التاسع من ابريل في العراق شكل منعطف كبير في جميع أجزاء
الحياة السياسية والاجتماعية والعسكرية وغيرها ، وبدا معه الكثير من
المفاهيم الجديدة في أجزاء مختلفة من جوانبها وتبعا لذلك فان العمل
ألاستخباراتي و العسكري كان من الأولوية فيما بدأت به جميع الجهات
المدنية والعسكرية وحتى الخدمية.
ونتيجة لانحلال الآلة العسكرية والمنظومة الاستخباراتية العراقية
ومنظومة الدفاع بعد السقوط مباشرة وما تبقى منه فقد أجهز عليه قرار
الحاكم المدني (بول بريمر) بحل قوات الجيش السابق إضافة الى الأجهزة
الأمنية والخاصة، مما افرغ الساحة من أي تواجد امني منضبط قد يشكل
نواة جديدة لأي بناء حديث.
ولكون القوات القادمة من خارج الحدود ذات طابع عسكري واسع وكبر
مساحة العمل العسكري، فان مسالة حماية المسئولين القادمين مع تلك
القوات كانت بمثابة الهاجس الأول لتلك القوات ولاسيما المسؤولين
والإداريين المدنين، وعلى هذا الأساس تم الاستعانة بشركات الحماية
الخاصة والتي تعمل وفق نظريات الدول الغربية من حيث المهام والمسؤوليات
بعيدا عن أصل موضوع التغيير الجاري في البلد، وهي ليست بمساس بتلك
القضية بقدر ما يتعلق الأمر بحماية هدف خاص لهم بكل الوسائل، ومقياس
النجاح والفشل لتلك الشركات في قدرتها على وضع الخطط في عملها بأفضل
صورة للنجاح بدون أي حساب للترتيبات الجانبية.
إن عدد الشركات الأمنية في العراق يبلغ 23 شركة أمنية (تقريبا حسب
أخر الإحصائيات) وبكادر إجمالي قدره 3000 عنصر امني فقط.
وتعد شركة "Blackwater USA"، التي يقع مقرها الرئيسي في ولاية
كارولينا الشمالية، أضخم المتعهدين الأمنيين الخاصين في العراق.
فعقب الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003، حازت الشركة من وزارة
الخارجية الأمريكية على عقود حماية السفارة (الأمريكية) في بغداد،
وتوفير الأمن للدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين، بدءاً بالحاكم
المدني السابق بول بريمر، وصولاً إلى السفير الحالي رايان كروكر، فضلاً
عن وفود الكونغرس الزائرة.
وطبقاً لموقع الشركة على الإنترنت، فقد تأسست الشركة في العام 1997
على يد( إريك برينس)، الذي خدم سابقا في القوات البحرية الأمريكية، وهو
يعد من المؤيدين للرئيس الأمريكي جورج بوش، ومن الذين أسهموا في دعم
حملته الانتخابية.
ويضم مجلس الإدارة للشركة عدداً من الذين خدموا في مناصب رفيعة في
الوكالات الأمنية والدفاعية الأمريكية، مثل كوفر بلاك، الرئيس الأسبق
لقسم مكافحة الإرهاب في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية؛ وهذا ما
حدا بكثير من المصادر الإعلامية إلى أن تعلل العقود الضخمة التي حصلت
عليها (الشركة) بالعلاقة الوثيقة التي تربط الشركة بأفراد الإدارة
الأمريكية الحالية.
أما مكتب المحاسبة العام الأمريكي فقد نقل في أحد تقاريره الصادرة
في مارس/آذار عام 2006 عن مدير اتحاد الشركات الأمنية الخاصة بالعراق (PSCAI)
قوله، إنه يوجد في العراق نحو 181 شركة أمنية.
ومن أبرز هذه الشركات: (داينكروب إنترناشونال (DynCorp
International) (وتريبل كانوبي( (Triple Canopy)، وهما شركتان
أمريكيتان متعاقدتان إلى جانب (بلاك ووتر) مع وزارة الخارجية لأمريكية،
أما الشركتان البريطانيتان )آرمر غروب((Armour Group)، وإيجيس ديفنس
سيرفيز(Aegis Defense Services)، فمتعاقدتان بشكل رئيسي مع وزارة
الدفاع الأمريكية.
وقد أنيطت بهذه الشركات مهام عديدة، مثل توفير الأمن والحراسة
للبعثات الدبلوماسية، والمسؤوليين الحكوميين، وشركات إعادة الأعمار،
وقوافل الإمدادات، وتدريب قوات الشرطة والجيش.
الأساس القانوني لعملهم في العراق
يطلق البنتاجون على هؤلاء بـ (المتعاقدين)، في حين تفضل الحكومة
العراقية وصفهم بالحرس، وهو وصف القصد منه تخفيف حدة الاستياء الشعبي
من الأعمال السيئة التي يقومون بها وتبرير وجودهم في العراق كونهم
جاءوا لأعمال تتعلق بإعادة بناء العراق، وفي هذا الإطار يجدر بنا
الإجابة على سؤال مهم وأساس وهو ما هو الغطاء القانوني وراء عمل هؤلاء
في العراق، وكيف تسوغ قوة الاحتلال والقوات المتعددة الجنسية والحكومة
العراقية وجودهم؟ وهل يقع هؤلاء ضمن حماية وحصانة القانون الدولي
والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحالة الحرب؟.
كان من أوائل الأوامر والقوانين التي شرعتها سلطات الاحتلال في
العراق هو إلغاء أو حل الكيانات السياسية (القانون رقم 2) وتشريع عمل
شركات الحماية الخاصة في العراق بموجب القانون رقم 17، وذلك للتعويض
عن حل الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب السياسية التي جاءت بعيد
الاحتلال والتي رفضت إدارة جارنر وما أعقبها إدارة بريمر عملها.
أصدر الحاكم المدني للعراق (بول بريمر) القرار رقم 17 بتاريخ
27-6-2004م عن سلطة الائتلاف الذي منح هذه الشركات حرية العمل في
العراق لتأدية مهامها باعتبارها توفر خدمات الحماية، كما منحها حصانة
قضائية ضد ملاحقة القانون العراقي لها (القسم 2 – الفقرة الأولى)، بحيث
سيكون أفراد هذه الشركات بمنأى عن الاعتقال أو الاحتجاز، وقد أعطى
القانون للسلطات المتعددة الجنسية الحق في احتجاز أياً منهم فيما لو
تجاوزا صلاحياتهم وحجبت هذا الأمر عن الحكومة العراقية (القسم 2 -
الفقرة 3).
يتضح من القانون أعلاه انعدام سلطة الدولة العراقية على أفراد
الشركات الأمنية، بل أنه جعلهم فئة متميزة بحيث لا يخضعون للقانون
العسكري الأمريكي المطبق على الجنود وفي نفس الوقت لا يخضعون للقوانين
العراقية.
المهام المسندة للشركات الأمنية في
العراق
ازداد الطلب على خدمات هذه الشركات الأمنية رغم المحاذير العديدة
على نشاطها وخصوصاً تلك المتعلقة بغياب تشريع أو قانون يلزم منتسبيها
أو غياب قواعد تحدد شروط تعيين أفراد هذه الشركات؛ فقد اتخذت في العراق
تطورا أكثر حدة يفوق المهام الموكولة إليها في العادة، حيث أصبحت تزاول
مهام أمنية كانت إلى وقت قريب تقع في مهام القوات المسلحة النظامية
للولايات المتحدة، وذلك تبعاً لازدياد المهام من جهة وإلى الخسارة
البشرية والمالية نتيجة الأعمال الحربية من جهة أخرى. فعند الرجوع إلى
العقود الممنوحة إلى هذه الشركات أو إلى الكتالوجات الخاصة بها يجد
المتتبع أنها تتمحور في الآتي:
1- الأمن الشخصي: Personnel Security للأشخاص والموظفين خصوصاً
الوكالات الأمريكية والأجنبية والأمم المتحدة العاملين في مجال
الدبلوماسية.
2- خدمات المرافقة Escort Services
3- توفير خدمات الاتصال والمواصلات.
4- إدارة الأزمات وحالات الاختطاف Management.
5- الاستشارات الأمنية وتقدير المخاطر Risk Advisory Consulting
and assessment.
6- تأمين المواقع والمنشآت والبعثات الدبلوماسية والشركات
المدنية المنخرطة في إعادة الأعمار. Site Security
7- توفير الحماية الالكترونية وقواعد البيانات.
8- تطوير أنظمة الحماية والرقابة.
9- الدعم اللوجستي والإسناد.
10- مرافقة قوافل الإمدادات والأغذية سواء لجيوش الائتلاف أو
للقطاع الخاص.
11- تولي متابعة وتطبيق تنفيذ العقود التي تدخل في باب إعادة
الأعمار؛ حيث تكلف هذه الشركات بالقيام بأعمال إدارية ووكالات لتنفيذ
مهام المتعاقد الأساسي الذي يخشى تنفيذ هذه الأعمال بصورة مباشرة.
مابين الحاجة والإشكال
ليس من السر على الإطلاق إن تكون الشركات الأمنية في العراق مصدر
مهم لحماية المسئولين العراقيين وغيرهم، وهي بمجرد الاسم ليست ذات
مشكلة فهي قد تكون احتياج طبيعي لأكثر من سبب ناتج من قلة الخبرة في
أفراد الامن العراقيين أو لعدم وجود ميول طائفية لدى تلك الشركات
وغيرها، لكن الحقيقة تبقى على الأرض أقوى من كل تلك الأسباب أو
النواتج العرضية لحالة فقدان الامن غير إن النتائج المهمة قد تظهر في
فترات زمنية لاحقة تكون أثارها مدمرة على البلد بصورة كبيرة جدا.
يظهر هذا الاستنتاج من عدة إشكالات نسجلها هنا:
1- إن جميع العاملين في هذه الشركات هم من الجنسيات غير
العراقية وهم بذلك يملكون صفة الغرباء وسيكونون على رحيل في أي وقت،
فما بالك وهم يملكون من المعلومات الرسمية والدقيقة ما تبنى عليها أساس
الدولة العراقية الحديثة بجميع هياكلها ومفاصلها نتيجة عملهم في بناء
المفصل الاستخباراتي للدولة في بعض الأقسام.
2- إن جميع منتسبي هذه الشركات هم من العاملين بأجور مغرية ومن
جنسيات متعددة وغير تابعين لنظام سياسي معين أو جهة رسمية في دولة تعقد
معها الصفقات وتأخذ منها الضمانات بسرية العمل في الحاضر والمستقبل،
وعليه فقد يكون أي عرض مغري يعرض على أي فرد مستقبلا قد يجد فيه مجال
للثراء مقابل فتح أسرار دولة كاملة، وخير شاهد على ذلك القضية التي
تدار الآن عن تزويد هذه الشركات بالأسلحة لأحد الأحزاب الكردية
المعارضة.
3- الاطلاع على أهم تحركات المسئولين في الدولة العراقية بل
رسم أكثر التحركات لهم وهي بذلك تشكل خرق امني كبير في حالة إنهاء
العقد مع تلك الشركات بل وحتى في حالة العمل.
4- التعدي اللامحدود على الأنظمة والقوانين العراقية وعدم
الاهتمام بأي مظهر احترامي للقانون أو الإنسان العراقي مما يولد حالة
ردة فعل عنيفة للمواطن العراقي تنعكس سلبا على الاحترام للقوانين
والأنظمة المعمول بها، وخير شاهد الحادثة الأخيرة لساحة النسور في
بغداد.
5- بقاء هذه الشركات وبتلك الصلاحيات يعد إساءة واضحة للمنظومة
العسكرية والأمنية العراقية ولاسيما بعد تطورها بشكل كبير في رصد
ومتابعة الجريمة في أكثر من موقع في البلاد.
قد يتبادر الى الذهن الكثير من الأخطاء الناتجة من بقاء تلك الشركات
بصورة غير نظامية ولكن ما يمكن عمله في المستقبل القريب وعلى اقل تقدير
تقليل حركتها وحصرها بمهامها الخاصة بحماية المسئولين وأثناء حركتهم
فقط ومنعهم من التحرك بصورة منفردة قد تكون خطوة جيدة في كبح نشاطهم
الغير متزن.
أضف الى ذلك البحث في إقامة قوات عراقية بمهام مشابهة للاستغناء
نهائيا عن تلك الخدمات المثيرة للشكوك في أكثر من محل، من عدم
الاستمرار في هكذا طريق لايبني أي أساس لقوات عسكرية عراقية بثوب مهني
صرف.
......................................
المصادر
1- الشرق الأوسط 2/10/2007
2- صحيفة الحقائق العالمية (رائد فوزي احمود)
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://www.shrsc.com |