الحرب.. مرض الانسانية المزمن

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ:  اذا اخذنا بنظرية التطور الداروينية فاننا نجد بان اصل تطور الانواع ناتج من صراعها المستمر مع بعضها البعض وان الانسان انبثق من مخاض الحرب ليمتلك الوسيلة العظمى في السيطرة على بقية القوى المتصارعة.

ان ظاهرة الحرب في التاريخ من اهم الظواهر التي يمكن ان يتامل فيها الانسان حيث انها ظهرت بصورة موازية لوجوده على الارض وستبقى تمثل الجزء الاساسي من علاقاته السوسيولوجية بينه وبين الآخر.

وقد تلونت ظاهرة الحرب بالوان مراحلها التي مرت بها ومع تباين الدول والحكومات والسياسات والجيوش والاسلحة والاعتدة فضلا عن اختلاف المجتمعات والحركات الاقتصادية، وكان الاقتصاد وعوامله من ابرز اسباب اندلاع الحروب منذ العصور الكلاسيكية.

والحرب ظاهرة تاريخية اذ انها ليست ابنة زمان ومكان معينين، لقد كانت على مدى الزمان تعبير عن حاجات وضرورات معينة في حقبة من الحقب، حصيلة اهواء ونزاعات وثارات وخطط ومؤامرات وتشريعات وقد تلاعبت بها الاساطير والاوهام ومن ثم العقائد والاديان والايديولوجيات والانظمة لتعبّر بمجملها وبوسائل متنوعة برا وجوا عن طموحات وغايات لا حدود لها.

وفيما كانت قد استفادت بعض الانظمة ودول من ظاهرة الحرب عبر التاريخ لكن هناك انظمة ودول او مجتمعات دفعت اثمان باهضة بعد ان سحقت بقسوة بعد الخوض في حرب لا معنى لها.

فمن سجلت له الحرب انتصارا اصبحت له القدرة على المشروعية والنفوذ ويمكنه ايضا ان يعيد صياغة التاريخ! وفق ما يريد ومن سجلت له الحرب الهزيمةانكفأ وخسر كل شئ معنا شاملا لكل تاريخه.

واذن فالحرب تقف نقيضا ازاء نقيض النقيض كما يقول المفكر الدكتور سيار الجميل.

** فيما يصفها الإمام الشيرازي بالشذوذ الانساني الذي ينتبذ المغاير عن المبدأ الديني وهي أي الحرب خارج اطار السليقة التكوينية او المعرفية لدى البشر.

ان ظاهرة الحرب تعلمنا ان أي حرب تشتعل هي اسوا وسائل الانسان في الدمار والتهلكة والخراب ولا يمكن لاي انسان ان يقبل بها لكنها تبقى في عرف من يشعلها ضرورة ماسة للإصلاح واعادة الحق وحفظ الحدود والدفاع عن الاوطان، انها كما تبدو لكبار قادة الدول الكبرى حاجة مهمة لتحريك الاقتصاد وانتقال الانسان والبحث عن المجهول، انها ظاهرة لن تنتهي ابدا وستبقى في اماكن عديدة من العالم وخصوصا في بؤر التوتر المتنوعة، ما دامت هناك دولا تطور اسلحتها وترساناتها الحربية فان ثمة حروبا يجري اذكائها في تلك الاماكن.

وتبدو اليوم ظاهرة الحرب واضحة ضد الارهاب وهي الوجه المختلف نوعيا عن تنوعات الحرب.

أي ان العالم اليوم في حرب سماها صمؤيل هنتينجتون قبل سنوات بـ صدام الحضارات فما هو المتوقع في القادم من الزمن؟.

الفكر الفلسفي الحديث كان له فهما آخر لطبيعة الحرب وذلك في اعقاب حروب عسكرية وثورات اجتماعية وتحولات علمية واقتصادية عرفت معظمها القارة الاوربية من الثورة الفرنسية 1789 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 لقد انطلقت الاجابة عن طبيعة الحرب من الانسان اولا ثم من حقيقة الواقع التي اوصلت اليه مجموعة تلك التطورات وفي هذا الاطار قدم فريدريك نيتشه ومارتن هيدجر مساهمة فلسفية قد تكون هي الاكثر تاثيرا في بناء مفهوم جديد لطبيعة الحرب على الرغم من تفاوت رؤية كل منهما واختلاف مواقفه منها.

فنيتشة يعتقد بان الحرب هي إداة لـ لأرادة القوة وان من طبيعتها قلب وتغيير كل شئ.

ويرى هيدجر انها احد اوجه القدرة على امتلاك الوجود والتصرف والتحكم به بما هي وجه التقنية البارز والمعبر عن ـ ارادة العمل .

يجد مفهوم الحرب جذوره في مفهوم الصراع وهو اساس فلسفة الاخلاق النيتشوية التي عرضها في كتاب جينيالوجيا الاخلاق، باقسامه الثلاث الخير والشرل ـ الخطيئة والضميرـ مثل الزهد.

ويرى ان الاخلاق ذاتها غير اخلاقية بوصفها مجرد انعكاس لصراع القوة، فقد ولدت تلك الاخلاق من روح القوة والاحقاد والضغائن، اما مفهوم الخير والشر فهو قد فرض سلوكيا في المضادات الاجتماعية فالفقراء يصفون النبلاء بالجشعين والانذال او الاشرار فيما ينعت الاقوياء الفقراء بالرعاع.

ان تكاتف الضعفاء اولا ثم قيامهم باسقاط قيم الاقوياء اوصل الى قلب ميزان القوى وقلب فضائل الاقوياء كالشجاعة والكبرياء والقسوة وحب الاسراف ... الى عكسها وجعلها دون قيمة فيما رفع الفقراء من قيمة ضعفهم من خلال مفهوم التواضع الخضوع الشفقة والكد..

ثم يقول نيتشة: تبدأ ثورة العبيد في الاخلاق حينما يصبح حقدهم هو نفسه مبدعا ومولدا لقيم، هؤلاء لا يستطيعون الحفاظ على انفسهم بوجه أي أذىً بغير اللجوء الى انتقام متخيل!.

والعقائد الدينية وخصوصا الاديان الثلاثة السماوية فاليهود يؤمنون بان الحرب بامر الله سبحانه وتعالى لكن العبرانيين لم يجدوا في الحرب مادة محببة لهم لكنهم وجدوا انفسهم مادة لها.

وقد رفضت المسيحية الاولىٍ الحرب ولعنتّها وتضمنت عقيدتها مبادئ عدم العنف كالتي اعتنقها تولستوي ومارتن لوثر كنج لكن تاريخ الكنيسة بانقساماته المتنوعة برر الحرب وعنفوانها عندما صارت تعبيرا عن الارادة الالاهية والتي برزت بشكل قوي جدا في الحرب الدينية بين المسيحية والاسلام والمعروفة بالحرب الصليبية او الحرب المقدسة كما سميت من الجانب المسيحي، قد مجدت بافراط رغم انها من اشد الاعمال بربرية وقسوة وهمجية.

يقول كاهن كاتدرائية بوي بمناسبة الاستيلاء على بيت المقدس:

كنت ترى اشياء تدعو الى الاعجاب.. كنا نرى اشلاء من الرؤوس ومن الايدي واقدام في الطرقات والميادين العامة في المدينة وفي جميع الجهات، كان الجنود والفرسان يسيرون فوق الجثث، وفي المعبد والرواق كانت الخيول تخوض في الدماء التي تصل الى ركب الفرسان، والى اعنّة الخيول، انه حكم عادل وعظيم من الله الذي يشاء ان يلطخ هذا المكان بدماء اولئك الذين كانوا قد دنسوه بمسبتهم للدين فترة طويلة.. انها مشاهد سماوية.. في الكنيسة وجميع ارجاء المدينة راح الشعب يبتهل شكرا لله !.

والحرب من الوجهة الاسلامية الاصيلة انما هي في حقيقتها مبادرة الغير ورد الفعل من المستقر في دفع الظلم والعدوان ولذا فان الاسلام هو الوحيد الذي لا يتورط بالمبادرة ويعرض السلم والقبول بالآخر من وضع مستقل.

** يقول الإمام الشيرازي (قده):

ان الاسلام هو السلام والسلم ويقبل بالخيارات التي هي اقل من الحرب.

وينص القرآن على المسالمة والجنوح لخيار المهادنة ووضع حل الامور على عاتق الزمن بكون الزمن يحل ويغير في المفاهيم ويمتص الازمات وبكونه يهضمها من خلال متغيراته المتتالية.

ومفهوم الجهاد في الاسلام قد اختلفت في تفسيره المذاهب الاسلامية تبعا لمسيرة التاريخ وعلاقات المسلمين مع غيرهم في الصراع عبر القرون، وهو وفق الرؤيات الحديثة اتخذ مرونة العصر أي ان التفسيرات في الجانب المعتدل الاسلامي قد وضع البيئة العالمية وفق المرحلة التاريخية بنظر الاعتبار وهو امر واقعي ذلك لأن البيئة القديمة من التاريخ بيئة حربية توسعية من قبل جميع الاطراف المتصارعة وهي الفترة التي كان الجميع يرغب بالحصول على مساحة جغرافية اوسع في مستوى الدين او الهيمنة الاقتصادية او العرقية، فان مثل هذه البيئة التاريخية تفرض ضرورة الحرب هجوما او دفاعا فلا وجود للضعيف وهذا ليس في الحسبان في نطاق البيئة المعاصرة رغم تواجد الصراع المختلف نوعا واساليب.

......................................................................

المصادر:

نظرية اللاعنف- الإمام الشيرازي

مجلة عالم الفكر- الدكتور سيار الجميل

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12 تشرين الثاني/2007 - 1/ذوالقعدة/1428