
شبكة النبأ: بالنسبة لحمض ـ د ن أ ـ
فهو صورة ونسخة وحيدة باكثر مما هي بصمة الأصابع لكل فرد بشري حي او
ميت ولذا فقد اعتمدت في التحقيقات الجنائية على نطاق واسع واستخدمت
كدليل ادانة اكيدة في الجرائم المقترفة وكقرينة قانونية في القضاء، الا
ان استخدامها خارج المنظور المطلوب العقلاني اتسع ذلك ليشمل ما يمس
الفرد وربما يتطور هذا الشمول ليتماس مع استجلاب الشعور العنصري وهو
امر فيه كثير من التعدي ومجانبا للاخلاق.
ففي سبتمبر ايلول من عام 1987 اصبح كولن بيتشفورك وهو خباز من وسط
انجلترا اول مجرم في العالم ثبت ارتكابه جريمة من خلال تحليل الحمض
النووي الريبوزي (د ن أ) بعد ان اغتصب وقتل فتاتين عمر كل منهما 15
عاما.. وفي يناير كانون الثاني التالي حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وتضيف رويترز ضمن تقريرها: بعد مرور عشرين عاما على تلك الواقعة بات
تحليل حمض (د ن أ) المأخوذ من الدم او الشعر او اللعاب او المني في
مراكز كشف الجريمة عملية تحدث في شتى بقاع الارض واسهمت في حل مئات
الالاف من الجرائم المحيرة.
إلا ان اتساع رقعة الثورة الحالية في الطب الشرعي تسببت في حالة من
القلق في بريطانيا إذ تفكر الحكومة البريطانية في مد شبكة فحوصها
الخاصة بحمض (د ن أ) مما يتيح للشرطة أخذ عينات من اشخاص يقترفون حتى
الجرائم البسيطة مثل القاء القمامة في الاماكن العامة.
وأثارت قضية الطفلة البريطانية مادلين ماكان التي اختفت في ظروف
غامضة في البرتغال الكثير من علامات الاستفهام بشأن مدى الاعتماد في
الاونة الحديثة على تحليل (د ن أ) كدليل مادي لاماطة اللثام عن
الجرائم.
أما اليك جيفري استاذ العلوم الوراثية الذي ابتكر اساليب البصمة
الوراثية لحمض (د ن أ) عام 1984 وقطع شوطا في مساعدة الشرطة على كشف
النقاب عن الجريمة في قضية بيتشفورك فانه يشعر بالفخر الحقيقي بابتكاره.
ولدى جيفري صورة مطموسة لاول تخطيط للبصمة الوراثية (د ن أ) معلقة
على جدران مكتبه في جامعة ليستر بوسط انجلترا، والبصمة الوراثية هي
احدى صور القياس الحيوي التي تستخدم في الادلة الجنائية من خلال فحص
تسلسل الحلزون المزدوج لقواعد (د ن ا) وهو تسلسل متفرد لا توجد منه الا
نسخة واحدة لكل شخص وليس له أي مثيل لدى اي شخص اخر.
الا ان القلق لايزال يساور جيفري اذ يخشى ان يكون المجتمع قد عجز عن
الالمام بالمسائل الاخلاقية المتعلقة بجمع بيانات عن البصمة الوراثية
وامكانية استخدام هذه البيانات بصورة خاطئة ومدى حدود التحليل الجيني.
وقال جيفري: التشريع متأخر حقيقة بدلا من ان يكون مؤيدا بجدية
لاستخدام قواعد البيانات.
واضاف: لدى تصور بسيط وهو ان الجينوم (الطاقم الوراثي الجيني
للانسان) امر يخصني وحدي.. وتحت ظروف ما اسمح للدولة بالدخول بدرجة
محدودة الا ان اقتحام (د ن أ) الخاص بي عنوة.. فهو امر اعارضه تماما.
وكان هذا الجدل قد وصل الى مفترق طرق في بريطانيا حيث ادرج اكثر من
ستة في المئة من عدد السكان اي اربعة ملايين نسمة على قائمة قاعدة
البيانات القومية (د ن أ) وهي اعلى نسبة من نوعها في العالم.
اما الولايات المتحدة التي يوجد بها قاعدة بيانات اكبر فلديها خمسة
ملايين ملف لعدد من السكان يعادل خمسة امثال سكان بريطانيا.
ويزيد حجم قاعدة البيانات في بريطانيا بواقع 30 الف ملف شهريا وهو
يعكس حقيقة ان سلطات الشرطة في انجلترا وويلز اوسع نطاقا من اي دولة
اخرى بشأن أخد بيانات (د ن أ).
وتقضي لوائح وضعت عام 2001 بانه يجوز أخذ بيانات (د ن أ) دون موافقة
الشخص اذا القي القبض عليه في اي جريمة سواء كانت خطيرة او قابلة
للتسجيل ويتم حفظ هذه البيانات حتى وان اتضح فيما بعد ان هذه الشخص
بريء.. اما في اسكتلندا فيجري اتلاف هذه المعلومات متى لم توجه اي تهم
للفرد.
وتقدم بريطانيان من انجلترا ممن تم تبرئة ساحتيهما من الجريمة بطعون
ضد هذه اللوائح امام محكمة حقوق الانسان الاوروبية الا ان السلطات
البريطانية لاتزال تتحدث عن توسيع نطاق اخذ العينات وليس الحد منها.
وتسمح مقترحات حكومية جديدة للشرطة بوضع كتالوجات لحمض (د ن أ)
المأخوذ ممن اعتقلوا او ممن لم يتم تسجيلهم على صحيفة السوابق من
مرتكبي جرائم بسيطة مثل القاء القمامة في الطرق ومخالفات المرور
البسيطة.
ومما ادى الى تفجر الموقف دعوة قاض رفيع في الشهر الماضي الى تسجيل
البيانات الوراثية لكل شخص يعيش في بريطانيا وكل من زار البلاد وادراج
هذه المعلومات ضمن قاعدة البيانات القومية (د ن أ) وهي خطوة وصفتها
جماعة ليبرتي للدفاع عن حقوق الانسان بانها مروعة.
وطالب مجلس نوفيلد للاخلاقيات الحيوية وهو جماعة بحثية اخلاقية
رفيعة في بريطانيا بتغيير هذه اللوائح.
ودعا المجلس الحكومة في سبتمبر ايلول الماضي الى الغاء خططها بتوسيع
نطاق جمع بيانات (د ن أ) ومنع السلطات من حفظ بيانات من تثبت براءة
ساحتهم وحث المجلس الشرطة على ان من المحبذ ان تكثف جهودها لجمع المزيد
من قرائن (د ن أ) من مسرح الجريمة.
الا ان وزارة الداخلية البريطانية تقول إن الاحصاءات اوضحت أن هذه
الاجراءات مجدية وفعالة وانه اتضح ان ثمانية آلاف عينة وجدت مطابقة
لحمض (د ن أ) المأخوذ من مسرح الجريمة من اجمالي 200 الف عينة لابرياء
جمعت بحلول نهاية عام 2005 .
وقالت متحدثة باسم الوزارة: يجب ان نمعن النظر في اي أمر يوفر وقت
الشرطة او يحسن من كفاءة الشرطة وفاعلية البحث الجنائي، ويحذر
المنتقدون ايضا من التفرقة والوصم بالعار لان عمليات جمع البصمة
الوراثية التي تقوم بها الشرطة تشوبها عوامل اجتماعية منها استهداف
الشبان السود على سبيل المثال.
وتتمثل هذه الازمات بصورة جلية في ان الاساليب الجديدة تخلق بعض
المشاكل مثل البحث عن اقارب المجرمين ممن يضاهون المجرم وراثيا.
ولم تتبلور حتى الان اساليب التعرف على الشخصية من خلال العينات
المأخوذة من مسرح الجريمة لان العلماء لم يتعرفوا حتى الان سوى على
استنباط النوع ولون الشعر والبشرة ومعلومات اخرى غير مؤكدة مستقاة من
العينات الا ان البحوث تتقدم باطراد في هذا الصدد.
ويحذر جيفري من ان (د ن أ) لن يكون العصا السحرية لاسيما وان
الخبراء يتعاملون مع آثار ضئيلة للغاية من الادلة الحيوية مثلما هي
الحال في قضية الطفلة مادلين ماكان البالغة من العمر اربع سنوات والتي
اختفت في البرتغال في مايو آيار الماضي. |