السكك الحديد في العراق تتحول الى مجرد ذكريات

شبكة النبأ: رغم انها متقادمة وعفا عليها الزمن إلا ان السكك الحديد في العراق لم تتوقف عن العمل وتقديم الخدمات حتى بعد التغيير الذي شهده البلد عام 2003 ، ولكن تمادي الارهاب في محاولاته منع التواصل بين ارجاء البلد وخلق اجواء توحي بتوقف الحياة في كافة الميادين اصبحت محطات السكك الحديد عبارة عن ذكريات كانت في يوم ما تعج باصوات المسافرين وهدير القطارات المحملة بالضائع والركاب.

القطار هو أول آلة متحركة وقعت عليها عينا أبو صالح حين كان طفلا في الخامسة من عمره، فقد ترك والده قريته في سوق الشيوخ ليعمل في السكك بالبصرة منذ بدايات تأسيسها، وكبر ابو صالح وواصل مهنة والده فصارت القطارات والسكك جزءا من تاريخه الشخصي، لكن قطارات نقل المسافرين توقفت تماما بعد عام 2003 في عموم العراق وأصبح ركوب القطار أمنية يخشى أبو صالح ألا تتحقق في المتبقي من عمره.

يقول أبو صالح وهو يجاهد لفتح عينيه الكليلتين اللتين أخذت سنواته التسعون الكثير من نورهما، بيني وبين السكك الحديد، ود وآصرة تاريخ، فصفيرها كل صباح، قبل أن تتوقف، هو بداية يوم جديد لي.

لكن كاظم عبد الواحد مدير سكك حديد البصرة يقول إنه بعد الحرب الأخيرة على العراق عام 2003 تعرضت محطات القطارات والعربات وخطوط سكك الحديد في البصرة وباقي المحافظات الأخرى إلى أعمال سرقة وتخريب أدت إلى شلل حركة سير القطارات، خاصة في مجال نقل المسافرين، بسبب عدم وجود قطارات مؤهلة، من ناحية الخدمات يمكن استخدامها في هذا المجال حاليا.

واختفى بذلك نهائيا دور السكك كوسيلة لنقل المسافرين، وصارت الأغاني التي تناجي الريل (وهو الاسم الشعبي المتداول للقطار) لإعادة الحبيب أو تعاتبه لأنه أخذ الحبيب بعيدا بلا معنى؛ لأن دور القطارات اقتصر على نقل البضائع.

يعود تاريخ السكك الحديد في البصرة، إلى بدايات القرن العشرين، إذ قامت القوات البريطانية، بعد احتلالها الأول للعراق بعام، بتشييد أول محطة للسكك الحديد في منطقة المعقل على ضفاف شط العرب.

وعن دور وأهمية السكك الحديد يقول مدير سكك حديد البصرة، لعبت سكك الحديد منذ تأسيسها دورا كبيرا في عمليات النقل، وذلك لما تقدمه من خدمات رخيصة الكلفة، في مجال نقل المسافرين أو البضائع من محافظة البصرة إلى بغداد أو بالعكس.

وأضاف لوكالة (أصوات العراق) إن السكك توفر دقة المواعيد في المغادرة والوصول، بالإضافة عوامل السلامة في نقل المسافرين والبضائع.

وتابع بأنه بعد استبدال القاطرات القديمة التي استهلكت بقاطرات فرنسية حديثة، في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، تطورت الخدمات بدرجة كبيرة ثم تراجعت خلال سنوات الحصار، مع ذلك استمر العمل حيث يتم تسيير أربعة قطارات يوميا ووصل عدد المسافرين من محطة قطار البصرة الى أكثر من 16 ألف مسافر في اليوم الواحد، كما تنقل عبر القطارات آلاف الأطنان من البضائع، مما ساعد في ارتفاع معدل الواردات المحققة.

وأوضح أنه مع توسع خطوط سكك الحديد، وإيصالها بالموانئ العراقية من جهة، وربطها بالعاصمة بغداد مرورا بمدن الناصرية والسماوة والديوانية والحلة من جهة أخرى، وما رافقها من تطور على مراحل متعاقبة، أصبحت السكك الحديد تشكل جانبا رئيسا ومهما في حركة النقل البري، سواء للمسافرين أو نقل البضائع المختلفة.

وعن الدور الوحيد الذي تقوم به القطارات حاليا، وهو نقل البضائع، يقول مدير سكك حديد البصرة، بعد تأهيل خطوط سكك الحديد وتأمينها وإصلاح العربات الخاصة بالنقل تقوم السكك حاليا بنقل البضائع والمشتقات النفطية من البصرة إلى المحافظات الأخرى.

ويضيف عبد الواحد أن العمل مستمر في نقل مادة زيت الغاز من مصفى الشعيبة إلى مصفى الدورة، كذلك يجري تسلم القطارات المحملة بالحجر من محافظة الديوانية،  فيما تم في مطلع شهر تشرين الأول أكتوبر الجاري، تسيير ثلاثة قطارات تحمل الحبوب  من سايلو أم قصر(60 كم غرب  البصرة) إلى محطة الناصرية.

وقال عبد الواحد إن هذه الأعمال رغم قلتها تحقق إيرادات للشركة، وكشف أن مجموع الإيرادات التي حققتها مديرية سكك حديد منطقة البصرة عن طريق نقل الحمولات بلغت خلال شهر أيلول سبتمبر الماضي بلغ ( 57,545,000) دينار عراقي (الدولار الواحد يساوي 1232 دينارا) وهي واردات ضئيلة قياسا بالأشهر السابقة، إذ أن الإيرادات بصورة عامة تعتمد على كمية البضائع المنقولة ونوعها.

ويرى أنه،  يمكن مضاعفة الإيرادات المتحققة في حال تسيير قطارات المسافرين، وهو ما نطمح الى تحقيقه خلال الفترة القادمة، إذ باستطاعة المديرية تسيير قطار يومي من البصرة الى بغداد، عند تأهيل عربات نقل المسافرين.

وطالب عبد الواحد بتسريع انجاز مشروع (بصرة – شلامجة) الدولي الذي يربط سكك حديد البصرة بإيران الواقعة شرقي العراق، وقال، يعتبر مشروع بصرة شلامجة، من أهم المشاريع التي تساعد على ازدهار حركة تسير القطارات في محافظة البصرة في حال تنفيذه، إذ سيتم تسيير قطارات للمسافرين والبضائع بشكل مستمر بين البلدين. مبينا أن هذا المشروع وضع في عهد النظام السابق، وتم تفعيله بعد ذلك، بعد تبادل الوفود الرسمية بين الطرفين.

 وقال عبد الواحد، علمنا أن الخط في الجانب الإيراني قد  أنجز، أما بالنسبة للخط العراقي فهو في طور الإحالة إلى الشركات المتقدمة لتنفيذه، وسيمتد هذا الخط من جسر الكزيزة باتجاه فندق شط العرب (شمالي البصرة). مبينا أنه من المقرر أن يصل طول الخط داخل ألأراض العراقية إلى 35 كم.

ويجد المواطن سعد عدنان من أهالي البصرة أن إعادة تسيير قطارات المسافرين، سيسهل للمواطنين التنقل بين المحافظات، ويجنبهم مخاطر التعرض للحوادث التي تحصل، خاصة وان السفر إلى بغداد أصبح خطرا بسبب الأعمال الإرهابية التي تحدث في الطريق.

وأضاف عدنان، أنه في السنوات التي سبقت غزو العراق، كان القطار يمثل لنا وسيلة سفر مريحة ورخيصة وآمنة، إذ غالبا ما كانت تتم حركة القطارات ليلا، والوصول صباحا، وهو ما يساعد المسافرين على استغلال أوقاتهم، أما في الوقت الحاضر فيضطر الكثير من المسافرين إلى السفر بسيارات الأجرة في النهار تحديدا، لتجنب مخاطر الطريق.

لكن لكي تتواصل السكك مع هذا الدور، هناك حاجة لمعالجة عدد من النواقص التقنية التي تعيق عمليات نقل المسافرين، فالعربات تفتقر للتدفئة والتبريد ومستلزمات راحة المسافرين. وبحسب مدير سكك البصرة فقد تمت مؤخرا إعادة تأهيل عدد من العربات، وفي حال وصولها من بغداد سيتم تسيير قطار المسافرين من البصرة إلى بغداد.

وفي الجانب التقني تحدث عبد المحسن حسن حمود مدير شعبة النقل والتشغيل في مديرية سكك البصرة عن المشكلات التي يتوجب تجاوزها لكي يتم تشغيل خطوط نقل للمسافرين.

ويقول حمود إنه من الضروري أولا استبدال جميع المفاصل الكهربائية للعربات، التي تآكلت تعشقاتها، وتسبب ذلك بصعوبات في عملية التحكم باتجاه المفصل، وتوفير عوارض من الخشب أو الكونكريت، مع المستلزمات التابعة لها للتعويض عما سرق من خطوط سكك الحديد.

وأضاف أنه يجب إرسال جميع الشاحنات العاطلة الى ورش التصليح، وبيع الشاحنات التي لا يمكن إصلاحها، للاستفادة من أثمانها وإخلاء الخطوط منها.

لكن حركة القطارات لاتتوقف على الأمور التقنية فقط، إنما قبل ذلك على الأمور الأمنية التي تجعل حركة القطارات، وخاصة عند نقل المسافرين، مأمونة.

وكشف جمال البطاط أحد متعهدي حماية خطوط سكك حديد البصرة أنه كانت هناك صعوبات في عملية تأمين الحماية للخطوط والحفاظ عليها من التخريب والسرقة، لكنه قال إن هذه الصعوبات تمت معالجتها بالتعاون مع العشائر والسكان المحليين القريبين من خطوط سكك الحديد، مشيرا إلى أنه لم تسجل خروقات في القاطع الذي يشرف على حمايته والممتد من أم قصر إلى الغبيشية بمسافة 144 كم.

واستبعد البطاط احتمالات تعرض القطارات لمشاكل أمنية لوجود الدوريات على طول الخط الحديدي، بالإضافة إلى نقاط الحراسة، وقال إنه في حال تسيير قطارات للمسافرين فسنضع خططا جديدة للحماية ونكثف من الواجبات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 18 تشرين الاول/2007 -6/شوال/1428