قراءة في كتاب: الخاكيّة... مذبحة القرود المسلحة

عدنان عباس سلطان

شبكة النبأ: قراءة في كتاب الخاكية لمؤلفه عباس خضر، الصادر من مؤسسة الجمل المانيا، وهو لمحة عرضية نقدية لأدب وُلد من رحم الحرب وساير المؤسسة الفوقية ومثل مضامينها ويقصد به الادب العربي والعراقي على وجه الخصوص والظاهر في حقبة الحرب العراقية الايرانية المتجسد على مرآة السلطة القائمة انذاك.

ويعد الكتاب نوعا من التوثيق ومراجعة المضامين والتحولات والقيم، فيما تكون بعض ما احتوى الكتاب لمؤلفه عباس خضر شكلا من الانطباع وكشف الزيف والتشوه الثقافي، كذلك متابعة تتابع النص الادبي والشعري بالذات متدرجا من حقبة النظام الى نصوص الحروب التالية .. عاصفة الصحراء .. احتلال بغداد.

وصمة من العار والشنار، في ان يعاد الفعل الشين مرة اخرى وكانه لعنة لا تموت منذ ان كان الادب العربي يجد ساحته في قصور السلاطين السفلة والقادة المنحطين وخصيان الامراء

لكنه في الحقب اللاحقة وجد نفسه في ذات القصور والعروش وبدلا من ان ينطق القصيدة صوتا نطقها كتابة في الوسائل المقروءة والمسموعة وعلى نطاق اوسع مما كان في الزمن القديم.

الجريدة المتعددة الاسماء.. الثورة..الجمهورية..القادسية ..اقلام............والقائمة تطول ثم ياتي الدور المسموع والمرئي من اذاعات وقنوات تلفزيون متعدد الاسماء ايضا فليس للمشاهد من هامش للهروب الا ان يسمع ويرى ويقرا عن القرود المسلحة وقائدها الضرورة وهو يغطون ببحر من دماء ابناء الشعب العراقي.

وليس هذه المرة افرادا او جموعا من الاستخبارات او القوى البوليسية والعسكرية المحيطة بسلطان الجريمة الجماعية وانما من الطبقة المثقفة من الشعراء والادباء والكتاب العراقيين والعرب، فبدلا من ان يحملوا الوردة الانسانية، لبسوا الاكفان المضرجة بالدم وهم يمسكون بالهراوة القصيدة ويضربون الناس بها، لكي ينتحروا في الحرب كانتحار مقدس.

والهراوة القصيدة لم تمارس الترغيب بالموت وحسب وانما ايضا كانت تكيل الشتائم لكل من تخلف عن الموت الزؤام وكل من تقاعس عن تنفيذ رغبة القائد الفنائي فليست هناك لغة للحياة ان الحياة اخرسها صوت الموت الذي كان ينطلق من الحناجر الشبقة الى الفناء المجاني، الى الموت السخيف.

قال الضرورة فلا بد من انه قال الجميع وبحمية مسعورة حيا على الجهاد من اجل ان تظل اقدام صدام على قيد الحياة فوق العقلية العربية الصحراوية فلا يمكن ان تظل الصحراء بلا فارس يغزو وينهب ويقطع الطريق ووفق هذه الارتجاعية لابد من ان تتطوع الآيات القرآنية ايضا والمعتقدات الدينية والارث التاريخي لهذا المسعى الدموي الرهيب.

كل يعوي بالموت.. كل يلبس الخاكي او الزيتوني.. في الزوايا والحارات.. والمزابل والقصور جنود.. جنود.. معسكر كبير له خارطة يعترف بها العالم.. العائلة عدها الشعراء ربية في ساتر.. الطلاب يتلقون تدريباتهم وهم يرتدون ملابس الطلائع.. البندقية تزغرد على مسمع الطلاب الصغار كل خميس.. تزغرد بيد المعلمة لتعلمهم كيف يقتلون الاعداء ثم كيف يموتون الموت المقدس من اجل القائد وعصاباته.

الاقلام المهووسة تسطر هذه المذبحة وتؤطرها بالتقديس.

ينشرون العالم امامي .. مقسما على رقعة الشطرنج..

جنود..جنود.. كلب احمق.. كلب مسعور..

كلب دنئ.. كلب وفي..

لا تستغربوا اذن...إن نبح علينا العالم!!!!.

سلطة ثقافية متنفذة تعمل داخل سلطة قمع.. اي بمعنى سلطة ثقافية عسكرية خاكية او زيتونية بوليسية تشابه السلطة الاكبر في ترجمتها لمقولات السلطة واتباع نموذجها الخاكي في الادب والفن والممارسة، تعمل داخل النماذج والقوالب والمسميات والقيم المحددة والمعاني التي تخلقها المؤسسة وفق مصالحها ومتطلباتها، وتعمل الخاكية على ترجمتها كفعل اتباعي لا ابداعي وبلا مراجعة او اعتبار لأي مقولة انسانية، انما المسار محدد بالروح الشوفينية الفاشية السادية وحتى غيبية ان تطلب الامر حتى صار اللون خاكيا تماما في النص الشعري او الادبي اي النص الخاكي المتوسع في الرقعة الجغرافية والنفسية لعموم الناس.

الحروب في حقيقتها صراع داخل المجتمعات المتحاربة، ولا بد من ان هناك اختلال في المعنى الانساني عندما يصبح قتل الآخر انتصارا وطنيا وموته شهادة وطنية للجانب الآخر وبالتبادل يصبح الامل الانساني هو ان يتحول الفرد الى قاتل!!! صاحب سلطة اسمها السلاح موجه الى صدر الانسان، وهوكما يقول عباس خضر بان داروين كان على خطا من ان البشر استجابوا لقانون الارتقاء.

فالبشر هنا ليسوا ارتقاءا طبيعيا للقردة، إنما انتكاس للقردة من خلال تحولهم الى قردة مسلحون قردة حروب قوى عمياء، طاعون روحي يسيطر ويحرك كل شئ فيهم باتجاه اراقة الدم واحراق كل قيمة انسانية، قوة وحشية تكّون المعنى الجديد والاخلاق الجديدة دواب بلا وجوه.. آلة حرب بلا وعي، تحول فيها الانسان الى حيوان حرب، والانسان العادي الى قرد مسلح.

كل هذا وجد تشخيصه وتعضيده ومجاراته والتصفيق له في الشعر العراقي، فكانت الرتب التي منحت للشعراء والكتاب والفنانين الممارسي الشبق الموتي مع صدام كانت تلك الرتب على غرار الرتب العسكرية فهذا شاعر المعارك وهذا شاعر ام المعارك وهذ شاعر او مغني الحزب وكثير مما يكتب على شهادات الاتباع المنجز في خيمة الموت الصدامي.

لك ان تاتي..مشتعلا..بالشعر الخاكي..

او تبقى في دوامة نيران الحرب.. ملاكا ابدا..

كان العراق يمر بمرحلة التطوع للموت.. كيف نتصور تطوع فرد ليموت على الحدود غير مقتنعا وبرضاه؟؟!! كانت مرحلة توحش حقيقي الآلاف تقدمهم السلطة للموت، وفي كل الحالات هم متطوعون انهم يعشقون الموت لأجل القائد والوطن كما يخبرنا المتحدث الرسمي في خمسمائة لسان في وسائل الاعلام .. سخرية انسانية وهمجية وبيع للانسان بارخص ثمن.. ايديولوجيا صحراوية.. اجيال من الشباب يبحثون عن سبل العيش وان كان عبر سواتر المعركة.

وللتطوع اشكال فمنه ما يكون استجابة للحاجة ومنه ما كان بسبب التحولات النفسية التي نسميها ولادة الاب القاتل الوطني فقد راينا على التلفاز ابان الثمانينيات ذلك الرجل ذا الاسنان الصفراء وهو ينشد بالروح بالدم نفديك يا صدام فيما كان صدام يشد على صدره وسام الشجاعة لكونه قام بقتل ابنه الهارب من الخدمة الموتية!!! وهو هذا المقصود من الانتكاسة القردية في الثكنة الكبيرة التي اسمها العراق.

نلوي الصليب هنا ..نختار الشهادة..والقيامة والصعود..

ونوقظ الموتى .. ونغلق باب كل الاسئلة..

سيل الدم.. يمسك العرش الذي نبنيه..

باق اذن .. باق وماض انت..انك سورة الماضي ومكيال الزمان..

والمدفعية صوتك العالي.

الكلمة العليا هي المدفعية ، لم يكن المثقف كمنفي وهامشي او هاوي وخالق لغة تحاول هذه اللغة ان تقول الحق وانما كان المثقف منظّر قتل الابن والطاعة العمياء وتمجيد الدم والعهر الادبي.

فالادباء الدائرون في دخان السلطة  يناضلون بضراوة لكي يصبحوا عبيدا لها.

طلع الفجر علينا.. من ثنيات العراق..وجب الشكر علينا.. فهلموا يارفاق!!!!؟؟؟

طلعت نبيا..اطلق.. كلمتك الذهبية في الارض..وبشر من تلقاه.. بآيات الفتح.!!

يتناول الكاتب عباس خضر محاور عدة في الفصول او الابواب الاربعة وياتي على اسماء مشهورة لازالت موجودة او مغتربة حديثا عن الساحة الادبية والشعرية العراقية والعربية

كذلك اشارته او نقله بعض النصوص والمناسبات التي اتليت فيها كبيانات ادبية على غرار البيانات العسكرية والحزبية في تلك المرحلة المظلمة التي كشفت الجوهر للعقلية العربية وكذلك صعوبة تحولها عن المفهوم الصحراوي والانفتاح باتجاه العالم الفسيح.

كتاب الخاكية.. يحمل معان اخرى غير التي كانت في انطباع مؤلفها عباس خضر... انه يحوي استنباطات عدة وتدعو الى التامل في اعمال غير مشابهة اخرى تنهل من معين الكتاب ذاته.   

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 10 تشرين الاول/2007 -27/رمضان/1428