رحلة الخريجين العراقيين مع المهن الشاقة

 شبكة النبأ: عمل الطلبة شئ معتاد في الحالة العراقية وذلك لعدم وجود رعاية من قبل الدولة وعدم اهتمامها بتطوير المهارات والتدريب ولهذا السبب وغيره تتدنى الرغبة المعرفية لدى الطلبة ويكون ناتج التدريب ناتجا غير فاعل في الميدان العملي وهو نسق يجري مثل ناموس بعد التخرج ايضا حيث يعين ان وجد التعيين في المحل غير الملائم كوظيفة، بمعنى خارج الاختصاص التعليمي.

جاسم مرهون طالب في المرحلة الثانية في كلية الهندسة بجامعة البصرة، ومثل العديد من الطلاب الجامعيين في مدينة العمارة، يتمنى مرهون أن يستغل عطلته في تقوية اختصاصه من خلال دورات خاصة او مطالعة كتب تتعلق باختصاصه، لكن الأمور لا تجري حسب ما يشتهيه، لأن وضع العائلة المادي يجبره على ممارسة مهنة بعيدة كل البعد عن اختصاصه.

يقول مرهون متحدثا لوكالة (أصوات العراق)، أمضي أيام الدراسة في الأقسام الداخلية الرديئة في محافظة البصرة، وفي العطلة الصيفية أضطر الى العمل ببيع الثلج في كشك أخي الأكبر، حتى أتمكن من توفير ملابسي ومصاريفي لفترة الدوام.

من عمله في بيع الثلج يحصل مرهون على خمسة او سبعة آلاف دينار يدخرها لدى شقيقته الكبيرة، فتقوم بتقسيط الدفعات أثناء الدوام لتغطي مصاريفه طوال السنة، ومع ذلك يرى مرهون أن ذلك جزء من حل،  فالعمل يغطي جزء يسير من مصاريف الجامعة وهي مشاركة منه في مساعدة العائلة الفقيرة، ويجد في هذه المشاركة نوعا من الفخر: انا ابن عائلة فقيرة، وأعمل من اجل ان أدرس وأحصل على شهادة ولا أخجل من عملي لأنني اكسب بعرق جبيني وأراهن على المستقبل وشهادتي.

في السابق كانت الدراسة الجامعية حكرا على أبناء الميسورين الذين يرسلون أولادهم الى بغداد (تبعد 390 كم شمال العمارة) أو البصرة (180 كم جنوبا) لإكمال دراستهم الجامعية هناك، لعدم وجود جامعة في محافظة ميسان، أما الفقراء فيكتفون في أحسن الحالات بالشهادة الثانوية، في العام الماضي وافقت الحكومة على إنشاء جامعة في محافظة ميسان وقد ضمت حتى الآن ثلاث كليات فقط، ولذلك يتحتم على الفقراء أن يعملوا من اجل تغطية تكاليف الدراسة بعيدا عن مدنهم.

علي رضا طالب في كلية القانون ويعمل سائق تاكسي في سيارة أحد أقاربه، يقول: نحن كعائلة نعيش من راتب والدي التقاعدي ومن راتب شقيقتي المعلمة، وهما يعينانني في الكثير من الأزمات، ولكن في العطلة لابد أن أحضر بعض المستلزمات التي احتاجها مثل الملابس والمصادر الدراسية، حتى اجعلهم يشعرون بأنني إنسان فاعل وبإمكاني ان اجلب المال.

وعن مشاكل مهنته كسائق تاكسي، يقول رضا: بعض سواق المركبات يطلقون كلمات جارحة لأبسط الأشياء ولا يحترمون الآخر، واغلبهم متهيئين للعراك لأمور تافهة، وتزعجني أزمة البنزين المستمرة في العمارة بحيث أقف ساعات طويلة قد تصل الى (20) ساعة من اجل الحصول على (تفويلة).

ويشير: أحصل يوميا على ثمانية آلاف دينار فقط لقاء عملي طيلة النهار.

داود نادر نوشي عضو لجنة التربية في مجلس محافظة ميسان يستغرب من قيام طلبة جامعيين بأداء أعمال بعيدة عن اختصاصاتهم ويقول: إنها ظاهرة غريبة، أن يعمل الطلبة الجامعيون بهذه المهن الشاقة.

ويكمل: ربما نحن البلد الوحيد الذي يعمل طلبته الجامعيون بالبناء و بيع (العتيق) في العطل الدراسية.

ويضيف: نحن في مجلس محافظة ميسان نسعى الى بناء جامعة بمواصفات عصرية في محافظتنا، وتمت الموافقة على إنشائها، وهي في طور التكوين. وفي كلياتنا يوجد حاليا أكثر من 3000 طالب جامعي يتوزعون بين كلية التربية وكلية التربية الأساس وكلية التربية الرياضية.

ويستدرك نوشي: للأسف لا يوجد أي تنسيق مع وزارة التعليم العالي، ولا يوجد من يمثل الطلبة الجامعيين لدى الحكومة المحلية في العمارة، وفي الأغلب يكون العمل ومتابعة مشاكل الطلبة الجامعيين عملا طوعي ونحن مرتبطون بوزارة التربية فقط.

الدكتور عباس بدر أستاذ جامعي يقول: في دول العالم تستغل العطل الصيفية لتنشيط مواهب الطالب الجامعي.. لدى طلبتنا  ضعف في الكثير من المواد، وكان بالإمكان تعزيز مستوياتهم أو فتح ورش عمل او دورات لتعليم الكمبيوتر والانترنت أو اللغة الإنكليزية.

ويتابع: كان يمكن في الوقت ذاته، التنسيق مع بعض الوزارات للحصول على فرص عمل بسيطة لهم تدر مبالغ مالية تسهل مهمة تعليمهم.. لا يمكن ان نترك طلاب الجامعة يعملون بالبناء والبيع على الأرصفة.

لكن قبل أن تتحقق هذه الأماني ما يزال الطالب الجامعي، وهو في المرحلة الثالثة في كلية المعلمين، يعمل قصابا في سوق (الكروش) وسط العمارة، وهو يبين أسباب اختياره هذه المهنة قائلا: عمي قصاب شهير في العمارة ولديه أكثر من محل، ولأنني رافقت والدي القصاب وعمي منذ الطفولة فقد أجبرتني ظروفي المادية السيئة على العودة الى هذه المهنة في العطل الصيفية.

ويكمل:  أمي شجعتني على العودة الى مهنة ابي، لأنها رفضت أن أمد يدي لأحد أقاربي. وأشار مهدي: انا لا اخجل من العمل، ولكن أقول ان من المفترض ان نطور أنفسنا في اختصاصاتنا حتى نتمكن من ان نخدم البلد في المستقبل بطرق علمية.

ويحلل الدكتور محسن الشذر وهو أستاذ جامعي هذه الظاهرة بالقول: ان الكثير من طلبتنا يعيشون تحت خط الفقر وبعضهم يغيب عن الدوام لعدم امتلاكه أجور نقل.. بعضهم لا يتمكن من شراء المصادر الدراسية.

ويوضح: ان أغلب مصادر طلبتنا الدراسية مستعارة، ولا توجد في بيت الكثير منهم مكتبات شخصية ولا دافع المطالعة.

ويضيف: ان مسؤولية كبيرة تقع على عاتق وزارة التعليم العالي، تتمثل في رعاية الطلبة الجامعيين في العطل الرسمية.

مسؤول إعلامي في جامعة ميسان قال: ان جامعة ميسان من الجامعات التي تأسست حديثا، وهي بحاجة الى الدعم المالي، ورغم ذلك قامت الجامعة، وبالتنسيق مع بعض المنظمات الإنسانية في المحافظة هذا العام، بفتح دورات لتعليم الحاسوب.

وتابع المسؤول الإعلامي الذي فضل عدم ذكر اسمه: طبعا المجيء الى هذه الدورات يحتاج الى مصاريف نقل وإلى تفرغ، والكثير من الطلبة الجامعيين في العمارة يعيلون عوائل كبيرة.

اما الباحثة الاجتماعية نور حمودي فتقول "أعرف احد الطلبة كان يعمل في جمع النفايات خلال العطل، وقد سبب له ذلك إحباطا نفسيا فترك الدراسة  الجامعية.

وبينت حمودي: ان العمل في السوق أو في مهن شاقة، سيأتي بمردود سلبي على تطوير القدرات العقلية للطلبة الجامعيين، ومن الضرورة تعزيز البحوث التي تدرس واقع الطالب الجامعي في العراق والمشاكل التي يواجهها لتسعى الجهات المعنية الى حلها.

وتؤكد الباحثة الاجتماعية: ان ترك الطالب الجامعي العراقي يحل مشاكله بنفسه سيضاعف من المصاعب التي تواجهها الطبقات المتعلمة في البلد، وقد تفشل الكثير من التجارب في تجاوز محن العوز في ظل الواقع العراقي المعروف.

وتضيف: أنا أتضامن مع فكرة قيام وزارة التعليم العالي بخلق فرص عمل للطلبة المتعففين خلال العطل الصيفية، بالتنسيق مع وزارات قريبة من تخصصاتهم وبنظام العقود، على ان يعطى الطلبة رواتب مميزة خلال فترة عملهم، وترفع تقارير عن جهودهم الى الكليات بعد انتهاء فترة العقود لأننا بذلك نضمن رعاية الطالب الجامعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30 أيلول/2007 -17/رمضان/1428