفساد فيما يشهد ايضا انخفاضا في الانجاز وهو لا يؤثر كعامل
فعال في الاقتصاد طالما لا يتعرض الى آفة الفساد وتظل المدخرات التي
يتكون منها المال العام تسير ببطء مكين في التنمية دون ازمات.
وتعطينا النزعة العائلية غير الاخلاقية تفسيرا مهما واساسيا عن،
لماذا تكون البلدان الكاثوليكية اكثر فسادا من البلدان البروستانتية؟.
والفهم السائد يفسر ان البلدان الكاثوليكية اكثر نزوعا نحو الطائفية
والانحياز العائلي بينما يكون البروستانت يؤكدون على النزعة الفردية
والاعتماد على النفس والمسؤولية عن العمل.
فالخطيئة من وجهة نظر البروستانت انما هي ارتكاب عقلاني يتم بارادة
الشخص وانه قد تقاعس عن اداء واجبه الديني او الاخلاقي للتصدي لتلك
الرغبات الشيطانية فنتج عن فعله واهماله الواجب اللازم ان حدثت
الخطيئة، فأضر نفسه وأضر الآخرين.
والفساد خطيئة شأنه شأن الخطايا الاخرى من تلك التي تندرج في الفعل
العملي او السلوكي او الشكلي الموحي بالتنصل للمضامين الدينية
البروستانتية وهذا يطبق بحدود كبيرة على النساء.
ولعل ظاهرة اخفاء النساء مشهورة اكثر في الوطن العربي بصورة خاصة
والمجتمعات الاسلامية بشكل عام الا ان البروستانت لديهم درجة من التشدد
في هذا السبيل حيث يقدس الرجال في حين تؤمر النساء باخفاء مناطق من
اجسادهن ومثال ذلك ان البنات من طائفة الميونيين وهي طائفة انجيلية
بروستانتية في بنسلفانيا يتعلمن القيود الصارمة التي يفرضها الكتاب
المقدس ويحظر عليهن ارتداء البنطلون.
ونعود بان الرابط الديني الذي هو الجذر الثقافي للسلوك في المجتمعات
يساهم سلبا او ايجابا في امور الفساد والفضيلة الى حد كبير، وهو رادع
او متهاون باقوى من القوانين الوضعية تاثيرا وفاعلية.
فالاديان التي تعتذر عن البشر وتتهاون في الخطيئة تكون مجتمعاتها
اكثر عرضة للفساد من تلك التي تقف بصرامة ازاء الخطيئة وتعدها تعديا
على الاخلاق الدينية والحدود الاخلاقية كثقافة سلوكية.
...............................................
المصادر/
الثقافات وقيم التقدم-لورانس هاريزون و صموئيل
هنتنجتون |