لاعب جديد في أزمات الشرق الأوسط: هل تدخل تركيا نفق الحروب المظلم؟   

شبكة النبأ: بعد شد وجذب بين الحكومة والجيش التركيين تم تحويل مذكرة التوغل في شمال العراق اخيرا الى البرلمان للمصادقة عليها ويمكن قراءة الكثير من المعاني في هذه المذكرة لكن مما لا شك فيه ان تصريحات المتحدث باسم الحكومة ونائب رئيس الوزراء جميل تشيشك كانت تخفي بين السطور شفرات سرية يمكن اختصارها بجملة، نأمل ألا نكون بحاجة لاستخدام هذه المذكرة.

ومن هذه الجملة نفهم ان الحكومة التركية ليست متحمسة كثيرا للعملية العسكرية لكنها ستلجأ اليها اذا اضطرت لذلك اذ انها تدرك جيدا أنه اذا كان استصدار المذكرة أمرا سهلا فان عملية التطبيق والتوصل الى النتائج المطلوبة تركيا سيكونان أمرا في غاية الصعوبة، ومن الملاحظ أن تصريحات تشيشك كانت هادئة وباردة ومعتدلة بعكس تصريحاته الحماسية السابقة عن العملية العسكرية ذلك لأن هذه العملية لا تحمل أبعادا عسكرية فقط والحرب لن تكون مع المتمردين الأكراد وانما ستتدخل فيها حتما قوى لديها حسابات خاصة مع تركيا وفي المنطقة. بحسب تحليل لـ كونا.

والحكومة التركية مدركة لهذا الواقع الذي يحتم أن الحرب ستكون ذات أبعاد كثيرة تجد تركيا نفسها في صراع مع هذه القوى بنتائج غير محسوبة اقليميا وعالميا.

فهناك قلق دولي من هذه العملية اضافة الى التركمان الذين ينظرون للعملية بحرارة باعتبار أن تركيا سوف تلقن الاكراد وبعض الاطراف الاخرى درسا قاسيا، لذا فان تركيا حاولت تدارك هذا الامر بلفتة سريعة من خلال التشديد خصوصا في بيانها على أنها تنظر الى كل الشعب العراقي بعين الشقيق والصديق.

لاشك ان دخول تركيا في حرب مع اكراد سيدشنها كلاعب ازمة جديد في الشرق الاوسط مثلها مثل سوريا وايران، وقد تنضم الى المحور الايراني السوري في مواجهة امريكا وحلفائها، فقد أيد الرئيس السوري بشار الاسد موقف جارته تركيا المتشدد من متمردين أكراد يعملون من شمال العراق. وقال الاسد في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي عبد الله جول ان سوريا تؤيد دون شك القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية وتقبل بها كحق مشروع لتركيا.

وقال الاسد ان القوات الامريكية في العراق هي مصدر الانشطة الارهابية الاساسية في هذا البلد. وتتهم الولايات المتحدة سوريا برعاية الارهاب.

وتركيا هي عضو متحالف مع الولايات المتحدة في حلف شمال الاطلسي لكن انقرة تخشى ان تؤدي السياسة الامريكية في العراق الى اقامة دولة كردية مستقلة في شمال العراق.

وتخشى ان يذكي ذلك النزعة الانفصالية لدى أكراد تركيا الذين يشكلون اغلبية في جنوب شرق البلاد.

ومعارضة تركيا لقيام دولة كردية قربت بينها وبين سوريا وايران خصمي الولايات المتحدة ولديهما أيضا عدد كبير من الاكراد.

ووقع وزيرا الخارجية التركي والسوري اتفاقا لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والامني وأيضا في مجال الطاقة.

ورغم خيبة أمل تركيا في السياسة الامريكية في العراق الا انها ما زالت مرتبطة بشكل قوي بالهياكل الامنية الغربية وتأمل في الانضمام الى الاتحاد الاوروبي.

وهي أيضا من الدول القليلة في المنطقة التي تربطها علاقات أمنية وتجارية وثيقة مع اسرائيل خصم سوريا اللدود.

وفي سياق اخر فان الحكومة التركية تأخذ بعين الاعتبار أيضا التحذيرات التي هي بمثابة التهديدات المبطنة التي يطلقها نواب حزب (المجتمع الديمقراطي) الكردي من أن مثل هذه العملية العسكرية قد تحرض على هجمات ارهابية وانتفاضة كردية في المدن التركية الكبرى لتتحول المسألة الى حرب عرقية بين الاتراك والاكراد أيضا.

والى جانب حسابات تركية أخرى مثل، ماذا لو اضطرت لمحاربة البشمركة الاكراد في شمال العراق ايضا او حصل تطور اخطر لتتدخل الولايات المتحدة والجيش العراقي...

العراق سيدافع عن سيادته اذا حدث التوغل

وحذر مسؤول عسكري اميركي كبير من ان العراق سيدافع عن سيادته الوطنية "بجدية" اذا حصل توغل عسكري تركي في شمال البلاد. بحسب رويترز.

وقال اللفتنانت جنرال كارتر هام  مدير العمليات في رئاسة اركان القوات الاميركية انه لا يعني بذلك ان القوات الاميركية في العراق ستساعد القوات العراقية في الدفاع عن اراضيها اذا عبرت القوات التركية الحدود ضد الانفصاليين الاكراد.

واضاف ان الولايات المتحدة حليفة وثيقة لتركيا وتسعى للتوصل الى حل دبلوماسي للازمة.

وقال اللفتنانت جنرال هام: من المهم القول ان العراق بلد يتمتع بالسيادة وسيدافعون عن سيادتهم وارضهم بجدية. واضاف اذا فشلت الدبلوماسية سنقوم الوضع ونقرر على المستوى السياسي الطريقة الافضل لمعالجته.

ويفترض ان يصوت البرلمان التركي الاربعاء على مذكرة للحكومة تسمح للجيش التركي بشن عمليات ضد متمردي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

وهددت تركيا ايضا باجراءات انتقامية في حال اعتمد الكونغرس قرارا يعتبر مجازر الارمن في عهد الامبراطورية العثمانية حملة "ابادة".

وتخشى الولايات المتحدة ان توقف تركيا دعمها اللوجستي للجيش الاميركي اذ يمر عبر قاعدة انجرليك في جنوب تركيا. وقال وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ان سبعين بالمئة من الطائرات وثلاثين بالمئة من المحروقات و95% من الاليات المدرعة الجديدة المرسلة الى العراق تمر عبرها.

واوضح هام ان العسكريين الاميركيين يدرسون بدائل لذلك لكنهم يأملون في تجنب رد فعل تركي. وقال، اذا توقف وصول هذه المعدات سيؤثر كثيرا على العمليات الاميركية في العراق وعلى التجارة العراقية ايضا. واضاف ان ذلك يعني على الارجح تكاليف مرتفعة جدا ونحن نفضل بالتأكيد الطريق التي نسلكها اليوم في تركيا.

أكراد تركيا يخشون من اتساع نطاق الصراع

ويراقب الاكراد في بلدة سيرناك بجنوب شرق تركيا والمقيمون فوق تل يطل على الحدود الجبلية لشمال العراق بتوتر الاستعدادات لعملية عسكرية محتملة عبر الحدود.

وفي الوقت الذي يساورهم فيه القلق على اخوانهم عبر الحدود فانهم يخشون أيضا من أن أي محاولة من الجيش التركي للقضاء على المقاتلين الاكراد في جبال شمال العراق من الممكن أن تسبب المزيد من الضرر لمنطقتهم وتشعل صراعا أوسع نطاقا في الشرق الاوسط. بحسب رويترز.

وقال أحمد ارتاك وهو رئيس بلدية سيرناك من حزب المجتمع الديمقراطي الذي يلقى دعما قويا في جنوب شرق تركيا الذي تسكنه أغلبية كردية "نحن قلقون من احتمال أن تكون هناك فترة من الصراع الخطير بين القوى الاقليمية اذا تمت عملية عبر الحدود في الوقت الذي تظهر فيه التوترات بين ايران والولايات المتحدة."

وتقع سيرناك في قلب الصراع بين الجيش ومتمردي حزب العمال الكردستاني والذي مزق نسيج جنوب شرق تركيا لمدة ربع قرن وأسفر عن سقوط أكثر من 30 ألف قتيل وترك المنطقة فقيرة.

ونتيجة التصاعد الحاد للعنف في الاسابيع الاخيرة ومع تزايد الضغوط في أنحاء تركيا لوقف اراقة الدماء يجري البرلمان يوم الاربعاء اقتراعا لتحديد ما اذا كان سيسمح بعملية تستهدف نحو ثلاثة الاف من مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتحصنين في جبال شمال العراق.

وما زال المحللون يعتقدون أن من المستبعد القيام بهجوم كبير ولكن اذا ما حدث هذا فسوف يؤدي الى مزيد من التوترات في العلاقات المضطربة أصلا مع الولايات المتحدة التي ترغب في تجنب زعزعة الاستقرار في المنطقة الاكثر هدوءا بالعراق.

وقال ريزجين بيرليك وهو زعيم محلي في حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ان هناك معارضة واسعة النطاق في جنوب شرق تركيا لمثل هذه العملية ومن أسباب ذلك أن أعدادا كبيرة من الاكراد على الجانب التركي من الحدود لهم أقارب في العراق.

وأضاف في الوقت الذي تجمع فيه أكثر من 20 شخصا للاحتفال بمناسبة كردية في منزله، لقد عانى الاكراد كثيرا.. لم نتمكن من تحقيق السلام. الجميع في المنطقة لا تعجبهم فكرة دخول الجيش.

وانعكست نفس الاراء في شوارع سيرناك التي مر بها قائد الجيش التركي يوم الثلاثاء في زيارة خاطفة أثارت تكهنات بشأن احتمال القيام بالعملية العسكرية.

وقال مراد دامار وهو مدرس عمره 25 عاما "عمي صاحب متجر في زاخو (بشمال العراق). نحن قلقون على ما سيحدث لاقاربنا هناك. لا يهم ان كانوا أكرادا أم أتراكا. لا أريد أن يموت أي أحد.

والى جانب العنف يقول سكان محليون ان الصراع له تداعيات اجتماعية واقتصادية عميقة. ورفض الكثير من المدرسين وكذلك من الاطباء والموظفين الحكوميين الانتقال الى المنطقة التي ارتبطت في أذهانهم بالتمرد والعنف.

وتدنى نشاط تربية الماشية الذي كان العنصر الرئيسي في اقتصاد المنطقة في التسعينات في الوقت الذي أدت فيه الاشتباكات في الجبال الى اجبار سكان القرى على النزوح الى بلدات مثل سيرناك مما زاد من البطالة. ويخشى البعض من أن يتسبب المزيد من الصراع في موجة نزوح جديدة.

وقال خليل بلكان رئيس الغرفة التجارية في سيرناك، ستتوقف الحياة في المنطقة اذا كانت هناك عملية. ربما ينتهي الحال بالناس بألا يكون أمامهم خيار سوى الرحيل.

ومع تراجع النشاط الزراعي أصبحت التجارة الحدودية مع العراق هي شريان الاقتصاد في السنوات الاخيرة. وفي حين أن الوقود يجري استيراده من العراق فان البضائع الاستهلاكية تصدر الى هناك. كما تدفق عمال البناء والطلبة الاكراد الاتراك على العراق.

وأضاف بلكان أن الصادرات الى العراق عبر بوابة الخابور الحدودية في سيرناك والتي وصلت قيمتها الى نحو ثلاثة مليارات دولار في العام الماضي من الممكن أن تنخفض هذا العام وربما تتضرر أكثر اذا تدهور الوضع الامني أكثر.

وبدأ يشعر بالفعل بأثر أحدث اضطرابات على أعماله. اذ ان المخاوف الامنية أجبرته على تأجيل زيارة من شركة بريطانية للاطلاع على مشروعه التعديني في جبال قرب الحدود العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 19 تشرين الاول/2007 -7/شوال/1428