مفوضية الانتخابات وآليات التعيينات المبهمة

عبد الكريم الجيزاني

 مبدأ التنافس الشريف في اية انتخابات هي حالة حضارية ومشروعة طالما تتسق مع القانون والدستور وتتناغم مع الذوق العام ولا تخرج مع أطرها الأخلاقية، ولا يحق لأحد ان يضع مطبات او معرقلات أمام هذه الممارسة اذا ما وضعت لها الآليات الصحيحة وعلى رأسها ان تتصف الجهة القائمة على تنظيمها بالاستقلال والحيادية باعتبارها هي الحكم المطلوب الذي لابد ان يكون نزيهاً وكفوءاً ولا ينتمي لهذا الحزب او ذاك او الى هذا المكون او غيره لكي تأتي النتائج صحيحة تحترم فيها آراء الناخبين.

 المفوضية العليا المستقلة للانتخابات كثر الحديث عن اشكالات في آلياتها المعتمدة في ترشيح مدراء المكاتب في المحافظات بحيث أدت هذه الطرق التي يسميها البعض بـ(البدائية) لم تأخذ في حسابها الشفافية والدقة المتناهية التي لابد ان تصاحب اختيار هؤلاء المدراء باعتبارهم مستقلين ولا يتأثرون ببرامج الاحزاب والكتل المتنافسة فهم أمناء على آراء الناخبين وأمناء على صناديق الاقتراع، لكي تأتي النتائج على وفق آراء الناخبين ولكي لا يتهم بعض هؤلاء المدراء بالميل الى جهات سياسية محسوبين عليها او تقع ـ لا سمح الله ـ عمليات تزوير تخرج العملية برمتها من ممارسة حضارية ديمقراطية الى شكل من أشكال أقل ما يقال عنها عدوان على الحق الدستوري والقانوني للناخب.

 المشكلة الأساس في اختيار المدراء للمراكز الانتخابية هي الآلية التي اعتمدت في تعيينهم للدورة القادمة وهذه الآلية اعتمدت في اختيار المدراء على أساس ان يتم ترشيح خمسة أسماء من قبل أعضاء في مجلس النواب الذين يمثلون المحافظات في المجلس لتختار المفوضية احد هؤلاء المرشحين. في هذه الحالة لو افترضنا ان هؤلاء النواب هم مستقلون ولا ينتمون لأي جهة سياسية فلا يحق لأحد ان يوجه أي انتقاد لهم باعتبارهم مستقلين، اما وان اغلب نواب البرلمان العراقي بل الغالبية العظمى هم ممن ينتمون للأحزاب السياسية والكيانات المشاركة في العملية السياسية ولذلك لا يستطيع احد ان يضمن استقلاليتهم في اختيار المدراء في المحافظات على قاعدة (الكل يسحب النار الى رغيفه) وهذا ما سيؤثر على شفافية هذه الممارسة الديمقراطية ويكون سبباً رئيسياً للطعن بنتائج الانتخابات اذا ما اعتمدت هذه الآلية البدائية.

البعض يقول ان تمرير أسماء أعضاء المفوضية في مجلس النواب لم يعتمد على قاعدة صحيحة ـ والمقصود ليس الأشخاص وإنما الآلية التي استخدمت في الاختيار ـ ولابد من اعادة النظر في التعيينات التي تمت دون علم الحكومة العراقية ولم يتم التوافق على الأسماء المرشحة وخاصة في عملية هي من أهم عمليات بناء الدولة الحديثة بل واخطر مفصل من مفاصل الحياة السياسية العراقية اليوم.

 ان التخوف المشروع على هذه التجربة الديمقراطية يكمن في ان التعيينات قد جرت بشكل غير شفاف من قبل اعضاء المفوضية التي لابد ان تكون مستقلة في اختياراتها لموظفيها وبشكل دقيق جداً وهذا لم يحصل ـ حسب المراقبين ـ بل تم اختيار هذه الدرجات الوظيفية في المفوضية على حساب المحسوبية والمنسوبية لمكون معين ربما سيقدح مستقبلاً في هذا الاختيار، ونحن نسمع يومياً اصواتاً حريصة على أسس صحيحة لما سمعنا تعالي هذه الاصوات سواء داخل الكتل السياسية او تحت قبة البرلمان العراقي.

هناك من يقول ان تجربة ممارسة عملية الانتخابات هي تجربة لازالت غير رائدة وتحتاج الى دورات عديدة لكي تستند الى القاعدة الديمقراطية بشكلها الصحيح، وهذا الكلام فيه مبالغة خاصة وقد خاض ابناء الشعب العراقي ثلاث دورات انتخابية سميت بـ(الثورات البنفسجية)وجاءت بنتائج تكاد تكون مطابقة بشكل كبير لآراء الناخبين واختياراتهم، ورغم ذلك سمعنا من البعض ان حالات تزوير قد حدثت بحيث ألغيت العديد من صناديق الاقتراع في بعض المحافظات وحتى في العاصمة بغداد، وهذه الاختراقات المخالفة للدستور وقوانين الانتخابات اصبحت محل قدح وذم من اوساط محلية واقليمية ودولية وهي بالتأكيد خطأ فادح لابد من اخذه بنظر الاعتبار في الممارسة الانتخابية القادمة ولكي لا تتكرر مثل هذه الاخطاء التي جاءت بسبب عدم الدقة في ترشيحات المدراء المفوضين الذين تم اختيارهم بطريقة كما قلنا بدائية جداً لم تعتمد فيها شروط النزاهة والكفاءة والاستقلالية المطلوبة مما ادى الى حدوث مشاكل وانتقادات وجهت لكل العملية ولازلنا نعيش آثارها حتى يومنا هذا.

 الكل يعلم وابناء المحافظات العراقية يعلمون علم اليقين ان بعض الترشيحات قد تمت الموافقة عليها لاعتبارات سياسية غرضية دون الالتفات الى شروط الترشيح، وهذا ما افرز جملة من الاشكالات التي ظهرت الى السطح مما جعل العملية برمتها تتأثر بهذه الآثار السلبية ومنها تزوير الشهادات المشروطة في قبول الترشيح.

 العملية اذا لم تصحح آلياتها اليوم فإن غداً ربما يصار الى اتخاذ اجراءات قانونية دستورية تؤدي الى حجب التصويت على تمويلها مثلاً او ربما يصل الامر الى مقاطعة الانتخابات، لذلك ربما ان الجميع يسعى الى دعم العملية السياسية الديمقراطية فلا يوجد هناك مبرر يحول دون الاستماع الى الآراء المخالفة لهذه الآلية واذا ما كانت اسسها خاطئة فمن الفضائل الاعتراف بالخطأ واللجوء الى الصحيح الذي تتوافق عليه كل الكيانات السياسية لتتم الممارسة في اجواء صحية مستقلة ولكي تعطي صورة مشرقة لا يمكن القدح بها او ذمها.

المطلوب تغيير الآلية المعتمدة في التعيينات وذلك بتشكيل لجنة محايدة مستقلة تشترك فيها كافة الكتل السياسية والسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية ولا تكون حصراً ـ الاختيار ـ بجهة واحدة الامر الذي سوف يؤدي الى عدم استقلالية الاختيار.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12 تشرين الثاني/2007 - 1/ذوالقعدة/1428