إن بعض الأحكام القانونية المستمدة من الشريعة الإسلامية تكون ذات
خصوصية في معالجة الأمور المتعلقة بها وبما ان المشرع العراقي قد جعل
من الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر القاعدة القانونية على وفق ما ورد
في نص المادة (1) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 وكذلك ما أشارت
اليه الفقرة (2) المادة (الأولى) من قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم
188 لسنة 1959 المعدل.
لذلك فان بعض التطبيقات العملية لأحكام الشريعة الإسلامية في
الحياة اليومية ومنها ما يتعلق بتصديق واقعة الطلاق الخارجي الذي يقع
خارج المحكمة فان هذا الطلاق متى ما توفر على شروطه الشرعية والقانونية
فانه يرتب أثاره الشرعية والقانونية سواء كان الطلاق قد وقع امام
المحكمة او خارجها و لكل أنواعه الخلعي او الرجعي او البائن بينونة
صغرى او كبرى، ولم يؤثر على صحة الطلاق الواقع الخارجي عدم وقوعه امام
المحكمة، لان ما ورد في قانون يتعلق فقط بان الزم الزوج بتسجيله لدى
المحكمة خلال فترة العدة على وفق أحكام الفقرة (1) من المادة (التاسعة
والثلاثين) من قانون الأحوال الشخصية النافذ. ويكون ذلك بإقامة دعوى
تصديق الطلاق الخارجي أمام المحكمة المختصة التي تبحث في توفره على
شروطه الشرعية والقانونية ومن ثم تصدر قرارها إما بتصديق الطلاق إن كان
صحيحاً أو ترد الدعوى (ترفضها) ويكون الطلاق غير معتبر ولا يرتب أي اثر
شرعي او قانوني عندما لا يتوفر على الشروط الشرعية والقانونية.
وعند بعض المذاهب الإسلامية تفرض عدة شروط وأركان لصحة الطلاق منها
ما يتعلق بالمطلق والمطلقة والاشهاد وغيرها من الشروط. ومن بين ما
يستلزمه الفقه الجعفري لصحة الطلاق ان يكون حاضر في مجلس الطلاق شاهدين
يسمعون صيغة الطلاق وان يكون هؤلاء الشهود مجتمعين في وقت واحد في مجلس
الطلاق ولا يجوز تجزئة وجودهم بمعنى ان يتلفظ بالصيغة امام شاهد واحد
وبعد حين يعيد التلفظ امام شاهد اخر دون حضور الشاهد الاول فهذا الطلاق
غير صحيح ولا يقع ولا يرتب أي اثر يكون بحكم العدم.
لذا ومن خلال ما لمسناه في دعاوى تصديق الطلاق الواقع خارج المحكمة
ان البعض لا يسعى الى التحقق من توفر شرط حضور الشاهدين في مجلس الطلاق
وقت وقوعه ويكتفي بالمصادقة بين الطرفين على وقوعه، او يستغني عنهم
بشهود آخرين يؤيدون وقوع الطلاق وهم لم يكونوا من شهود مجلس الطلاق، اذ
يتصور البعض ان هؤلاء الشهود هم شهود لإثبات واقعة الطلاق وهذا تصور
خاطئ لان هؤلاء الشهود شهود صحة الطلاق وإنهم ركن من أركان صحة الطلاق
وليسوا بشهود إثبات لواقعة الطلاق، اذ ان المحكمة لا تتحقق منهم عن صحة
الواقعة أو الادعاء وإنما تتحقق المحكمة من وجودهم مجتمعين في مجلس
الطلاق وقت وقوعه، ولا تتعلق شهادتهم بإثبات دفع أو ادعاء أي من
الطرفين، والمحكمة هي التي تستقدمهم من تلقاء نفسها لسماع شهادتهم،
لذلك فإنهم ليس بشهود إثبات لدفع او واقعة، وإنما باعتبارهم ركن من
أركان صحة الطلاق ويختلف مركزهم القانوني عن شهود الإثبات الذين تنصب
شهادتهم على إخبار المحكمة بحق غيرهم على غيرهم ويستعين بهم احد طرفي
الدعوى لإثبات دعواه أو دفعه والذين أشارت أليهم المود (76 ـ 97) من
قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 المعدل واختلافهم من عدة أوجه منها
ما يلي :-
1. ان شهود مجلس الطلاق تستدعيهم المحكمة من تلقاء نفسها دون
الحاجة إلى طلب أي من الخصوم. بينما في شهود الإثبات لا يحق للمحكمة أن
تستدعي أي شاهد الا بعد ان يطلب احد الخصوم الاستعانة بهم لإثبات دفعه
أو دعواه.
2. في حال ثبوت عدم وجود شهود مجلس الطلاق فان الدعوى ترد لان
الطلاق غير صحيح وغير متوفر على الشروط الشرعية لصحته. بينما في شهود
الإثبات إذا عجز احد الخصوم عن إحضارهم فللمحكمة أن تعتبره عاجز عن
الإثبات وتمنحه حق تحليف الطرف الآخر من الخصومة اليمين الحاسمة المشار
إليها في المادة (118) إثبات.
3. في حال تقديم الطرفين شهود لإثبات دعواهم او دفعهم فان
المحكمة ترجح اي الشهادتين وتمنح الخصم الذي لم ترجح شهادته حق تحليف
الخصم الاخر اليمين الحاسمة بعد ان تعتبره عاجز عن اثبات دعواه او دفعه
وكذلك عليها ان تبين اسباب الترجيح على وفق احكام المادة (82) إثبات
بينما في حالة الاستماع إلى شهود مجلس الطلاق فان المحكمة لا تستطيع
ولا تملك حق الترجيح وإنما لها أن تتحقق من وجودهم على وفق الشروط
الشرعية وان تحكم بصحة الطلاق أو ترد الدعوى (ترفضها).
لذلك نرى أن المركز القانوني لشهود مجلس الطلاق يختلف عن المركز
القانوني لشهود إثبات الدعوى أو الدفع الذي يتقدم به احد الخصوم.
لكن قد ينهض السؤال حول مصير دعوى تصديق الطلاق عند عدم التمكن من
إحضار شهود مجلس الطلاق أو فاتهم أو وفاة احدهم ؟ الجواب يكمن في أن
للمحكمة الحق والسلطة في إجراء التحقيق للوصول إلى صحة وجودهم في مجلس
الطلاق أثناء وقوعه ولها أن تستعين بكل الوسائل المتاحة ومنها الاستماع
إلى البينة الشخصية (شهادات الشهود) لإثبات واقعة وجود الشهود في مجلس
الطلاق وتكون مسألة وجودهم هي الواقعة المراد إثباتها وليس باعتبار
شهود الإثبات بديل عن شهود مجلس الطلاق لان المحكمة لها أن تبني
عقيدتها وتصدر قرارها بمجرد ثبوت توفر الشروط القانونية في الادعاء.
ومما تقدم فان اللبس في معرفة المركز القانوني لشهود مجلس الطلاق
يزال بمجرد الإطلاع على اصل شهادتهم وحضورهم في مجلس الطلاق، وهذا ما
اقتضى طرح هذا الشرح المبسط لتوضيح الأمر وإزالة اللبس في الفهم تجاه
هذه الحالة. |