يعتبر سليمان العودة واحدا من أبرز رجالات ما يعرف بالصحوة ورموزها
في المملكة العربية السعودية، وقد ذاع صيته وعلا نجمه في فترة
التسعينات نتيجةً لتشدده في خطابه الديني والذي كان يغلب عليه طابع
الحماسة الدينية وحثّ الشباب على البحث عن القتال في أي بقعة من بقاع
الأرض وتحت ذريعة الجهاد!
بعدها أصبحنا نرى تغيّرا في الخطاب الديني لدى –العودة- خصوصا بعدما
نجح سادته آل سعود في ضمّه إلى طواقم خدمهم بما يملكون من وسائل ترغيب
سخية ومتنوعة!
فاختفت من خطاب الرجل العبارات التحريضية والجهادية التي تسبّبت في
ورود الآلاف من الشباب المخدوع مهاوي الردى، والتي كان يطلقها
-العودة- داعيا الشباب إلى الجهاد في أفغانستان أو الشيشان أو غيرها،
بينما يستمتع هو بالعيش الرغيد مع عائلته وأولاده
وقد رأيناه جميعا كيف أستنفر وأستنجد بالبوليس السعودي ليمنع أبنه
من الذهاب للعراق - ليجاهد حسب تنظيرات والده- خوفا منه على فلذة كبده
من أن ينال نفس المصير الذي لاقاه الكثير من الشباب الذي غرر بهم من
خلال خطبه الجهادية وتحريضه الديني.
وقد حاول آل سعود الاستفادة من طاقات ومواهب –سليمان العودة- بعد أن
نجحوا في ضمه إلى سلك الخدمة في بلاطهم، فقاموا بتشذيبه وتهذيبه
وتغليفه مستفيدين من –الكاريزما-القوية التي يتمتع بها الرجل!.
ليصنعوا منه شخصية –فوتو جنك- ويفرضوه على العباد من على شاشة الام
بي سي التابعة لإمبراطوريتهم الإعلامية، فأصبحنا مجبرين على مشاهدة
فضيلة الشيخ وهو يمشي الهوينا!.. أو وهو يكتب أو وهو ينظر متأملا من
النافذة في منظرٍ ممل يتم تكراره علينا عشرات المرات يوميا!
وبطبيعة الحال فأن آل سعود عندما يصنعون من –العودة-نجما فضائيا لا
يقدمون له هذه الخدمة مجانا أو هياما بسواد عيون الشيخ، بل هم يفعلون
ذلك لغرض الاستفادة منه ومن قدراته الخطابية والبلاغية في حربهم ضد
إبنهم العاق (أسامة بن لادن) الذي شقّ عصا الطاعة وأخذ يهدد عرشهم
بالتصدع.
وبناءً على ذلك لم يكن أبدا مفاجئاً خطاب البراءة الذي أطلقه
–سليمان العودة- ومن خلال برنامجه (حجر الزاوية) والذي أعلن فيه براءته
من أخيه بن لادن!!
إن القراءة الدقيقة والمتأنية لخطاب سليمان العودة الموجه لابن لادن
سوف تكشف لنا حقيقة هذا الشخص ومدى تناقضه مع نفسه ومدى استغلاله هو
وأمثاله للعبارة الدينية والخطاب العقائدي الإسلامي في خدمة أغراضهم
الدنيوية التي قد تكون تارة ًضد السلطان وتارةً أخرى إلى جانبه!
ولا أجد أجمل من وصف أمير الشعراء –احمد شوقي- ينطبق تماما على
سليمان العودة، وذلك عندما قال:
ارتدى الثعلب يوما ثياب ألواعظينا........... ومشى في الناس يدعو
بلسان ألذاكرينا!
فقد رأينا كيف إن –العودة- يعترض على أسلوب أخيه بن لادن في القتل
والتدمير والتخريب متناسيا أن بن لادن ما قام بذلك إلا استنادا على
عقيدته السلفية وأسسها الفكرية وتطبيقا للمفاهيم المتزمتة التي تعلمها
في المدرسة السلفية الوهابية والتي ينتمي إليها سليمان العودة نفسه
وكلاهما يعتبران تلميذان وفيّان لها، ويشتركان معا ب(أخوة) الإيمان
بعقيدتها، ولهذا كان حريصا على مخاطبة بن لادن بكلمة(أخي) وهو يتبرأ
منه!!
لذلك تجنّب- العودة- حتى الإشارة إلى الأساس الفكري الذي أستقى منه
أخيه بن لادن كل هذا الإجرام والكراهية وبغض الآخر، وذلك لأن –العودة-
نفسه مؤمنا بهذه القيّم الشنيعة التي تحضّ عليها المدرسة الفكرية
الوهابية.
ولا أدري لماذا تناسى سليمان العودة وهو يعتب على بن لادن بشأن
إراقة الدماء وقتل الأبرياء، لماذا تناسى أنهار الدماء التي أسالها
أولياء نعمته وسدنة المذهب الوهابي- آل سعود- بدءا ً من عهد تأسيس
دولتهم الأولى في –الدرعية- على يد محمد بن سعود الكبير ومرورا ً بتلك
المجازر التي أرتكبها مؤسس دولتهم الثالثة الحالية عبد العزيز آل سعود
وما قام به من قتل ِ وغدر ِ وترهيب لقبائل نجد والحجاز وغيرها، تلك
الجرائم التي تعجّ بها كل الكتب التي أرّخت لآل سعود بما فيها الكتب
التي سطّرتها أقلام غلمانهم!
فلذلك تعتبر براءة سلمان العودة من أخيه في الإيمان بن لادن براءة
ناقصة، إذ هي في حقيقة الأمر لا تعدو كونها مجرّد اعتراض على الأسلوب
في إشاعة الدمار والتسبب في إحراج أولياء الأمر من آ ل سعود، وليس
اعتراضا على المنهج الفكري والأساس العقدي أو المرتكز الديني الذي
يرتكزان عليه كلاهما.
لقد بدا سليمان العودة في خطابه المذكور انتهازيا يريد جذب الأضواء
وتسليطها عليه بعد أن خفّت تلك الأضواء عن بن لادن والذي تحوّل لمجرد
ظاهرة صوتية فقط لعزوف غالبية الشعوب المسلمة عن التفاعل مع خطابه
ألتدميري لافتضاح الطبيعة الدموية والهمجية التي يختزنها هو وأنصاره،
فالظاهر إن شيخنا –العودة- يريد أن يتلقف هذه الفرصة ويستغل إمكانيات
سادته آل سعود ليقوم هو بشغل الساحة.
ومن الأمور التي فضحها خطاب سليمان العودة هو مدى تناقض هذا الرجل
مع نفسه ويا ليته تذكّر قول العرب:
لاتنه عن خُلق ٍ وتأتي بمثله......عارُ عليك إذا فعلت عظيم ُ
فهو في الوقت الذي يعيب على بن لادن منهجه التكفيري، تناسى –العودة-
إنه نفسه قام بتكفير الملايين من المسلمين وبلقاء ٍ تلفزيوني واحد،
وذلك ضمن برنامج (بلا حدود) على قناة الجزيرة، عندما صرّح علنا ً بأن
المسلمين الشيعة هم كفرة، متعللا بحجة ٍ واهية أصبحت قديمة ومملة وهي
حجة أن الشيعة يسبّون الصحابة، متناسيا أن أول من أسس سب الصحابة
وشرّعه بل وجعله مفروضا من على المنابر هو إمامه معاوية بن أبي سفيان،
فهل يجرئ سليمان العودة على تطبيق حكمه بالتكفير على إمامه معاوية؟
أم إنه سيقول (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت...).فعندئذ قد نحتاج
لتذكيره أن تلك الأمة تعتبر هي الأمة المؤسسة للواقع الراهن الذي
نعيشه، وأن بعضا ً من رموز تلك الأمة التي قد خلت هم من أسّسوا أساس
الظلم والجور والتناحر، وهم السبب في حلكة الظلمة التي يعيشها المسلمون
اليوم.
وكم كانت عظيمة ً سيدة نساء العالمين وريحانة رسول الله(ص) فاطمة
الزهراء(ع) عندما نبّهت الصحابة إلى هذا الأمر في خطبتها الاحتجاجية
العصماء التي ألقتها في مسجد الرسول عندما قالت مخاطبة ً أبا بكر:
(وسيعلم المتأخرون جب ّ ما أسس الأولون)
وهذه العبارة الرائعة من خطبتها تغني عن كل شرح أو تفسير.
ومن تناقضات –العودة- أيضا أنه يسأل بن لادن عن الواقع الدموي
والرهيب الذي صار يعيشه المسلمون في العراق وأفغانستان، وكأن شيخنا كان
غافيا ً كل هذه السنين وقد صحا الآن!
وبعد كل هذه الأشلاء والدماء والآلاف من الضحايا والملايين من
الأيتام والأرامل!
و هو بذلك يناقض نفسه أيضا إذ إنه كان من أبرز الموقعين على البيان
المشئوم مع أكثر من ستين مدّعي علم ٍ وأكاديمي آخرين، يدعون فيه
الشباب للذهاب إلى العراق ليفجّروا أنفسهم وسط الأسواق والمدارس
والمساجد.
فاليوم وبعد كل هذه الشلالات من الدماء يأتي -سليمان العودة- ليسأل
بن لادن وبمنتهى اللطف والمودّة عن هذه الدماء غافلا عن انه هو
وأمثاله من دعاة الكراهية والفتنة الطائفية مسئولون أيضا عن كل قطرةٍ
من هذه الدماء جنباً إلى جنب مع أخيه في الإيمان أسامة بن لادن!
وإنهم إن أفلتوا من العقاب في هذه الدنيا فيقينا ً أنهم لن يفلتوا
عندما يقفوا بين يدي جبّار السموات والأرض، وعندئذ ٍ لن تنفع سليمان
العودة كلمات منمّقةُ خادعة ولا براءةً ناقصة أطلقها فقط لرفع العتب...
بعد طول سبات!
* رئيس تحرير جريدة المهاجر
الولايات المتحدة |