المسرح العراقي وشارع المتنبي و.. نافذة على ظلال غائب

شبكة النبأ: الشارع والمسرح هذان المتبادلان يلعبان فيما بينهما اللعبة المزمنة بكونهما كانا ولا زالا يتفاعلان على مذاق الفكر الانساني رغم القوى الشريرة المتصدية لابداع الانسان، فالشارع الرمز للثقافة العراقية وللذاكرة العراقية ينهض من جديد تؤازره ارادة الانسان العراقي. 

وفي محاولة لبعث الروح الى المسرح العراقي ولإعادة الحياة الى شارع المتنبي شارع الفكر والثقافة الذي دمره انفجار مروع قبل اشهر، قامت مجموعة من الفنانين العراقيين من الرواد والشباب بمحاولة جريئة عندما قدموا عرض مسرحية "نافذة على ظلال غائب" في الهواء الطلق في شارع المتنبي وسط مدينة بغداد.

وكان شارع المتنبي الذي كان يمثل المتنفس للمثقف العراقي لما يحويه من مكاتب ومقاهي قديمة تحولت بمرور السنين الى مكان لالتقاء المثقفين والمفكرين العراقيين قد تحول الى كومة من الانقاض بداية شهر اذار مارس جراء انفجار مروع لشاحنة مفخخة كان يقودها انتحاري اوقع اكثر من ثلاثين قتيلا واصابة مايقرب من خمسة وستين اخرين.

وتسبب الانفجار بتدمير عشرات المحلات والمكاتب وحرق الاف الكتب التاريخية الثقافية والادبية والسياسية والدينية والاف اخرى من المطبوعات القديمة والناردة التي كانت تمثل ارشيفيا غنيا لتاريخ العراق القديم والحديث.

وعرضت المسرحية على بعد امتار معدودة جدا من مكان الانفجار في باحة بناية قديمة تضم العديد من المكتبات مازال اثار الدخان الاسود للانفجار يغطي اجزاء كبيرة منها.

وبجهود ذاتية من المخرج والممثلين تم تحويل باحة البناية الى مسرح لم تتجاوز مساحة العرض فيه اكثر من خمسة وعشرين مترا.

وقال حيدر منعثر مخرج المسرحية وهو احد الفنانين العراقيين المعروفين قبل لحظات من عرض المسرحية لوكالة ( أصوات العراق)  هذه ليست مسرحية للعرض او المتعة ،هذه رسالة من الفنان العراقي ليقول فيها انه موجود وانه سيساهم في اعادة احياء الانسان العراقي والحياة العراقية من جديد.

واضاف: أن الغاية من عرض المسرحية في هذا المكان هو لاحياء هذ الشارع ولتاكيد ان المسرح ممكن ان يعيش في كل مكان وان كل مكان ممكن يكون مكانا للعرض.

ومنذ الحرب التي شنت على العراق في عام 2003 هجر معظم العراقيين ماتبقى من المسارح بسبب الوضع الامني المتردي وبسبب انحسار الانتاج المسرحي بشكل كبير بسبب هجرة عدد كبير من الفنانين العراقيين الى الخارج خوفا على ارواحهم من القتل.

وقال منعثر بعد العرض:  اذا كان الناس الان خائفين من ان ياتوا الى المسارح نحن هنا لنقول لهم نحن سنذهب اليهم وسنحول كل شارع في بغداد الى مسرح.

وكانت موجة العنف والسلب والنهب التي شهدتها بغداد بعد دخول قوات التحالف في العام 2003 قد طالت العديد من مسارح المدينة حيث تعرض اغلبها الى النهب والحرق ولم تشهد المدينة منذ ذلك الحين الا محاولات معدودة للعرض المسرحي. 

وشارك ثمانية فنانين عراقيين في عرض المسرحية يمثلون ثلاثة اجيال مختلفة من الفنانين العراقيين يتقدمهم رواد المسرح العراقي سامي عبد الحميد وسامي قفطان وشذى سالم وشارك فيها رياض شهيد وزهرة بدن ومجموعة من الفنانين الشباب وهم محمد هاشم وجمال الشاطيء وميلاد سري.

وقال سامي عبد الحميد ان المسرحية: تهدف ايضا الى احياء ذكرى المؤرخ والكاتب العراقي غائب طعمة فرمان الذي هجر العراق منتصف الخمسينات وعاش في المنفى حتى توفاه الاجل وتم اقتباس وتاليف مشاهد المسرحية التي استغرق عرضها خمسون دقيقة من مجموعة القصص التي كتبها والفها فرمان.

ولعب عبد الحميد في المسرحية دور فرمان الذي يصَور عائدا الى مدينته بغداد بعد سنوات قضاها في الغربة ليرى الناس والبلاد وقد تغيرت ولم تعد كما تركها وليرى الناس يتقاتلون فيما بينهم بعد ان تركهم على الحب.

ويتساءل عبد الحميد في احدى مشاهد المسرحية " ليش اهلنا ذابلين وشايلين هموم الدنيا على رؤوسهم... ليش لقمة الخبز صارت حسره عليهم.

ويضيف: رحت لذاك الصوب (الجهة الاخرى من نهر دجلة) وشفت جسر الحديد شايليه من مكانه.. وشفت بغداد تهتز شارع شارع... وبيت بيت.

وعندما تسأله سليمة الخبازة وهي المرأة البغدادية وربة البيت المظلومة والتي لعبت دورها شذى سالم: لماذا عدت الى البلاد قال لها:  كل ارض ماعدا ارض بلادي ذكرى عابرة.

وانهار جسر الحديد وهو احد الجسور لمدينة بغداد القديمة قبل اشهر معدودة عندما تم استهدافة بشاحنة مفخخة ادت الى انهياره بشكل كامل.

وقالت شذى سالم: مثلت دور سليمة الخبازة.. وهي امرأة مظلومة تعمل خبازة وليس لها من شيء بينما اخوها يستحوذ على كل ماتجنيه... وقد اسعدني هذا الدور.

وتشتكي سليمة في المسرحية من كثرة الوعود التي قدمها لها اخوها مصطفى الذي كان يعدها بمستقبل افضل والتي لم يتحقق منها اي شيء.

 وبجوار جمعها مع فرمان الذي كان يتالم من المشاهد التي رآها في بلدته بعد ان عاد اليها تقول سليمة له:  انتظر يقولون راح تفرج والمستقبل جاي (افضل).

وقالت سالم بعد العرض انها ارادت بعملها هذا ان تقول: يبقى المسرح العراقي بخير ويبقى العراق بخير ويبقى الفنان العراقي في الطليعة دائما رغم كل ظروفه الصعبة.

وعرضت المسرحية بوجود كثيف لقوات الامن العراقية، ولم يمنع ضيق المكان وبدء عمليات اعادة اعمار الشارع وماخلفته من فوضى من حضور مايقارب من مئتين وخمسين شخصا غص بهم المكان.

وقال سالم ان هاجس الخوف بسبب تردي الوضع الامني اكيد موجود.. وهي هواجس موجودة عند الشعب العراقي وخاصة في بغداد.

 واضافت:  لكن لما تلاحظ مثل هكذا جمهور موجود تشعر انت بالاطمئنان والامان لما ستقدمه.

  وقال علي خنجر احد الاشخاص الذي حضروا العرض وهو صاحب مكتبة في شارع المتنبي دمرها الانفجار ان عرض هذه المسرحية مع هذا التجمع الكبير من الفنانين المشهورين هو بارقة امل ان الحياة ستعود الى هذا الشارع.

واضاف: عسى ان تكون هذه المسرحية رسالة الى رواد هذا الشارع بالعودة اليه مرة اخرى.

وكانت الحكومة العراقية اعلنت في الرابع من الشهر الجاري البدء بإعادة اعمار الشارع ورصد سبعة مليارات دينار (مايقارب 5.5 مليون دولار) وانها حددت فترة ستة اشهر للانتهاء من اعادة الاعمار. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 15 تشرين الثاني/2007 - 4/ذوالقعدة/1428