وافق مجلس الشيوخ الأميركي الأربعاء على مشروع قرار غير ملزم حول
خطة لتقسيم العراق، اعتبره المدافعون أنه الحل الوحيد لوضع نهاية
لإعمال العنف التي تضرب هذا البلد، وأقر مجلس الشيوخ الخطة بأغلبية 75
صوتا مقابل 23.
ويقول مؤيدو هذا القرار الذي تقدم به السناتور الديمقراطي (جوزف
بيدن) المرشح إلى البيت الأبيض انه يقدم حلا سياسيا في العراق يمكن أن
يسمح بانسحاب القوات الأميركية دون ترك البلاد في حالة من الفوضى،
وترفض إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش تقسيم العراق إلى ثلاث دول
عنصرية وطائفية (كردية وسنية وشيعية).
وعن موقف الإدارة الأمريكية قال الناطق باسم البيت الأبيض توني
فراتو: (لا اعتقد أنه تصويت يحظى بأهمية كبيرة مثلما أراد البعض
تصويرها) مضيفا(أنه تعديل يتضمن رأي مجلس الشيوخ وليس هناك أي شيء ملزم
فيه) ومثل هذا التقسيم سيشكل بحسب رأيهم الحل للنزاعات بين مختلف
المجموعات العراقية وللعنف الذي يمنع انسحاب الجيش الأميركي الذي تطالب
به قيادات ديمقراطية وبعض الجمهوريين الأميركيين.
ومن جهته وفي أسرع رد رسمي من قبل الحكومة العراقية، انتقد رئيس
الوزراء نوري المالكي الجمعة بشدة قرار مجلس الشيوخ الأمريكي غير
الملزم لتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات شيعية وسنية وكردية، معتبرا انه
يشكل كارثة على العراق والمنطقة برمتها، ودعا مجلس النواب إلى عقد جلسة
طارئة للرد على القرار.
وقال المالكي، في تصريح أورده تلفزيون العراقية الرسمي بينما كان في
طريق عودته إلى بغداد، الجمعة، بعد مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة
للأمم المتحدة في نيويورك، إن ( قرار مجلس الشيوخ هذا غريب، لان وحدة
العراق وسيادته وأمنه وشكل نظامه أمر يعود للعراقيين وهو شأن داخلي
وليس شأنا يخص الكونجرس الأمريكي).
وأضاف أن ( المطلوب من الكونجرس مساعدة العراق على تثبيت سيادته
ووحدته وليس طرح مشاريع تشكل كارثة على العراق وعلى المنطقة برمتها).
وفي موقف شبه انفرادي رحبت رئاسة إقليم كردستان العراق، الجمعة،
بقرار الكونغرس الأمريكي حول تقسيم العراق على أسس فدرالية، قائلة إن
ذلك سيعني (إعادة) بناء للعراق على أساس الوحدة الطوعية.
وقال بيان لديوان رئاسة إقليم كردستان الذي يرأسه مسعود إن (مواطني
وحكومة إقليم كردستان العراق، يرحبون بقرار مجلس الشيوخ الأمريكي
لإعادة بناء العراق على أسس فدرالية، وهو قرار يؤكد ثوابت الدستور
العراقي).
ورغم إن الدستور العراقي الذي مر عبر استفتاء شعبي عام 2005 أقر
بإمكانية إنشاء أقاليم فدرالية، إلا إن هذا الموضوع ظل يثير جدلا
مستمرا بين كتل البرلمان العراقي، ففي حين يعده الأكراد حلا للمأزق
العراقي، يختلف أعضاء الائتلاف الشيعي حول الأسس التي تقوم عليها
الوحدات الفدرالية، فيما يعارضه بشدة أطراف مثل الكتلة الصدرية وجبهة
التوافق العراقية، وجبهة الحوار الوطني وسواهم.
مكافأة أم وعيد؟
اتخذ الكونغرس الأمريكي قراره الخاص بتقسيم العراق إلى ثلاث
فدراليات عرقية وطائفية بسهولة ويسر وبدون أدنى نقاش وكان الأمر كان
ينتظر الوقت فقط لتمريره في موقف رفضه الكثير، ولم يكن غريب في أكثر من
طرف، فالكلام يدور منذ بدء الغزو عن مكونات وأقليات وطوائف وغيرها.
يرى البعض أن القرار غير الملزم وفيه رفض عام تقريبا، لكن المشكلة
التي تقرع الطبول هو الحالة المتشابهة في قرار اتخذه الكونغرس الأمريكي
قبل ولاية بوش الابن بإسقاط نظام صدام (ولم يكن ملزما آنذاك) ولكنه
أصبح واقعا نعيشه اليوم بعد فترة ليست بالطويلة.
الأمريكيون لن يكون لهم وقت طويل مع السياسيين العراقيين فهم لديهم
مايؤرقهم أكثر من الأمن في العراق والعملية السياسية، فالمنطقة تشهد
تسارعا يوميا في أحداثها وكثير من غير المرغوب فيهم لدى الأمريكيين
يستغلون ما يجري في العراق لتوريط أكثر من طرف إضافة إلى الناتج
النهائي بجعل العراق مستنقع للأمريكان أنفسهم، إضافة إلى نشوء شباب جدد
للسياسة في العراق لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تحسب لهم حساب
عندما حضرت، وهم لا يدينون بالولاء (حسب وجهة نظر الأمريكان) بما تقره
ولا يسيرون وفق سير الركب.
وهذا ما يبدو قد تنبه له الأمريكيون في وقت متأخر نوعا ما فقرروا
اللعب بكل الاحتمالات وإلا فالغرق قادم لهم، جميع ما أعطوه للساسة
العراقيين لم يكونوا بمستوى إنجازه (حسب وجهة النظر الأمريكية)، وهم
غير متفائلين أصلا بالمستقبل القريب رغم تصريحاتهم الاحتفالية،
فالمصالحة مازالت متعثرة في أكثر من موقع والمليشيات تعشعش وتفرخ في
مواقعها والخدمات والحالة الأمنية في وضع لا تحسد عليه، أما حكومة
الوحدة الوطنية فهي اليوم وحيدة في مهب الريح.
مواقف العراقيين للقرار الأخير كانت تقريبا متقاربة كثيرا، إلا في
الجزء الشمالي من البلاد الذي ظل في منأى عن أكثر الأحداث دموية
واشتعالا لكنه لن يكون بمنأى عن القرار السياسي للبلد بكل تأكيد.
ماذا أراد الأمريكيون من قرارهم؟
الأمريكيون يعرفون قبل غيرهم مدى الرفض الذي سيواجه به هذا النوع
من القرارات ولكنهم في الوضع الحالي ليس لهم تفكير سوى أفضل الاسوء،
وهذا يبدو واضحا في كلامهم فحكم العراق في وجهة نظرهم مرة أخرى بيد
مركزية واحدة ( منتخبة) أصبح لديهم ضرب من الخيال، وإعادة دكتاتورية
مستبدة تتعارض مع ما جاءوا به للمنطقة وعليه فهم لا يألون جهدا في
التفكير في وضع الخطط المستقبلية للخروج من المأزق العراقي، وعليه فهم
يفكرون مليا بما سيفعلون وان بدا أول الأمر مرفوضا.
يرى بعض السياسيين إن القرار يقرأ
من جهتين:
الأولى: انه قد يكون بلغة الوعيد أو التهديد لكل الذين مازالوا غير
مهتمين بإنجاز القوانين التي كانت الحكومة الأمريكية تتشوق لإنجازها
قبل عطلة البرلمان العراقي الصيفية لتنجز بذلك مطلبا مهماً في رأيها،
وحسب وجهة نظر الأمريكيون فانم غير مستعدين للاستمرار بإعطاء التضحيات
في العراق والعراقيون أنفسهم غير مستعدين للعمل(حسب تصريح أحد اعضاء
الكونغرس).
وعليه فأن (الأمريكان) مستعدون لاتخاذ القرار الذي يجعل من
السياسيين العراقيين أول الأضاحي أمام الشعب ومن وحدة البلد قربان
الخلاص بالنسبة للقوات الأمريكية، وهو بالفعل ناقوس خطر يجب أن يقرا
بأبعاده جميعا على انه صوت الإدارة الأمريكية الخفي وإذا ما استمرت
العملية السياسية متعثرة فان الأمريكيين لن يصبروا طويلا كي يتعاملوا
مع حكومات محلية جنوبية ومجالس وعشائر صحوة في غرب ووسط العراق وإقليم
شمالي ينتظر بفارغ الصبر قرارهم.
هذا من الجانب الداخلي أما عن الخارج فالرسالة تبدو واضحة إلى الدول
التي تحاول فتح أراضيها لإقامة ما يسمى (بالدرع الصاروخي المضاد) والذي
ترى فيه الولايات المتحدة الأمريكية تجاوز كبير على محاولة بسط نفوذها
في المنطقة وهي بذلك ترسل إشارة واضحة بعدم الممانعة بإقامة حكومة
كردية في الشمال وشيعية في الجنوب كمحاولة في رد سريع على المفاوضات
الجارية في تلك الدول مع الجانب الروسي وبعض الدول الأخرى.
أما الثانية: فيراها البعض بعيدة بعض الشيء ولكنها ليست بالصعبة
فالمتشوقون لتوزيع العراق على أساس فدرالي جغرافي يرون بان السيطرة على
الأوضاع السياسية بصورة العراق الموحد قد تكون شيء طويل وصعب المنال
ولاسيما في الوقت الحاضر، وببقاء الأوضاع المتردية فهم يضعون نصب
أعينهم أن لا حل إلا بالحكم الجغرافي أو المناطقي( كما يعبرون).
قد يكون طرح الموضوع من جانبهم فيه من الصعوبة الشيء الكثير ولكنهم
سيجدونها سهلة المنال عندما تستورد من الخارج لتفرض على واقع الحال وهي
بذلك تكون كالمكافئة لهم على تسيرهم الأمور بهذا الطريق ولو سرا.
لعل الحديث عن موضوع العراق ليس بالغريب فالمارد العراقي الموحد ظل
إلى فترات كبيرة يؤرق المنطقة ولاسيما بوجود أنظمة غير منضبطة ولديها
من القدرات العسكرية ما كانت تستهلك فيه موارد كبيرة جدا من واردات
البلد، هذا في وقت كانت الأنظمة تعتبر قريبة من الصبغة العامة للحكومات
التي تحكم الدول المجاورة، أما الآن وهو واقع الحال فإنها تعتبر
الحكومة الحالية ذات صبغة مغايرة من الطبيعة الطائفية، وعليه فالأزمة
ستكون اشد، وعليه فالبحث عن البديل لابد منه في وجهة النظر البعض
والتكيف مع القادم ليس أصعب من التماشي مع الموجود.
(طرقة الباب الخفيفة)
هكذا كان عنوان الخطة الجديدة التي تداولها الساسة الأمريكان قبل
فترة كإحدى الطرق للعمل في العراق، يرى البعض أن القضية كانت مقصودة
حول العمل العسكري فقط، ولكنها في واقع الحال ستغطي جميع الأجزاء من
السياسة الأمريكية في العراق، فأي موضع يريدون تسويقه سيحاولون أول
الأمر تسريبه بهدوء إلى الأوساط الإعلامية ومن ثمة مناقشته في الأوساط
السياسية، وعندما يصبح متداولا فستكون احتمالية القبول مساوية
لاحتمالية الرفض، مع مراعاة الأجواء والظروف التي تطرح فيها مثل تلك
الأفكار.
وماذا يجب علينا أن نعمل؟
وبما إن الأمر وصل إلى مرحلة التقسيم فنعتقد بان قضية إصدار
البيانات والرفض السياسي فقط لن يكون ذات مغزى، بل يجب مجابهة هذه
القرارات بحلقات تقطع الطريق وتنهي الأمر ونرى هنا إن موضوع التجاذب
بين المركزية و الأقاليم قد أصبح مشكلة متجذرة في أكثر الأبواب تشابكا
وعليه فان الوصول إلى حلول مرضية فيه قد تدفع العملية السياسية باتجاه
صحيح ويحررها من الجمود الذي تعيشه ويمكن الاستفادة من آراء وأفكار
كتاب ومفكرين في هذا الباب طرحت أفكارهم قبل حصول جميع الملابسات التي
نعيشها حاليا وهذا يدل على وجود قراءات مسبقة للحالة العراقية وتشخيص
الحلول لها، حيث يرى الإمام السيد محمد الشيرازي(قد) أن تطبيق سياسة
اللامركزية في أي بلد يحقق الكثير من المزايا، لعل أهمها:
1- أنها ممارسة فعلية لمبدأ الاستشارية السياسية الذي يقوم على أساس
اشتراك المواطنين لإدارة شؤونهم والمشاركة في صنع القرار بأنفسهم، وهذا
ما يعبر عنه في السياسات الحديثة (بالديمقراطية) فإن النظام الديمقراطي
السياسي يمنح الفرد السلطة عن طريق الآخرين الذين يمنحونه هذه السلطة،
ولذلك فهي ذلك النظام الذي يستطيع من خلاله المواطنون تحقيق أهدافهم،
عن طريق الحكم بواسطة الشعب، ومن أجل الشعب.
وبالتالي، فأن نقل السلطات إلى المحليات، ومنح المحافظين كافة
السلطات والمسؤوليات دون الرجوع إلى سلطة مركزية في العاصمة، واختيار
المحافظين من أبناء المحافظات، أو ما أشبه من الوحدات الإدارية أو
الحكومات المحلية، هو تطبيق عملي للاستشارية بمفهومها الشامل لما في
ذلك النظام من توافر للمبادئ التي تكفل له أعلى درجة من الاستشارية
التي تستمد السلطة في صنع القرار من أبناء الشعب مباشرة بالمحافظات دون
الرجوع إلى السلطة المركزية.
2- إن النظام اللامركزي الإداري كما هو مطلوب بالنسبة إلى المجال
السياسي، كذلك هو مطلوب بالنسبة إلى سائر المجالات كالمجال الاقتصادي،
فإن هذا النظام يعد دعامة أساسية لنهوض الاقتصادي والاجتماعي للمحافظات
أو الحكومات المحلية، أو ما أشبه ذلك من خلال الاهتمام بالتنمية
الإقليمية، وتطوير أداء الخدمات، وتحقيق برامج الأمن الغذائي، وما أشبه
ذلك من سائر ما يكون مقوماً للحكم الشعبي، فإن هذا النظام هو في
الحقيقة أقدر على التعرف على الاحتياجات الحقيقية لكل محافظة وتنسيق
العمل داخلها، وتوجيه الجهود نحو إشباع رغبات واحتياجات المواطنين،
والتيسير عليهم، والبدء في مرحلة جديدة من العمل لزيادة الإنتاج لتحقيق
النمو والتقدم والرخاء. (الحكم الاسلامي في فكر السيد الشيرازي).
وعليه ومن خلا المبدأين أعلاه نستطيع أن نفهم إن تطبيق مبدأ
اللامركزية الإدارية هي الطريق الأفضل و الإسراع في حل المشاكل العالقة
على جميع الأصعدة وهي بذات الوقت تقطع الطريق على جميع المحاولات
الأخرى التي تصب في نهر تمزيق الوحدة العراقية وتشتيت قدراتها، وهو
تشخيص واضح لجميع المشاكل التي يعاني من المجتمع العراقي الذي يبحث
بشتى الطرق للخروج من تلكم الأزمات، ومن يعلم قد يقتنع أخيرا بأفضل
الاسوء إن لم يجد الحل أصلا.
* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com |