مقال حر في جدلية التخلف

عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: هناك دائما صناديق محبوكة الصنعة ومغرية الاشكال ومتلونة الدعوات موضوعة على طرق الناس وفي بيوتهم ونواديهم وفي محلات عملهم او دراستهم هذه الصناديق مهمتها الوحيدة ان تصطاد الآخرين وتحتفظ بهم لغايات متنوعة ومتضاربة، وهي قبل ذلك تلغي عقولهم وتهمش شخصياتهم وتحولهم الى ناعقين ومحاربين على ساحة الجريمة والتصدي لكل ما يمت الى الحياة بصلة.

وهذا ما يحدث في الساحة العراقية في الزمن الراهن حيث تكاثرت الاحزاب والمنظمات والتيارات والكتل إضافة الى التجمعات المناطقية والقبلية التي احتوت افراد قبلوا ان تلغى عقولهم او هم كانوا جاهزين لالغاء انفسهم والذوبان بالمحبوب الذين اختاروه هياما وغراما بحيث نصبوه على انفسهم كرب من الارباب على مسرى: اذا قال صدام قال العراق!!!!.

ومن خلال الاحتواء غير النوعي للكم الكبير من هولاء فقد جرت عمليات ممايزة ومعايرة فكان الاستحقاق وفق قانون القوة ان حصلت هذه الصناديق المعبأة بالبشر على الحصة السياسية من الكيكة العراقية وذهبت المثل والاخلاق وحقوق الناس والمال العام ايضا بين ايدي اهل تلك الصناديق ولم يتوقف الامر عند هذا الحد فان شعور الاستحواذ المتزايد بخطه المتدرج الى الاعلى قد اودى الى التناحر والصراع فيما بين تلك الصناديق بسبب التدفع وبسبب ان الطريق تضيق رويدا رويدا.

فالحزبية والانتماء المتطرف اليها عملية ضد الانفتاح في الدين الاسلامي وهي ايضا فقدان طوعي للجوهرة التي منحها الله سبحانه وتعالى الى الانسان، هذه الجوهرة التي تمثل الارادة والعلة في خلق الانسان نفسه بحيث ان الله سبحانه وتعالى قد امتحن بها الملائكة واسجدهم لها

في حين ان الجسد هو كمثال سائر الاجساد والتكوينات فالشجرة والحجر والحيوان والهواء وكل العناصر الموجودة في الطبيعة عبارة عن اجساد، الارض النجوم الافلاك اجساد سابحة في جسد الفضاء لم يمتحن فيها الله احدا لكنها بمجملها من الصنع البديع المتناهي لخلقها نور السموات والارض، فاين تقع الحكمة لدى الانسان عندما كانت ولا تزال الآيات تترى على سمعه وهي تؤكد عليه لزوم استعمال العقل والبصيرة واللب والابصار التي تعني كلها تلك الجوهرة العجيبة المتناهية في الحكمة؟.

ايمكن ان يكون خليفة الله على الارض بهذه السهولة ان يتخلى عن الخلافة الربانية ويلقي نفسه بلا تروي في صندوق من تلك الصناديق ويسلم نفسه ويضع القيود على جوهرته الغالية؟.

ام يرى بدائع عقله وخطاب الله الحكيم وهو الممنوح حرية الاختيار والطواف في العالم الفسيح؟.

ثم حتى لو نظرنا الى داخل تلك الصناديق بغض النظر عن النوايا والزيف الذي دق مع مسامير تلك الصناديق فانها ايضا ومن جهة العقل لاتقدم المهم النافع للناس بقدر انتمائها لارادات مؤسسيها فهي تشغل الناس بالامور الجانبية الطفيفة ولا تنظر الى الاهداف الكبيرة الاهداف الاستراتيجية وهي تحيا بعالم متفاعل ومحتدم تتقدم فيه ركب الغزو والعولمة وترزح البلاد تحت ثقل التخلف الاقتصادي والتقني والعلمي إضافة للتخلف الاجتماعي والبطالة والاميّة.

ان المجادلات الكبيرة والعميقة والمطولة حول اللّحية، او التحري حول ما موجود في الموبايل الذي يحمله الشباب او كيفية ان تتكفن المراة في العمل او تلك المعاندات والمجادلات التي تصل الى استخدام العنف حول الصائم اذا دخن بعض الدخان، او كيف هي مواصفات الدخان اهو من النوع الكثيف او المختلط مع الغبار.... يفترض بهذه الاشياء او المواضيع ان تبقى في خانة الجانبية وان لا يتخذ بشانها اي اجراء او حتى تعليق كون البلاد الآن تحتاج الآن القيام بثورة في التنمية والنهوض الاقتصادي والتدريب وممارسة التقنية في الصناعة والزراعة وتطوير البنى الاستراتيجية وفق مفهوم عولمة اسلامية وتحشيد كل الامكانات باتجاه تحقيق الذات في المستوى الوطني والتحريض والمساعدة في المستوى الاقليمي اذا امكن ذلك.

وكل هذا في اطار النهضة التي هي الهدف السامي بعد النكسة المستديمة التي عاناها العراقيون طيلة عقود قاتمة كانت ولا زالت جاثمة على كاهله بصورة ماساوية.

ان البحث عن اشخاص مختلفين في الراي لتصفيتهم ليس بالامر الحيوي بالنسبة للقضية التي يدعيها حزب من الاحزاب فان هناك اشخاص كثيرون قد وقعوا من جميع الاطراف المعبائين في تلك الصناديق الا ان الامر بقى بل وتراجع الى ما هو اسوا، ولنا ان نتساءل هل صلح بقتل هولاء الوضع السياسي او التلاحم الوطني وهل كانت نهضة اقتصادية او تنمية شاملة كانوا قد منعوا عنها وانفتح الافق وتدارك المتداركون الامر بعد خلاصهم من العثرة الكأداء؟.

آلاف من المغدورين من نساء ورجال واطفال وشيوخ وكفاءات علمية وادارية واكاديمية وتعليمية ورؤوس اموال هاجرت وتنحى الاعظم من تلك الشخصيات واستفادت دول اخرى منها وكثير من الحيوات المحترمة في الصراع الدائر في البيئة العراقية القاتمة، حتى لكأنما ان هدف تلك القوى هو اشاعة الموت بدل الحياة والنماء، وشجع هذا التوجه كثير من المجرمين من خارج تلك الصناديق الى ان ينجروا لهم صناديق خاصة بهم، وقد وتوضح فعلهم من خلال قطع السبيل والتسليب والنهب واختطاف خلائق الله ومبادلتهم بالدينار وسعيهم الحثيث للقتل كثقافة جديدة او كنمط افتى به الشارع السياسي.

فاين دور العقل والبصيرة والتبصر؟.,

اين الاسماع عن.. لعلكم تعقلون .. لعلكم توقنون.. ياولي الابصار.. ياولي الالباب.........

هل جاء الدين من اجل السياسة او المكاسب السلطوية او ليمجد اشخاصا ويرتفعون الى مستوى الربوبية لينعق لهم الناعقون ويصفق لهم المصفقون ممن لا عقول ولا الباب لهم من اللذين حشروا انفسهم بلا تروي في تلك الصناديق؟.

ان جمع المؤيدين في الاوقات الراهنة لا يتم بمخاطبة العقل والبصيرة وانما وكما هو محسوس يتم الخطاب باقامة جدلية فكرية وعاطفية مع العقد الاجتماعية المزمنة في الذهنية المتخلفة والانطلاق بها وهميا باتجاه تحقيق الخلاص الزائف من هيمنتها وعلى هذا الاساس يقبل المنتمي ان يقتل الانسان الآخر تنفيذا لارادة الشخص المعبود.. ليس هناك تفسير آخر فليس من المقنع ابدا ان يكون العقل الحر هو الداعي لهذه الافعال الشنيعة والقيام بتعذيب الضحايا بكل ذلك الغيظ المتلبس في الشخص القائم بالتصفية الرهيبة.

فعندما يطلق شخص ما قذيفة الهاون فانه موقن بان نسبة اصابة الهدف لا تتعدى الـ 20 بالمائة فانه ايضا مقتنع بانه يستهدف العوائل الآمنة بنسبة 80 بالمائة اي بمعنى انه يستهدف الناس كشئ اساسي ثم انه يقبل ذلك بطيب خاطر ومؤمن بانه يؤدي الرسالة الحقيقية له كمسلم يضع جزاء الجنة والعيش في الفردوس عن عمله الفذ والرجولة الباهرة والفعل الشجاع.

ان الاشخاص العابدون والمعبودون بحاجة الى من يداويهم ويؤهلهم للحياة السوية التي ارادها الله سبحانه وتعالى ووفق العلاقات بشكلها مما تركته السنة الشريفة وما تركه من تفاعلات حياتهم من الائمة والصالحين والمبشرين والانسانيين.

اننا جميعا بحاجة الى نداوي انفسنا لنكون مؤهلين ان ندخل في السباق التطوري الذي يجتاح العالم بحاجة الى التواصل مع العالم الآخر بدل انتقاده بلا بديل وبلا مشروع حضاري وبحاجة ماسة الى الخلاص من هذا السرطان الذي ياكل الجسد العراقي وان نفتح عيوننا ليس على التوافه من الامور وانما نفتح عيوننا وسواعدنا وخططنا في الامور الكبيرة والاساسية التي تخدم قضيتنا كمسلمين في وسط متآخي وعقلاني متوافق متآزر ومرن الى ابعد الحدود ليتاح لنا النهوض بلا معوقات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 30 أيلول/2007 -17/رمضان/1428