
شبكة النبأ: العمل الصحفي في ديالى..
مجازفة بكل المقاييس.. هكذا يردد صحفيو ديالى، إحدى المحافظات العراقية
الساخنة، وهم يؤكدون أن العمل بالصحافة في محافظتهم هو عمل فدائي أكثر
منه صحفيا.. في هذه الظروف قد لا يكون من المستغرب أن تقوم جهة ما بهدر
دم صحفي، وتخصص مكافأة لمن يدلي بمعلومات عنه أو تسليمه حيا، كما جرى
مؤخرا مع الصحفي علي محمد.
يقول نبيل وادي الجبوري نائب رابطة الإعلاميين الموحدة ومقرها
الرئيسي ديالى: إن إعلاميي ديالى يتعرضون لضغوطات كثيرة وتهديدات
مزدوجة، أسهمت فيها المؤسسات الحكومية وأجهزة الدولة الامنية من جهة،
والجماعات المسلحة التي تحارب الدولة وامتدت يدها إلى العديد من
الإعلاميين من جهة أخرى.
وفي آخر حالة استهداف للصحفيين في ديالى، كشفت الجمعية العراقية
للدفاع عن حقوق الصحفيين، إحدى المنظمات المعنية برصد الانتهاكات التي
تستهدف الصحفيين في العراق وتسعى للمطالبة بتوفير الحماية لهم، أن
تنظيما ارهابيا في محافظة ديالى أهدر دم الصحفي العراقي (محمد علي)
وعلقت ملصقات على جدران الأبنية والمساجد عليها صورة الصحفي المتهم
بكونه كافرا ومجرما لأنه ينتقدهم في تقاريره الصحفية. بحسب تقرير
لوكالة اصوات العراق.
وأعلن ما يسمى (دولة العراق الإسلامية) في تشرين الأول أكتوبر من
العام الماضي (2006) من نحو سبع تنظيمات مسلحة، أكبرها ما يسمى ( تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين).
ويقود الجماعة المزعومة ( أبو عمر البغدادي) الذي أطلق عليه لقب (
أمير الإمارة الإسلامية) في العراق، وتتركز نشاطاتها المسلحة في
محافظات ديالى وكركوك ونينوى.
وذكرت الجماعة أن مكافأة مالية قدرها عشرة آلاف دولار أمريكي خصصت
لمن يدلي بمعلومات تفيد بأماكن تواجده أو قتله أو تسليمه إليها، بعد أن
قامت الجهة نفسها بتهجيره من قبل، وقتلت شقيقه وأحرقت منزله.
ولا يعرف العاملون في مهنة البحث عن المتاعب في هذه البقعة من
العراق.. من أين تأتيهم المتاعب..
وبالرغم من أن محافظة ديالى تغلي بالأحداث الامنية والسياسية وتزخر
بالوقائع التي يتمنى كل صحفي التقاطها إلا أن إعلامييها دونهم
والمعلومة الكثير..
ويقول نائب رئيس رابطة الإعلاميين الموحدة: نحن نعمل في أجواء غاية
في التعقيد، ولا نستطيع الحصول على المعلومة الخبرية إلا بمواجهة
الكثير من المخاطر والصعوبات.. وقد تعرضت بنفسي ذات مرة إلى الاعتقال
من جانب الشرطة بـتهمة وجود كاميرا تصوير في حقيبتي الشخصية.
ويضيف: فلا أحد في المنطقة المسكونة بشبح الموت والقتل والمفخخات
يستوعب المهنة الإعلامية أو يزدرد شخصا يحمل كاميرا ويطرح الكثير من
الأسئلة...
لذلك يدعو نبيل الجبوري الأجهزة الحكومية بجميع مؤسساتها سيما
الامنية ومنها قيادة عمليات ديالى "لتسهيل مهمة الصحفيين وعدم عرقلة
عملهم ويطالب مجلس النواب العراقي بسن تشريعات جديدة، تؤمن الحماية
الكافية للعاملين في الوسط الإعلامي".
ويعتقد عمر الدليمي وهو عضو الهيئة الإدارية للرابطة التي تأسست عام
2004 أن الأوضاع الامنية المتردية في المحافظة، أثرت سلبا على جميع
مفاصل الحياة، وعطلت الدوائر الحكومية، واضطرت الكثير من العوائل إلى
الهجرة، سيما بعد أن اتجهت الفصائل المسلحة إلى استهدافها، بعدما كان
الهدف الرئيسي لها، منتسبو الأجهزة الامنية والجيش والقوات الأجنبية،
لكن هذا لم يمنع هذه الفصائل من استهداف الصحفيين لحجب الواقع المأساوي
الذي يعيشه أهالي ديالى عن العالم.
وبدأ مسلسل قتل الصحفيين في ديالى مطلع عام 2004، وكان أول الضحايا
ثلاثة من منتسبي شبكة الإعلام العراقي، المذيعة في تلفزيون ديالى نادية
نصرت والفنيين مجيد رشيد ومحمد أحمد سرحان عندما أطلق مسلحون النار على
حافلة كانت تقلهم في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى (57 كم شمال شرق
بغداد) في 18 آذار مارس 2004.
وفي 13 كانون الثاني يناير 2005 اغتيل ببعقوبة رئيس تحرير جريدة
البرلمان الجديد مؤيد سامي، تلاه مدير تلفزيون ديالى رافد محمود الذي
اغتاله مسلحون مجهولون في منطقة الكاطون في 27 آب أغسطس 2005، ثم
مراسلة صحيفة الدستور لمى عبد الله الكرخي التي قتلت بيد مسلحين
مجهولين في بعقوبة في 16 نوفمبر 2006، أعقبها ممثل نقابة الصحفيين في
ديالى هادي غناوي الجبوري الذي قتل في قضاء الخالص في 12 من أيلول
2006.
وقتل في الخامس من أيار مايو 2007 المصور الروسي ديمتري شيبوتاييف
بعبوة ناسفة، وبعده بأسبوع (في 12 أيار مايو 2007) قتل الصحفي عارف علي
مراسل الوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) في انفجار عبوة ناسفة
أيضا جنوبي قضاء الخالص.
وفضلا عن حالات القتل هناك العديد من الاعتداءات وحالات الاعتقال،
التي وثقتها المنظمات المعنية بحرية الصحافة والدفاع عن حقوق الصحفيين،
منها تعرض مراسل الفضائية العراقية محمد علي إلى محاولة اغتيال في 18
من نيسان الماضي أثناء عودته من تغطية نشاط في ناحية أبو صيدا قرب
بعقوبة، واعتقال القوات الأمريكية ثلاثة صحفيين في العشرين من حزيران
2005 أثناء قيامهم بتغطية إخبارية داخل قضاء الخالص، وهم عضو الهيئة
الإدارية لرابطة الإعلاميين الموحدة ومدير مكتب جريدة الصباح في ديالى
هادي العنبكي، ومصور القناة اللبنانية LBC ليث حميد ومصور الاسوشيتدبرس
آدم مهدي، أعقبه في الخامس من شباط 2006 اعتقال الجيش العراقي رئيس
الرابطة في تلك الفترة المرحوم أديب أبو نوار، واختطاف الصحفيين صلاح
زنكنة مراسل قناة البغدادية وليث حميد مصور القناة في السابع عشر من
نيسان الماضي.
وتشكل هذه الحالات جزءا من صورة مأساوية يعانيها الإعلام العراقي
عموما في كل أنحاء البلاد، حيث تعد الساحة العراقية هي الأكثر خطورة
على مستوى العالم.
وبحسب إحصاءات مرصد الحريات الصحفية، وهو منظمة عراقية غير حكومية
تعني برصد الانتهاكات ضد الصحفيين، وصل عدد الصحفيين الذين قتلوا في
العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 حتى الآن إلى 219 صحفيا عراقيا
وأجنبيا من العاملين في المجال الإعلامي، منهم 114 صحفيا قتلوا بسبب
عملهم الصحفي وكذلك 41 فنيا ومساعدا إعلاميا، فيما لف الغموض
الاعتداءات الأخرى التي استهدفت بطريقة غير مباشرة صحفيين وفنيين لم
يأت استهدافهم بسبب العمل الصحفي، في حين اختطف 57 صحفياً ومساعدا
إعلاميا قتل أغلبهم وما زال 14 منهم في عداد المفقودين، وفقا لإحصائيات
المرصد.
وعلى مستوى الحريات الصحفية وضعت منظمة (مراسلون بلا حدود) العراق
في الترتيب رقم (157) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره
المنظمة كل عام، متراجعا ثلاث درجات عن العام الماضي.
و(مراسلون بلا حدود) هي منظمة دولية، غير حكومية مقرها العاصمة
الفرنسية باريس، وهي تعنى برصد انتهاكات حرية الصحافة وأوضاع الصحفيين
حول العالم.
ويروي حسن الشمري مراسل قناة الدنيا السورية معاناته هو الآخر مع
الأوضاع الامنية السيئة في ديالى قائلا، "اعتقلتني قوات الجيش في
الحادي عشر من نيسان ابريل 2005 أثناء قيامي بتغطية خبرية لنشاط في
جامع سارية ببعقوبة الجديدة وتعرضت للإهانة والتعذيب الجسدي وبقيت
شهرين رهن الاعتقال دون أية أسباب قانونية."
ويتهم حسن الشمري، المسؤولين المحليين والقادة الأمنيين في
المحافظة، ومنهم قائد عمليات ديالى اللواء الركن عبد الكريم الربيعي،
بممارسة التعتيم الإعلامي في ما يتعلق بالحصول على المعلومة الخبرية في
معارك السهم الخارق والمطرقة المضيئة، اللتين شنهما الجيش والشرطة
العراقية بالتعاون مع القوات متعددة الجنسيات ضد المسلحين.
لكن في المقابل، يبدو أن لدى المسؤولين العسكريين في ديالى، فضلا عن
الأسرار العسكرية، ما يخشونه.. يقول قائد عمليات ديالى اللواء الركن
عبد الكريم الربيعي لـ(أصوات العراق) نحن نؤمن بالعمل الإعلامي الرصين
الذي يبتعد عن التشهير والإساءة وإثارة النعرة الطائفية كالذي يحدث في
بعض المؤسسات الإعلامية. من دون أن يسمها.
ورفض الربيعي الاتهامات بانه يمارس تعتيما إعلاميا على ما يجري في
ديالى، ويقول انه يتواصل مع الصحافة على أكمل وجه من خلال البيانات
التي تتضمن نتائج المعارك بكل دقة أو من خلال تصريحات الناطق الإعلامي
باسم قيادة عمليات ديالى العقيد الركن راغب راضي العميري.
من جهته، قال العقيد العميري انه يعمل جاهدا على إيصال المعلومة
الخبرية لجميع الصحفيين بعد التأكد من صحتها واستحصال الموافقات بشأنها
لأن أي معلومة خاطئة أو غير دقيقة تسهم في إثارة الفوضى والاضطرابات. |