عام 2008: هل سيكون عام الفيدرالية في العراق؟ 

اعداد/ صباح جاسم 

 شبكة النبأ: تشير التنبؤات الى انه بانتهاء المدة التي اتفقت عليها الكتل السياسية للبدء بإقامة اقاليم من محافظة واحدة او عدة محافظات في العراق، بداية من 11 نيسان  2008، سيكون بداية مرحلة مثيرة جديدة يتخللها الكثير من التجاذبات السياسية والإجتماعية سواء بين الكتل الرافضة لإقامة الاقاليم وتلك التي ترغب بتكوينها او صراعات داخلية في نفس الكتل المتوافقة بشان تفاصيل اقامة الإقاليم. وعلى اعتبار ان المسألة برمتها قائمة على مبادرات شعبية فإن الشعب العراقي وحده سيبقى الفيصل في هذا الشان.   

وصدر مؤخرا كتاب "عراق بمناطقه: دعامات لديمقراطية فيدرالية" وضعه بالإنكليزية المختص بالشأن العراقي، الكاتب الدانماركي رَيدَر فيسَّر، بالاشتراك مع الأميركي غارث ستاسفلد. يقوم الكتاب على إشكالية مركزية بصيغة تساؤل مفاده: هل يكون العام 2008 عام الفيدرالية في العراق؟

قدم  الكاتب رَيدَر فيسَّر عرضا سريعا للكتاب إلى وكالة (أصوات العراق) يقول فيه أنه: مع كل التخمينات عن مآل سياسة "الإندفاع" الأمريكية في العراق، يشارف العديد من المحلّلين على اعتبار يوم 11نيسان يوما تاريخيا وحاسما في تقويم عام 2008. فعند ذلك اليوم، ستنتهي التحليلات الدائرة حاليا عن تشكيل كيانات اتحادية جديدة ـ وهي الفقرة التي أُضيفت في اللحظات الأخيرة إلى تشريع الفيدرالية في تشرين الأول أكتوبر من العام 2006. فابتداءا من نيسان أبريل من العام 2008 وما بعده، يعتقد رَيدَر فيسَّر، أن خارطة العراق الإدارية ستشهد تغيرا مثيرا.

لقد فهم الغرب، فهما سيئا للصيغ الدستورية والقضائية العراقية الخاصة بتشكيل الكيانات الاتحادية الجديدة، كما يقول المؤلفان. إذ تحت الإطار القانوني الذي جرى تبنيه في تشرين الأول أكتوبر من العام 2006، هناك طريقان يفضيان إلى تحويل أية محافظة قائمة الآن إلى الوضع الفيدرالي: بالاستناد إلى مبادرتين أساسيتين (موافقة عشر ناخبيها أو ثلث أعضاء مجلس المحافظة)، أي أن أية محافظة عراقية يمكن أن تدعو إلى استفتاء عام لتشكيل كيان فيدرالي جديد ـ يتكون منها لوحدها أو تتحد مع محافظات أخرى، حيث يمكن ممارسة الطريقين أيضا (باستثناء بغداد).

ويجد رَيدَر فيسَّر أن النجاح في إقامة فيدرالية يستدعي تصويت أغلبية بسيطة لصالحها في المحافظات المعنية جميعها ، وهي "عملية معقدة، إلا أنها في النهاية طريقة قائمة على مبادرات شعبية". ويجد الكاتبان أن هذه الطريقة أو النهج تتناقض مع القرار الأخير الذي أصدره مجلس الشيوخ الاميركي بصدد الفيدرالية في العراق، أو ما أشيع عنه بأنه تقسيم، إذ أنه ينطوي على مقترحات بصدد "المساعدة" الخارجية ومؤتمرات نخبة "لمساعدة" العراقيين على تصميم خارطة إدارية جديدة ـ بعبارات أخرى، يجد الكاتبان أنها خطة لفرض الفيدرالية على البلاد أكملها، وليس "من الأعلى" وحسب، بل من الداخل أيضا.

ويعتقد الكاتب بوجود مشكل آخر ببنية الوضع الفيدرالي في العراق تتصل بمبدا الفيدرالية الأساسي نفسه: ذلك أن جزءا مهما من التسوية التي جرت في العام 2006 بصدد الفيدرالية تمثل بفكرة هي أن لجنة مراجعة ينبغي أن تضطلع بمراجعة دستور العراق الذي صيغ في العام 2005، وتتضمن امكانية طرح سؤال عما إذا يتوجب تشكيل كيانات فيدرالية في العراق كله بالإضافة إلى كردستان المعترف بها دستوريا (فنظريا، يمكن للعراق أن يظل فيدرالية تناظر الأنموذج الأسباني، مع أوجه شبه بمبادئ التفويض في المملكة المتحدة حيث تتمتع مناطق بعينها فقط بنسبة استقلال واسعة).

وعلى اية حال، لم نشهد حتى هذه اللحظة اجراء ذلك التنقيح الشامل للدستور. نعم، تشكلت اللجنة على وفق الأصول، إلا أن الأطراف المؤيدة لإقامة الفيدرالية في البرلمان العراقي (هي المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والحزبين الكرديين الرئيسين) وهم يهيمنون على اللجنة وعملها كلية بنسبة تتعدى قوتهم البرلمانية. وبالنتيجة، فان التقرير الذي قدمته اللجنة (الذي وضع بصيغته شبه النهائية في وقت مبكر من صيف العام الحالي) أبرز تشديدا متواضعا للغاية على الحكومة المركزية ولم تقم اللجنة بأية تغييرات بصدد أسس الفيدرالية.

والأهم من ذلك أن التقرير لم يكن مكتملا: فحتى المجلس الإسلامي الأعلى وحلفاؤه الأكراد لم يتوصلوا إلى اتفاق بصدد قضية كركوك،الأمر الذي يعني أن كامل عملية المراجعة الدستورية هي الآن في حكم المعلقة.

واليوم، وبعد بقاء أربعة شهور فقط على قيام كيانات فيدرالية جديدة، لا يمكن للمرء أن يعرف ما إذا كانت الأطراف المؤيدة للفيدرالية في العراق تتعمد التباطؤ في القضية برمتها أملا بإقامة الأمر الواقع قبل إجراء أي تصويت برلماني على المضي بمراجعة دستورية.

ومن المؤكد أن حكومة المالكي تبدو أنها عاقدة العزم على حماية دستور العام 2005 لأن هذه الوثيقة تشكل أساس ارتقائها إلى السلطة في العراق ـ ومؤخرا فقط بدات الإدارة الأمريكية تتأكد من أن أفكار المالكي حول "مصالحة وطنية" ما هي إلاّ مجرد إيماءات (تمثلت بزيارات إلى مناطق سنّية، وتقديم وعود بإجراء تعديلات حكومية) ولا تمس في الجوهر (أي  إصلاح دستوري). وعلى الرغم من أن القضية الفيدرالية متنازع فيها حتى في أوساط الأطراف المؤيدة لها ،كالمجلس الإسلامي الأعلى، إلا أن هناك الآن ما يشير إلى أن قادة شيعة (تحديدا عمار الحكيم، الذي ارتبط اسمه بدعاية أخرى نشطة تروّج لفكرة كيان شيعي فيدرالي منفرد) ربما يحاولون إطلاق مبادرات فيدرالية قبل نفاد الوقت.

ماذا سيحدث في العراق في 11 من نسيان ابريل 2008؟ الكتاب الجديد الذي صدر هذه الأيام بعنوان "عراق بمناطقه: دعامات فيدرالية ديمقراطية؟ (لندن: هرست، نيويورك: مطبعة جامعة كولومبيا) يسعى إلى الإجابة على هذه السؤال من خلال تحليل وجهة نظر السياسة العراقية ،فبدلا من التركيز على أولويات السياسة الغربية، يدرس الكتاب العلاقة بين الأرضية الدستورية العراقية التي تنهض عليها الفيدرالية والاتجاهات الإقليمية في السياسة العراقية.

ومن خلال تحليل نقدي للفيدرالية في العراق، يرى الكتاب أنه لو سمح للعملية الدستورية أن تسير في طريقها، فستؤمن خارطة العراق الإدارية وبنحو تدريجي شكلا مختلفا تمام الاختلاف عن مخططات تقسيم ثلاثي تجد فكرته الآن تعزيزا في واشنطن. طبعا هناك في العراق مناطق متباينة، لكنها ليست تلك المناطق التي يفكر فيها الغربيون. ففي أجزاء كثيرة من العراق، ببساطة لا يحبذ الناس فيها الفيدرالية، ولا داعي للقول هنا إلى أي مدى تدفع قوى خارجية باتجاهها.

لكن يظهر أن صناع السياسة في الولايات المتحدة عازمون على تجنب تلك الحقائق، مفضلين عوضا عن ذلك الضغط على العراقيين باتجاه أنموذج فيدرالي فج اثني طائفي لا سابقة له في التاريخ العراقي. هذا النمط من الطرق المختصرة قد يكون مغريا من وجهة نظر الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجري في العام 2008 وبروز الحاجة إلى تثبيتات سريعة للوضع العراقي، إلا أن ذلك سيعني للعراقيين نظام حكم مرتجل ومرتبك سيكون مشحونا بالتوترات الداخلية من أول يوم لوجوده.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17 تشرين الثاني/2007 - 6/ذوالقعدة/1428