تحاشيا لـ11سبتمبر جديدة: الكونجرس يعيد هيكلة المجتمع الاستخباراتي الأمريكي    

شبكة النبأ: دفعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة نحو توجيه مزيد من الاهتمام بالقطاع الاستخباراتي وذلك بسبب الفشل الذي منيت به أجهزة الاستخبارات في كشف تلك الهجمات، ناهيك عن فضائحها فيما يخص قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية.

ومنذ ذلك الوقت أصبح للكونجرس الأمريكي دور أكبر في استصدار التشريعات اللازمة لتحسين الأداء الاستخباراتي بالتعاون مع البيت الأبيض والسلطة التنفيذية ومحاولة تنسيق الجهود بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة لمواجهة التهديدات المحتملة.

وقد كان قانون الإصلاح الاستخباراتي الذي أصدره الكونجرس في ديسمبر عام 2004 من أهم الخطوات التي تعيد تنظيم وهيكلة المجتمع الاستخباراتي الأمريكي لأول مرة منذ استصدار قانون الأمن الوطني في عام 1947.

بيد أن هناك عددا من القضايا الجوهرية لا تزال محل اهتمام ومناقشة من الكونجرس الحالي أبرزها: العمل على تنسيق الجهود بين مدير الاستخبارات القومية وبين وكالات الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع وبينه وبين مدير وكالة الاستخبارات المركزية بعد أن أخذ مدير الاستخبارات القومية سلطات إدارية ومالية لتنسيق الجهود التنظيمية مع الوكالات الأخرى خاصة فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب الدولي وحماية الأمن الداخلي، وضرورة استمرار الدعم الاستخباراتي للعمليات العسكرية إذ يتطلب ذلك الاستخدام الأمثل للضوابط والمعايير التي تضمن الدقة ووجود المعلومات وتحليلها في الوقت المستهدف. وضرورة إشراك أشخاص مؤهلين لجمع وتحليل البيانات الاستخباراتية باستخدام تكنولوجيات فائقة، وأخيرا ضرورة التنسيق بين وكالات الاستخبارات الخارجية وبين وكالات تطبيق القانون الداخلية من أجل تعميق الجهود المشتركة لمواجهة الإرهاب.

هذه القضايا وغيرها كانت محل اهتمام الدراسة التي أصدرتها مؤسسة خدمة أبحاث الكونجرس Congressional Research Services في أكتوبر 2007 وأعدها ريتشارد بيست Richard A. Best Jr الخبير في مجالي الأمن القومي والشئون الخارجية الأمريكية، ونشرها موقع تقرير واشنطن تحت عنوان: قضايا استخباراتية أمام الكونجرس Intelligence Issues for Congress.

حزمة تشريعات

تشير الدراسة إلى الخطوات التي اتخذها الكونجرس في مجال تعزيز الأداء الاستخباراتي، والتي كان آخرها تمرير مجلس الشيوخ للميزانية الاستخباراتية لعام 2008 في 3 أكتوبر 2007 بعد أن كان وافق عليها مجلس النواب في 11 مايو 2007، حيث ربط المجلس بين إقرار الميزانية وبين كل من تنسيق الجهود بين مدير الاستخبارات القومية وبين الوكالات التي تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع، وضرورة وجود منصب "مراقب عام للمجتمع الاستخبارتي" يقدم تقارير للكونجرس حول التقدم في مجال تنسيق الجهود بين الوكالات المختلفة.

وكان الكونجرس قد أصدر مؤخرا قانونين لم يجدا بعد التنفيذ المضبوط، أولهما: تنفيذ توصيات لجنة 11/9 لعام 2007، والتي استهدفت تعزيز قدرات وزارة الأمن القومي وتنسيق جهودها مع وكالات الاستخبارات الخارجية. وثانيهما: قانون حماية أمريكا الصادر في 5 أغسطس الماضي، والذي أدخل عددا من التعديلات على قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية، ويسري حتى يوم 31 يناير 2008، ويتعلق بتحديد المعايير والضوابط والإجراءات القانونية المتخذة للرقابة الإلكترونية على اتصالات أشخاص أمريكيين في الداخل والخارج قد يكونون على ارتباط بتنظيمات إرهابية.

برامج تحسين الأداء الاستخباراتي

بناء على ما سبق، يتوقع المراقبون أن تمتد مناقشة قضايا الإصلاح الاستخباراتي إلى الكونجرس الحالي، وأن يتم التركيز على مناقشة عشر قضايا أساسية، هي:

أولا: جودة التحليل الاستخباراتي:

 تبقى قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل واحدة من كبرى الاعتبارات التي تشكل السياسة الأمريكية حاليا. وبسبب الفشل الاستخباراتي حول أسلحة الدمار الشامل العراقية كما أقرته لجنتي الاستخبارات بمجلسي الكونجرس، فإن ذلك سوف يترك تأثيره على تقييم البرامج النووية في كل من كوريا الشمالية وإيران، وهو ما يستلزم جودة العمل الاستخباراتي والتحليلي لنظم معلومات معقدة في مناطق لا تتمتع أمريكا فيها بوجود كبير. وبالتالي سوف تكون هذه القضية محل اهتمام اللجان الاستخباراتية بالكونجرس.

ثانيا: تطبيق قانون الإصلاح الاستخباراتي:

يعد هذا القانون أحد الأمور المؤثرة في عمل المجتمع الاستخبارتي. ويتطلب الأمر تفعيل التشريعات كي يمارس مدير الاستخبارات القومية اختصاصاته في تنسيق جهود جمع وتحليل المعلومات بين الوكالات والأجهزة المختلفة وتحسين إدارة مركز الاستخبارات القومي؛ والذي يضم المركز التكاملي للتهديد الإرهابي والمركز الوطني لمقاومة الإرهاب، ومنع التداخل وازدواجية العمل بين جهود الاستخبارات الداخلية وتكامل عملها مع الوكالات الأخرى خاصة المرتبطة بوزارة الدفاع.

وسوف يقوم الكونجرس أيضا بمراجعات للتأكد من حيادية المحلل الاستخباراتي ومنع تسييس عمله وضمان حماية الحريات الليبرالية لدى اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب، كما سيناقش مشكلات نقص المحللين المؤهلين القادرين على التعامل مع اللغات الأجنبية بمهارة.

ثالثا: برامج استخبارات المراقبة والاستكشاف:

على الرغم من الدعم المقدم لفئة الاستخبارات الإنذارية والاستكشافية ومناقشة وضعيتها في الملاحق التصنيفية للسلطات الاستخبارتية وقوانين الاختصاصات الدفاعية وتوفير جزء معتبر لها في ميزانية الاستخبارات، فإن جهود دعم عمل الأقمار الصناعية وسائر أدوات الاستخبارات الإنذارية سوف تحتل أولوية في الكونجرس الحالي نظرا إلى تكلفتها المرتفعة واستخدامها لتكنولوجيات معقدة.

رابعا: برنامج مراقبة الإرهابيين:

 في ديسمبر 2007 انتقدت وسائل الإعلام المختلفة برنامج الرقابة الإلكترونية الذي تتبعه وكالة الاستخبارات القومية وقانون مراقبة الاستخبارات الخارجية حيث لم يتم العمل بالكثير من التوصيات والضوابط التي تم التوصل إليها في مارس 2006 بين لجنتي الاستخبارات بمجلسي الكونجرس والقيادات الاستخباراتية، والخاصة بمعايير تحكم التنصت على أفراد أمريكيين في الداخل والخارج يشتبه في صلاتهم بتنظيمات إرهابية. وفي يناير 2007 وافقت الإدارة على أن تخضع الرقابة الإلكترونية للإرهابيين لموافقة محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية وأنها لن تطلب سلطات إضافية مستقبلية فيما يتعلق بالمراقبة. وبالفعل صدر قانون حماية أمريكا في 5 أغسطس 2007 والذي عدل قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية الذي أجازه الكونجرس عام 1978، وأجاز القيام بالرقابة طبقا لموافقة مدير الاستخبارات القومية والنائب العام لمدة عام واحد، غير أن الإدارة تريد موافقة الكونغرس للقيام بالرقابة دون الحصول على إذن من المحكمة أو مراقبة المحكمة لها، وهو أمر محل نقاش ساخن داخل الكونجرس الآن خاصة في ضوء الإعداد حاليا لمشروع قانون جديد يعرف باسم "قانون إحياء النظام" تشترك في تجهيز بنوده اللجان الاستخبارتية والقضائية بمجلسي الكونجرس حيث يسعى لوضع معايير وضوابط ومحددات قانونية لإجازة الرقابة بمختلف أنواعها على ما يشتبه في أنهم إرهابيين أو على صلة بهم أو يسهلون عملهم في الداخل أو الخارج.

خامسا: دور وكالة الاستخبارات المركزية:

 لقد أدخل قانون الإصلاح الاستخباراتي في عام 2004 تعديلات واسعة على طبيعة هيكل المجتمع الاستخباراتي وعدل في مسئوليات واختصاصات مدير الوكالة المركزية، بحيث لم يصبح هو الشخص المسئول عن تقديم التقارير الاستخباراتية اليومية إلى البيت الأبيض، بل لتعزيز فئة الاستخبارات البشرية والرقابة على أنشطة الخدمات السرية الوطنية وتنسيق الجهود مع الوكالات الأخرى وممارسة صلاحية تحليل كافة الأمور المرتبطة بالقضايا الدولية التي محل اهتمام الكونجرس والحكومة الأمريكية.

على أن الكونجرس سوف يناقش سبل دعم جهود التنسيق بين مدير الوكالة المركزية ومدير الاستخبارات القومية للوصول إلى أفضل الطرق لجمع وتحليل المعلومات والأنشطة المرتبطة بالبشر ودعم عملية التحليل المعلوماتي للتقارير الموسمية، وبالتالي سوف تناقش سبل دعم مدير الوكالة المركزية في هذه الأنشطة أكثر من غيرها.

سادسا: دور مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI :

لقد تعرض هذا المكتب لانتقادات عديدة في وسائل الإعلام لفشله في التنبيه للتهديد الإرهابي الذي يهدد أمريكا وفي خطأ جمع وتحليل المعلومات الاستراتيجية والاستخباراتية وعدم مشاركته الوكالات الأخرى بل وضعف التنسيق بين عناصره ذاتها. وقد قام "روبرت موليير" مدير المكتب سريعا بإدخال بعض الإصلاحات لخلق احترافية استخباراتية عالية في مؤسسة كانت غالبا ما تركز فقط على قضايا داخلية وتنفذ القانون. ويرى الكونجرس ضرورة تفعيل دور المكتب وإدخال إصلاحات إضافية داخله وإمداده بتكنولوجيات عالية للمعلومات، وهو ما يحتمل أن يناقشه الكونجرس قريبا.

سابعا: دور الوكالات الاستخباراتية العاملة تحت مظلة وزير الدفاع:

وضع قانون اختصاصات الدفاع لعام 2003 الوكالات الاستخباراتية العاملة تحت مظلة وزير الدفاع، وحاول منع نشوب صدام بينها وبين وكالة الاستخبارات المركزية فيما يتعلق بجمع معلومات بشرية والعمل على تعزيز التنسيق المشترك بينهما، لكن العديد من التقارير تتحدث عن صراعات قائمة بينهما وتداخل في نمط الوظائف والمهام حتى أن مدير الاستخبارات الجوية الجنرال "جيمس كلابير" الذي تولى هذا المنصب أواخر عام 2006 قد تولى سابقا منصب مدير كل من وكالة الأمن القومي والوكالة الوطنية للاستخبارات التصويرية والمسح الجغرافي، وهي مناصب متباينة في هيكليتها داخل المجتمع الاستخباراتي. ولهذا سوف يناقش الكونجرس سبل تعزيز التعاون بين مدير الوكالة المركزية وبين مدير الوكالات الاستخباراتية التي تعمل بوزارة الدفاع.

ثامنا: العمليات العسكرية والمعلومات البشرية المتعلقة بالدفاع:

لقد تبين في الحملتين العسكريتين في أفغانستان والعراق أن وكالة الاستخبارات المركزية أعدت معلوماتها في انفصال تام عن القوات المتخصصة ووزارة الدفاع، ولاحظ المراقبون ولجنة 11/9 أن وزارة الدفاع حاولت تجنيب نفسها الأمر وعبرت عن امتعاضها لهذا الازدواج الوظيفي، كما أكدت التقارير الإعلامية سوء التنسيق بين الطرفين في الإعداد للعمل العسكري. وبالتالي فقد عبر كذلك مسئولو الاستخبارات أمام الكونجرس عن رغبتهم تجنب الازدواجية في التخطيط والتنفيذ لمثل هذه العمليات العسكرية وشبه العسكرية والعمليات السرية، ولا تزال هذه القضية محل اعتبار ونظر أمام الكونجرس الحالي.

تاسعا: الاعتبارات الإقليمية:

بالرغم من الأولوية القصوى لمهمة مواجهة التهديدات الإرهابية، إلا أن المجتمع الاستخباراتي يظل مسئولا كذلك عن متابعة القضايا التقليدية للأمن القومي، بما تشمله من متابعة التطورات الراهنة في الصين وكوريا الشمالية وإيران وأمريكا الجنوبية.

وتجدر الإشارة إلى أن مدير الاستخبارات القومي الأسبق "نغروبونتي" قدم في فبراير 2006 ويناير 2007 في جلسة استماع بالكونجرس تقييم المجتمع الاستخباراتي لهذا العمل والتهديدات والتحديات التي تواجه أمريكا في العالم.

عاشرا: وكالة الاستخبارات المركزية والادعاء على الأشخاص:

تحدثت التقارير الإعلامية عن غياب الأفراد والادعاء عليهم والحبس بدون اتهام في سجون العراق من خلال مسئولي وكالة الاستخبارات المركزية، وهو ما أدى إلى دخول الكونجرس على الخط ومحاولة الرقابة على هذه الأمور وعلى دور الوكالات الاستخبارتية في القبض على وترحيل المتهمين إلى مناطق أخرى، وسوف تبقى هذه القضية محل نظر أمام الكونجرس الحالي لارتباطها بشئون ترتبط بحقوق الإنسان وصورة أمريكا في الخارج.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17 تشرين الثاني/2007 - 6/ذوالقعدة/1428