شبكة النبأ: منذ أعوام مضت والعراقيون
بات شغلهم الشاغل وهمهم الاول أن يرددوا تلك العبارة التي ذاع صيتها
على خارطة الوعي العراقي، من دون كلل أو ملل ومن دون أن يصيبهم هاجس
الشك والريبة، على امل ان تكون قارب النجاة لكل المنغصات التي باتت
تعصف بواقعهم ومستقبلهم، الا وهي كلمة الإعمار تلك الكلمة التي باتت
تشكل العنوان الابرز والسمة المميزة في قاموس المؤسسة الاعلامية بشقيها
المسموع والمرأي على قاعدة الاعلام صوت الشعب.
الا اننا مع شديد الاسف ولحد ساعة اعداد هذا التحقيق لم نرى بما
يطمئن النفس ويدلل على صدق المدعيات على ارض الواقع، لذلك الاعمار
الحقيقي الملموس، ولا أولئك المعمرون، على الرغم ما تتناقله وسائل
الاعلام اناء الليل واطراف النهار عن تلك الارقام الهائلة، التي لو قدر
لها أن تفصح عن نفسها لغطت عين الشمس كما يقول القائل.
ومن اجل الكشف عن ملابسات اللغط الدائر في الاوساط الشعبية والرسمية
لا يسعنا الا أن نستطلع أراء بعض المواطنين والمختصين عن تلك الظاهرة
التي باتت تستقطب اهتمام الكثير من شرائح المجتمع العراقي وباتت تفيض
بالكثير من التساؤلات والارهاصات المريبة، ومن اجل ذلك كانت لـ(شبكة
النبأ المعلوماتية) هذه الوقفة:
معضلة وليست مشكلة
اول من تحدثنا اليه الاستاذ (سمير الكرخي) وهو أستاذ محاضر في جامعة
كربلاء مختص في الاقتصاد، حيث قال: هناك ثمة عتمة في الرؤية أزاء تلك
الاموال وكذلك أزاء الية الصرف وربما هناك اشكال كبير في عملية
انسيابية التخطيط لتلك المشاريع، وهذه القراءات الاولية والمتواضعة هي
دليل قاطع على كون العملية برمتها تحتاج الى عملية قيصرية تجتث كل تلك
العلائق التي ليس لديها الباع الطويل في أدارة هكذا مشاريع.
واضاف، نحن أمام معضلة وليست مشكلة كما يحلو للبعض تسميتها من باب
تهوين الامر، فهناك أموال تهدر وهناك طاقات تبدد وهناك أناس يعملون في
مجالات لا يتسنى لهم العمل بها إلا في ظل ظروف غير طبيعية كما هو الحال
في العراق اليوم، ومن هذا المنطلق يجب ان نتخذ من التجربة الإمارتية
مثال حي وهي تحاول دائما استقطاب العلماء والمهندسين والاقتصادين
العالميين لإدارة أمور الدولة والعمران، وما تراه اليوم على الساحة
الإمارتية لهو الحقيقة التي لا تحتاج الى برهان أبدا.
أما المهندس(سليم حسين) فعزا الامر الى عدم وجود تخطيط علمي مدروس
وعملي، فيقول: كثيرة هي المشاريع التي آلت الى الفشل الذريع في
مجالاتها الحيوية واعتبرت سقطات أقتصادية ماحقة للمال العام وهدر
للطاقات البشرية وما يتطلبه الامر برمته من مستلزمات أخرى، والسبب يعود
اولا واخيرا الى سوء التخطيط أذا لم نقل أنعدامه بشكل نهائي، وهذا ما
أبقى البلد يعاني من انعدام التنمية والتقدم الى الامام، بل ان تلك
المشاريع تساهم بتسريع حالة النكوص الى الوراء، ففي قطاع الخدمات مثلا
نجد ان عملية تبليط الشوارع التي تمارسها البلديات اليوم، حيث لا تلقي
بالا الى انشاء المجاري او شبكة الماء الصالح للشرب، فتكسوا الطرق ولا
تمضي الا فترة وجيزة وتقوم هي نفسها بازالة هذا الاكساء لحل المعضلة
المطمورة تحت التبليط، وبهذا تجري المشكلة مجرى الاستمرار في دائرة
مقفلة، وهذا هو اليوم مشهد حالة الإعمار الجارية في العراق على قدما
وساق.
عمليات( تقليم)
المواطن( أبوجعفر) وهو من حي السلام في كربلاء: فضل ان يعطي مثالا
عمليا بهذا الشأن، ورغم انه ذهب باتهاماته وشكواه الى حد بعيد لدرجة
نفيه وجود اعمار وتصويره الامر على أنه نهب وسلب فقط، وهو ما قد لا
نوافقه الرأي فيه بشكل مطلق، الا اننا ننقل رأيه بكل حريه هنا حيث
يقول: على سبيل المثال وليس الحصر هناك مدرسة في منطقتنا هي في عداد
المدارس المنجزة منذ أكثر من عامين ولكن لحد الان هي في طور الانشاء،
وأني لأعجب اين الجهه المسؤولة عن الاعمار، واضاف، اليس من واجبها ان
تتابع هذه المشاريع، علما بأن مناقصة المدارس او المشاريع تخضع لعملية(
تقليم ) فهي تباع وتشترى من قبل المقاولين أنفسهم، فكل مقاول يأخذ حصته
ومن ثم يبيعها على مقاول اخر فهل يصدق هذا الفعل في قانون المقاولين!!؟
ناهيك ان المقاول نفسه يتعرض الى عملية ابتزاز من قبل المهندس المقيم
وذلك لغرض المساومة على بنود العقد المبرم بين الحكومة والمقاول مقابل
مبلغ معين، وإلا يحاول المهندس جاهدا أن يجعل المقاول يخسر بشتى الطرق،
وفي مجمل الامور هناك مافيا منظمة تحاول أن تجعل عملية الإعمار مجرد
حبر على ورق وفي حقيقة الامر ليس هناك إعمار، بقدر ما يتعلق الامر
كونها مشاريع للسلب والنهب فقط، وإلا لو كان هناك فعلا اعمار كما يدعون
أولئك المسؤولين على مختلف مناصبهم فأين هو، وأين ذهبت تلك المليارات،
أرشدونا وفقكم الله.
نظام أوطأ العطاءات والحيلة الشرعية
ومن ثم التقينا الموظف في بلدية كربلاء السيد (ح،د) حيث قال لـ(شبكة
النبأ): هناك ثمة فقرة تقول بأن الجهه المعنية بالمقاولة غير ملزمة
بقبول أوطأ العطاءات وهذه الفقرة هي أشبه ما تكون بالحيلة الشرعية فمن
خلال هذا الفقرة تمرر الكثير من المناقصات الى أشخاص معينين وفق أتفاق
مسبق، فضلا عن ذلك يدور الحديث اليوم عن خطة المئة يوم وهذه الخطة لا
تتعدى كونها هدر المال العام ليس إلا، ناهيك عن ذلك فأن قيمة هذه الخطة
تتجاوز الملياري دينار عراقي، اليس الأجدى بالحكومة المحلية على سبيل
المثال أن تفكر في شراء أو تطوير المعامل الموجودة أصلا في المحافظة
كمعمل الالبان او معمل التعليب او معمل الشمغ أو تفكر جديا في زيادة
الطاقة التشغيلية لمعمل السمنت، فهي توفر بذلك فرص عمل أكبر للعمالة
المعطلة في كربلاء، بالاضافة الى ذلك فتلك المشاريع هي مشاريع دعم
للعملية الاقتصادية، فما فائدة الشارع أو فائدة الرصيف طالما نحن بين
فترة وأخرى نعيد عملية تأهيلية من جديد، فبالتاكيد هي عملية تسويف ليس
الا، كما تنم بشكل واضح بأن هناك قصور في الفهم لعملية استغلال تلك
الاموال المخصصة للاعمار.
قصور واضح تتحمله الحكومة والجماهير
أما محطتنا الاخيرة فكانت مع احد المهندسين المختصين في مجال
المشاريع بالاضافة الى كونه مقاول وقد أنيطت اليه عدد من المشاريع،
لكنه رفض ذكر اسمه، حيث قال لـ(شبكة النبأ): لا شك بأن عملية الاعمار
تواجه عدة معوقات فنية وادارية، وكلا الامرين عالم قائم بذاته يتطلب
منا خبراء مختصين بمجال أعمار وتطوير المدن، ناهيك انه يجب أن يتوفر
عامل الحرص الشديد في الوقت ذاته من أجل أدارة هذه المشاريع.
بالاضافة الى ذلك هناك سلسلة ادارية دقيقة جدا يجب وجودها من أجل
أن نضمن سلامة الاموال وكذلك سلامة المشاريع بما يخدم العراق في
المرحلة الحالية والقادمة، ومن خلال هذا الايجاز البسيط تلاحظ بأن
العملية ليست بالامر اليسير ليعمل في هذا المجال كل من هب ودب، ونحن
نعلم علم اليقين بأن غالبية المسؤولين في الحكومات المحلية هم في
الغالب أشخاص غير ذوي أختصاص وحتى أن وجد بعضهم فهم غير ذوي خبرة
حقيقية وواسعة بمجال التخطيط والعمل العمراني والاقتصادي، بعضهم لا
يتعدى كونهم سادة او شيوخ عشائر او وجهاء والبعض الاخر هم يمثلون كتل
سياسية او حزبية ليس الاز
وما أريد قوله بأنهم لا يمتكلون المؤهل أو الخبرة في مجال البناء
او اعمار البلدان، لذا فمن الانصاف أن لا نحمل هؤلاء الاشخاص تبعة هذا
القصور بل تتحمله الحكومية المركزية والناس أنفسهم لانهم انتخبوا أناس
لا يمتلكون المواصفات او الدراية الكافية على تحديد الاولوية للمشاريع
الاستراتيجية والمهمة على المستقبل القريب والبعيد.
اخيرا نستشف وعلى ضوء تلك الاراء وان لم تكن بالشمولية والسعة
المرجوة بأن عملية الاعمار في عموم البلاد، كانت ولا تزال تسير بخطى
متعثرة ان لم تكن تتراجع الى الوراء، لان ثمة حلقة مفقودة في عملية
انتهاج استراتيجية محددة تتبلور من خلالها موازنة دقيقة تحاول ان تمد
جسور الاعمار بين الحاضر والمستقبل، وهي تتمحور في عدم وجود كوادر
كفوئة لها القدرة على تجاوز دوامة التخبط والعشوائية بل ربما الفوضى،
ولن يكون ذلك إلا من خلال ارساء اسس علمية صحيحة وان يتوفر عامل اخر في
غاية الاهمية الا وهو الاخلاص والامانة.
|