القوادون الجدد !!!

مهند حبيب السماوي

 يؤكد الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه على أن " المهنة هي العمود الفقري للحياة " من خلال مايمكن أن تعود به على الإنسان من فائدة مادية فضلاً عن أحساسه بوجوده وأن له عمل ووظيفة في الحياة , إلا أن  هذا الفيلسوف المشاغب  يرى من جانب أخر أن هنالك جوانب سلبية فيها بحيث أنه لكل مهنة _ ولو كانت منجم من ذهب_ سماء من الرصاص تُثقل على الروح وتُثقل الى أن تجعلها قشرة غريبة ملتوية تعجز أزاء هذا الأمر على حد تعبيره في " كتابه أنساني أنساني جداً ".

وفي الواقع ان عالمنا المعاصر يزخر بالكثير من المهن والأعمال التي يمارسها مختلف الاشخاص في سياق حياتهم اليومية, ولكن المشكلة تكمن في بعض المهن الغير مشروعة والتي تمارس بطريقتين, الاولى تُمارس بصورة علنية مكشوفة ومفضوحة بسبب غباء صاحبها وجشعه الذي يعمي بصره فضلاً عن بصيرته , والثانية تُمارس بسرية غير معلنة تحت اغطية شتى وأقنعة مختلفة , ولكنها  سرعان ماتنكشف أذ ما حاولنا تفكيك الذي يحصل في الظاهر وفضح أبعاده الباطنية وكشف مستوياته المختبئة وتعرية كل الزيف والأقنعة التي توضع على ستاراته.

وقد دار حوار بيني وبين صديق لايخلو من الطرافة والجدية في نفس الان حول المغزى الذي يقف وراء كثرة عدد الراقصات اللواتي يقفن خلف بعض مطربي هذا الزمان وهم يؤدون أغنياتهم السخيفة, حيث قلت له بسذاجة مقصودة غرضها الاستفزاز:

ياترى كم سعر _ عفواً أجرة _ الراقصة الواحدة التي تشارك بجسدها في تصوير الفديو كليب؟ إذ  أنني ألاحظ _ كما قد يلاحظ غيري _ أن كل مطرب مهما كان جديداً ومغموراً في عالم الطرب يُمكن له بسهوله أن يأتي بعشرات الراقصات التي تهز أجسادهن حوله, ومن غير المعقول أن تاخذ كل واحدة من هؤلاء مبالغ كبيرة على هذه الأغنية أذ حينها ستكون تكلفة هذه الأغنية عشرات الالاف من الدولارات لا أعتقد أبداً ان هذا المطرب المبتدئ او منتج الأغنية  قادر على دفعها ولا دفع نصفها او ربعها او حتى عشرها.

ضحك صديقي على سؤالي , وقال لي أن الذي تكسبه هذ الراقصة لا يعتمد على أجرتها التي تاخذها وتتقاضاها من الأغنية بل يعتمد على أمور أخرى تحدث بعد انتهاء تصوير الاغنية مباشرة او بصورة غير مباشرة!!!

 فقلت له بخبث وماهي هذه الامور؟

فقال لي مازحاً _  بالعراقي  _  من تكبر تعرفها !!!

وهو بلاريب يقصد أن الراقصة في هذه الأغاني تعرض نفسها على المشاهد  من اجل أغرائه بجسدها لكي يتم الأتفاق معها وعبر سماسرة مختصين لايبتعدون أحياناً عن جو الاغنية على اللقاء من أجل ممارسة الجنس, فبدلاً من أن يذهب الباحث عن الجنس الى بيوت الدعارة التي غالباً ماتكون مشبوهة لكي يجد من يُفرغ فيها مكبوتات طاقته الجنسية,  يجد هذا الشخص وهو جالس في بيته مئات النساء اللواتي يعرضن أنفسهن عليه عن طريق شاشات التلفاز ويمكن بعدها الأتصال بالمختصيين في هذا الموضوع من أجل الاتفاق معها خصوصاً أن كانت في عين البلد الذي يعيش به ويمكن له بسهولة الحصول عليها.

هذا الجواب ربما هو الذي يمكن لنا أن يُفسر سبب وجود عشرات الراقصات في أغنية هابطة لمطرب مبتدئ ربما يعرف صاحبها ان المستمع لن يبقي المحطة على اغنيته ثانية واحدة مالم توجد فيها مجموعة من الراقصات العاريات أو شبه العاريات تهز الخلف والامام والوسط يمنة ويسرة من أجل سحب أذن المشاهد من الاستماع الى الأغنية فقط وبدون أن يدفع مالاً مقابل ذلك... الى محاولة البحث عن جسدها المُغري عبر السماسرة الذين يعملون في هذه المهنة لكي يمارس الجنس مع هذه الراقصة او تلك وبذلك تحقق الفرق النقدي الذي تسامحت به في رقصها وعرض جسدها في اغنية المطرب الفاشل الذي رقصت معه.

المهنة ربما تكون جديدة ومرتبطة أصلاً بالفديو كليب الذي هو احد افرازات الثورة الرقمية التي فتحت مجالات كبرى تتعلق بنواحي متنوعة ومجالات مختلفة للدعارة وبالشكل الجديد الغير مألوف الذي وصفته في الأسطر السابقة, حيث نلاحظ ان المسؤول عن هذا الفديو وعن أخراجه بالشكل المطلوب والذي يعلم ويُشرف على هذه العملية لا يختلف في الواقع عن السمسار الذي يمارس القوادة المعروفة تاريخياً , لكن ربما القوادون الجدد يعملون بصورة أكبر وأكثر خطورة وأغواء على المجتمعات من مهنة الدعارة والقوادة التقليدية التي كانت تقتصر على أماكن معينة تحتاج الى من ياتي اليها لا ان تدخل وتاتي هي  وتقتحم عالم الرجل, حيث يقوم المسؤول عن ذلك بأفساد  الشباب العربي الذي يعيش مشكلات كبرى  فضلاً عن تشييئه المرأة وتجسيدها وتسليع صورتها وتغييب عقلها والمتاجره بجسدها ناهيك عن أن الأفعال التي يقوم بها هؤلاء بأسم الفن سوف تمزق الأخير وتُشظي تجلياته وتحطم أهدافه وتمتص طاقاته وتسيء إلى صورته التي يسعى من خلالها إلى نقد الواقع المتخلف وابراز مواطن الضعف فيه وتحقيق أهداف معينة ربما تخدم قضية ما نعاصرها في عالمنا هذا.

وفي الواقع أن لبعض المهن ثمن ونتائج , ومهنة القوادة الجديدة سيكون لها أيضاً  ثمن كبير ونتائج وخيمة , ولعل أول شيء أن صاحبها شاء أم أبى سيكون _ بلا شك _ ضحيتها  كما اقر بذلك فريدرك نيتشه ....

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8 تشرين الثاني/2007 - 27/شوال/1428