تناقلت وكالات الانباء العالمية مساء الخميس خبر وصول اول دفعة نفط
عراقية الى الاردن " الشقيق جدا ". وتاتي هذه الشحنات النفطية على اثر
اتفاق رسمي عراقي اردني وبالتاكيد بمباركة من (العم والخال كابوي).
يقضي هذا الاتفاق المهزلة ان يتم تزويد الاردن يوميا من ستين الف
الى مائة الف برميل من النفط العراقي و بتخفيض وباسعار تكاد تكون
مجانية. في نفس الوقت الذي يصل فيه السعر العالمي لبرميل النفط اكثر من
ثمانين دولار !! وبطريقة حساب بسيطة نجد ان هذا الرقم يعني ان كل اربعة
وعشرين ساعة يسرق من نفط العراقيين وبشكل رسمي فقط الى الاردن بما
يعادل (ثمانية ملايين دولار) في اليوم الواحد. وبما يصل حوالي الى (ربع
مليار دولار ) في الشهر. ومايعادل حوالي (375 مليار دينار عراقي).
وهذا الرقم وحده يكفي للرواتب المتواضعة للمساكين من الموظفين
والمتقاعدين العراقيين لعدة سنوات. طبعا مع استثناء رواتب وامتيازات "
الحرامية " في البرلمان والوزارت العراقية، وحاشيتهم المشينة.
اما اذا حسبنا الامور وبطريقة حسابية بسيطة على مقدار عام واحد فقط
فان هذه السرقة العلنية من نفط العراقيين تصل خلال عام الى (ثلاث
مليارات دولار) مايعادل حوالي (4500 مليار دينار عراقي). وفي نظرة
بسيطة لموازنة العراق للمحافظات خلال هذا العام و ناخذ كعينة محافظتي
البصرة والعمارة. التي يعيش كل العراق ومنذ عقود طويلة وعلى وجه الخصوص
في السنوات الاربعة الاخيرة فقط نعم فقط على النفط الذي يخرج من اراضي
هذه المحافظتين. لكن مع ذلك تجد ان محافظة العمارة حصلت من موازنة
2007 ولحد الشهر التاسع " 40 " مليون دولار لااكثر !! و محافظة البصرة
حصلت على حوالي " 60 " مليون دولار لااكثر !! وهذه الحصة هي من اجمالي
الواردات النفطية العراقية المستخرجة من اراضي المحافظتين والذي وصل
بداية هذا العام الى " 43 " مليار دولار !!
وفي تقسيم عادل وبسيط على المحافظات العراقية كافة سنجد ان حصة كل
محافظة حوالي مليارين دولار سنويا. وهذا يعني ان حصة الاردن اكبر من
حصة كل المحافظات. ناهيك عن السرقات النفطية اليومية من كل منافذ
العراق الحدودية دون استثناء.
والتي وصلت الى حد لايمكن التستر عليه. اذا تكونت امبراطوريات من
العصابات التي تسرق نفط العراقيين دون رادع.
وبعيدا عن لغة الارقام المملة والمحبطة بنفس الوقت. لكن يبدوا اننا
امام اشكالية ليس حسابية او سياسية فحسب بل امام اشكالية تاريخية
واخلاقية كبرى تجري في العراق. وتعيد نفسها كل مرة وان أختلفت الوجوه
والتسميات والشعارات وحتى الهيئات !! فالمشكلة ليس شكلية بين الزيتوني
وديكتاتورية الصنم الساقط وعراق الامس وبين " أدعياء الدين والوطنية "
والعملية الديمقراطية الجديدة في عراق اليوم. فاوجه التشابه بدات تظهر
في كثير من التصرفات المعيبة والمخجلة. حد العار.
لقد كان البعض ايام معارضة نظام الصنم يعيب عليه توزيع ثروات
العراقيين ذات اليمين وذات الشمال، ويملأ هذا البعض الفضائيات صراخآ
يصل حد النباح. دفاعا عن هذه الحقوق العراقية المسلوبة. لكن اليوم نفس
هذا البعض يرتكب نفس الجريمة (ويعض عضة كلب مسعور) بحق كل شعب العراق
وبشكل علني وفج يصل حد السخافة والهزل الكبير. واذا كان للصنم السابق
حساباته الشخصية والاقليمية والدولية بضخ النفط الى الاردن مجانا ومخفض
بعيدا عن طموحات العراقيين وحقوقهم الانسانية. فان اوباش اليوم لامبرر
لهم على الاطلاق في ضخ هذا النفط واختلاسه من أفواه اطفال العراق ودفعه
الى الاردن. ان في العراق اليوم اربعة ملايين مهجر بسبب الارهاب
والطائفية المقيته. نصفهم في الداخل يكابدون العوز والحاجة حد الذل
واغلبهم يفترش الشوارع والارصفة والساحات و ينام تحت الجسور بدون أدنى
موطئ، والنصف الاخر في الخارج موزع بين الساحة الهاشمية في عمان وارصفة
السيدة زينب دمشق يعانون الغربة والذل والهوان والعوز المميت. ناهيك عن
حوالي خمسة ملايين مغترب عراقي في اوربا وامريكا واستراليا وكندا
وغيرها من البلدان. هجروا بلدهم بسبب الافعال الاجرامية لنظام الصنم
السابق. وبعد اربعة سنوات من سقوط الصنم لايرون اي بارقة امل للرجوع
الى وطنهم. وهولاء لم يذهبوا للسياحة والاستجمام. بل ان جيل عراقي كامل
ينقرض معهم من خلال اطفالهم وعوائلهم التي تربت أو ولدت في الغرب. لكن
حتى هذه الجريمة الكبرى ليس في حساب اي احد من الحكومة او البرلمان
اوغيرهم.
ان البصرة التي مازالت منذ عقود تشرب ماء " مج " والعمارة التي تشرب
ماء عبارة عن " طين " والاثنين بدون كهرباء ونفس الشيء ينطبق على
الناصرية والسماوه والكوت والنجف الاشرف و كربلاء المقدسة وبابل. وحتى
بغداد العاصمة نفسها وايضا الرمادي والفلوجة التي تعرضت لعمليات عسكرية
كبرى لطرد الا رهابيين قبل اكثر من عامين.
أن هذه ثروات العراقيين تبدد ذات اليمين وذات اليسار بدون أدنى وجع
او مراجعة من ضمير في وقت ان العائلة العراقية لم تستلم مفردات البطاقة
التمونية كاملة حتى في شهر رمضان الكريم. وفي نفس الوقت الذي مازالت
فيه الام والاخت العراقية تفترش الساحات العامة وسط بغداد وكراجات
النقل لتبيع السكائر والشاي والحليب والقيمر، في محاولة للبحث عن لقمة
عيش شريفة وكريمة. ان العراقيين يكابدون العوز في داخل بلادهم والفقر
يحيط بالاغلبية الساحقة وخط الفقر وصل عند النسبة الكبيرة الى حدود
لايمكن السكوت عليها. الا لمن فقد ضميره وبوصلة دينه واخلاقه والتزامه
الوطني والانساني.
ان من يتبرع الى الاردن بنفط العراقيين وبهذا الشكل انما يجب
الاشارة اليه بصفة الجبان. لانه رغم الدعم الشعبي والدستوري له لكنه مع
ذلك خائف ومهزوز ويحاول كسب ود الخارج وذيوله الداخلية بطريقة الحرامية
الجبناء هذه. وهذا الوصف والكلام يشمل كل من وافق ونفذ وصادق على هذه
الصفقات النفطية الاجرامية وكذلك يشمل كل من سكت واصابه العمى والصم
والبكم امثال اعضاء مايسمى البرلمان العراقي. وهذه التصرفات الاجرامية
غير الوطنية تذكرنا بالتبرع البائس الذي تم في اخر قمة الرياض الاخيرة
من فلوس العراقيين الى ما يسمى السلطة الفلسطينية. وفي مثل هكذا امور
فان الانسان المنصف وبعيدا عن المواقف السياسية المسبقة يجب ان يتذكر
كل الحكومات العربية في الخليج العربي ويقف لها احتراما وتقدير. لانها
جعلت من المواطن الخليجي هو الاول في وطنه وهو المستفيد الاول من
ثروات بلاده.
ايها العراقيين استفيقوا من نومكم وقولوا كلمتكم الفصل في مثل هكذا
امور. من خلال الممارسات السلمية والدستورية والمظاهرات والاحتجاجات
والاعتصامات. بعيدا عن العنف والدماء التي تلونت بها ارصفة وشوارع
العراق. لان السكوت هنا لاينطبق عليه قول امير المؤمنين علي بن ابي
طالب "ع" (السكوت من ذهب).. بل انه سكوت عبارة وفي أدنى اوصافه خمول
وخنوع لايغتفر. فلاتصنعوا اصنام جدد لاتحسب حسابكم اليوم وغدا. فهذه هي
علة العراقيين التاريخية. دفعنا أثمانها ومازلنا جيل بعد جيل.
فلاتسكتوا.
al-wadi@hotmail.com |