في ظل الأزمة المتصاعدة: باكستان بين فوضى التطرف ودكتاتورية العسكر

اعداد/ صباح جاسم

 شبكة النبأ: تقف باكستان في ظل الازمة السياسية المتصاعدة في مفترق طرق حيوي بين الديمقراطية التي ترشح هيمنة الاسلاميين المتطرفين وبين العودة للحكم العسكري المبني على قانون الطوارئ لغرض السيطرة القسرية على مقاليد الأمور في البلاد التي تعاني من عدم استقرار منذ انقلاب الجنرال مشرف على حكومة نواز شريف عام 1991 وحتى الان.   

واعلنت رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو غداة رفع الاقامة الجبرية عنها "الحرب على الدكتاتورية" لتبقي بذلك الضغط على نظام الرئيس برويز مشرف الذي وعد بالغاء حالة الطوارىء بعد شهر.

وفي اول خروج لها ليلا بعد التراجع عن قرار منعها من مغادرة منزلها في اسلام اباد ظهرت فجأة وسط تظاهرة للصحافيين للمطالبة بحرية الصحافة احيطت بتغطية اعلامية كبيرة.

والقت بوتو وسط التظاهرة وهي تحمل مكبرا للصوت كلمة حماسية وعدت فيها "بشن الحرب على الدكتاتورية".

وللمفارقة اعلن التلفزيون الباكستاني ان الحكومة طلبت من ثلاثة صحافيين يعملون لحساب صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية مغادرة باكستان في الايام الثلاثة المقبلة لنشرهم "مقالات فظة ومهينة لباكستان وقادتها"

وتوجهت بوتو بعد التظاهرة يتبعها عن كثب مئات الصحافيين من العالم اجمع الى امام منزل رئيس المحكمة العليا السابق الذي اقاله رئيس الدولة قبل اسبوع مع فرض حال الطوارىء مطالبة بلقائه.

ولم يتحرك الشرطيون الذين يسدون المنافذ المؤدية الى مقر اقامة القاضي افتخار محمد شودري الخاضع فعليا للاقامة الجبرية.

وصاحت بوتو "انه ما زال رئيس المحكمة العليا". ووعدت بوتو ايضا بالرغم من حظر التجمعات العامة بموجب حالة الطوارىء بالابقاء على "مسيرة طويلة" مقررة ليوم الثلاثاء بين لاهور كبرى مدن الشرق الباكستاني واسلام اباد بغية الحصول على تأكيدات بمواصلة العملية الانتخابية.

وتحت ضغط الشارع وضغط واشنطن خصوصا اعلن الجنرال مشرف الخميس ان الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة مبدئيا منتصف كانون الثاني/يناير ستنظم بعد شهر من ذلك.

ومشرف هو الحليف الرئيسي لواشنطن في "حربها على الارهاب" بينما تشكل الولايات المتحدة المصدر الرئيسي لمده بالاموال.

لكن بوتو اعتبرت هذا الاعلان "مبهما" وابقت على تجمع لحزبها كان يفترض ان يجرى الجمعة في احدى ضواحي اسلام اباد. الا ان الشرطة اجبرتها على البقاء في منزلها وطوقت مدينة روالبندي التي كان يفترض ان يجري فيها التجمع مشيرة خصوصا الى "تهديدات محددة جدا لامنها" وامن انصارها.

وكان اعتداء هو الاخطر في تاريخ باكستان استهدف قبل ثلاثة اسابيع بوتو خلال تجمع لانصارها في كراتشي (جنوب) واسفر عن سقوط 139 قتيلا في 18 تشرين الاول/اكتوبر.

ووقع الاعتداء يوم عودة بوتو الى باكستان اثر اصدار الجنرال مشرف عفوا عنها بعد ثماني سنوات قضتها في المنفى هربا من اتهامات باختلاس اموال عامة عندما كانت في السلطة (1988-1990 و1993-1996).

لكنها بدلت موقفها الاربعاء من خلال الدعوة الى التظاهر احتجاجا على حالة الطوارىء بينما كانت تتفاوض منذ اشهر مع مشرف بشأن اتفاق على تقاسم السلطة.

اما قادة المعارضة الآخرون فقد دعوها الى الاختيار واعلان "معسكرها" بشكل واضح. ويقضي الاتفاق الذي اعلن قبل فرض حالة الطوارىء بان يدعم حزبها مشرف في الانتخابات التشريعية مقابل توليها منصب رئيس الوزراء.

وقد فرض الرئيس مشرف حالة الطوارىء مبررا ذلك بتصاعد الاعتداءات الاسلامية بشكل غير مسبوق وتدخل القضاء في الحياة السياسية.

ورأت المعارضة والعواصم الغربية ان مشرف استخدم ذلك حجة للتمسك بسلطة مترنحة مع اقتراب الانتخابات التشريعية خصوصا بعد اقصائه قضاة المحكمة العليا المعارضين له وبينهم شودري.

ومن المفترض ان تبت اعلى سلطة قضائية في البلاد قبل 15 تشرين الثاني/نوفمبر باحقية مشرف بترشيح نفسه الى الانتخابات الرئاسية قبل اعلان فوزه الرسمي في 6 تشرين الاول/اكتوبر في الاقتراع غير المباشر للمجالس الوطنية والمحلية المنتهية ولايتها والمؤيدة له.

غيتس: أزمة باكستان تقوض جهود مكافحة الإرهاب

من جهة اخرى  قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس إن الأزمة الداخلية التي تشهدها باكستان حالياً قد تقوض مساعي التصدي للمليشيات المتشددة هناك، فيما لمحت إدارة واشنطن أنه من غير المرجح قطع المساعدات الأمريكية عن حكومة الرئيس برويز مشرف.

وأعلن غيتس أمام حشد من الصحفيين عقب ختام جولة آسيوية أن استمرار الأزمة الداخلية في باكستان يشتت التركيز عن مواجهة التشدد المسلح والإرهاب، نقلاً عن الأسوشيتد برس.

وأوضح قائلاً في هذا السياق: مبعث قلقي أنه كلما طال أمد الأزمات الداخلية، ينصرف تركيز الجيش وأجهزة الأمن الباكستانية عن التهديدات الإرهابية على الجبهة الأمامية.

ومن جانبه انتقد الناطق باسم مجلس الأمن القومي لأمريكي، غوردون جوندروي، حملة القمع التي تبنتها الحكومة الباكستانية منذ إعلان حالة الطوارئ منذ أكثر من أسبوع.

وقال جوندروي: نظل قلقون حول استمرار حالة الطوارئ وقمع ركائز الحريات،  وندعو السلطات الباكستانية إلى سرعة إعادة النظام الدستوري والنموذج الديمقراطي.

وكان البيت الأبيض قد رحب بتحديد مشرف موعداً للانتخابات واصفا تعهده بالخطوة الإيجابية في خضم حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها البلاد مؤخرا.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو، نعتقد أنه أمر جيد قيام الرئيس مشرف بتوضيح موعد الانتخابات للشعب الباكستاني.

ويطالب مشرعون أمريكيون إدارة واشنطن بوقف المساعدات الأمريكية عن الحليف المحوري في الحرب عن الإرهاب، التي بلغ قدرها نحو 10 مليار دولار منذ عام 2001.

وقالت النائب الديمقراطي نيتا لويي، التي ترأس عمليات الإنفاق الداخلية والأجنبية في مجلس النواب: ما لم يلجأ مشرف إلى وقف حملة القمع مباشرة، فلن يجد الكونغرس مناصاً سوى تقييد المساعدات الأمريكية إلى باكستان.

وطالبت بتجميد تقديم المساعدات النقدية فوراً عن حكومة باكستان.

ونقلت الأسوشيتد برس عن مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية خلصت إلى أنها غير مطالبة قانونياً بقطع أو تعليق مئات الملايين من الدولارات التي تقدم كمساعدات إلى باكستان، بالرغم من فرض مشرف حالة الطوارئ وشنه حملة قمع ضد المعارضة.

وخصصت الإدارة الأمريكية مساعدات قدرها 845 مليون دولار لباكستان خلال العام المالي الحالي الذي بدأ في الأول من أكتوبر/تشرين الأول الفائت.

تعديل قانوني يسمح للمحاكم العسكرية بمحاكمة مدنيين

وأجرى النظام العسكري في باكستان تعديلاً على قانون يمنح بموجبه للمحاكم العسكرية محاكمة مدنيين بتهم مثل الخيانة والتحريض على إثارة القلاقل العامة، فيما تواصل زعيمة المعارضة التحضير لمسيرات احتجاج ضد النظام الحاكم في البلاد.

وتأتي هذه الخطوة بعد أسبوع على القرار الذي اتخذه الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، وفرض فيه الأحكام العرفية وحال الطوارئ في البلاد في خطوة تصب في اتجاه مقاومة تنامي "النزعات الإسلامية المسلحة."

غير أن الأهداف الرئيسية لقراره صبت باتجاه "إخراس" الأصوات المنتقدة، بما في ذلك القضاء المستقل ووسائل الإعلام، وفقاً للأسوشيتد برس.

وعلى صعيد آخر، قال المدعي العام الباكستاني مالك محمد قيوم إن الحكومة سترفع حالة الطوارئ خلال شهر، إلا أنه رفض الإدلاء بالمزيد من التفاصيل أو الإفصاح عن موعد إعلان الحكومة رسمياً في هذا الشأن.

وينفذ الإعلاميون في كافة أنحاء باكستان السبت احتجاجات على فرض حالة الطوارئ وتعطيل وسائل الإعلام.

واقتحمت الشرطة الباكستانية مبنى أحد المقار الإعلامية حيث احتشد الصحفيون هناك في مدينة "بيشاور" فيما طوقت السلطات الأمنية مقراً إعلامياً آخراً بداخله صحفيين في لاهور.

مظاهرة ضد مشرف في لندن

وتظاهر نحو 1000 حقوقي ، أمام 10 داونينغ ستريت، مقر إقامة رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، داعين حكومته إلى التشديد على طلب إعادة الديمقراطية كاملة إلى باكستان.

وحمل المتظاهرون شعارات ولافتات تدعو إلى استقالة مشرف، وكانت من ضمن المشاركين جميما خان، الزوجة السابقة لنجم الكريكت والسياسي عمران خان. بحسب رويترز.

كما حمل المتظاهرون أعلام باكستان ولافتات كتب عليها "أطلق البريء" و"أنهوا نظام مشرف."

ومنذ إقرار حالة الطوارئ، لا يغادر عمران خان، الذي يتزعم حزب "الحركة من أجل العدالة" منزله حيث أنه رهن الإقامة الجبرية.

واشنطن تعرب عن ارتياحها بعد "توضيح" مشرف موعد الانتخابات

وفي سياق متصل عبر البيت الابيض عن ارتياحه بعد "توضيح" الرئيس الباكستاني برويز مشرف موعد اجراء الانتخابات التشريعية في بلاده لكنها دعت الرئيس الباكستاني الى اتخاذ اجراءات اخرى لاعادة الديموقراطية الى بلده. بحسب فرانس برس.

وقالت المتحدثة باسم البيت الابيض دانا بيرينو، نعتقد ان توضيح الرئيس مشرف موعد الانتخابات امر جيد للشعب الباكستاني.

ودعا الرئيس الاميركي جورج بوش مشرف الى اجراء الانتخابات التشريعية والاستقالة من منصب قائد الجيش الذي يشغله.

وقال المتحدث باسم الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان اعلان موعد للانتخابات "خطوة ايجابية". الا انه اضاف ان هناك مراحل مهمة اخرى يفترض ان تجتازها باكستان قبل ان تستعيد طريق الديموقراطية ودولة القانون.

والمح ماكورماك الى ان استقالة مشرف من منصب قائد الجيش تشكل واحدة من هذه المراحل. وقال نحن وغيرنا طلبنا منه تنفيذ الوعود التي قطعها (...) والاهم من ذلك هو ان الشعب الباكستاني ينتظر منه الوفاء بهذه الوعود".

وكان الرئيس الاميركي ذكر مشرف الاربعاء بان الانتخابات التشريعية يجب ان تجرى وبان عليه الاستقالة من منصب قائد الجيش.

وقال بوش في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، تحدثت للتو الى الرئيس مشرف ورسالتي واضحة جدا. الولايات المتحدة تريد انتخابات كما كان مقررا وتخليكم عن البزة العسكرية.

وكان مشرف الذي استولى على السلطة اثر انقلاب ابيض في 1999 علق الدستور وفرض رقابة مشددة على وسائل الاعلام منذ فرض حالة الطوارىء السبت الماضي.

وتشهد باكستان منذ ذلك الحين تظاهرات سلمية تقمع بعنف اعتقل خلالها حوالى ثلاثة آلاف شخص او فرضت عليهم الاقامة الجبرية.

وردا على سؤال عن احتمال ان يؤدي مزيد من التظاهرات الى مزيد من العنف في باكستان اكد ماكورماك ان تقديم النصح الى بوتو ليس من شأن الولايات المتحدة لكنه المح الى ان واشنطن تفضل تخليها عن هذه الخطة. وقال، نحن مقتنعون بضرورة ترك مجال في كل مجتمع ديموقراطي (...) لحوار سياسي منفتح وسلمي.

واضاف، لكن من المهم جدا في هذه المرحلة المهمة من تاريخ باكستان والتقلبات السياسية ان يفعل القادة المسؤولون ما بوسعهم للمحافظة على اجواء هادئة.

وتابع ماكورماك، اذا وصلنا الى وضع ينتشر فيه العنف فان ذلك يمكن ان يعرقل عودة باكستان الى طريق الديموقراطية والشرعية الدستورية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12 تشرين الثاني/2007 - 1/ذوالقعدة/1428