أنَا وعِزْرَائِيْلُ وَ مَجْلِسُ الوُزَرَاءِ !!!.

محمّد جواد سنبه

 طرقَ بابَ داري على عجلْ، رجلٌ ناداني بحياءٍ وخجلْ، إياكَ أسلِمُ فاتورةَ كهرباءِ الأملْ، سدّدْ ما بذمتكَ قبلَ فواتِ الأجلْ، نظرتُ فيها بحيرةٍ ووجلْ، وإذا مَبلَغُها يُذهبُ العقلْ. بهذهِ القائمةِ شرٌّ مُستَطِيرْ، ديونُها ثلثمائةِ ألفٍ مِنَ الدنانيرْ، أنَا أسكُنُ في بيتٍ صغيرْ، ليسَ بمصنعٍ أو فرنَ فطيرْ. قلتُ لنفسي غداً بوزارةِ الكهرباءِ استجيرْ، وأطلبُ منهم مقابلةَ الوزيرْ، ليَنصِفَني ويرى سرَّ هذا المبلغِ الكبيرْ. نمتُ محجماً عن كلّ مباحْ، ونَهضتُ في باكرِ الصَباحْ، لمّا بدا الديكُ بالصياحْ، سرتُ مسرعاً بخطى الكِفاحْ، ركبتُ سيارةً خُطَّ عليها (سبّاقةَ الرياحْ)، فقلتُ إنّهَا أَوّلُ كذبةٍ في هذا الصباحْ، فالسيارةُ نوعُ (كوسترٍ) مخلوعةُ الجناحْ، متداعيةٌ جوانِبُها مكسّرةَ الصِفَاحْ، كراسِيها مُهَلْهَلَةٌ الوِشاحْ، عندما سارتْ أصدرتْ أصواتاً كالنِباحْ، ظننتُ أنّ كلاباً هرّتْ لأجّسادِنا تُستَباحْ، فنهضتُ مَذعُوراً لأرميَ نفسي أرومُ الفَلاحْ، فمَسكني الذي بجنْبي، قالَ لا تخفْ دَرَكاً، إنّها صرصرةُ الحديدِ وهزّةُ الألواحْ، فحمدتُ اللهَ وزالَ الروعُ عني وراحْ.

واعترتني نعسةٌ خفيفةْ، شاهدتُ أثناءَها شخصاً ملامِحُهُ مُخِيفَةْ، طويل القامَةِ أعضاؤه نحيفةْ. تَملقتُ لهُ مِنْ خوفتي العنيفةْ، وقلتُ لهُ مَنْ ذا صاحبُ الطلعةِ الرهيفةْ. قالَ أنا الذي يكرهُني الأقوياءُ والضعفاءْ، ويفرُّ مني الأغنياءُ والفقراءْ، ويخشاني الرجالُ والنِساءْ، ويبغَضُني الشرفاءُ والادعياءْ. قلتُ: أأنتَ وزيرُ النفطِ أو الكهرباءْ؟!، أو المسؤولُ عن المجاري والماء؟!. قال لا، أنا عزرائيلُ معروفُ الهويّةْ، قابضُ أرواحَ الملوكِ والرعيّةْ. خفتُ مِنْ بطشهِ فازدادَ عندي القلقْ، وأظهرتُ لهُ مِنْ شدّةِ خوفي كثيرَ الملقْ، قلتُ أهلاً برسولِ ربِّ الفلقْ، أهلاً بالزاهرِ الأنورِ الأعبَقْ، لو أخبرتني بقدومِكَ بوقتٍ مُسَبَّقْ، لجعلتُ بيتي لكَ كقصرِ الخورنَقْ. قالَ: لَمْ أئتك إلاّ لروحِكَ أزهَقْ، قلتُ مَهٍ إصبرْ، بذمتي دينٌ موثّقْ، فاتورةُ الكهرباءِ هذي تشهدُ وتُصَدِقّ، أريدُ تسديدَها لتكونَ ذنوبي أخفََّ وأرَقّ، لا أريدُ أنْ آكل للحكومةِ حقّ، لأنّها رعتْ حقوقَنا بشكلٍ معمّقْ، فلا أحدٌ مِنّا يشكو أزمةً تَرهَقّ، كُلُنَا سعداءُ، كُلُنَا يرفلُ بالعيشِ المزَوّق، فلا بِطَالَةٌ عندَنا، جميعُنا عليهِ المالُ يغدقّ، وأكلُنا العسلَ المصفى باللوزِ يُخفَقّ، فلا بدّ أنْ أُوَفّي دَينَها ومِنْ ذنبِها أُعتَقّ.

قالَ عزرائيلْ: إنّكَ مواطنٌ بالوفاءِ مشهودْ، سأُكافيكَ عـن هذا المجهودْ، فَسَأُخلي سبيلَكَ ساعةً ثمَّ أعودْ. (قلتُ متوسلاً)، حبيبي عزرائيلْ: ساعةٌ منَ الزمانِ سريعةَ الوفودْ. قالَ: في ثوانٍ منها، خطفتُ منكُم تسعينَ نفسٍ عدٍّ معدودْ، سيارةٌ مفخخةٌ قتلتْ رجالاً ونساءاً وأطفالاً وجنودْ، سأذهبُ إلى اليابانِ ثمَّ إليكَ أعودْ، فأني أقبضُ روحَ من هو مقصودْ.

قلتُ حبيبي عزرائيلْ: إصحَبني معكَ إلى اليابانْ، فلمْ أرَ في حياتي أيّاً مِنَ البلدانْ، فقد منعني مِنَ السفرِ (وطبانْ)، لأنّي تكلمتُ مرّةً في السياسةِ وأطلقتُ اللسانْ، فنالني صارمُ العقابِ وشمِلَني المَنعُ والحرمانْ.

قالَ عزرائيلْ: الحمدُ للهِ الذي خلصكُم مِنَ الطغيانْ، وصُحْبَتَكُمْ صارت معَ الأمريكانْ، ما عليكُم إلاّ البصمُ على قانون النفطِ ولو بالكتمانْ، سيَضحَكُ لكُم ثَغرُ الزمانْ، سيكونُ النعيمُ عندكُم بلا حسبانْ، ستجري بركاتُهُم عليكُم وسَيُسْعَدُ الشيبُ والشُبّانْ، سيُزَوجونكُم مِنَ الغيدِ أجملَ النسوانْ، فاتناتِ الشرقِ والغربِ، يضعوهنَّ في الاحضانْ، وسيُعطوكُم منشطاتِ الجنسِ، كي لا تموتُ لذّةُ الذُكرانْ، كلّ المصاريفِ يدفعُها عنكُم الأمريكانْ، فتأكلونَ وتشربونَ وتنكِحُونَ وتَمُوتُونَ بالمجّانْ. هيّا نغادرُ العراقَ الآن، وننطلقُ إلى اليابانْ، فأخذَ بساعدي وأسرعَ بالطيرانْ.

طِرْنا مسافةً عظيمةً الارتفاعْ، وبعدَ وهلةٍ رأيتُ بعضَ الأصقاعْ، وشاهدتُ أضواءاً بمختلفِ الأنواعْ، فهَبَطنا رويداً رويداً بفناءِ إحدى القلاعْ، قالَ عزرائيلْ: حطّت أقدامُنا على أرضِ الصُنّاعْ. سنُدلفُ إلى مجلسِ وزرائِهمْ، لأقومَ بواجبي إزاءَ بعضهِمْ، فدخلنا بهوَ اجتماعهِـمْ، ونادى رجلٌ مِن بينهِمْ: أن احضر يا وزيرَ الكهرباءِ أمامَ الرئيسْ، فجاءَ الوزيرُ بوجهٍ عبوسٍ تعيسْ، يمشي الهوينا مشيَ التيّسْ، ولما استقرَ بالمكانِ انقطعَ الحَسيسْ، وبدا يحاسَبُ أمامَ الناسِ حسابَ إبليسْ، فالكلُّ شامِتٌ بهِ مِنْ واقفٍ وجليسْ. انكسرَ خاطري على هذا الحبيسْ، وقلت لعزرائيلَ بصوتٍ هميسْ: ماذا فعلَ فأخذوهُ أخذَ عتريسْ (1). قالَ لي عزرائيلْ: إنَّ الكهرباءَ انقطعتْ للحظاتٍ في ليلٍ غميسْ (2). قلتُ كل هذا العرس مِنْ أجلِ لحظاتٍ بدونِ بَصِيصْ، فلطمتُ على رأسي، وناديتُ بأعلى حسي: يا للظليمةِ ياللطيمةِ ياللهضيمةِ ضاعَ حقي أينَ حقي؟، الكهرباءُ يأتينا في اليومِ ساعاتٍ قليلةْ، ويُصَبِّرُنَا الوزيرُ كُلَّ يَومٍ بحيلَةْ، وملياراتِ الدنانيرِ تصرفُ ذليلةْ، ومشاريعُ الكهرباءِ تبقى عليلةْ، لا نرى الضوءَ إلاّ باشعالِ الفتيلةْ، ضاعَ حقي أينَ حقي؟. قالَ عزرائيلْ: ويّحَكَ أسكُتْ لقَدْ فضَحْتَنا بينَ الناسْ، ألا ذوقٌ عندكَ ألا إحساسْ؟، سأقبضُ روحَكَ، واقطعُ عليكَ الأنفاسْ. قلتُ على مضضٍ سأسكُتْ، لا عليكَ مِنْ باسْ.

وبعدَ هنيّهَةٍ صاحَ المنادي بصوتٍ هَزْبَرْ (3)، أنْ يا وزيرَ النِفطِ إحضرْ، فلكلٍّ جِنايَةٍ و لابدَّ مِنْ عقابٍ يَقهرْ. فجاءَ وزيرُ النِفطِ مذعوراً، يمشي على استحياءْ، فأخذهُ الحضورَ غمّاً بالإيماءْ، وشَتْماً بمسموعِ الكلامِ والإيحاءْ، فكأنّ لذلَتِهِ تبكي السماءْ، فَرَقّتْ لحالهِ حتى الصخورُ الصماءْ. فملتُ لعزرائيلَ التمسُ السؤالْ، لأعرفَ عن الوزيرِ حقيقةَ الحالْ، قالَ لي عزرائيلْ: إنّهُ جاءَ باقبحِ الفِعالْ، فَقَدْ رَفَعَ جزءاً بالمِئَةِ سِعرَ الغازِ المسالْ، والبنزينِ والزيتِ والنفطِ الزَلالْ. فلطمتُ على وجهي، وناديتُ بأعلى صوتي: يا للظليمَةِ يا للسَخيمةِ يا للهضيمَةِ ضاعَ حقي أينَ حقي؟. عندنا في العراقِ ضاقتِ الأحوالْ،  فشَحّتْ المحروقاتِ والناسِ يطلبوها بعزيزِ المالْ، عليها يتصافعُ المختصمونَ بالنعالْ، بلّ برمي الرصاصِ يصيرُ القتالْ، ومَنْ أرادَ احترامَ نفسهِ، فعَن النفطِ والبنزينِ يكفُّ السؤالْ، ويجلسُ في دارهِ جلوسَ الرئالْ (4). (فالبحارةُ) عندنَا في العراقِ شركاءٌ للحكومةْ، وهمْ الذين يبيعونَ الوقودَ باسعارٍ ظلومةْ، لا أحدٌ يحاسِبُهُم على الجريمةْ، وشرطَتُنا تخشاهُم ذليلةْ. قالَ عزرائيلْ: صَهٍ، قبحكَ اللهُ مِنْ رجلٍ سليطْ، هؤلاءِ الاغرابِ غَضَبُهُمْ علينا يسّتَشِيطْ، يَرطِنونَ بإخْراجِنا مِنْ هذا المُحِيطْ، إذا لمْ تدَعْ فاكَ مسدوداً مَخِيطْ.

قلتُ ياعزائيلْ: عيلَ صبري فالأمرُ عَبيطْ (5)، قالَ: أصْبِرْ قليلاً فالاحتدامُ باتَ نَشِـيطْ.

وبعدَ قليلٍ نادى مُنادِيهُمْ: أنْ احضرْ يا وزيرَ الخدماتْ، فجاءَ هذا الوزيرُ ينفُثُ الحَسراتْ، وتُلاحِقُهُ العيونُ بحُرقَةٍ كأنّهُنَّ الجَمَراتْ، فقامَ لهُ رجلٌ يُريدُ ضَربَهُ باللكماتْ، فمنَعَهُ بعضُ الجلوسِ بالزَجَرَاتْ، وضَجَّتْ الأجواءُ بأشدِّ المُهاتَراتْ، فلَمْ أفهمُ الرَطْنَ مِنهُمْ والإِشَاراتْ. قلتُ حبيبي عزائيلْ: هيا لننصرَ الرجلَ مِنْ هذهِ الهَجَمَاتْ، وإلاّ سَيَقِفُ قلبُهُ بأشَرِّ الأزمَاتْ، فيَضِيعُ هدراً دَمُهُ بلَحَظاتْ، ونُسألُ عنهُ يومَ حسابِ النَسَمَاتْ. قالَ عزارائيلْ:

إذا أساءَت إلى الآدابِ مملَكَةٌ **** فاصْبِرْ عَليّهَا فَقَدّ قَامَت نَوَاعِيها

هذا الرجلُ متهمٌ بهدرِ مالٍ عامْ، صَرَفَهُ في أموٍر لا تُفِيدُ الأنَامْ، فَشَيَّدَ مشاريعاً جِسَامْ، ليُنَفِّعَ بالمقاولاتِ بعضَ العظامْ، أصحابُ الكُروشِ النامِياتِ مِنَ الحرامْ، فزادَها السُحتُ ثَراءاً، وزادَ الفقراءُ ذلّاً وسُقامْ. قلتُ: هذا اللعينُ، على نهجِ المفسدينَ في العراقِ يسـيرُ بانتظامْ، لكنَّ الفرقَ بينهُمَا، ذا يُحاسَبُ عِنْدَهُمْ، وعِنْدَنَا يمرَحونَ لَهُمْ مَطلوقَ الزِمامْ. صرختُ كالملسوعْ: اسمع عزرائيلْ، ملايينُ الدنانيرِ الحمرِ هباءاً تُصْرَفْ، في مشاريعَ على الاوراقِ فقطْ توصَفْ، لا واقعَ لها، والتواقيعُ على التنفيذِ تُرْصَفْ، فلا قضاءَ يُجَرِّمْ، ولا عقابَ يَحسِمْ، فدعني لوجهي الَطِمْ، ولحظي أندبُ وأشتِمْ، وباللهِ الكريمِ أُجْزِمْ: إنَّها اللطيمةْ، إنّها السخيمةْ، إنّها الظليمةْ، لقد ضاعَ حقي، أينَ حقي؟.

لنْ أُشاركَ أبَداً في الانتخابْ، ولنْ أصغي لنقاشاتِ مجلسِ النوّابْ، ولنْ أسمَعُ تصاريحَ الكُذّابْ، سَأغْلِقُ دوني هذا البابْ، لأستريحَ من حُرقَةِ الأعصابْ، قرحةُ البطنِ قد تشفى ويزولُ مُرَّ الرضابْ، لعلَّ العيشَ بعدَ ذاكَ يُسعَدُ ويُستطابْ.

سأعارضُ مِنَ اليومِ كلَّ ائتلافْ، وسأنْبِذُ جميعَ المحاصصاتِ بلا خلافْ، وليسمَعْ ندائيَ المفسدونَ الطارئونَ الأجلافْ: أنْ يا أَهلَ عراقي: عِرَاقُكُم لنْ يكونَ منكُمْ جَفَافْ، أنتُم ستُنقِذوهُ وسيعودُ لسيرةِ الأسلافْ، فلا طائفيّةَ تُمزِّقُ الأحلافْ، إسلامُنا لمّ يكنْ دينَ تفريطٍ و إفراطٍ  وإسفافْ، ولمّ يكنْ مشروعَ ذبحٍ مِنْ خلافْ، ومُنتَهِكَ حرماتٍ وقاطعَ أطرافْ، سنُهملُ المتسربلينَ بالدينِ زيفاً هملَ أظلاف.

 قال عزرائيلْ: الآن حصصَ الحقُ وبانْ، أتريدُ أنْ توصدَ أبوابَ النيرانْ؟، وعلى المصاريعِ تفتحُ أبوابَ الجنانْ؟، فمنْ يكونُ لجهنمَ وقودَ النيرانْ؟، غيرُ مَنْ سيئاتِهم كالكُثبانْ؟. سيتركونَ الأموالَ تعبثُ بها الولدانْ، يبذروها على المَلذاتِ بناتُهم والصِبيانْ، وعلى رؤوسهم يومَ القيامةِ يُصبّ القَطِرانْ. أمّا أنتَ أيها المشاغبُ المزعجُ كالافعوان، سأنزعُ منكَ الروحَ بلا حنانْ،  ليبقى جَسدَكَ آيةً في اليابانْ، والديمقراطيونَ بالعراقِ يكونونَ منكَ بأمانْ، فيقولونَ هذا مصيرُ مَنْ يماحِكُنا و يَكْرَهُ الأمريكانْ.

___________________________

(1 = جبار)، (2 = الليل المظلم)، (3 = شديد)، (4 = ولد النعام)، (5 = أمر يذبح)           

* كاتب وباحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 9 تشرين الاول/2007 -26/رمضان/1428