سعة الحرية وحدودها
تقاس الامم الراقية بحجم الحرية التي يتعاملون بها ويتفاعلون معها
ويعبرون عنها من خلال مجموعة السلوك العام والخاص.. لذلك فان حجمها
يتحدد بمدى حرية الفرد، وحرية المجتمع، ومقدار احترام تلك الحرية التي
لاتتجاوز على الحرمات والقانون الاجتماعي" ولتكن منكم امة يدعون الى
الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون" سورة3
الاية 104.
الحرية بين الانضباط واللاانضباط
وبمقدار انضباط المجتمع تكون الهيبة للحرية، وبخلافه فان حالة
اللاانضباط تقيد الحرية العامة وتعمم الفوضى.. وتتعدد الحرية بتعدد
مفاهيمها.. فمن يعد الحرية حياة للاحرار يكون ملزما بعدد من القوانين
التي تكفل صيانة الارواح والممتلكات، ومن عدها صورة للهيمنة والقوة
والشدة، اوسيلة لانتزاع الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على
الحرمات، وبسط السيطرة على الافراد والمجتمع بالشكل الذي يشعر فيه
بالراحة حينما يحقق لنفسه ومجموعته وجودا على حساب حرية الاخرين فان
ذلك يعد صورة من صور الباطل ومااكثر الباطل" ولاتعتدوا ان الله لايحب
المعتدين" سورة 5 المائدة الاية 87.
عندما تكون الحرية شعارا غير مستند
للقاعدة الشعبية
ان شعار الحرية الذي يرفع في دولة تقوم على اساس سياسة الحزب الواحد
والفرد الواحد وتستعبد كل من حولها لهو ضرب من ضروب الكذب المفضوح الذي
لايستند الى قاعدة شعبية وقانونية بل الى المصالح والمنافع.. وفي مثل
هذه الحالة تتصرف الدولة بشعبية زائفة مصطنعة تفرض هيمنتها على الامة
وتعرضها الى الاضطهاد والسجن والتغييب والقتل والتهجير وهو ماحدث في
العهد القديم (عهد الدكتاتورية ) حيث صعدت الى السلطة والحكم تيارات
ضعيفة لاتمتلك قاعدة شعبية وفرضت نفسها على الامة وتلاعبت بمقدراتها
ورفعت الوضيع ووضعت الرفيع واستهانت بالكفاءات ونقضت العهود ولعبت
بالملك وغيرت وبدلت ونشرت الفساد المقنع وغير المقنع واهلكت الحرث
والنسل" وافوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا" سورة 17 الاسراء الاية 34.
هل يصلح الحكم الفردي والفئوي
لاقامة صرح الحرية
ان التركة التي خلفها العهد القديم ثقيلة فقد انتشر الفساد الاداري
والاقتصادي والاجتماعي من خلال سياسة الحزب الواحد والفرد الواحد وتولد
جيشا من القتلة المجرمين وسراق المال العام والخاص والاعتداء على
الحرمات" الم تر الى الذين اوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت
والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء اهدى من الذين امنوا سبيلا" سورة 4
النساء الاية 51.
عندما تتعلق الحرية بمزاج الحاكم
كما سعى العهد القديم الى افتعال حروب غير عادلة مع فئات الشعب
المحكوم كما حدث في مناطق الشمال والوسط والجنوب، وحروب مزاجية مع دول
الجوار كالحربين مع ايران والعراق.. وتميزت هذه الحروب بالطابع
الاستكباري والعنصري راح ضحيتها اعدادا ضخمة في حروب غير مقدسة خلت من
اية اهداف انسانية او اتجاهات نبيلة " وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث
لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم
يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم
والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " سورة 2 الاية 247.
الحرية الاعلامية في ظل حكم
ديكتاتوري
لقد عاش الاعلام في العهد القديم اصعب مراحله المعقدة عندما كان عدد
الصحف لايتجاوز عدد الاصابع الواحدة وكلها تعبر عن راي المؤسسة الحاكمة
التي كانت مالكة للمال العام لحكومة غير منتخبة ( بزعم ان التصويت
لصالحها مائة بالمائة) وكان هذا العدد نفسه بالنسبة للمجلات ولم يكن
نصيب المحطات الاذاعية والتلفزيونية بافضل من ذلك بل ان عالم
الحاسوب(الكمبيوتر) الذي دخل الى الدول الادنى حظا وتطورا ظل المواطن
العراقي محروما من التطلع الى العالم الخارجي عبر الشبكة الالكترونية
ومفتقرا الى معرفة مايدور في العالم وماانجزه الانسان في مسيرته
العلمية والمعلوماتية " ياهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون
الحق وانتم تعلمون" سورة 3 ال عمران الاية 71.
الحرية الفردية في ظروف الاستبداد
ولم يكن الامر مختلفا بالنسبة للحرية الفردية فلم يتمتع الفرد
العراقي بحرية التعبير عن المذهب او العنصر الطبيعي داخل المجتمع والذي
يشكل الغالبية العظمى من المكونات الطبيعية على ارض العراق.. وقد ظهر
هذا الفعل الاستبدادي على طبقة التجار، والشباب الجامعي، وذووي المهن
الوظيفية، والعشائر، والمراة، والاحزاب ولم يكن في السلطة وفي البرلمان
غير تشكيلات الحزب الحاكم " واذ نجيناكم من ال فرعون يسومونكم سوء
العذاب يذبحون ابناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم "
سورة 2 البقرة الاية 49.. والحديث طويل.
كيف تغير مفهوم الحرية في العهد
الجديد
واما في العهد الجديد فقد تميز بحرية غير منضبطة وغير مسؤولة بسبب
التاسيس السريع لمبدا الحرية الذي تفعل بعجالة غير مسبوقة فقد تاسس على
بقاء هيكل انمنظومة المستبدة واقيم صرحه على مجموعة شعارات مهتزة دون
تنظيم الهيكل الاداري ومؤسسات الدولة على ارضية جديدة واسس متينة..
فكانت الاسس التي بنى عليها مخترقة،والمنهجية بدائية لم تستطع ان تميز
بين الغث والسمين " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنين
وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " سورة 9
التوبة الاية 105.
هل وفر العهد الجديد حرية حقيقية
ومنضبطة
فالمؤسسة العسكرية والامنية على سبيل المثال لم يتم التحضير لها
بشكل جيد وافتقر تنظيم الدولة الهيكلة الحديثة فقد بني الهيكل على اساس
الاقصاء غير المدروس ورد الفعل غير الحضاري لبناء مجتمع جديد لايقوم
على اساس الكراهية والانتقام فاختلط الامر على القادة خصوصا بعدما كان
للاحتلال دوره في توزيع السلطة والتدخل في جميع الملفات العالقة "
لايستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة من الذين
انفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى " سورة 57 الحديد الاية
10.
هل حققت الحرية الاعلامية في العهد
الجديد مناخا مستقرا للشعب والوطن
واما اجهزة الاعلام فلم توفر اعلاما منضبطا مسؤولا لانها فسحت
المجال لانتشار الفوضى الاعلامية بظهور اعداد غير طبيعية للصحف
والمجلات والاذاعات والقنوات التي اساءت معظمها للعملية السياسية وفسحت
المجال لغير اهل الاختصاص والاعتدال من اصحاب الفكر السئ والنوايا غير
الطيبة وذوي النوازع الحزبية ودخل معترك العمل السياسي اعدادا من
المرتشين وضعفاء النفوس وانساب ذلك على المؤسسات التي تشرف على وسائل
الاتصال الهاتفي وشارك تجار الحروب في السلطة وانتشرت العمالة للاعداء
وشاعت الخيانة للوطن وللامة والامانة " افنجعل المسلمين كالمجرمين
مالكم كيف تحكمون " سورة 68 القلم الاية 35 ( وهو تعبير عن حالتي
الاستقامة والانحراف وتقييم كل منهما ).
هل حقق العهدين اية حرية حقيقية
لايصلح كلا العهدين على ماهما عليه من تاسيس دولة مستقرة.. فالعهد
الاول بدا وانتهى، واما العهد الجديد فقد بدء بداية خاطئة بعدما جعل
ديمقراطيته على شكل فوضى وسمح للمحتل الدخول والهيمنة بلا شروط مسبقة
تضمن الاستقلال وحرية الارادة في تغيير الواقع من عصر تسوده
الدكتاتورية الى عصر الحرية المنضبطة والمحدودة بلا انفلات او تجاوز
للقانون وهذا ينطبق تماما على كل من الملفات السياسية والامنية
والاقتصادية والخدمية ولكن ماحدث عكس ذلك فقد شهد العراق حدودا مفتوحة
للاعداء وطرقا خارجية غير مامونة وجيشا ضعيفا ومؤسسة امنية لاتتمتع
بهيبة وانتهاكا صارخا لحقوق الانسان" ان الله لايغير مابقوم حتى
يغيروا مابانفسهم " سورة 13 الرعد الاية 11.
هل اصبح الاعلام الحر في العهد
الجديد الواجهة الاكثر عداء للشعب والوطن
كما شهد الاعلام انفلاتا غيرمسبوق بعدما وضع بايدي غيركفوءة وغير
امينة فصدرت اعددا من الصحف والمجلات تعوزها الثقافة الوطنية، وقنوات
فضائية ترتبط بشكل او باخر باعداء العراق او يمكن اعتبار القسم الاكبر
منها واجهات للاحزاب و الجماعات او الجهات المجهولة التمويل والاشراف
وقد الحق ذلك ضررا بالغا بالارواح والممتلكات " يايها الذين امنوا ان
جاءكم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم
نادمين " سورة 49 الحجرات الاية 6.
هل استطاع الجهاز الاعلامي امتصاص
الطاقات الفنية لاصحاب الكفاءة والاختصاص
ولايزال الاعلام العراقي وفضائياته مفتقر لاصحاب الاختصاص والكفاءة
من الفنانين (ممثلين ومخرجين ومعدي برامج ومغنين ومقدمي برامج) وتنقصه
الافلام الوثائقية والتثقيفية والاهتمام بالمسرح والفرق المسرحية
والفرق الفنية الاخرى " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد اوتي
خيرا كثيرا ومايذكر الا اولوا الالباب " سورة 2 البقرة الاية 269.
ان التركة ثقيلة فقد اضيف الى التركة القديمة اثقالا مضافة ادت الى
مضاعفة السوء وزيادة الاخطار المحيطة المحدقة بالوطن وابناءه.
تعطيل الطاقات الشعبية والوطنية
ان اهم خطا ارتكب في العهد الجديد (عهد الحرية اللامنضبطة ) تجاوز
الارادة الشعبية وتغييب الجماهير المخلصة التي تتعرض كل يوم الى ابادة
واقصاء فلم تتم الاستفادة من الطاقات الشعبية المخلصة خصوصا ممن ليس له
انتماء حزبي او فئوي ممن زجوا في السجون والمعتقلات ولم يتغربوا خارج
اوطانهم بل عاشوا المحنة، واكثرهم من اصحاب الشهادات الجامعية وطبقات
الاساتذة والاطباء والمهندسين والفنيين وهم يشكلون الطبقة الارقى
والاعلم والاكفا وحل محلهم اهل القربى والولاء وتجار السياسة والحكم
والتزلف واحباب المال " يد الله مع الجماعة وانما ياكل الذئب من الغنم
القاصية " حديث شريف.
جفت الاقلام ونشرت الصحف وبانت
الحقيقة
لقد جفت الاقلام ونشرت الصحف ولم يعد هناك شيئا خافيا على الشعب
العراقي في معرفة اسباب نكبته وطريقة خلاصه ونحن بانتظار الوعد الحق
واليوم الموعود في خلاص البشرية من هذه النقمة وخلاصنا من الفساد الذي
ملا الارض ومن الظلم الذي طغى في البلاد واشعل فيها الفساد ولم يعد
هنالك سبيل غير ظهور المنقذ المخلص الذي تنتظره الجماهير ليخلصنا من
الفراعنة الكبار والصغار " ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض
ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين " سورة 28 القصص الاية 5.
لسنا بحاجة الى انقلابات ومؤامرات
وتهديدات وانما نحن بحاجة الى اصلاحات وتاخي
ان العراق اليوم بحاجة الى تغييرلنمط سياسته وطبيعة نظامه بالشكل
الذي يضمن وضعا مستقرا لاعن طريق الانقلابات والمؤمرات والتهديات بل عن
طريق الاصلاح ولغة الحوار ووضع الحلول الوطنية للمشاكل العالقة وايقاف
التدخلات الاجنبية والاقليمية ورعاية الدولة العراقية وصيانتها من
الانهيار والانحلال فلم يعد هنالك وقتا نصرفه في الخلافات والاقتتال
والتامر والكيد بل نحن بحاجة الى التاخي وايقاف نزيف الدم ونشر الثقافة
الوطنية التي توحد وتجمع لاتفرق " واصلحوا ذات بينكم " سورة 8 الانفال
الاية 1.
نحن بحاجة الى علماء حلماء ابرار
اتقياء
ان الحالة العراقية تستدعي وجود جراح نفسي واخلاقي واجتماعي يستطيع
معالجة الحالة الامنية والسياسية السيئة.. نحتاج الى اهل الحكمة واهل
الراي والسداد من كبار المصلحين العراقيين من اهل الحل والعقد من
الخبراء وكبار السن الذين عاشوا مسيرتهم الطويلة وعاشوا المحنة ليدلوا
بدلوهم ويصبوا الماء على النار وينقذوا البلاد من نار الفتنة " ان الله
مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " سورة 16 النحل الاية 128.
الخير في الشباب واهل الحكمة
لاتزال الطاقة الشعبية معطلة ولم تستغل بشكل جيد فالسواعد القوية
كفيلة لانتشال الوطن من ورطته والخير كل الخير في اهل الحكمة والشباب
والمخلصين من ابناء الوطن " فاسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون " سورة
16 النحل الاية 43.
اهل التضحية والفداء اهل لقيادة
الشعب
ان من الخير لنا ان نحقق انجازا مهما بالتغيير والاصلاح للعام
والخاص والخلاص من حالة التردي واختيار وزراء صالحين مؤمنين بالعدل
يفهمون حدود الحرية من طبقة المناضلين الذين عاشوا حالات الحرمان
والاضطهاد في الداخل بلا تكبر ولاعلو من داخل المنظومة الشعبية ومن
اصحاب الكفاءة والنزاهة الذين يعيشون لاجل حياة شعوبهم، ويموتون لاجل
ان تعيش قيم العدل والسعادة " يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين "
سورة 3 ال عمران الاية 114. |