ما معنى أن يمتلك بلد من البلدان جميع المقومات ويفشل في تأسيس
مشروع لدولة متعافية؟
وما معنى أن تشتمل أراضي ذلك البلد على جميع أنواع الثروة في كل شبر
منه إلى درجة تسيل لعاب الآخرين على خيراته، ويعيش أبنائه الفقر
والفاقة؟
وما معنى أن يكون موقع ذلك البلد من أفضل المواقع الإستراتيجية في
العالم ومتنوعا في جغرافيته، ويفضل أبنائه الرحيل وتركه؟
وما معنى أن يبدع أبناء هذا البلد في البلدان الأخرى ولا يفقهون شيء
فيه؟.
وما معنى اشتماله على أكثر المقدسات في العالم والتي تؤكد على صون
الوطن وحرمة النفس والمال ولا يفارقه القتل والقتال؟
كل الإجابات مقبولة على هذه التساؤلات إلا جواب المؤامرة!!! فإنني
أرفضه جملة وتفصيلا، وسوف أعطي أعلى العلامات لمن يجيب
بـ(الأناااااااااااااا)!! ثلاثة أحرف تدخل إلى روح الإنسان فتعطل الخير
في نفسه، بحيث لا يستطيع أضخم برنامج (أنتي فايروس) إزالتها، وهي تضرب
وتعطل نظام الضمير والأخلاق والمبادئ السامية ونكران الذات، وبالتالي
تعطل جميع مشغلات مخافة الله لدى الفرد ليتحول إلى جسد إنسان خالي من
القيم.
وإلا ماذا يعني وجود بلد مثل العراق بإمكانياته المختلفة أن لا يقوى
على دفع الضرر عن نفسه أو جلب خير لها؟ وأن تستطيع أن تتحكم فيه جميع
بلدان العالم وابسط الجهات الخارجية بل وحتى المنظمات والشركات الخاصة،
ويتشرذم أهله بالولاء لغيره بدلا من الولاء له، علما إن هذا –الغير-
يضحك منه ويجعله ألعوبة بيده يحركه متى شاء ومتى تقتضي مصلحة بلده.
في حقيقة الأمر لا يحق لنا أن نفتخر بأننا أحفاد أولئك الأجداد أو
بناة لحضارة أو مشرعين لقوانين، فالفرد منا يتعب كثيراً ولا يجد
الأرضية التي يقف عليها أو المنطلق الذي ينطلق منه، هل نحن أصحاب رسالة
دينية فننطلق من خلالها أم أصحاب نهضة حضارية أم بقية لدينا روح
وطنية؟، لا أدري كيف يتم بناء الوطن، ولا أدري ماذا تسجل لنا الأجيال
القادمة، ولا أدري ماذا يحمل المتصارعون على فتات الموائد في رحيلهم
إلى غدهم؟.
إن ما سطرته القيادات العراقية المتتابعة لأبنائها - ولا أستثني أي
جهة- من شعارات تملأ الحيطان، ومن كلمات رنانة تدوي من مكبرات عبر
المآذن، وإعلانات تبث عبر الفضائيات مكتوب عليها – مدفوع الثمن- هي في
حقيقتها تسطر أعلى حالات النفاق في ذرف دموع التماسيح والتباكي في
أحضان قادة دول الجوار.
فمن أجل بناء عراق حر موحد يقوم على أساس شراكة حقيقية في ظل حكم
تعددي ويحترم فيه الرأي الآخر، لابد لنا من التخلص من عقدنا الذاتية
والكف عن تبادل التهم ويجب أن نميز الخبيث من الطيب مهما كانت درجة
ولاء ذلك الخبيث وأن يتم فضحه وعدم التستر عليه لأنه يبقى ذلك المرض
الذي يدب في الجسد دون الشعور به إلى أن يقضي عليه.
وباعتقادي إن بلداً كالعراق سوف يستجيب إلى العلاج بسرعة كبيرة إذا
ما وضع بين يدي معالج بارع وأمين، يكون همه الأوحد المصاب الذي بين
يديه حتى لو كان ذلك على حساب صحته وراحته، أو حتى لو وصل به الأمر أن
يكون متبرعاً له بنفسه من أجل صون الأمانة الملقاة على عاتقه. |