الإمام جعفر الصادق (ع) الركائز والأساس

شبكة النبأ: ان الاجواء المضطربة في كثير من الحقب التاريخية دليل على الفراغ الفكري، او في الاقل تصارع المضادات المتضاربة مع بعضها البعض، سواء كانت مصالح اقتصادية او سلطوية او فكرية، وهي بجميعها لم تجد التخريج العقلاني لانسجامها في الخط الوسط بموجب رؤية فكرية رصينة، او من خلال تحليل ميداني وعقائدي يجيد التفسير والدقة في التحليل، وفي مرحلة مثل هذه تكون الحاجة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية بحاجة الى الفرد المتميز في ذلك الزمان، ليعبر بالمجتمع ولو على مستوى الفكر المبدأي او السياسي الى مرحلة اخرى، وبذلك يسلط الضوء غلى الطريق الجديد ويحول الازمة الى موقف ثابت ونهج واضح ينتهجه المجتمع ضد العسف، او خلاصا من التخبط وانعدام الرؤية.

وقد يكون هذا التحليل يقترب من التحليل الشمولي للفرد الضرورة في فترة محددة من الزمان والمكان، لكنه من الوجهة الاسلامية يصل الى ذات النتيجة في كون الفرد امتداد تاريخي مرسوم ومتصل لا انقطاع فيه، اي بمعنى ان الخط النوري لم يكن ينطفئ في فترة ما ثم يعاد انتاجه من قبل الظروف الاقتصادية وازمة الحقبة التي تبحث عن حل، وذلك لأن الله لا يترك عباده بلا هدى يهديهم، فلم تخلو اي حقبة من الانوار السماوية كالرسل والانبياء والمصلحين والفلاسفة والمخترعين والمكتشفين، وهم موجودون في الانسجام في زمن القوة وفي زمن الضعف والاضطراب، فيما يكون القرآن والسنة النبوية الشريفة الحجة المستدامة، لكنهما غير كافيين من جهة تفسيرهما مع ما يفرزه الواقع والمرحلة التاريخية.

وهكذا تقرر طبيعيا ظهور الرسل والانبياء مع تعاقب الحقب والازمنة، الى ان جاءت كلمة الله الخاتمة وكانت ايضا بحاجة الى من يعيد صياغتها في الازمنة اللاحقة، لتنسجم مع الظروف المستجدة، باعتبار ان الرسالة وقرآنها وسنتها المحمدية مكونات فكرية تعبر عن الروح الاسلامية، وقبولها بالتجديد والتفاعل في راهنها والمستقبل، لكن هذه الروح قد تتعرض الى تفسيرات متضاربة تضارب المصالح والرؤى، وهي بحاجة الى من يفسرها التفسير الصحيح.

والإمام جعفر الصادق (ع) كان هو بحق حجة الزمان وحجة المرحلة وحجة المستقبل، وهو ايضا الضرورة المسبقة التي تتفق مع طبيعة الحياة التي خلقها الله وجعل لها منفذها في علمه السابق القديم.

المرحلة المضطربة التي شهدها الإمام (ع) او التي كانت قبل واثناء وجوده فيها كفكر متفاعل ومستنبط ومنظر، انما كانت مرحلة في طور البحث عن التنفيس والتعبير غير المتوازن على كافة الجبهات المتزاحمة، فالمعسكر الاموي والمعسكر العباسي والمعسكر العلوي والمرتزقة وسواد الناس، هذه الخلطة المتضاربة تحاول كل منها ان تؤسس خطابا يجري في سواقي ارادتها، بغض النظر من كون تلك الخطابات تتوافق او لا تتوافق مع الروح الاسلامية، حيث ان الغايات هي الدين الذي تؤول اليه وتنتمي اليه بقوة واصرار.

ويحدث هذا تحت راية الاسلام وبمسمياته وعناوينه البراقة،وهذا مما يعطي الفهم العام دفعا مغايرا للاسلام الاصيل ويفسره بتفاسير معاكسة للرسالة المحمدية الاصيلة.

ويمكن رؤية ذلك من خلال الافكار التي حفل بها العهد العباسي الرابع او قبله وظهور ملل فكرية ولا دينية كذلك ظهور تفاسير تشذ عن الفحوى الاسلامية الحقة.

وكان لا بد من ان تعاد الامور الى صيغها الحقيقية وفق منهج فكري يفسر الاشياء بجوهرها الرباني القرآني النبوي من خلال تاصيل واعادة صياغة حديثة ترد المحرفين ومواليد الظروف المرتبكة وتبيان الخط الثابت، وفق منطق المرحلة ووفق التطور الفكري وما يتخذ من ادوات كلامية او جدلية.

فكانت جامعة الإمام الصادق (ع) تلك المدرسة الفكرية الكبيرة، هي المصباح الوهاج الذي انار الطريق وحصن التفكير الاسلامي ومنهج المبدأ، وعطى صيغ جديدة للجدل الفلسفي واعاد للمنطق الفكري حيويته واوزانه العقلانية، وهي طريقة مرنة للفهم الاسلامي الصحيح.

كذلك فان مرحلة الإمام الصادق (ع) كانت بناءا وترميما للبنية الثقافية التحتية وتشييدا للفكر الاسلامي الذي تعرض للتخريب بفؤوس الصراع السلطوي، والارادات السياسية والمظالم الاجتماعية والحروب الغاشمة، واكل الحقوق وتعطيل سنة الله في عباده، وشياع الفساد، رغم ان عناوين كل الجبهات المتصارعة هي عنوان واحد مرفوع في راية الاسلام.

فالدولة الاموية دولة اسلامية والعباسية دولة اسلامية، كما كانتا تدعيان، وعناصر الصراع  الاخرى اسلامية، والحروب المثارة هي حروب بين المسلمين، لكن حقيقتها حقيقة سلطوية غاشمة جعلت من القرآن والسنة النبوية ظهريا في خانة الإهمال واللامبالاة، بينما هي في الواقع الشئ المهم الذي كان ينبغي على الجميع الوصول اليه والعمل وفق منطقه الرباني.

يقول ابو حنيفة النعمان: لولا السنتان لضاع النعمان!!. في اشارة الى سنتين قضاهما تحت رعاية الإمام الصادق العلمية والفكرية.

والمرحلة التاريخية في صدر الاسلام  وما امتد بعدها كانت ضياعا حقيقيا لولا الجهد المعرفي  للإمام الصادق عليه السلام فهو الثورة الفكرية الذي استوفى الشروط وتقدم بشروط المستقبل كما ان الحسين عليه السلام استوفى الشروط وقدم للمستقبل الشروط، وقبلهما جدهما الامام علي بن ابي طالب (ع) قد استوفى الشروط التاريخية وقدم شروط المستقبل، وهكذا اهل البيت الافذاذ كانوا على مدى التاريخ ينبثقون مع حاجة المرحلة التاريخية ويضعون قانونها وقانون مستقبلها وتحصينها من الشطط والإنزلاق والتيه عن خط الرسالة الاسلامية الاصيلة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6 تشرين الثاني/2007 - 25/شوال/1428