يواصل أعضاء كتل نيابية عديدون اجتماعاتهم على قدم وساق للإطاحة
بحكومة السيد المالكي على خلفية اتهامها بالتقصير والخروج عن مسار
التوافق الوطني لحكومة الوحدة الوطنية، وأخذت الأمور تتفاقم تدريجيا
بانسحاب أكثر من (15) وزيرا؛ وتفكك الائتلاف العراقي الموحد الكتلة
الأكبر المؤلفة للحكومة الحالية وذلك بانسحاب كتلة الفضيلة والصدرية
والرساليون، وهو ما رحبت به الكتل البرلمانية الأخرى واعتبرته خروجا من
خانة الطائفية إلى الصف الوطني بتعبير أحد أعضاء مجلس النواب عن كتلة
العراقية.
الأطراف الأساسية الداعمة للحكومة (المجلس الإسلامي الأعلى، وحزب
الدعوة، الاتحاد الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردساني) التجأت في
خطوة استباقية إلى تكتل رباعي الهدف من ورائه دعم حكومة المالكي وتمرير
القوانين المختلف عليها، إلا أن هناك من يرى أن موقف المالكي يزداد
حرجا في كل يوم يمر، وتضيق مساحة اختياراته، مع احتمال ظهور تكتل قوي
ومنافس يقوده التيار الصدري (30) مقعد بالتحالف مع كتل نيابية اصغر.
من الناحية الدستورية علاقة مجلس النواب برئيس مجلس الوزراء
من حيث المسائلة تكون على الشكل الآتي:
1-توجيه الأسئلة: المادة (58) سابعاً :ـ أـ لعضو مجلس النواب أن
يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء والوزراء، أسئلة في أي موضوع يدخل في
اختصاصهم، ولكلٍ منهم الإجابة عن أسئلة الأعضاء، وللسائل وحده حق
التعقيب على الإجابة.
2-استيضاح سياسية وأداء مجلس الوزراء: المادة (58) سابعاً : ب ـ
يجوز لخمسةٍ وعشرين عضواً في الأقل من أعضاء مجلس النواب، طرح موضوع
عام للمناقشة، لاستيضاح سياسة وأداء مجلس الوزراء، أو إحدى الوزارات،
ويقدم إلى رئيس مجلس النواب، ويحدد رئيس مجلس الوزراء أو الوزراء موعداً
للحضور أمام مجلس النواب لمناقشته.
3-استجواب رئيس المجلس أو الوزراء: المادة (58 ) سابعاً :ج ـ لعضو
مجلس النواب، وبموافقة خمسةٍ وعشرين عضواً، توجيه استجوابٍ إلى رئيس
مجلس الوزراء أو الوزراء، لمحاسبتهم في الشؤون التي تدخل في اختصاصهم،
ولا تجري المناقشة في الاستجواب إلا بعد سبعة أيام في الأقل من تقديمه.
4-سحب الثقة: المادة (58) ثامناً : ب ـ 1ـ لرئيس الجمهورية، تقديم
طلبٍ إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء. .2ـ لمجلس
النواب، بناءً على طلب خُمس (1/5) أعضائه سحب الثقة من رئيس مجلس
الوزراء، ولا يجوز أن يقدم هذا الطلب إلا بعد استجوابٍ موجهٍ إلى رئيس
مجلس الوزراء، وبعد سبعة أيام في الأقل من تقديم الطلب. 3ـ يقرر مجلس
النواب سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بالأغلبية المطلقة لعدد
أعضائه.
وهذا يعني أن حكومة المالكي تسقط دستوريا بإحدى الطرق : تقديم
طلب من قبل رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب يطلب به سحب الثقة من رئيس
مجلس الوزراء. أو أن يقدم خمس أعضاء المجلس طلبا إلى مجلس الوزراء يطلب
به سحب الثقة عنه، ولكن هذا الطريق مشروط باستجواب رئيس مجلس الوزراء.
وسواء كان الطلب مقدم من رئيس الجمهورية، أو خمس مجلس النواب فان سحب
الثقة من رئيس مجلس الوزراء لابد أن يكون بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء
المجلس.
ورغم أن الدستور لم يفرق بين سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء،
وسحب الثقة من مجلس الوزراء بأكمله إلا أن المادة (58) في الفقرتين (ج)
و(د) فرقت من حيث الأثر بين الحالتين، فقد أشارت الفقرة (ج) أنه (
تُعدُ الوزارة مستقيلةً في حالة سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء). أما
الفقرة (د) فقد أشارت أنه (في حالة التصويت بسحب الثقة من مجلس الوزراء
بأكمله، يستمر رئيس مجلس الوزراء والوزراء في مناصبهم لتصريف الأمور
اليومية، لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً، إلى حين تأليف مجلس الوزراء
الجديد وفقاً لاحكام المادة (73) من هذا الدستور).
وإذا ما كانت خيارات مجلس النواب في سحب الثقة من الناحية
الدستورية محدودة، فأن السؤال المهم هنا هو ماذا يجب أن يفعل المالكي،
أي ما هي الخيارات المتاحة للمالكي؟
لا شك أن المالكي بدأ رئاسته للحكومة العراقية قويا ومدعوما من
الشعب والكتل البرلمانية والولايات المتحدة الأمريكية والعديد من دول
الجوار الإقليمي والدول الأوربية وذلك بعد الاتفاق على تأسيس حكومة
وطنية تجمع العمدة العراقية الثلاثة(الشيعية، والأكراد، والسنة) وقد
مثلت حكومة المالكي أول حكومة عراقية متوافق عليها من كل الأطراف وتحظى
بدعمهم جميعا.
ومن ذلك أنطلق مشروع المصالحة الوطنية لأربعة مكونات أساسية هي:
المكون السياسي المتمثل بمؤتمر القوى السياسية، والمكون الاجتماعي
المتمثل بالقوى العشائرية، والمكون الديني مؤتمر رجال الدين، والمكون
المدني مؤتمر مؤسسات المجتمع المدني.... ولكن شهر عسل حكومة المالكي لم
يدم طويلا حتى هبت الصيحات السياسية من هنا وهناك تتهمها بضعف الأداء
وتميزها وبالطائفية والحزبية ....كما أرسلت حكومة واشنطن العديد من
رسائل العتب والامتعاض لبطئ الحكومة في تحقيق المصالحة الوطنية وإقرار
القوانين الأساسية مثل قانون النفط والمسائلة والانتخابات المحلية...
يبدو أن خيارات المالكي في حل "أزمة الحكومة" مازالت غير محدودة
وأنه قادر على إرضاء شركاته، ولكنه بحاجة إلى فترة تأمل وإعادة حساباته
من جديد على قاعدة الشراكة السياسية في الحكم، فالمالكي يواجه تحديا من
داخل حزبه، فهناك من أعلن تمرده وانفصاله عن حزب الدعوة الظهير الأول
للمالكي وهو يتهم المالكي بتحويل الحزب إلى مصلحة عائلته وعشيرته،
ويواجه تحديا من قبل التيار الصدري الظهير الثاني له وهو أكبر كتلة في
البرلمان العراقي، كما أن شراكه في الائتلاف الرباعي ليسوا مضمونين له
فالمجلس الأعلى يتربص له من أجل تقريب مرشحه من كرسي الرئاسة، كما أن
موقف الحزبيين الكرديين مشروطة بمطالب مسبقة نشك في قدرة المالكي على
تنفذيها.
هذا مضافا إلى تحدي القوى السياسية الأخرى المناهضة للمالكي منذ
البدء مثل جبهة التوافق وجبهة الحوار، وتحدي البعثيين والقاعدة
الرافضين للعملية السياسية. كما أن تيار المستقلين المدعوم من قبل
السيد السيسستاني لا يعرف موقفه إذا ما ضعف المالكي خاصة، وأن وكلائه
بدءوا منذ فترة ليست بالقصيرة بنقد الحكومة علانية.
وهناك تحدي آخر يواجه المالكي هو أنه تجاهل شريحة سياسية واسعة
تضم القوى السياسية غير البرلمانية كتيار المدرسي(منظمة العمل
الإسلامي) وتيار الشيرازي، وهما من التيارات الدينية المعتدلة والراغبة
في تعديل العملية السياسية، وجماعة بحر العلوم والمؤتمر الوطني بزعامة
الدكتور أحمد الجلبي والشخصيات السياسية التي لم تمثل في مجلس النواب
وغيرهم.
فمن أين يبدأ المالكي؟ الجواب لا اعلم؟ ولكن هل يستطيع المالكي أن
يجمع كل هذه الخيوط في يده مجددا؟ أعتقد نعم ولكن صبرا يا آل ياسر. |