هل تصلح المبكرة ما افسدته المحاصصة ؟

محمد حسن الموسوي

 من مصطلحات القاموس الديمقراطي المتداولة في الديمقراطيات التقليدية هو مصطلح الانتخابات المبكرة  Early election والذي يعني الاحتكام الى رأي الشعب من خلال دعوته الى الانتخابات قبل إستحقاقها اي قبل موعدها المقرر، وهذا هو السبب وراء تسميتها بالمبكرة. وطبعا في قاموس الانظمة الديكتاتورية التي تقودها أحزاب شمولية ستالينة لاوجود لمثل هذا المصطلح لأن طبائع الحكام المستبدين تملي عليهم التمسك بكرسي الحكم ورفض كل ما من شأنه أن يزحزحهم عنه ،ومن هنا يمكننا القول ان واحدة من الطرق التي يمكن بها أختبار مصداقية الحكام في أي نظام سياسي هو موقفهم من الدعوة الى الانتخابات المبكرة، فقبولهم بها يعني بالضرورة ديمقراطيتهم ورفضهم لها دليل على استبدادهم، لأن القبول يكشف عن ايمانهم  الحقيقي بالديمقراطية ككل لا يتجزأ حيث تمثل الانتخابات قلب العملية الديمقراطية والعكس صحيح. واذا كانت الديمقراطية بمعناها اللغوي تعني حكم الشعب فإن هذا الحكم لايتحقق الا بأخذ رأي الشعب وهو ما تعبر عنه الانتخابات النزيهة والواعية. ومن هنا تبدو الانتخابات الحقيقية في مضمونها ترادف المعنى اللغوي للديمقراطية، وبالتالي القبول بنتيجتها يعني الاستماع لرأي الشعب، والرضوخ لحكمه وهذا هو معنى الديمقراطية.

وتأسيسا على مامرّّ فإن اي حكومة تفرزها أنتخابات حقيقة وواعية تكون حكومة شرعية بلا أدنى شك او ريبة. بيد أن الشرعية شئ وأداء الحكومة شئ آخر. وشرعية الحكومة لايعني اعطائها صك على بياض، أوتزكيتها وعدم السماح بنقد أدائها على اساس انها شرعية، فقد تكون الحكومة نتاج عملية ديمقراطية حقيقية غير أنها تفتقر الى الاداء المطلوب كأن تكون حكومة غير كفوءة ، أوغير قادرة على النهوض بمسؤولياتها امام ناخبيها لسبب ما، او كأن تكون حكومة غير متناسقة ومتكاملة وتفتقر الى الانسجام  بين أعضائها مما ينعكس سلبا على أدائها.  وخير مثل على هذا النموذج من الحكومات هو الحكومات التوافقية اي التي تأتي نتيجة للتوافقات بين الكتل السياسية المتناقضة فيما بينها سواء على مستوى البرامج او الاهداف. وعمر هذا النوع من الحكومات غالبا ما يكون قصير، ومسيرتها متعثرة لذلك تلجأ البرلمانات الى الانتخابات المبكرة كحل لتجاوز حالة الفشل الحكومي او الاختناق السياسي الذي قد يعاني منه النظام السياسي نتيجة لتعثر أداء الحكومة وتلكؤها في تحقيق برنامجها الانتخابي ، فتأتي الانتخابات المبكرة  كعلاج لمعضلة الاداء السئ والمتعثر لمثل هذه الحكومات والتي ستجعل نفسها عرضة للنقد المتواصل، وستجد من يسخر من أدائها الفاشل ببرامج تلفزيوينة كبرنامج ( إلحكًو... مات) .

و على العكس من ذلك فقد تكون الحكومة قوية وناجحة في أداءها الا ان عقبات سياسية قد تحول دون تطبيقها لبرنامجها السياسي بسبب افتقارها لأغلبية برلمانية تمكنها من انجازه وتخطي عقبة  المعارضة في البرلمان فتلجأ الى حل الانتخابات المبكرة لتخطي تلك العقبات، وهكذا  كثيرة هي الاسباب التي قد تحتم  الدعوة الى انتخابات مبكرة غير انها بالنتيجة تهدف الى حلحلة الجمود الذي يعتري العملية السياسية. ان الدعوة  الى الانتخابات المبكرة دليل ثقة بالنفس لمن يدعو اليها. ولنأخذ حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مثالا. فثقته بنفسه وناخبيه جعلته مؤخرا يسارع الى الدعوة لانتخابات مبكرة وذلك لتحقيق اغلبية برلمانية مريحة تمكنه من تجاوز العقبات التي تعترض طريق تنفيذ برنامجه السياسي ،او تحول دون وصوله الى غايته  كما حصل مع مرشحه لرئاسة الجهورية التركية  غول والذي ما كان له ان يعتلي كرسي الرئاسة لولا الانتخابات المبكرة التي دعا اليها حزبه الحاكم .

 والان دعونا ننتقل الى العراق والذي تعاني فيه العملية السياسية من التعثر والجمود بسبب المحاصصة التي قامت عليها، والسؤال هو: هل يمكن لانتخابات مبكرة اصلاح الفساد الذي خلفته المحاصصة سيئة الصيت؟

وقبل الاجابة لابد من القول ان اي انتخابات مبكرة في العراق سوف لن يكتب لها النجاح في تغيير الواقع الراهن نحو الافضل  مالم يسبقها تعديل لقانون الانتخابات الحالي من خلال اعتماد نظام القائمة الفردية بدل القائمة المغلقة، وكذلك اعتماد نظام الدوائر المتعددة بدلا من نظام الدائرة الانتخابية الواحدة. وفي نظر العديد من المراقبين والسياسيين فأن المسارعة الى اجراء انتخابات مبكرة في العراق هو الحل الامثل لانقاذ العملية الديمقراطية المتعثرة، وسيشكل ذلك تحديا ً حقيقياً للقوى السياسية المتواجدة في البرلمان والحكومة حاليا، وامتحانا عسيرا لإختبار أيمانها بالتداولية التي أقرها الدستور وكذلك لمعرفة حجمها الحقيقي في الشارع بخاصة أن أغلبها وصل الى قبة البرلمان ليس لكفائتها او لواقعية برامجها السياسية بل نتيجة الاصطفافات الطائفية والقومية التي رافقت عملية الانتخابات التي وصفها مؤخرا سياسي عراقي بارز بالاستفتاء الطائفي . ومما لاشك فيه ان البعض يتخوف ان تفقده الانتخابات المبكرة فيما اذا طالب بها الشعب العراقي لأمتيازاته التي حصل عليها بالمحاصصة، وكذلك ستؤدي الى مطالبته بكشف حساب لما قام به خلال تواجده في الحكم،  وهو ما يخشاه المتورطون في الفساد الاداري والمالي لذا فمن المتوقع منهم معارضة اجراء انتخابات مبكرة.

ان  اجراء الانتخابات المبكرة بات امراً ملحاً  وذلك لتحقيق الاهداف التالية:

اولاً  فضلا ً عن انها ستعمل على أخراج العملية السياسية المتعثرة من عنق الزجاجة فأن  الانتخابات المبكرة ستمنح ايضا ً رئيس الوزراء الفرصة لتشكيل حكومة قوية وفقا لأختياره وبعيدا عن مبدأ المحاصصة . كما ستجعله مسؤولا بالدرجة الاولى امام الناخبين عن فشل او نجاح حكومته وليس كما يحدث الان حيث لايمكن محاسبة رئيس الحكومة الحالية لانه غير مبسوط اليد في إختيار اعضاء وزارته الذين فرضوا عليه وفقا للمحاصصة ولم يخترهم هو مما يجعله الى حد ما في حل من المحاسبة.

وثانيا ستعمل على توفير آلية قانونية  لتحقيق المصالحة الوطنية على ارض الواقع وستخلص الحكومة القادمة من مأزق دستوري وقانوني الا وهو استيعاب القوى المتصالح معها وضمها الى العملية السياسية والى الحكومة. فبدون انتخابات مبكرة لايمكن ادخال المجاميع المتصالح معها الى البرلمان، اذ كيف يصار الى ادخال هذه المجاميع الى البرلمان مالم يتم انتخابها؟ ومن هنا فأن الانتخابات المبكرة ستكون بمثابة الالية القانونية والدستورية لاستيعاب الراغبين بالانضواء الى العملية السياسية الجارية.  كما أنها ستمنح العراقيين فرصة تاريخية للتخلص من عضال الطائفية السياسية والاحتقان الطائفي  وانهاء أزمة الثقة بين الفرقاء السياسيين من خلال أعادة ترميم البيت العراقي الوطني وتشكيل التكتلات والتحالفات البرلمانية على اسس وطنية سليمة ترتكز على برامج سياسية واقعية تضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبار.

وثالثا ستمنح الانتخابات المبكرة من يشكل الحكومة القادمة الفرصة لأثبات كفاءته حيث يفترض ان تتشكل الحكومة على اساس الاستحقاق الانتخابي فحسب بعد ان جرب العراقيون تشكيلها على اساس ما عرف بـ(الاستحقاق الوطني) القائم على المحاصصة فكانت النتيجة الفشل الذريع في معظم الاصعدة باستثناء بعض النجاحات على الصعيد الامني والتي ماكان لها ان تتحقق لولا ثلاث امور اولها صحوة ابناء العشائر واخذهم المبادرة في ملاحقة القاعدة وتطهير مدنهم من براثن الارهابيين وهذا ما جسده اروع تجسيد مؤتمر صحوة الانبار بقيادة الشهيد الراحل عبد الستار ابو ريشة و مجلس انقاذ الانبار بقيادة حميد الهايس.

واما الامر الثاني فيعود للدور الكبير الذي قامت به اللجان  الشعبية لاسناد الخطة الامنية والجولات المكوكية لرئيس هذه اللجان احمد الجلبي وزياراته التفقدية لما عرف بالمناطق الساخنة  مما بعث في العزيمة وشحذ الهمم لدى ابناء تلك المناطق،  والامر الثالث يعود لزيادة عديد القوات الامريكية في المناطق التي تشهد توترا وهذا تفسير ما جاء بإفادة القائد الامريكي باتريوس من ان الجانب الامني شهد تحسنا ملحوظا بنسبة خمسة وسبعين بالمائة. بأستثناء هذا النجاح النسبي فأن (حكومة الاستحقاق الوطني) لم تنجز الشئ الكثير أوالمطلوب انجازه لشعب قدم في سبيل تشكيلها التضحيات الجسام ولكن للاسف لم تكن عند حسن ظن الشعب بها لانها حكومة محاصصة. ومن هنا فلا سبيل للقضاء على المحاصصة ولا سبيل لتحقيق المصالحة الوطنية وتحسين مستوى الخدمات المتردية الا بإجراء انتخابات مبكرة تنتج عنها حكومة استحقاق انتخابي ، تكنوقراطية قوية وكفوءة.

  أخيرا قديما قالوا في الامتحان يكرم المرء او يهان، وهاهو امتحان الانتخابات المبكرة امامنا فمن سيزكيه الشعب ومن سيُدينه؟ الكلمة الفصل لصندوق الانتخابات ولوعي العراقيين الذين يفترض فيهم أنهم وعووا الدرس جيدا حيث (المؤمن لايلدغ من جحر مرتين)  .

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 19 أيلول/2007 -6/رمضان/1428